«الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام»، كان هذا هو عنوان قمة منظمة التعاون الإسلامي التي ختمت أعمالها في مدينة إسطنبول يوم الخميس 15 من إبريل.ورغم العناوين العريضة إلا أن أبرز ما أظهرته القمة كان هو الانقسام الذي يشهده العالم الإسلامي بين المحورين المتنازعين السعودي والإيراني، انقسام حاولت تركيا أن تشد الحبال من فوقه لتسير عليها.


ابتداءً: ما هي منظمة التعاون الإسلامي وكيف تكونت؟

ظهرت فكرة تشكيل منظمة التعاون الإسلامي لأول مرة تحت مسمى «الحلف الإسلامي»، وهو حلف دعى إليه الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1965، ولم يوافق على الانضمام إليه وقتها سوى عدد محدود من حكام الدول الإسلامية كشاه إيران وملك الأردن. في المقابل واجهت فكرة الحلف الإسلامي معارضة من مصر تحديدًا، حيث اعتبرتها منازعة لها من السعودية على عرش قيادة الجامعة العربية، ورأت أن هذا الحلف لا يعدو كونه محاولة لتوسيع حلف بغداد، الموالي للغرب ضد المعسكر الشيوعي، بغرض محاربة حركات التحرر الوطني. وبالرغم من عدم قيام الحلف بالفعل، إلا أن نكسة 1967 ثم حريق المسجد الأقصى عام 1969، أدّيا إلى تشكيل نسخة أخرى معدلة من ذلك الحلف تحت اسم منظمة العالم الإسلامي عام 1970.وتصف المنظمة، التي تضم في عضويتها 57 دولة، نفسها بأنها «الصوت الجماعي للعالم الإسلامي»، وتهدف لحماية المصالح الحيوية للمسلمين في كل العالم، كما تضمن ميثاق المنظمة عند تأسيسها تعهدًا بالسعي، بكل الوسائل السياسية والعسكرية، لتحرير القدس من الاحتلال الصهيونى، و تنسيق العمل من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسـة وتحريرها ودعم كفاح الشعب الفلسطيني، ومساعدته على استرجاع حقوقه وتحرير أراضيه.

وتتألف منظمة التعاون من 3 أجهزة رئيسية:

  1. مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات أو (القمة الاسلامية)، وهي أعلى هيئات المنظمة، وتجتمع مرة كل ثلاث سنوات للتداول واتخاذ القرارات.
  2. مؤتمر وزراء الخارجية، ويجتمع بصفة دورية مرة كل سنة.
  3. الأمانة العامة والمؤسسات التابعة لها، وتعتبر الجهاز التنفيذي للمنظمة، وتتولى تنفيذ القرارات الصادرة عن الجهازين المذكورين أعلاه، ويرأس الأمانة العامة لهذه الدورة «إياد مدني» وهو وزير سعودي سابق لوزارة الحج و الثقافة والإعلام. وقد سبق أن ترأس أمانة المنظمة من مصر «حسن التهامي» أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار ونائب رئيس وزراء مصر الأسبق.

لا «سلام» بين مصر وتركيا

بإمكاننا القول أن القمة كانت مخيبة للتوقعات الكبيرة التي عُلقت عليها في إذابة الجليد بين مصر وتركيا وتحقيق مصالحة مرحلية برعاية السعودية، الساعية من وراء ذلك إلى تكوين حلف سني فعال قادر على الوقوف في وجه المحور الشيعي، ومشاركة السعودية في دورها الجديد الذي اختارته لنفسها منذ تولى سلمان عرش المملكة. فعلى الرغم من أن الوفد الذي رأسه سامح شكري وزير الخارجية يعدّ أول وفد رسمي مصري يزور تركيا منذ 30 من يونيو، وعلى الرغم من زيارة الملك سلمان المطولة الي مصر والتي أعقبها بلقائه مع القيادة التركية قُبيل عقد القمة؛ الأمر الذي أطلق العنان للتسريبات التي تتحدث عن احتمالية مصالحة مصرية تركية برعاية سعودية أثناءها، إلا أن واقع أحداث القمة قوّض من تلك التوقعات والآمال الكبيرة.

إذ حَضرت مصر اجتماع وزراء الخارجية التحضيري بتمثيل منخفض، حيث أناب وزير الخارجية سامح شكري عنه السفير هشام بدر مساعد وزير الخارجية، ثم اكتمل ذلك باعتذار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن حضور القمة الرئاسية وإنابة وزير الخارجية في تمثيل مصر وإلقاء خطابه. وفي خطوة غير متوقعة ومخالفة للبروتوكولات والأعراف المعتادة، أنهى الوزير سامح شكري خطابه متعمّدًا تجاهل شكر الدولة المستضيفة فضلًا عن توجيه التحية لقيادتها المنظمة للمؤتمر، ثم قام على الفور بالابتعاد عن المنصة دون الانتظار لمجيء أردوغان لمصافحته ولاستلام وتسلم الرئاسة، وعاد عقب ذلك إلى القاهرة مباشرة.


