ملاحظة: كتب هذا المقال عشية الانتخابات البرلمانية التركية التي أجريت السابع من يونيو

يبلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت في تركيا نحو 60 مليونًا، يتوقع أن يشارك منهم بين 85- 90 % في انتخابات الأحد.

إذن، فإن حوالي 50 مليون شخصًا لن يتخذوا قرارًا فحسب بشأن مصير بلادهم؛ ولكن أيضًا، بقدر ما، سيقررون مستقبل الشرق الأوسط، لا سيما وأن تركيا صاحبة دور هام بسبب طبيعتها الجيوسياسية الفريدة.

وبغض النظر عن النتيجة، لكن الانتخابات في حدث ذاتها ترسم ظلالا من الشك لتركيا، لفترة لا يمكن التنبؤ بها.

أمام الناخب التركي بديلان أساسيان، لكل منهما عناوينه الفرعية، هما:

– أن يتلقى صاحب الهالة أردوغان الضوء الأخضر لتنفيذ سعيه لحكم أكثر سلطوية، عبر تعزيز وضعه.

أو

– خسارة حزب العدالة والتنمية قبضته على السلطة، ويصبح غير قادر على تشكيل حكومة، بعكس ما فعل منذ عام 2002، وهو ما سيُضْحِي بداية النهاية لطموحات أردوغان، ونهايته السياسية.

الخيار الأول سيحفظ الوضع الراهن لمصلحة القابضين على السلطة، لكنه لا يعني أنه سيكون وجبة للاستقرار، بل على العكس، سيدفع الدولة إلى الانهيار، عبر حكم صارم لا يحتمل من أردوغان وحزبه، وسياق أوسع في منطقة متقلبة، يضرب فيها العنف المزيد والمزيد من سوريا والعراق.

العديد من وسائل الإعلام الدولية، والخبراء الأتراك يرون الانتخابات بمثابة “استفتاء على أرودوغان”، والحزب الحاكم، جراء الأسباب السابق ذكرها.

انتصار الرئيس سيضع تركيا على طريق عدم الاستقرار مع نتائج خطيرة محتملة.

أما الخيار الثاني فيمثل طريقًا مختصرًا لأزمة سياسية لا يمكن التنبؤ بمداها الزمني وكيفية حلحلتها.

حزب العدالة والتنمية في هذا الاحتمال لن يكون قادرًا على تأمين أغلبية بسيطة في البرلمان.

وبكلمات أخرى، سيحصل على أقل من 276 مقعدًا من إجمالي 550، وهو السيناريو الذي كان بعيدًا عن الحسبان حتى أسابيع قليلة مضت.

معظم استطلاعات الرأي، والتي لم يكن من الممكن نشرها خلال الأيام العشرة الماضية، جرَّاء الحظر المفروض على التغطية الإعلامية، ذكرت أن البديل الثاني هو الأقرب حدوثًا.

مؤسسة كوندا KONDA، يعتقد أنها الأدق والأكثر مصداقية بين شركات استطلاعات الرأي، بالرغم من تخبطها في الانتخابات الرئاسية الماضية.

وقدمت المؤسسة نتائج استطلاعها إلى مشتركيها سرًا، وخلصت إلى الآتي، مع ملاحظة وجود هامش خطأ 2٫4 نقطة:

حزب العدالة والتنمية الحاكم: 41 %

حزب الشعب الجمهوري (المعارض الرئيسي): 27٫8%

حزب الحركة القومية: 14٫8 %

حزب الشعوب الديمقراطي (الموالي للأكراد): 12٫6 %

ووفقًا للرئيس التنفيذي لكوندا، فإن الحزب الحاكم قد يحصل على مقاعد تتراوح بين 270- 278، بما يعني أن حزب العدالة والتنمية، المعروف أيضًا باسم “حزب أردوغان” قد يحصل على أغلبية، لكنها لن تكون قادرة على حكم تركيا كما يتمنى.

وكذلك سيلعب توزيع نتائج الأتراك في الخارج دورًا في تحديد الشكل النهائي للنتيجة.

وبحسب نتيجة استطلاع مسربة أجرته شركة “إيه أند جي” التركية يومي 2 و3 يونيو، فإن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 42 %، بينما يحصل حزب الشعب الجمهوري على 27 %، وحزب الحركة القومية (16 %)، وحزب الشعوب الديمقراطي 12 %.

