تمثل كل من تركيا وإيران طرفي المعادلة الإقليمية في القضية السورية حاليًا، خصوصًا بعد تراجع الدور العربي بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين. وتلعب كل منهما دورًا محوريًا وإن لم يكن الأساس في كل من طرفي هذه المعادلة.

تغيَّرَ المشهد السوري منذ 2011 وتبدل عدة مرات على مدى السنوات السبع الفائتة، متنقلًا بصورة سريعة نسبيًا -على الحقيقة أو على الأقل وفق التوصيف الدولي- من حركة احتجاجية إلى ثورة شعبية إلى ثورة مسلحة إلى حرب أهلية إلى حرب بالوكالة إلى صراع مباشر على «الكعكة».

اليوم، تتواجد على الأراضي السورية قوات مسلحة لعدة دول وأطراف في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران وتركيا والتحالف الدولي وعدد كبير جدًا من الميليشيات والمنظمات السورية وغير السورية، مما يعني أن الدول الإقليمية -إيران وتركيا- ليست المحدد الأول لمآلات المشهد السوري، لكنها ما زالت مؤثرة وفاعلة لأسباب عديدة في مقدمتها علاقاتهما الوثيقة مع طرفي الصراع المحليين (النظام والمعارضة) وعدم رغبة القوى العظمى في التورط تمامًا وبالتالي الاعتماد على الأطراف الأخرى -الإقليمية والمحلية – قدر الإمكان وبدرجات متفاوتة.


الدوافع

تدخلت كل من إيران وتركيا في الثورة السورية في توقيتات متباعدة ولأسباب متباينة وبأشكال مختلفة. تدخلت إيران مبكرًا جدًا بذريعة المؤامرة الغربية على النظام السوري ومن خلفه إيران أو «حلف الممانعة»، لكن في الحقيقة لأسباب جيوبوليتيكية تتعلق بالأمن القومي الإيراني ومشروع طهران الإقليمي.

كانت الفوضى التي أحدثتها الثورة المضادة في العالم العربي والفراغات الكبيرة التي تركتها في دول الثورات العربية مغرية جدًا لدولة مثل إيران لها مشروعها الخاص الذي تعمل عليه منذ عشرات السنين في بيئة غير مؤاتية. لكن، ومع تراجع الدور المصري وانشغال بعض الأطراف الفاعلة في المنطقة في صراعات داخلية وبينية ومع الثورة السورية، وجدت إيران الفرصة سانحة لتتقدم قطعاتها على رقعة الشطرنج الإقليمية. بات ممكنًا جدًا اليوم تأمين ممر أو «كوريدور» يبدأ من طهران ويمر بالعراق وسوريا وصولًا إلى حزب الله ومياه المتوسط في لبنان.

لم تكن طهران لتتخلى عن حليفها الأوثق في المنطقة بغض النظر عن تقييمها لأدائه قبل الثورة وخلالها، ولا أن تسمح بتغيير النظام بآلية لا تشارك هي فيها لضمان مصالحها وموقعها من خارطة تحالفات النظام الجديد المفترض. وعليه، فقد كانت الاستراتيجية الإيرانية تعتمد أولًا على منع سقوط النظام بكل الأشكال والوسائل الممكنة، ثم محاولة حماية مناطق بعينها تسمح بتشكيل وتأمين الممر المذكور، وقد ساقت من أجل ذلك حزب الله وعددًا كبيرًا من الميليشيات السورية والعراقية وغيرها إضافة لـ«مستشارين» من الحرس الثوري الإيراني، ولعلها لم تحقق ما تريد إلا بعد التدخل الروسي نهايات أيلول/سبتمبر 2015.

