ما زال كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، يقف بدعايته الإعلامية الفاشلة أمام طوفان الشعب الهادر، مدعيًا أن الديموقراطية التركية تتجه إلى الاستبداد، ملمحًا بخطاباته بأن الشعب جاهل، ولا يعلم ما الذي يريده، وأنه هو الذي يعرف مصلحة الشعب، وهو الفارقليط للأمة التركية الذي سيخلصها من غيابات العصور الوسطى.

إن الحزب السياسي الذي يريد مصلحة الشعب الذي يتحرك في دولته، هو ذلك الحزب الذي يطوّع فكره مع مصالح أمته، وما دام أن العكس يحصل، فهذا يعني بأن هذا الحزب قاصر عن إدراك هذا الشعب.

منذ أن حكم هذا الحزب تركيا ولم ترَ البلاد الخير، وهو ينصّب نفسه بأنه صاحب الحقوق والحريات الأمريكية، وأنه جاء بنفس علماني فرنسي، وسيحكم البلاد ببرلمانية إنكليزية، بنظام سياسي جديد يخلص البلاد من الاستبداد والتخلف الذي طغى على سكّان الأناضول، ويا ليته جاء بالنهضة الفرنسية للبلاد، أو تداول السلطة البريطاني الذي يحقق للمعارضة كما للحكومة، أو حتى بانتشار الحريات بشكل مفرط كما يحصل لأوروبا إبّان نهضتها.

وها هو يأتينا بالجديد القديم، بالكلام المفلس، ويقول بأن البلاد تتجه إلى نظام شمولي يتحكم بالأمة، ويهدد نظامها، وهو نسي عهد الحزب الواحد، الذي وقف وراء كواليس الانقلابات التي راحت ضحيتها دماء الشعب الذي لم ينس أفاعيل هذا الحزب، والتي لم تستح أيديهم حتى أن تطال زعماء الدولة.

ويقول بأن فئات الشعب ستفقد حقّها بالتمثيل السليم في البرلمان، وهو تناسى بأن القمع والاستبداد كانا السمة الملازمة لحزبه قبل عقود خلت. ماذا يعني أن المناهج الدراسية التي يريدها 90% من الشعب تلغى لأجل زمرة نرجسية؟، وماذا يعني استقدام مجموعة من العادات الشكلية للبلاد، والتي يدّعون أنها رمز التحضر بلا نشر المعاني الأصيلة للتطور؟!

ثم يتهم بأن الميراث التاريخي للجمهورية مهدد إن طبقت تركيا النظام الرئاسي!، ونحن نقول له أي ميراث تاريخي هو مهدد؟، هل هو ميراث بضعة عقود من الفاشيّة، أم ميراث التآمر على الخلق؟، وهل كان تهديد ميراث الأمة التركية يأتي إلا من قاعات اجتماعات حزب الشعب الجمهوري، ومؤسساته التي ابتدعوها في سبيل هدم تراث قرون خلت في أيام معدودات؟!

ثم ما هو التاريخ الذي يتغنّى به هذا الرجل؟، إنها تلك اللحظات التي وقف فيها هذا الحزب وصيًّا على إرادة الشعب يوم أن غيّر ثقافته قسرًا، ويوم أن وقفوا مع حبال المشانق التي كانت تحوم على رقاب المخلصين ليعيدوا المياه إلى مجاريها!، نعم لقد ثبّت هذا التاريخ الذي يعتزّ به، ونسي التاريخ الذي وقف مع الإرادة الحقيقية للشعب، ولم يرد صناعة تاريخ جديد يزيل تلك اللحظات المتطفلة على إرادة الأمة، أليس هذا هو الاتجاه إلى الاستبداد؟!.

والأنكى من ذلك أن هذا الحزب يقول بأن النظام الرئاسي سيغير الأسس الديموقراطية التي اعتاد عليها الشعب التركي!، هذا صحيح إن اعتبرنا بأن الأسس الديموقراطية التي تقصدها هي تلك المتعلقة بجعل شابات الجمهورية التركية يخرجن من الوطن للدراسة؛، فقط بسبب أن لباسهن لم يعجب من لا يعدّون على أصابع اليد الواحدة!، ومثله بمنع المشاركة الأصيلة للمرأة في بناء المجتمع.

فإن كان أكثر من نصف الشعب سيصوت على قبول رئيس له في هذا النظام، فما الذي قد يسبب الحساسية لهذا الحزب؟. لقد اختار الشعب طريقه، ولقد ثبت عليه، ولقد ظهرت هذه الإرادة منذ أن لم تستطع الدبابة الصعود على ظهر الشعب، ثم أن الشعب أيقن أن لا عودة للوراء، وأنه وداعًا لأيام التخلف والتبعيّة.

إن تركيا الآن في طريقها لعهد جديد، وإن هذا الحزب لن ينجح في الوصول إلى مآربه التي تسعى إلى إرجاع الشعب إلى الوراء، وبدلاً من هذه الغوغاء التي يصدرها كان عليه أن يخلع ثوب الكذب الذي يقرع به آذاننا كل صباح، وأن يذهب للمنافسة الشريفة التي ترفع من نسبة قبوله عند الشعب، والتي لم يستطع أن يغيرها منذ أن خُلق!.

إن هذا الإصرار الذي تمرّغ به نفسك يا سيد كليجدار أوغلو ما هو إلا ضرار يزيد من بغض الشعب لك، وإن كنت محقًّا في كلامك فيتوجب عليك أن تراجع نفسك، وتفهم تاريخ أمتك، وأن تحدد علاقتك بشكل جديد مع هذا الشعب الأبيّ، فإن الملة التركية ليست كما في العقود السالفة، لقد تغيرت، وإن لم تفهم هذا فلن تستطيع أن تنال رضا هذه الأمة، وكما يقول رئيس الوزراء بن علي يلدريم: «أطع الشعب يرتاح القلب، ولا أجمل من طاعة الشعب».

إن كل هذه الدعايات المضادة ما دام أنها تخرج من فم من لم يقف قدر أنملة بجانب الشعب، على مر تاريخه، فلم نَرَ نتيجة لها إلا دعم أجندة ترمي بالدولة في أحضان العدو، أو أنها قد أدت بالبلاد إلى الفوضى العارمة، وهو ما لا ولن يدركه حزب الشعب الجمهوري، وبنفس القدر ما لا ولن يقبله الشعب التركي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.