مبكرًا في عام 2004، حذر مسؤولون أمريكيون من أن بوتين يهدف إلى إبعاد تركيا عن حلفائها الغربيين عقب زيارة الرئيس بوتين تركيا في نفس العام، حيث رافقه ألكسندر دوجين، المفكر الروسي المثير للجدل الذي يقال أنه العقل المدبر لسياسة بوتين الخارجية.

كانت مهمة دوجين هي بناء شبكة نفوذ روسية وسط النخب التركية لسحب تركيا من الغرب استنادًا إلى فكرته الأساسية «الأوراسية»، المتمثلة في تكوين إمبراطورية أوروبية آسيوية جديدة قائمة على فكرة العدو المشترك المتمثل في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يمثل القيم الليبرالية التي ينتقدها دوجين ويرى أنها تمثل نقيضًا للقيم التي تحملها إمبراطورية أوراسيا الجديدة. توازى بروز اسم دوجين مجدّدا مع ابتعاد أردوغان عن الغرب بعد مظاهرات تقسيم 2013.

لكن هل تشير الوتيرة السريعة لتعميق العلاقات التركية الروسية، مؤخرًا، إلى نجاح بوتين في مسعاه؟

الأوراسيون والانقلاب الفاشل

المنظر اليميني الروسي ألكساندر دوجين
المنظر اليميني الروسي ألكساندر دوجين

في أعقاب الانقلاب الفاشل في تركيا، انتشرت روايات تقول إن الاستخبارات الروسية قامت قبل ساعات من وقوع الانقلاب في تركيا بإبلاغ جهاز الاستخبارات التركي (MIT) باحتمال وقوع انقلاب في البلاد، وذلك بعدما اعترضت اتصالات بين وحدات الجيش التركي، وقد ساعد التحذير الروسي على إفشال الانقلاب في النهاية.

ورغم عدم إسناد تلك الروايات لمصادر موثوقة، ومع صمت المسؤولين الأتراك عن التعليق، لم يشكّك كثير من المحللين الروس والغربيين في حدوث ذلك، بل إن بعضهم دلّل عليه بالامتنان الواضح الذي أبداه الرئيس أردوغان للموقف الروسي من المحاولة الانقلابية، وقال بعضهم إن الاجراءات التي اتخذها الرئيس أردوغان ومسؤلو حكومته لمواجهة الانقلاب من الصعب أن تكون وليدة اللحظة.

لم يتم احتلال أي مبنى تقريبًا من المباني التي كان يمكن أن يعلن الانقلابيون أنهم سيطروا عليها (البرلمان، المخابرات…إلخ)، بل واجهوا مقاومة مسلحة اضطرتهم إلى قصف مبنى البرلمان. هذا بالإضافة إلى أن روسيا تفضل الشيطان الذي تعرفه (أردوغان)، على حكم الجيش الموالي للناتو.

ظهرت تلك الادعاءات مرة أخرى بتفاصيل مختلفة على لسان دوجين، المستشار غير الرسمي للرئيس الروسي، في اجتماع ثنائي عُقد في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2016 في موسكو، مع أحمد تونك، مستشار رئيس بلدية أنقرة الموالي للرئيس رجب طيب أردوغان. خلال الاجتماع، طرح دوجين الزعم المثير بأنه شخصيًا ساعد في إنقاذ تركيا من انقلاب عسكري بإبلاغ السلطات التركية عن بعض «التحركات غير العادية» في الجيش في 14 من يوليو/تموز 2016 قبل يوم واحد من محاولة الانقلاب.