خيول ومدافع على هامش المؤتمر

لاح على هامش المؤتمر الصراع السياسي والإستراتيجي المحتدم الذي تخوضه السعودية وإيران. وكان على السعودية بذل الجهد الأكبر في هذه الزيارة؛ فهي لا تصبو فقط إلى المزيد من توثيق علاقتها مع تركيا ولكنها تعمل أيضًا على إذابة الجليد بين حليفيها «القاهرة» و«أنقرة»، في محاولة للخروج من المأزق الجيوستراتيجي الذي تعاني منه منذ توقيع الاتفاق النووي مع طهران، بالإضافة إلى سعي المملكة في ذات السياق إلى تقوية دور منظمة التعاون الإسلامي، وتفعيلها كأداة من أدوات السياسة الخارجية السعودية.

أعدّ أردوغان استقبالًا حافلًا للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، فبجانب استقباله في المطار رافقت فرقة من الخيالة التركية الملك السعودي بطول الطريق إلى القصر الرئاسي، وضربت المدافع 21 طلقة احتفاءً بالضيف رفيع المقام الذي منحه الرئيس التركي «وسام الجمهورية»؛ أعلى وسام يمنح لحاكم أجنبي. وشهدت الزيارة توقيع وزيري خارجية البلدين على مذكرة تفاهم لإنشاء «مجلس التعاون الإستراتيجي» بين البلدين بحضور الرئيس التركي والملك السعودي، مجلس يأتي ليتوج خطوات التقارب التركي السعودي المتزايدة يومًا بعد يوم، اقتصاديًّا وسياسيًّا وأيضًا شخصيًّا بين أردوغان وسلمان. تسعى الدبلوماسية السعودية إلى توطيد علاقتها بتركيا واجتذابها إلى محورها، أولًا: من خلال تقديم امتيازات استثمارية لرجال الأعمال الأتراك، لا سيّما في ظل سعي المملكة لتشجيع الاستثمار الأجنبي فيها، وكذلك الاستثمار السعودي في تركيا بهدف موازنة الازدهار المتوقع في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران على إثر رفع العقوبات عن الأخيرة. وثانيًا: من خلال تنسيق الموقف السياسي بين البلدين خاصة فيما يتعلق بالملفين السوري واليمني، وأيضًا دعم موقع الدولة التركية على خريطة السياسة العالمية، والتي كرر زعيمها في خطابه أثناء القمة دعوته إلى إعادة هيكلة مجلس الأمن، معبرًا بشكل ضمني عن سعي تركيا إلى الانضمام إلى مجموعة الدول دائمة العضوية ممثلة عن العالم الإسلامي؛ سعي لا شك أن الحصول على دعم السعودية سيكون خطوة مهمة في تحقيقه.

http://gty.im/521524088

في المقابل تحاول تركيا السير باتزان على حبلين متوازييين مع كل من السعودية وإيران دون أن تندفع في اتجاه أحدهما على حساب الآخر. فمن جانب لا زالت تركيا تحتفظ بخلافاتها مع كل من الدولتين حول السيسي وبشار الأسد، وفي نفس الوقت تسعى لتدعيم مصالحها مع البلدين من خلال توطيد علاقاتها الاقتصادية، وتحالفاتها السياسية بما يزيد من ثقلها في الإقليم. فذات الخيول والمدافع التي صاحبت الاستقبال الفخم للملك سلمان، عادت لتصاحب استقبالًا لا يقل فخامة لغريمه الإيراني. أردوغان، الذي أكد في خطابه في القمة على ضرورة نبذ العالم الإسلامي للطائفية، ترأس مع روحاني الاجتماع الثالث لـ«مجلس التعاون رفيع المستوى» بين البلدين اللذين تجمعهما حقائق وضرورات الجغرافيا والتاريخ والمصالح الاقتصادية التي كان لها نصيب الأسد في أجندة الاجتماع. فعلى الرغم من إقرار الرئيسين بالاختلافات القائمة في وجهات النظر بين البلدين تجاه قضايا المنطقة، إلا أنهما أكدا في المؤتمر الذي عقداه عقب لقائهما على ضرورة تحقيق المزيد من التواصل والتنسيق بين الدولتين لتقريب وجهات النظر من ناحية، ومن ناحية أخرى على عدم السماح لتلك الاختلافات بأن تشكل حاجزًا دون تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين الساعيين لرفع معدل التبادل التجاري بينهما إلى الـ 30 مليار دولار.


يبدو أن تركيا إذن قد قررت العودة إلى سياستها الخارجية الأثيرة «صفر مشاكل»، والتي تخلت عنها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي؛ الأمر الذي يتيح لها هامشًا للتحرك وسط الاضطرابات العنيفة التي تشهدها المنطقة، والتي يمتد لظى لهبها إلى الداخل التركي نفسه.