في تطورات مفاجئة ومتسارعة قرر الرئيس التونسي قيس سعيد قلب الطاولة على جميع شركائه في السلطة فأقال رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، وجمد عمل المجلس التشريعي، ورفع الحصانة عن النواب المنتخبين، وقرر تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد يختاره بنفسه، وعقد اجتماعًا طارئًا للقيادات العسكرية والأمنية وأصدر تهديدات لمن يرفض تلك القرارات وأمر الجيش بالرد بإطلاق وابل من الرصاص على من يطلق طلقة واحدة.

النهضة تتحدى

أتت تلك القرارات بعد ما تجمع المئات من المحتجين قرب مقر البرلمان للدعوة إلى تنحي الحكومة وحل البرلمان بالتزامن مع احتفال تونس بذكرى عيد الجمهورية الذي يوافق الخامس والعشرين من يوليو/تموز، ضمن تحركات دعا إليها بعض النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام.

ووسط انتشار أمني مكثف انطلقت التظاهرات التي رددت عبارات مثل «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«الشعب يريد حل البرلمان»، «لا خوف لا رعب.. السلطة بيد الشعب»، وشعارات ضد حزب حركة النهضة الإسلامي ودخلوا في مناوشات مع قوات الشرطة التي أطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع لكن المشهد انقلب فجأة بعد قرارات الرئيس وبدأ المحتجون في الاحتفال، وانطلق عدد منهم ليهاجموا مقرات حزب النهضة في المحافظات والمدن المختلفة في أنحاء البلاد، واتهم القيادي بالنهضة، نور الدين البحيري، المحتجين بأنهم ارتكبوا أفعالًا تصل إلى «حد الحرق والسّحل ومحاولات القتل».

واتهم رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، الرئيس قيس سعيد بالانقلاب على الثورة والدستور بإصدار قراراته الأخيرة، مشددًا على أن البرلمان سيظل في حالة انعقاد دائم بسبب حالة الطوارئ وسيواصل عمله بشكل طبيعي قائلًا إن الدستور يفرض ذلك على مجلس النواب ويمنع الرئيس من حل الحكومة.

ووصف رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، قرارات الرئيس بأنها «انقلاب مكتمل الأركان» وتهدف إلى «إفشال التجربة الديمقراطية في تونس» بحسب نص كلامه.

ووجه فتحي العيادي، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، عبر قناة «الجزيرة» دعوة إلى أنصار الحركة للتجمع لتمكين البرلمان من ممارسة عمله.

وتأتي تلك التحركات في وقت تعاني فيه البلاد من موجة وبائية بسبب انتشار فيروس كورونا الذي تعافى منه رئيس حركة النهضة منذ أيام قليلة. وتمتلك حركة النهضة أكبر كتلة نيابية في البلاد إذ يمثلها في البرلمان 52 عضوًا بنسبة تقارب 24% من المجلس الذي يبلغ مجمل أعضائه 217 عضوًا.

وتمر البلاد منذ فترة بأزمة سياسية وصرح الرئيس في أكثر من مناسبة بأنه لن يتحاور مع من يعدهم لصوصًا، ويوم الأحد برر قراراته بتجميد البرلمان وحل الحكومة بأن الهدف منها قطع الطريق أمام اللصوص الذين نهبوا أموال الدولة وفقًا لتعبيره. وقد عين رئيس الجمهورية نفسه رئيسًا للنيابة العمومية مبينًا أن هدفه من ذلك هو متابعة «الجرائم التي ترتكب في حق البلاد».

لكن الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي اعتبر أن سعيد جعل نفسه «القاضي الأوحد» واصفًا ما حدث بأنه «قفزة إلى الوراء أعادت تونس إلى ركب الدول المتخلفة» محذرًا من «بداية انهيار كامل».

وتسود خلافات بين سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، منذ 16 يناير/كانون الثاني الماضي، حين أعلن الأخير تعديلًا حكوميًا صادق عليه البرلمان لاحقًا لكن الرئيس رفض دعوة إلى الوزراء الجدد لأداء اليمين الدّستورية مبررًا ذلك بأن التعيين اشتمل على «خروقات»، وهي التهمة التي رفضها المشيشي.

جدل المادة 80

وأعلن الرئيس التونسى قيس سعيد استنادًا إلى الفصل 80 من الدستور، بينما رفض رئيس البرلمان هذا التأويل لسعيد.

وتنص المادة على أنه «لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب، ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مضي 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه».

وقد صدر دستور الجمهورية التونسية الحالي عام 2014 بعد ما صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي في 26 يناير/كانون الثاني من ذلك العام، ويتميز عن الدستور السابق بأنه يقلص من صلاحيات الرئيس لصالح الحكومة التي كانت مجرد هيئة مساعدة للرئيس.

ونُقل عن رئيس الجمهورية قيس سعيد، أخيرًا، مطالبته بالعودة إلى دستور يونيو/حزيران 1959، الذي أُلغي في مارس/آذار 2011، بعد نجاح الثورة التونسية في الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني من ذلك العام التي أطلقت شرارة ما عُرف بعد ذلك بـ«ثورات الربيع العربي».

وفي أبريل/نيسان الماضي استشهد قيس سعيد الذي يعد خبيرًا في القانون الدستوري بدستور 1959 ليؤكد أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي، وهو ما اعترض عليه رئيس الوزراء واعتبره «كلامًا خارج السياق» وأنه ليس لديه وقت ليضيّعه في تلك التحليلات، على حد قوله.

لكن الرئيس يبدو اليوم عازمًا على تحقيق ما تحدث عنه السبت (قبل يوم واحد من قراراته الأخيرة) عندما صرح بأنه لا مجال لمراكز قوى تتنافس في السيطرة على تونس.