وقال دوجين أيضًا إن التحول في سياسة أردوغان الخارجية نحو روسيا الذي جاء قبل أسبوع واحد فقط من الانقلاب، كان هو السبب الرئيسي الذي دفع الدول الغربية إلى وعد الجيش بدعم الانقلاب، وهذا التحول كان سببًا أيضًا في إنقاذ أردوغان من الانقلاب. رواية دوجين تقاطعت مع ما قاله ألكسندر شيريكوراد، المؤرخ العسكري الروسي، في مقال له نشر بتاريخ 29 يوليو/تموز 2016 في جريدة «Nezavisimaya» حيث قال:

إن العسكريين المتورطين في محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز في تركيا، ما كان لهم أن يفعلوا ذلك دون دعم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ومن الصعب التفكير في أن الاستخبارات الروسية التي تقيم قواعد تنصت حول تركيا وتعرف قاعدة إنجيرليك الأمريكية جيدًا، لم تكن على علم مسبق بالانقلاب. في 12 يوليو/تموز، تحركت سفينة استخبارات روسية تحمل اسم «إكوادور» ومرَّت من منطقة المضيق، وكانت بالقرب من بحر إيجه حيث قضى أردوغان عطلته وقت وقوع الانقلاب.
ويضيف:
هرب أردوغان باستخدام طائرة خاصة، وظل يطوف في سماء بحر إيجه لمدة ساعتين. ومن الممكن القول إن السفينة الروسية عملت على التشويش على الطائرة المقاتلة من طراز F-16 التي كانت تطارد طائرة أردوغان.

ونظرًا لأن دوجين، الملقب بـراسبوتين بوتين، ليس محللًا سياسيًا عاديًا، فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز ما قاله لمستشار رئيس بلدية أنقرة في تقرير لها عن أسرار الانقلاب الفاشل بتاريخ 13 يوليو/تموز 2017، وأيضًا قام نعمان كورتولموش، المتحدث باسم الحكومة التركية، برفض ادعاءاته بأن روسيا ساعدت في منع الانقلاب في تركيا.


تحول جيوسياسي

دونالد ترامب، رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ضيافة نظيره الأمريكي دونالد ترامب

في الأيام التي سبقت محاولة الانقلاب، كان ألكساندر دوجين في أنقرة حيث شارك في عدد من المقابلات التلفزيونيّة داعمًا قرار الرئيس التركي إصلاح العلاقات مع روسيا بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. أثناء زيارته، صرّح دوجين:

إن نفس القوى تريد تدمير كل من روسيا وتركيا، والرئيس أردوغان فهم الوضع الآن، إن البلدين يطلقان الآن نظامًا جديدًا للعلاقات، ليس فقط استعادة العلاقات القديمة، بل يتجهان نحو تحالف استراتيجي.

كانت آخر تلك المقابلات على محطّة TRT، وقد انتهت المقابلة قبل ساعتين ونصف الساعة بالضبط من احتلال منظّمي الانقلاب المحطّة. التقى دوجين قبل أقل من ساعتين من الانقلاب بمليح جوكتشك، رجل أردوغان المقرب ورئيس بلدية أنقرة آنذاك، الذي أوضح لدوجين أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية استخدمت حركة جولن لصنع خلاف بين تركيا وروسيا.

قال جوكتشك إن الطيارين الذين أسقطوا الطائرة الروسية كانوا من عملاء جولن. كما استقبلت الصحافة الروسية انتقاد أردوغان التي وجّهها إلى سلاح الجو التركي ببعض الارتياح. كانت القوات الجوية بالطبع هي المسؤولة عن إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الأول 2015، وقد جاء تطهير أردوغان للجيش التركي، وقواته الجوية على وجه الخصوص، ليدمر أحد المعاقل الباقية للنخبة الكمالية القديمة في تركيا، وهي النخبة التي كانت ملتزمة تمامًا بحلف الناتو وتميل إلى النظر إلى روسيا على أنها تهديد للمصالح التركية.

يقول جيفري مانكوف، الخبير ببرنامج روسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن:

من غير المرجح أن يكون للجيش التركي الذي تم تطهيره وامتلأ بالمخلصين للرئيس أردوغان، نفس الالتزام الشديد تجاه حلف الأطلسي، أو هؤلاء المخلصين لأردوغان يحملون نفس مشاعر العداء تجاه روسيا.

