بين ليلة وضحاها بات اسم «تركي آل الشيخ» معروفًا للملايين من متابعي النادي الأهلي المصري بل للملايين من المصريين بمختلف انتماءاتهم الرياضية. فبعد أن انتهت ولاية المهندس «محمود طاهر» الرئيس السابق للنادي الأهلي، الرجل الذي شهدت معه جماهير الأهلي أرقامًا مالية في إطار انتداب لاعبين جدد أو بيع لاعبين خارجيًا لم تشهدها من قبل، قررت الجمعية العمومية للنادي العودة لمرحلة ما قبل «محمود طاهر» متمثلة في مجلس «محمود الخطيب» اللاعب التاريخي للأهلي والذي خاض حملته الانتخابية تحت عنوان «مجلس إدارة بروح الفانلة الحمراء».

عنوان لاقى تأييدًا شعبيًا وإعلاميًا جارفًا انعكست نتيجته على اختيارات الجمعية العمومية للنادي الأهلي التي آثرت اختيار مجلس مشهود له بانتمائه الشديد للنادي الأهلي، ولكن وسط تخوف من قدرة المجلس الجديد على مواصلة ضخ الأموال بنفس القدر المميز الذي تحمّله مجلس طاهر.

لم يحتج «محمود الخطيب» سوى شهر واحد فقط ليعلن خلال مؤتمر صحفي عن البدء في مشروع القرن للنادي الأهلي وهو بناء ملعب الأهلي ليكون ضمن أفضل 10 ملاعب في العالم، وذلك بدعم من «تركي آل الشيخ» رئيس الهيئة العامة للرياضة بالسعودية ورئيس الاتحاد العربي والذي قام -طبقًا لحديث الخطيب- بجمع مستثمرين سعوديين وإماراتيين ومصريين لتنفيذ المشروع، وانتهى المؤتمر الصحفي بمنح «تركي آل الشيخ» منصب الرئيس الشرفي لنادي الأهلي ليصبح الرجل الأشهر بين جموع الرياضيين في مصر، خاصة بعد أن أعلن رئيس نادي الزمالك هو الآخر عن اتفاق خاص مع «تركي آل الشيخ» على ملعب مماثل.

هذا الوجه الجديد قارنه المصريون بنماذج أخرى سابقة لمحاولة التعرف عليه أكثر أو بصورة أدق لمحاولة التنبؤ بشكل العلاقة بينه وبين الرياضة المصرية فيما هو قادم، ولم تجد جماهير الكرة المصرية أقرب من نموذجين للمقارنة؛ نموذج الأمير السعودي عبد الله الفيصل كنموذج محب وداعم، وعلى الجانب الآخر ظهر نموذج البليونير الإماراتي منصور بن زايد آل نهيان كنموذج رأسمالي قادر على شراء التاريخ إن أحب.


الأمير عبد الله الفيصل: الداعم المحب العارف للتاريخ

تحية وجلالًا أيها النادي فأنت زين النوادي حلية الوادي

تلك الكلمات هي مستهل قصيدة كتبها الأمير السعودي «عبد الله الفيصل» وغناها العندليب الراحل «عبد الحليم حافظ» للنادي الأهلي احتفالًا بمرور خمسين عامًا على إنشائه.

الأمير «عبد الله الفيصل» هو الابن الأكبر للملك «فيصل بن عبد العزيز»، رجل الدولة الذي تقلد المناصب صغيرًا فكان نائب الملك في الحجاز ثم وزيرًا للداخلية ثم وزيرًا للصحة، ثم بدأ مع الرياضة السعودية شوطاً طويلاً من الرعاية بداية من التحاق المملكة كعضو رسمي في الفيفا والكثير من الدعم للرياضة؛ الأمر الذي تخطى حدود المملكة وصولاً للنادي الأهلي المصري، حيث تنازل عن نصيبه في بعض الشركات في مصر لصالح النادي الأهلي كما تكفل بإنشاء صالة مغطاة سميت باسمه داخل النادي الأهلي.

لم يظهر الأمير عبد الله في صورة المستثمر داخل النادي الأهلي بل ظهر في صورة المحب المشجع الذي ينفق من أمواله الخاصة لدعم النادي؛ مما لاقى استحسانًا لدى جماهير الأهلي التي لم تشعر بأن الرجل يقدم نفسه لأحد ولم تشعر بأن ناديها مشروع من مشاريع الاستثمار السعودي في مصر، ربما لأن الرجل نفسه لم يفوّت فرصة إلا وأعلن صراحةً عشقه لمصر صاحبة الفضل الأول.

حتى عندما تم انتداب لاعب الأهلي المصري عبد المنعم شطه للعب مع الأهلي السعودي لمدة عام لم تشعر جماهير الأهلي أن الرجل يستخدم عطاياه للتحكم في النادي، فكان تنصيبه رئيسًا شرفيًا للأهلي ليس بالغريب وهو الأب الروحي بالمناسبة لرئيس النادي الأهلي الحالي؛ مما قد يكون يسر تقديم «تركي آل الشيخ» كواجهة داعمة للنادي من خلال «محمود الخطيب».

ظهر الربط بين الرجلين في الصحف السعودية التي قدمت «تركي آل الشيخ» في صورة الرجل الذي يعيد أمجاد الأمير عبد الله مع النادي الأهلي، إلا أن ردة الفعل لم تكن ذاتها في أوساط الجماهير حتى بعد أخبار تدخله لجلب إحدى الصفقات لترميم الدفاع الأهلاوي وبعيدًا أيضًا عن دعمه لصفقة رحيل الجناح المصري «مؤمن زكريا» للأهلي السعودي.