أما تركيا، فكانت الثورة السورية بالنسبة لها حدثًا مهمًا وخطيرًا، فهي دولة جارة وحدودية ولها من التداخل والمشتركات العرقية والدينية والثقافية والاجتماعية ما يجعلها شأنًا تركيًا داخليًا بامتياز، لما لها من تداعيات محتملة على الداخل التركي. وقفت أنقرة إلى جانب مطالب الشعوب في كل من تونس ومصر وطالبت الأنظمة بالرحيل، وقد كان ذلك متماشيًا مع النموذج الديمقراطي الذي تروجه في المنطقة، كما أنها استشرفت – خاصة مع الثورة المصرية – إمكانية تأسيس نظام إقليمي جديد تكون لها فيه الريادة بالتعاون مع مصر أو ما سماه داود أوغلو في حينها «محور الديمقراطية». لكن كل ذلك لم يدفعها لاستعداء النظام السوري ومطالبته بالرحيل منذ بدايات الثورة، على عكس المعلن حاليًا في البروباغندا الإعلامية التي يتبناها النظام السوري وأنصاره.

على مدى أشهر طويلة، طالبت أنقرة نظام الأسد بإصلاحات داخلية حقيقية يمكنها أن تضمن عدم تفاقم الأوضاع في سوريا، وقد أوفدت إلى دمشق كلًا من وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو ورئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان مرات عديدة لإقناع الأسد بذلك، لكن تعامل النظام الأمني وتدحرج الأوضاع في سوريا بدّلا الموقف التركي، فسحبت أنقرة سفيرها في دمشق -فقط- في آذار/مارس 2012، قبل أن تستضيف أول مؤتمر للمعارضة السورية في نيسان/أبريل من العام نفسه.

تصوغ تركيا مواقفها من القضية السورية وفق محددات ثلاثة، التطورات الميدانية على الأرض، والمقاربة الدولية لها، والمشهد التركي الداخلي ومدى قوته وتماسكه. وعليه، فقد انتقلت أنقرة متدرجة مع تطورات الأحداث في سوريا من مطالبة النظام بالإصلاحات (وإبداء الثقة بقدرته عليها)، إلى الضغط عليه لتحقيقها، إلى دعم المعارضة السياسية، إلى المطالبة برحيل الأسد، إلى القبول بحل سياسي وفق مسار جنيف، إلى الرضى ضمنيًا ببقاء الأسد خلال الفترة الانتقالية وفق نفس المسار، إلى التدخل المباشر على الأراضي السورية في آب/أغسطس 2016.

توجَّهُ إلى تركيا اتهامات بأنها تركت حدودها مع سوريا في بدايات الثورة السورية «رخوة» لتسهيل مرور المقاتلين إلى داخل سوريا، وتدافع هي عن نفسها بالإفصاح عن الأعداد الكبيرة ممن منعتهم من دخول الأراضي السورية أو أراضيها أو حتى أعادتهم إلى بلدانهم للاشتباه بهم، وأن الكثيرين دخلوا الأراضي السورية إما تهريبًا أو تحت لافتات إعلامية وإغاثية، مع اعتراف بعض المسؤولين الأتراك بأنهم استدركوا الأمر متأخرين نوعًا ما.

لكن، أيًا يكن من أمر، فالتدخل التركي العسكري المباشر في سوريا أتى مع عملية «درع الفرات» في آب/أغسطس 2016 (بعد سنوات من التدخل الإيراني) التي استمرت حتى آذار/مارس 2017، ثم تلتها عملية «غصن الزيتون» في 20 كانون الثاني/يناير 2018 والمستمرة حتى الآن.

اقرأ أيضًا:تركيا بين درع الفرات وغصن الزيتون

ذلك أن رأس قائمة أولويات تركيا في سوريا منذ سنوات هو منع تحقق المشروع السياسي «الدولتي» لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، إضافة لأوليات أخرى تتعلق بالحفاط على وحدة الأراضي السورية، ووقف إطلاق النار تمهيدًا للحل السياسي، وإعادة اللاجئين…إلخ.

من هذا المنطلق، يمكن القول إن التدخل الإيراني كان مبادرًا/هجوميًا وباكرًا، وأن التدخل التركي كان دفاعيًا نوعًا ما ومتأخرًا جدًا، حتى أن الكثير من التقارير الداخلية والخارجية تلوم الحكومة التركية على هذا التأخر الذي يرون أنه أفقدها (وأفقد المعارضة السورية معها) الكثير من الفرص.