وصف الخبراء محاولة الانقلاب بأنها حصرت خيارات أردوغان مع شركائه الغربيين، وأن مناصري «الأوراسية» هم المستفيد الأكبر من المحاولة الانقلابية ومن إجراءات التطهير التي أعقبتها، بل إن القمة التركية الروسية التي عقدت في 9 أغسطس/آب 2016 في مدينة بطرسبورج، كانت نقطة التحول في العلاقات بين البلدين، وتحولت تلك العلاقات إلى تعاون عسكري واستخباراتي بشأن الملف السوري علاوة على التعاون الاقتصادي المعتاد، وكانت أولى النتائج الملموسة لذلك عملية «درع الفرات» التي شنتها القوات التركية شمالي سوريا، حيث استولت على جرابلس للمرة الأولى وفتحت ممرًا في الشمال السوري.

لقد ألقى أردوغان باللوم على جولن وداعميه الأميركيين في محاولة الانقلاب، وردّ بحملة واسعة على أتباع جماعة جولن المحتملين، وأعاد التقارب الروسي التركي من جديد، ولم تتأثر تلك الشراكة بحادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا في ديسمبر/كانون الأول 2016 التي وصفها الرئيس بوتين بأنها محاولة لتخريب العلاقات التركية-الروسية. وقد صرّح دوجين بأن هذه آخر محاولة للإدارة الأميركية لقلقلة العلاقات الروسية مع تركيا.

وفي سبتمبر/أيلول 2017، جاء إعلان الرئيس التركي أردوغان عن توقيع اتفاق مع روسيا لتوريد منظومة الدفاع الصاروخي المتطورة إس-400 صدمة لكثيرين ممن لم يتوقعوا إتمام الصفقة؛ قال بعضهم إنها تعني تحول تركيا، ثاني أكبر دولة في حلف الناتو رسميًا، لتكون حليفة روسيا، وهو ما دفع إلداد باك، المحلل السياسي الإسرائيلي، إلى وصف التوقيع عليها بأنه أقوى زلزال سياسي على المستوى العالمي، وما يزال من الصعب قياس عواقبه.

استثمر أردوغان جيدًا في الشراكة الجديدة مع روسيا مما مكنه من تحسين موقف تركيا كثيرًا في الأزمة السورية، وكان آخر ما أنجزه في سبتمبر/أيلول الماضي هو الاتفاق مع بوتين على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، وتطهير إدلب من تنظيم «هيئة تحرير الشام» دون الحاجة إلى تنفيذ النظام السوري وداعميه هجومًا عسكريًا على إدلب، آخر معاقل المعارضة، حيث يقيم نحو أربعة ملايين مدني بينهم مئات الآلاف من النازحين. تفاصيل وأسرار الصفقة أُفرد لها تقرير في موقع Middle East Eye من خلال مصادرها في أنقرة.

ومن ناحية أخرى، استمر دوجين في جهوده لجذب تركيا للمدار الأوراسي دون كلل أو ملل. في مقابلة مع صحيفة «خبرترك» في نوفمبر/تشرين الثاني 2017،قال دوجين:

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح هدفًا للغرب بسبب سعيه للاستقلال، وإن الولايات المتحدة تشكل تهديدًا لتركيا بدعمها الأكراد الانفصاليين.
وأضاف:

ويقدم دوجين الحل لمعضلة الأكراد في ضرورة أن يجتمع كل من روسيا وتركيا وإيران والعراق وسوريا ويتقدموا باقتراح يطمئن الأكراد، لافتًا إلى أن هذا الأمر سيضمن أمنهم ويمنع استخدام الأكراد كدمى للاستعمار الأمريكي.


من يتصدى لتنظيرات دوجين؟

القوى الغربية حاولت إقناع بوتين عبر شخصيات مؤثرة زرعتها المخابرات المركزية الأمريكية حوله باتخاذ موقف معاد لأردوغان، وبأن الزعيم البديل لأردوغان سيكون أفضل منه، وإلا فإن تركيا ستشهد حربًا أهلية، غير أن بوتين لم يقتنع بالأمر نظرًا لأنه كان يعني نهاية تركيا.

في الأيام التي تلت المحاولة الانقلابية، تبارى أبرز كُتاب المعارضة الأتراك من أصحاب الأقلام المعتدلة في جريدة «حريتت» التركية في مناشدة حلفاء تركيا الغربيين لتفهم عملية التطهير واسعة النطاق التي تقوم بها تركيا بعد انقلاب يوليو/ تموز 2016 الذي كان أكبر اعتداء شهدته الدولة التركية منذ تأسيسها عام 1932 بحسبهم.