ربما أتت ردود الأفعال تلك لأن دعم «تركي آل الشيخ» في هذه الفترة يتواكب مع استثمارات سعودية وإماراتية ضخمة في إطار حرص الدولتين على دعم مصر، تلك الاستثمارات التي تتخذ شكلاً سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا حيث قام مجلس الأعمال المصري-السعودي برفع سقف الاستثمارات في مصر ليصل إلى 51 مليار دولار. أما الإمارات فتتبوأ المركز الأول دوليًا وعربيًا من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، حسب البيانات الصادرة من الهيئة العامة للاستثمار في مصر بحجم 6.2 مليار دولار.

إلا أن سبب تغير الوضع عن السابق هو شعور المصريين أن تلك الاستثمارات ما هي إلا استثمار للنفوذ السياسي الذي حظيت به الدولتان مؤخرًا في مصر نظرًا لظروف سياسة بحتة، أدى ذلك إلى أن يذهب تفكير الجماهير المصرية إلى نموذج آخر مختلف تمامًا وهو نموذج الشيخ منصور بن زايد آل نهيان.


منصور بن زايد آل نهيان: الأموال وصناعة التاريخ

عام 2008 بدأت جماهير مانشستر سيتي تشعر بالقلق حيال مستقبل ناديها، فمالك النادي «تاكسين شيناوترا» رئيس وزراء تايلاند السابق يواجه تهمة الاحتيال والفساد في بلاده؛ مما نتج عنه تجميد حوالي 800 مليون من أصول الرجل. وبالرغم من تصريحات المدير التنفيذي للنادي «غاري كوك» -والذي قام شيناوترا بتعيينه شخصيًا- بأن مستقبل النادي ليس في خطر والاعتماد في المدى القصير لا يكون كليًا على أموال المالك، إلا أن الأمور كانت واضحة للجميع، النادي في طريقه لملاك جدد.

هنا ظهرت مجموعة أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار والتي كان يعتقد في البداية أنها جزء من جهاز أبو ظبي للاستثمار، إلا أن المجموعة أكدت أنها لا تنتسب للحكومة الإماراتية بل هي تمثل نفسها كاستثمار خاص وليس حكوميًا.

لم يظهر في بداية المشهد «منصور بن زايد» المالك الحقيقي للمجموعة، بل تولى المفاوضات الدكتور «سليمان الفهيم»، عضو مجلس إدارة المجموعة، والذي سيتقلص دوره فيما بعد بسبب تصريحاته التي لم تلقَ استحسان الإعلام الإنجليزي. وانتهت المفاوضات بحصول المجموعة على حصة شيناوترا في النادي الإنجليزي وبوعود بجعل النادي في مصاف الكبار وهو ما سيحدث لاحقًا بضخ مبالغ هي الأكبر في الدوري الإنجليزي.

الإمارات التي استطاعت أن تقدم نفسها بشكل جديد للعالم تمامًا في مجالات الفنون والثقافة والرياضة وجدت الاستثمار الرياضي مناخًا خصبًا لاستقطاب العالم أجمع، وكانت الظروف مناسبة تمامًا لمنصور بن زايد لجعل مانشستر سيتي واحدًا من أكبر الأندية في أوروبا والذي سيقترن اسمه دومًا بأبو ظبي. ربما لم يستطع «منصور بن زايد» أن يسلك الطريق السهل بشراء نادٍ له تاريخ عريق بين أندية العالم، لكنه قرر أن يصنع التاريخ لنادٍ إنجليزي ليصبح تاريخًا إماراتيًا خالصًا.


عشق الأهلي أم هي طموحات أكبر من ذلك؟

أصبح الربط بين «تركي آل الشيخ» و«منصور بن زايد» في مصر واجبًا رغم اختلاف طبيعة الأندية المملوكة للدولة في مصر والأندية المملوكة للأفراد في إنجلترا، إلا أن فكرة بيع الأندية المصرية للأفراد لم تصبح بالبعيدة عن عقول المصريين كما كانت من قبل، فالفكرة تناسب تمامًا الجو العام للاستثمار المفترض في مصر.

الأندية المصرية بما لها من تاريخ رياضي رائد في الشرق الأوسط تستطيع أن تجلب حجمًا هائلاً من الاستثمار الذي تتعامل معه مصر في صورة رد الديْن أو الوفاء بوعود سابقة، مما يجعلها تقدم تسهيلات غير مسبوقة لتحقيقه. فهل يلعب «تركي آل الشيخ» دور «سليمان الفهيم» ويقدم لجماهير الأهلي أوراق اعتماده كرجل في إمكانه أن يجعل النادي في مصاف الأندية العالمية أصحاب أفضل 10 ملاعب في العالم -إن لم يكن الأفضل-، أو على الأقل يحافظ على حظوظ الجانب السعودي في الشراء إن حدث وخرجت فكرة بيع الأندية المصرية إلى حيز التنفيذ وكشكل هام من أشكال الريادة السعودية الجديدة في الشرق الأوسط؟

أين يقع «تركي آل الشيخ» بين نموذجي الأمير المحب الداعم والبليونير الرأسمالي صغير السن؟ فالرجل الذي هو ليس بأمير ولا بليونير يؤكد أن دعمه للأهلي في إطار وظيفته كرئيس للاتحاد العربي لكرة القدم، وتوافقًا مع العلاقات القوية بين البلدين وحبًا في النادي الأهلي صاحب أكبر شعبية في الوطن العربي. لا نملك سوى الانتظار للإجابة على هذا السؤال.