الواقع

الرئيس الإيراني «حسن روحاني» يمين، والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»

كلما طالعتني تصريحات إيرانية عن «الانتصار» في سوريا داهمتني ضحكة ساخرة حزينة، وكلما أسنِدَ هذا الانتصار إلى «محور المقاومة والممانعة» سبقتني عيني إلى الخريطة، إذ «الخرائط هي التي تروي القصة الحقيقية» كما يقول المؤرخ الفرنسي فرنان بروديل.

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل وحدات حماية الشعب (الكردية) عمودها الفقري، على ما يقرب من 30 % من الأراضي السورية، وهي التي تحتوي حقول النفط والغاز والثروة المائية وتملك عشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين والمدرَّبين أمريكيًا، إضافة لخبرة سنوات عديدة من «الإدارة الذاتية»، وهو ما يعني الأرضية والمقومات المطلوبة لأي دولة/دويلة مفترضة، مما يجعلها أكثر استحقاقًا لمصطلح «سوريا المفيدة» من غيرها خصوصًا لجهة ثقلها الاقتصادي.

المفارقة أن الولايات المتحدة حين أعلنت استراتيجيتها في سوريا قبل أسابيع على لسان وزير خارجيتها -المُقال حديثًا- ريكس تيلرسون تحدثت عن بقاء قواتها على المدى البعيد في نفس هذه المناطق شرق نهر الفرات، بالتعاون مع حليفها المحلي «قسد». تملك واشنطن في تلك المنطقة 13 قاعدة عسكرية على الأقل، وهي منطقة حظر طيران للأطراف الأخرى الموجودة على الأرض السورية بما فيها سوريا، وقد أرسلت رسالة تحذير بالغة الوضوح مؤخراً حين حاولت مجموعات مرتبطة بروسيا الاقتراب من أحد حقول الغاز فيها أسفرت عن عشرات القتلى.

بهذا المعنى، فالولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الأكبر والأبرز على الساحة السورية ومن حدد لباقي اللاعبين كافةً المساحة التي يتحركون فيها، أي غرب الفرات وفي الجنوب. وهناك، في تلك المنطقة، ثمة لاعبون كثر بين دول وفصائل وميليشيات تحاول روسيا – الأقوى والأكبر تأثيرًا – التنسيق بينها لتقاسم الكعكة، لكن تحت السقف الأمريكي وليس فوقه أو رغمًا عنه.

فلسفة التحالفات في سوريا اليوم بالغة التعقيد وعميقة الدلالة، ولربما أمكن إجمالها بما يلي: الكل يتحالف مع الكل ويقاتل الكل وفق متغيرات الزمان والمكان والسياق والظروف شديدة التحديد، بما يعني أنها تحالفات تفصيلية جدًا ومؤقتة دائمًا وشديدة التقلب والتحول، وقد تنقلب – بل تنقلب فعلًا – إلى مواجهات بمستوى أو بآخر في حال تغير أحد العوامل سابقة الذكر على الأقل.

الولايات المتحدة وتركيا هما حليفان تحت سقف حلف الناتو، لكنها في مواجهة – سياسية مباشرة وعسكرية غير مباشرة – في الشمال السوري بسبب الدعم الأمركي المقدم للفصائل الكردية المسلحة. تدعم كل من روسيا وتركيا أحد طرفي المعادلة المحلية السورية، لكن ذلك لا يمنع حصول تفاهمات وتوافقات بينهما في عفرين، لكن ليس بالضرورة في إدلب أو الغوطة. تجتمع روسيا مع إيران على دعم نظام الأسد، لكن ليس من مصلحتها أن يكبر الدور الإيراني ليصبح ندًا لها، ولذلك تغض الطرف عن -ولعلها ترضى وتنسق- الهجمات الصهيونية على إيران وحزب الله في سوريا.