حثّ هؤلاء الكتاب دول الناتو على الوقوف بجانب الديمقراطية في تركيا بخطوات ملموسة، وإدانة المحاولة الانقلابية الفاشلة، مع ضرورة أن يتناسى الصحفيون الغربيون «الاعتقاد بأن المشكلة الوحيدة في تركيا يجب أن تكون أردوغان»، حتى لا يضطر أردوغان إلى الاقتراب أكثر من روسيا ويضيع حلم ليبراليي تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي.

لكن النتيجة كانت مخيبة لآمال هؤلاء، فلم يتنازل زعماء أوروبا عن التعبير عن غضبهم من فشل الانقلاب والتركيز على الهجوم على إجراءات التطهير، ولم يتأسفوا لمقتل 250 شخصًا خرجوا للدفاع عن الديمقراطية في بلادهم. وبشكل موازٍ، يذكّر دوجين الأتراك في أكثر من مناسبة بأن تحالف أردوغان/داود أوغلو مع الغرب أدى في النهاية إلى المحاولة الانقلابية، وأن عليهم أن يتذكروا دائمًا بأن روسيا لم تكن هي من ألقى القنبلة على البرلمان.

الصحفي التركي البارز مصطفى أكيول يصف دوجين بأنه أحد من يصدّرون نظريات المؤامرة، وأهم مصادر الدعاية الروسية التي تعمل على إبعاد تركيا عن الغرب من خلال إقناعها بمؤامرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مهاجمًا ما يروجه دوجين عن قيام وكالة المخابرات المركزية بهندسة الانقلاب الفاشل.

يبرز أكيول أمثلة على ذلك منها صدور أمر من مكتب المدعي العام في اسطنبول بالقبض على جراهام فولر الذي قدمته وسائل الإعلام التركية على أنه «مسؤول سابق في المخابرات المركزية الأمريكية» رغم أنه كان يعمل لدى وكالة المخابرات المركزية في الثمانينيات ضابطًا للاستخبارات الوطنية في الشرق الأدنى وجنوب آسيا، وتقاعد من الوكالة عام 1988. يقول أكيول في مقاله بصحيفة المونيتور:

نظريات المؤامرة التركية تستند هذه المرة إلى مصدر أكثر متانة، ألا وهو ألكسندر دوجين «راسبوتين بوتين»، المثقف الروسي القومي المتطرف. أسبوع واحد فقط قبل صدور أمر القبض على فولر، ظهر دوجين مباشرة من موسكو على قناة تركية مؤيدة للحكومة، وقال إن أجهزة المخابرات الروسية لديها أدلة ملموسة على أن عملاء وكالة المخابرات المركزية قاموا بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، وإنه تم تقديم هذه الأدلة إلى السلطات التركية.

وفي حين ما زالت الأدلة التي قدمتها المخابرات الروسية إلى الأتراك مجهولة، من السهل تكوين فكرة عنها استنادًا إلى من يصدّرون نظريات المؤامرة ويؤيدون روسيا مثل ف. وليام إنغدهل، وهو أمريكي مقيم في ألمانيا، صرّح لمؤسسة فكرية روسية يمينية في أغسطس/آب 2016:

طوال ليلة الانقلاب، كان نائب الرئيس السابق لمجلس الاستخبارات الوطني التابع لوكالة المخابرات المركزية، جراهام فولر، على جزيرة الأميرات التي تقع على بعد 20 دقيقة من إسطنبول، وكان يرصد التطورات بانتظام إلى أن فشل الانقلاب.

