جاء الاحتفاء الإيراني بتحرير ما قالت إنها سفينة مختطفة على أيدي البحرية الأمريكية قبل يوم من الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين لاقتحام مجموعة من الشباب الإيراني السفارة الأمريكية في طهران في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1979 واحتجاز العاملين بها.

قال التليفزيون الإيراني الرسمي إن ما وقع في خليج عمان كان عملًا عدوانيًّا أمريكيًّا أجهضه الاقتدار العسكري الإيراني، حيث اختطفت بحرية الولايات المتحدة ناقلة نفط إيرانية، لكن قوات الحرس الثوري الإيراني نفذت عملية إنزال عسكري واستطاعت استرجاع الناقلة من الأمريكيين عنوة.

ونشر الحرس الثوري الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني لقطات مثيرة بثها التليفزيون الحكومي تظهر طائرة استطلاع إيرانية بدون طيار تراقب ناقلة نفط حمراء في مياه خليج عمان تحيط بها القوات البحرية الإيرانية في زوارق صغيرة وسفينة حربية كبيرة، ويظهر جنود الحرس الثوري وهم يصوبون بنادقهم باتجاه مدمرة أمريكية قريبة.

ولم تظهر اللقطات أي اشتباك أو احتكاك مع القوات الأمريكية، ولم تقدم الرواية الإيرانية تفاصيل الحادث المفترض، ورفضت بعثة إيران في الأمم المتحدة التعليق على الواقعة لوسائل الإعلام الدولية.

الرواية الأمريكية

في المقابل، أنكرت الولايات المتحدة تمامًا الرواية الإيرانية. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، جون كيربي، إن حقيقة ما حدث أن إيران استولت على سفينة تجارية في خليج عمان في 24 أكتوبر/ تشرين الأول، واصفًا ذلك بأنه «انتهاك صارخ للقانون الدولي ويقوض حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة».

وأضاف أن القوات الأمريكية راقبت عملية اختطاف السفينة على أيدي بحرية الحرس الثوري، لكنها لم تتخذ أي إجراء لأن السفينة أبحرت في المياه الإقليمية الإيرانية.

وأظهرت بيانات تتبع السفن أن الناقلة انطلقت في الحادي والعشرين من أبريل/نيسان الماضي من ميناء في شرق آسيا نحو الخليج، وأنها محتجزة أمام ميناء بندر عباس جنوب غرب إيران، وهي سفينة فيتنامية تحمل اسم «MV Southys» تتبع شركة تدعى «أوبك» لنقل البترول، مقرها في هانوي، وكانت ترفع العلم الفيتنامي خلال إبحارها في خليج عمان.

وكانت مجموعة «متحدون ضد إيران النووية»، وهي منظمة أمريكية مقرها نيويورك، أرسلت رسالة إلى البحرية الفيتنامية في 11 أكتوبر/تشرين الأول تخطرها بأن تلك الناقلة تلقت نفطًا من ناقلة أخرى تسمى «عمان برايد» في يونيو/حزيران اتهمتها وزارة الخزانة الأمريكية في أغسطس/آب بتهريب النفط الإيراني لصالح «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري ليتم بيعه في نهاية المطاف في شرق آسيا، دون تحديد دولة معينة.

كما صرح نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفيتنامية، فام ثو هانغ، الخميس، بأن قبطان السفينة تواصل مع السفارة الفيتنامية في طهران في السابع والعشرين من الشهر الماضي، وقال إن جميع أفراد الطاقم البالغ عددهم 26 يعاملون بشكل جيد وبصحة جيدة.

أعلنت فيتنام أنها تسعى للحصول على مزيد من الإيضاحات عن الناقلة التابعة لها التي اختُطفت تحت تهديد السلاح، وتلقت تعهدات بضمان سلامة أفراد طاقم السفينة ومعاملتهم بشكل إنساني.

أزمة الملاحة في مضيق هرمز

منذ تصفير الصادرات النفطية الإيرانية في الثاني من مايو/آيار 2019 بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تشهد مياه الخليج العربي وخليج عمان توترات أمنية. فقد وقعت سلسلة هجمات بالألغام البحرية استهدفت سفنًا تجارية من جنسيات مختلفة عام 2019. لكن بعد اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» الإيراني، مطلع العام 2020، خفتت حدة التحرشات البحرية الإيرانية بالملاحة الدولية، ثم عادت خلال العام الجاري بعد تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة في يناير/كانون الثاني، الذي اتبع سياسة أقل تشددًا مع طهران، وأطلق معها مفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا لإعادتها إلى الالتزام بالاتفاق النووي المبرم عام 2015 الذي انسحب منه ترامب.

وبعد وصول الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي إلى السلطة في يونيو/حزيران، توقفت مفاوضات فيينا، ومؤخرًا أعلنت أطراف الاتفاق النووي وفيها طهران أن المحادثات حول العودة إلى الاتفاق ستُستأنف في 29 نوفمبر/تشرين الثاني في فيينا.

وكانت إيران هددت بأنها ستعيق تصدير النفط من الخليج إذا تم منعها من فعل الشيء نفسه. ورغم عدم تنفيذ هذا التهديد، فإن الملاحة العالمية المارة بمضيق هرمز أصبحت عملية تتهددها الأخطار، وتتزايد الهجمات البحرية المنسوبة لإيران كلما زادت فرص التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة، إذ تتعمد طهران تسخين المشهد لتضغط على المفاوض الأمريكي في فيينا وصانع القرار في واشنطن. ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مزيدًا من التصعيد بغض النظر عن حجمه وكيفيته، مع عودة المفاوضات.

الاحتفال بـ«مقارعة الاستكبار العالمي»

تجمع آلاف الإيرانيين في شوارع طهران الخميس في ذكرى الاستيلاء على السفارة الأمريكية عام 1979 مرددين الشعارات التي دأبوا على ترديدها طوال العقود الماضية: «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» وأحرقوا العلمين الأمريكي والإسرائيلي.

وتأتي تلك الاحتفالات التي تنظمها الحكومة بعد انقطاعها العام الماضي بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد المعروف باسم كوفيد-19.

وفي خطابه أمام الحشود الواقفة أمام مبنى سفارة الولايات المتحدة الذي اقتُحِم منذ 42 عامًا، تحدث قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي في مراسم يوم «مقارعة الاستكبار العالمي» بافتخار عن أداء قواته خلال المواجهة العسكرية المزعومة، واتهم الأمريكيين بمحاولة سرقة النفط الإيراني من الناقلة، وقال: «نحن جادون في الدفاع عن وطننا».

وأشاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالحرس الثوري على موقفه من «القرصنة الأمريكية الأخيرة أثناء احتجاز ناقلة النفط الإيرانية». وشكر وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، قوات الحرس على «إنقاذ ناقلة النفط الإيرانية من القراصنة الأمريكيين». واعتبر الإعلام الرسمي الإيراني احتجاز السفينة عملًا بطوليًّا في مواجهة أعتى قوة بحرية في العالم، بينما لا تزال الاتصالات جارية مع فيتنام وهي تسعى لفهم ماذا حدث لناقلتها التي أصبحت فجأة في قلب الأحداث الدولية ومحور أنظار العالم.