تلتقي إيران مع روسيا وتركيا في الإطار الثلاثي الضامن لمناطق خفض التصعيد، لكنها تسعى لبث الشقاق بينهما وترفض بشدة -عمليًا- تهميشها كما حصل في شرق حلب. تتحالف الولايات المتحدة في شرق الفرات مع الفصائل الكردية تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية لكنها تخلت عنها في عفرين تحت مسمى وحدات الحماية … وهكذا.

حاليًا، تلعب إيران في سوريا دور الشريك المخالف مع روسيا، حيث تتفقان على العنوان العريض (دعم النظام) وتختلفان في الكثير من التفاصيل السياسية والميدانية، وترسل طهران أحيانًا رسائل حادة لروسيا إما بشكل مباشر كإيران أو عن طريق الميليشيات المحسوبة عليها، كما حصل في اتفاق شرق حلب في 2016 ثم في توجه بعض القوات المحسوبة عليها نحو عفرين قبل أيام لدعمها ضد القوات التركية.

ورغم ما يبدو من تنسيق بين طهران وموسكو، خصوصًا ميدانيًا حيث تتكفل الأولى بالعمليات البرية والثانية بالجوية، إلا أنهما في نهاية المطاف يبدوان وكأنهما يتقاسمان الجزء نفسه من الكعكة، ذلك الجزء الذي سمحت به واشنطن. لا تملك طهران على الرقعة السورية مناطق سيطرة خالصة لها أو مسلمًا بها لها، ولا تملك وجودًا عسكريًا رسميًا وواضحًا ومقبولًا، وإنما هي تتحدث عن «مستشارين» من الحرس الثوري وعدد من الميليشيات المقربة منها.

في المقابل، ثمة تسليم واضح من مختلف الأطراف بمحددات الأمن القومي التركي، وقبول للتواجد العسكري التركي المباشر في الشمال السوري وقد بدا ذلك واضحًا في عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» حيث أوحت التحركات الميدانية الروسية بتفاهمات مع أنقرة حولها كما لم تتخط الولايات المتحدة حدود التحفظات اللفظية متدنية السقف.

اقرأ أيضًا:الطريق لم يبدأ بـ S-400: رحلة تركيا إلى الاستقلال العسكري

في المحصلة، قد تبدو إيران – وفق نظرة متعجلة – الطرف المنتصر في سوريا باعتبارها تجاوزت إمكانية إسقاط الأسد عسكريًا وتحقق معه تقدمًا ميدانيًا على أكثر من جبهة، وتبدو على درب تأمين الممر نحو المتوسط عابر الدول، في مقابل خسارة رهان تركيا على دعم المعارضة لإسقاط الأسد، لكن نظرة متفحصة سوف تظهر أن الأخيرة تحقق إنجازات مهمة وفق أولوياتها في سوريا في ظل تفهم وقبول دوليين تفتقدهما الأولى بشكل تام. أكثر من ذلك، تتعرض القوات الإيرانية ومقراتها ومواقع حزب الله اللبناني إلى هجمات وقصف من دولة الاحتلال لا تستطيع الرد على غالبيته العظمى (دون أدنى رد من «الحليف» الروسي)، فيما تبدو مناطق النفوذ التركية في الشمال السوري محصنة ومحترمة من مختلف الأطراف إلى حد بعيد.


المستقبل

حسن روحاني، رجب طيب أردوغان
حسن روحاني، رجب طيب أردوغان

لربما كان الثابت الوحيد في القضية السورية مؤخرًا هو التحولات الدائمة والتطورات المتسارعة وحالة السيولة المسيطرة على المشهد. في المحصلة، فإن مستقبل سوريا لن يقرره السوريون في الميدان، وإنما الفرقاء المتصارعون على الحلبة السورية على طاولة المفاوضات، وتتناسب قوة كل طرف على هذه الطاولة طرديًا مع أوراق قوته التي تأتي في مقدمتها مساحة سيطرته ونفوذه جغرافيًا وميدانيًا في سوريا، إضافة لعلاقاته وتفاهماته مع مختلف الأطراف سيما الفاعلة منها.