«إلا أن الحقائق على الأرض تظهر أن فولر لم يكن على تلك الجزيرة في خلال الانقلاب. وأنه لم يزر تركيا في السنوات الخمس الماضية، وأنه كان يتحدث إلى مجموعة من 100 شخص ليلة 15 تموز/يوليو 2016»، يقول أكيول ثم يعترف بنبرة يأس من الموقف الأمريكي قائلًا:

وبينما يضغط الدعاة الروس على الشعب والحكومة التركية بهذه الرسائل، يسعى لوبي روسي تركي مكوّن من ماركسيين سابقين تحولوا إلى قوميين إلى تضخيم هذه المعلومات. وكعنصر صاعد في البيروقراطية ووسائل الإعلام، يدعو هؤلاء الأوراسيون إلى انفصال كامل عن الغرب، وذلك من خلال إزالة القاعدة العسكرية الأمريكية في جنوب تركيا ومغادرة حلف شمال الأطلسي وقطع جميع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. لا شك أن روسيا لم تخلق الديناميات المعقدة التي لا تزال تبعد تركيا عن الغرب، لكن يبدو أن روسيا تستفيد من هذا الوضع بشكل كبير. إن هدف الروس وفقًا لما جاء في مقال كتبه الخبيران هنري ماير وأونور أنت لبلومبرج هو إبعاد تركيا عن الناتو وإبرام اتفاق روسي إسلامي يشمل إيران وهذا جزء من استراتيجية بوتين الهادفة إلى تفكيك النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. عادة ما يُتوقع أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء كل هذا، إلا أن القيادة الأمريكية الحالية لا تبدو قلقة بشأن النظام العالمي المستقبلي ولا التأثير الروسي المتنامي فيه. لذلك تبدو العاصفة قوية جدًا، وفي عينها تركيا التي يتم إبعادها يومًا بعد يوم عن طموحها الذي يعود إلى ما يقرب من قرن من الزمان بأن تكون جزءًا من الغرب الليبرالي، ليتم رميها في مياه مجهولة من الشرق غير الليبرالي.

أي أن أكيول يقول في النهاية إن ما حدث لا يندرج تحت بند نظرية المؤامرة كما يروّج دعاة الأوراسية.

في نفس السياق أرجعت نيويورك تايمز سبب تصديق 69% من الأتراك بمختلف مكوناتهم العلمانيين والليبراليين والإسلاميين والقوميين أن المخابرات المركزية هي من دعمت الانقلاب (النسبة الباقية من الأتراك ترجح أن البيت الأبيض هو من دعم الانقلاب) لأن الرجل الذي يشتبه به على نطاق واسع أنه زعيم المؤامرة، فتح الله جولن، يعيش في منفى ذاتي في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقبيل الإعلان عن الاتفاق على صفقة إس-400، كتب الصحفي مراد يتكين مقالًا بجريدة «حريت» بعنوان «إذا كان هؤلاء هم أصدقاؤنا (الناتو) فنحن لسنا بحاجة لأعداء»، سرد يتكين ما تفعله الولايات المتحدة من دعم قوات سوريا الديمقراطية PYD وإمدادها بالأسلحة الثقيلة مجانًا رغم ما يشكله ذلك من تهديد للأمن القومي التركي، وفي نفس الوقت يرفضون بيع الباتريوت لتركيا.

يذكر يتكين أيضًا واقعة صدور أوامر اعتقال ضد 15 تركيًا، منهم 12 من فريق أردوغان الأمني المتورطين في ضرب المتظاهرين أمام مقر إقامة السفير التركي في واشنطن خلال زيارة أردوغان في مايو/آيار 2017. عبّر أردوغان عن غضبه من قرار المحكمة قائلًا إن أحد الأشخاص المذكورين في لائحة الاتهام لم يكن موجودًا في ذلك الوقت، مما يدل على أن مذكرة الاعتقال كانت دليلًا إضافيًا على «إجراء قضائي عدائي» ضد أردوغان وتركيا.

ذكرت صحيفة المونيتور أن 80% من الأتراك أيدوا صفقة إس-400 قبل اتمامها رغم ما تحمله من مخاطر وتوتر أكبر في العلاقات مع دول الناتو. ومنذ أيام قليلة، تحدث أحد وزراء خارجية الناتو عن خطأ دول أوروبا في عدم إدانة محاولة الانقلاب كأحد الأسباب التي أدت لتدهور العلاقات مع تركيا وشراء منظومة إس-400.

في الجزء الثاني نتناول مخاطر الاتجاه التركي شرقًا، وكيف لتركيا أن توازن هذه المعادلة شديدة التعقيد.