وقارنت دراسة نشرتها “جيمس إن تركي” بين متوسطات ما حصل عليه كل حزب في 15 يناير و 17 أبريل و 2 مايو و29 مايو و5 يونيو، وفقًا لخمسة استطلاعات رأي.

وجاءت أرقام العدالة والتنمية كالتالي( 46٫2 %- 44٫2- 42٫6- 40٫9- 41٫1).

أما النسب التي حققها حزب الشعوب الديمقراطي فجاءت كالتالي (8٫5 %- 9٫9 %، 10٫2 %، 10٫8 %، 11٫2 %).

وتشير تلك الأرقام إلى تمكن حزب الشعوب الديمقراطي من اجتذاب اليسار التركي، والأكراد المحافظين، الذين صوتوا للعدالة والتنمية في انتخابات 2002 و2007 و2011، وكذلك الليبراليين الساخطين الذين ذهبت أصواتهم في الماضي إما لحزب العدالة والتنمية أو الشعب الجمهوري.

ويرجع ذلك جزئيا إلى جاذبية القائد الشاب والفصيح لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاز.

ثمة إجماع أيضًا على قدرة الحزب على تحقيق “المهمة المستحيلة”، بتجاوز عتبة 10 % (غير الديمقراطية) اللازمة لدخول البرلمان.

مثل هذا النجاح، يتناسب مع خسارة “العدالة والتنمية” أغلبيته البسيطة، ومن هنا فإن تحقيق حزب الشعوب الديمقراطي فوق مستوى 10 % قد يعني على الأقل بداية النهاية لعصر أردوغان.

لن يمكن منع نجاح “الشعوب الديمقراطي” إلا من خلال تزوير انتخابي كبير، وهو أمر ليس بعيدًا تمامًا عن الحدوث.

النتيجة المحتملة لأي انتخابات عادلة تتمثل في فقدان حزب العدالة والتنمية لأغلبيته البسيطة، بما يمهد الطريق للعديد من السيناريوهات المتعلقة بحكومة ائتلاف، أكثرها احتمالًا هو حكومة ائتلاف يضم حزبي العدالة والتنمية، و الحركة القومية، لكنه ائتلاف لا يحتمل أن يدوم طويلا في مواجهة أزمة اقتصادية تلوح في الأفق.

ثمة سيناريو آخر، في حالة عدم تشكيل حكومة جديدة في غضون 45 يومًا من الانتخابات، حيث ينص الدستور على ضرورة إجراء انتخابات جديدة، وهو ما يمنح الفرصة لأردوغان أن يشن “حملة من أجل الاستقرار”، وربما يستمع الناخبون لنصائحه، ولكن ذلك سيضحي أكثر تكلفة بالنسبة له وطموحاته، إذ أنه بمجرد بداية تآكل سلطته، لا أحد يمكنه التنبؤ بأين وكيف يكون التوقف.

ولا تتوقع الدوائر المالية الدولية مردودًا إيجابيا للنتائج، فأوردت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرًا تحت عنوان “المستثمرون يفقدون الشهية تجاه تركيا قبل نتائج التصويت”، وأضاف: “المستثمرون الأجانب ينظرون للانتخابات البرلمانية في تركيا بعين القلق”

ونقل التقرير عن مدير محافظ مالية قوله “إذا فاز العدالة والتنمية بأغلبية مطلقة، ربما ندرس تصفية وضعنا في تركيا بشكل تام”.

وبالنسبة للعديد من المواطنين في تركيا، بالرغم من عدم التيقن الذي قد ينتج عن الانتخابات، فإن النتيجة الأكثر أهمية بالنسبة لهم هي رؤية إذا ما كانت بداية النهاية لعصر أردوغان قد حانت، ولا يرون أي شيء يفوق ذلك أهمية وراحة لمستقبل البلاد.

اقرأ المزيد

أثر الانتخابات التركية على المنطقة العربية (ملف) انفوجراف | كل ما تحتاج أن تعرفه عن الانتخابات البرلمانية في تركيا تأثير الانتخابات التركية على العلاقة مع الكيان الصهيوني هل تؤثر الانتخابات البرلمانية علي الدور التركى في سوريا؟ قراءة في الانتخابات التركية وأثرها على تركيا والمنطقة تأثير حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات التركية