في هذا الإطار، ما زالت إيران غير آمنة أو مطمئنة في منطقة جغرافية محسوبة لها أو عليها، ومرفوضةً أمريكيًا، وغيرَ واثقة تمامًا في حليفتها روسيا، ومسؤولة عن عمل ونتائج عدد كبير من الميليشيات غير الرسمية العابرة للحدود، وتتحمل كثيرًا من الوزر السياسي والعسكري لما فعله نظام الأسد بشعبه على مدى السنوات السبع الفائتة.

أكثر من ذلك، ورغم الغطاء السياسي الذي يقدمه النظام للوجود الإيراني على الأراضي السورية، إلا أن الأخيرة تبدو في موقف ضعيف باعتبارها تدافع عما تعتبره أمنها القومي في دولة لا تجمعها معها حدود، في ظل افتقارها للقوة الطاغية التي تمتلك كل من روسيا وأمريكا لتبرير ذلك. الأهم، أن إيران في عين غالبية الشعب السوري دولة باغية محتلة ساعدت ديكتاتورًا على ذبح شعبه وهي اعتبارات من الصعب جدًا سقوطها بالتقادم. ويبقى أن الوجود الإيراني لا يبدو مستقرًا على المدى البعيد في سوريا والمنطقة في ظل الاستهداف الأمريكي مع إدارة ترمب والذي بدأ لفظيًا ولكن بدأ يتبلور عمليًا مؤخرًا، والتحشيد العربي – الخليجي ضدها، والقصف الصهيوني المستمر الذي لا يبدو أنه سيتوقف رغم حادثة إسقاط المقاتلة الصهيونية F16 الشهر الفائت.

في المقابل، تركيا دولة حدودية وجارة لسوريا متأثرة إلى حد كبير بقضيتها وتطوراتها الميدانية والسياسية، بما انعكس تفهمًا دوليًا لمتطلبات أمنها القومي، وتبدو في موقف دفاعي في مواجهة منظمة مصنفة على قوائم الإرهاب وعلى علاقة عضوية بمنظمة إرهابية أخرى وفق التصنيفات الدولية والأوروبية والأمريكية هي حزب العمال الكردستاني. كما كسبت أنقرة ود طيف لا بأس به من الشعب السوري على مدى السنوات السبع، ولكن أيضًا بعد ما قدمته من نموذج إيجابي في عملية درع الفرات من تأهيل البنية التحتية وتقديم المساعدات ودعم التعليم والصحة وإعادة عدد كبير من اللاجئين. ميدانيًا، تتعاون تركيا مع مجموعات من الجيش السوري الحر أي أفراد من المعارضة السورية «المعتدلة» المقبولة دوليًا وأهل مناطق الشمال السوري المحليين، مما يمنحها غطاءً محليًا ودوليًا مستدامًا.

تملك تركيا أوراق قوة متعددة في القضية السورية، تبدأ من الحدود المشتركة وتمر بالتواجد العسكري المباشر على الأراضي السورية ولا تنتهي بالعلاقات الوطيدة والنفوذ لدى طيف واسع من المعارضة السورية السياسية والعسكرية، مما يصعّب جدًا من إمكانية تجاهلها أو التغافل عن مطالبها في سوريا اليوم وفي المستقبل، وهي كلها اعتبارات مهمة وغير مرشحة للتبدل على المدى البعيد.

أخيرًا، تحكم تركيا وإيران علاقات عداء تاريخي وتنافس إقليمي وتنسيق مؤخرًا في سوريا رغم الخلافات، لكنهما تقفان على طرفي نقيض في المعادلة السورية المحلية، وقد أبدتا الكثير من الواقعية والمزيد من البراغماتية لإدارة الخلاف ثم تأسيس التفاهمات بينهما إضافة لروسيا. ورغم ما قد يبدو من انتصارات ظاهرية لإيران ويدٍ عليا لها وفق المشهد الحالي، إلا أن الوجود التركي في سوريا يمتلك مسوغات أكثر وقبولًا أوسع وقدرة أكبر على الاستمرار والصمود والتطور الآن وعلى المدى البعيد.