عام 1831 وجد الفرنسيون أنفسهم بحاجة للمزيد من الجنود، فقرروا الاستعانة بمقاتلين من جنسيات مختلفة. لكن ليضمنوا ألا يذوب هؤلاء الجنود في الجيش أو في البلد ككل، ولكي يضفوا عليهم مظلة الشرعية ويبعدوا عنهم وصم المرتزقة، قرروا إنشاء الكتيبة الأجنبية، أو الفيلق الأجنبي.

الفيلق تابع للجيش الفرنسي لكنه يملك إدارة ذاتية، وفرقًا خاصة مجهزة على أعلى مستوى، وغالبًا ما تكون في الصفوف الأمامية، وفي العمليات الخطرة. اعتمدت فرنسا على الكتيبة الأجنبية  حتى نهاية حرب الجزائر عام 1962، وكان الفيلق الفرنسي هو النواة الأولى لما يُطلق عليه في الجيش الفرنسي جيش أفريقيا.

فرنسا استلهمت الفكرة من الإمبراطورية الرومانية. ففي أوج قوتها وذروة اتساعها احتاجت إلى أعداد متزايدة من المقاتلين فكوّنت الكتيبة الأجنبية. وهي من مواطني الدول الخاضعة لسيطرتها، ودائمًا ما وضعتهم في مقدمة الجيش، وأرسلتهم إلى المناطق الوعرة، والحروب غير المتكافئة.

في الحادية عشرة صباحًا خرج وزير الخارجية الأوكراني ببيان اتفق عليه مع الرئيس الأوكراني. زيلينسكي قرر أن يستلهم الفكرة نفسها، فأنشأ وحدة عسكرية تتألف من متطوعين أجانب من مختلف الجنيسات للدفاع عن أوكرانيا. الوحدة التي أُنشئت في 27 فبراير/ شباط 2022 اسمها الرسمي الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا، وباتت تُعرف إعلاميًا باسم الفيلق الدولي فحسب.

الموقع الذي أطلقته الحكومة الأوكرانية للراغبين في القتال بجوارها زاره في أول 24 ساعة 13 مليون زائر. منهم 4 ملايين زائر من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المرتبة الثانية تأتي الصين بـمليوني زائر، ثم تأتي دول أخرى مثل فرنسا وكندا والهند وبريطانيا.

قد توحي كلمة المتطوعين بأن الأمر يقتصر على شباب متحمس، أو رجال يؤمنون بالقضية الأوكرانية وقرروا الانضمام للقوات النظامية دفاعًا عن القضية. لكن الواقع أن الفيلق الدولي يتألف من هؤلاء المؤمنين بالقضية بنسبة قليلة. يغلب على هؤلاء المتطوعين كونهم من أصول يمينية متطرفة. وغالبيتهم كذلك يحرصون على الانضمام، أو الدعم المادي، لكتيبة آزوف الأوكرانية.

إعلانات وإغراءات

 تمتاز مجموعة آزوف التابعة للحرس الوطني الأوكراني أن المسيطر عليها هم اليمينيون المتطرفون، وتأسست بعد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014. ودخل رجالها في حرب ميليشيات مع الجنود الروس. وكان غالبيتهم من مشجعي كرة القدم المتعصبين. ودُمجت الوحدة، رغم أنها نشأت كميليشيا تطوعية، في صفوف الحرس الوطني، وأُعيدت هيكلتها لتصبح فوجًا عسكريًا رسميًا.

لكن النسبة الأكبر من رجال الفيلق الدولي هم رجال يرون في الحرب فرصة للكسب المادي فحسب. فبمجرد أن أعلن زيلينسكي منح التأشيرات المجانية للمتطوعين دخل قرابة 16 ألف متطوع للأراضي الأوكرانية. وبعيدًا عن الانتماءات والأهداف السياسية فإن عددًا كبيرًا ممن دخلوا أوكرانيا تابع لشركات أمنية خاصة، لها تعامل مع المتعهدين الذين يمدون الحروب بالمرتزقة.

مثلما ظهر في إعلان عمل على موقع «سايلنت بروفشنالز»، موقع للخدمات الأمنية الخاصة، حيث ذكر الإعلان حاجته لعدد من الأفراد للقيام بالأعمال الأمنية والخاصة والدفاعية، والبحث عن عملاء للتنقيب، وعمليات إجلاء لأفراد وأهالي.الموقع ذكر أن ميدان العمل سيكون الأراضي الأوكرانية. وأشار الموقع أن الجهة التي ستوظفهم مقرها الولايات المتحدة الأمريكية.

كما أكدّ أنه لن يُنظر إلا لطلبات ذوي الخبرة القتالية السابقة، بحد أدنى 5 سنوات خبرة عسكرية في أوروبا وفي المنطقة. ويبلغ الراتب اليومي لهذه المهمة ألف دولار بحد أدنى، وألفا دولار بحد أقصى، مع علاوات بارزة حال انتهاء المهمة. ومثلما فعل سايلنت بروفشنالز، فعل عدد من المتعهدين الأوروبيين.

اثنان من المتعهدين، من أصل تركي، كشفا لموقع «ميدل إيست آي»، أنه بجانب ذهاب المتطوعين إلى أوكرانيا فإن المحترفين يذهبون أيضًا برواتب تترواح من ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار يوميًا. وحدّدا أن من بين قرابة 1000 محترف دخل أوكرانيا في الأيام الماضية يوجد 100 جندي من الفيلق الفرنسي. وأكد المتعهدان أن القوات الفرنسية طلبت منهم عدم حمل هويات معهم، وضرورة تجنب الأسر ولو بقتل النفس.

مقاتلون وجنود سابقون

وزارة الخارجية الفرنسية نفت تلك المعلومات، لكن الفيلق الفرنسي أكدّها، وخصّ بالذكر منحه الإذن لـ14 جنديًا بالسفر لأوكرانيا، وأن 25 جنديًا من أصول أوكرانية فرّوا من الفيلق الفرنسي  للالتحاق بجنود بلادهم.  على النقيض من الارتباط الفرنسي بدا ماموكا مامولاشفيلي، قائد جماعة الفيلق الجورجي، فخورًا.

ماموكا أعلن أن فيلقه وصل إلى 200 مقاتل جورجي على الأراضي الأوكرانية. وأعلن أنه يُنسق مع كييف لاستقبال المزيد من ذوي الخبرة من المقاتليين الدوليين. ماموكا قال إن معظم فيلقه من جورجيا، لكن بجانبهم يوجد مقاتلون من بريطانيا والولايات المتحدة والهند وألبانيا.

صحيفة «ماينيتشي شيمبون» اليابانية كشفت أن حتى أول مارس/ آذار 2022 فإن 70 متطوعًا من اليابان دخلوا أوكرانيا. من بينهم 50 كانوا أعضاء سابقين في قوات الدفاع الذاتي اليابانية، واثنان آخران يعتبرون من قدامى المحاربين اليابانيين في الفيلق الأجنبي الفرنسي. وتقول السفارة اليابانية في أوكرانيا، إنها أضافت شرط الانضمام السابق لقوات الدفاع الذاتي، أو الخبرة القتالية السابقة، بسبب كثرة رسائل التطوع التي تلقتّها.

الحكومة الأوكرانية من جانبها تقول إنها لا تقبل المرتزقة، وإنما تقبل المتطوعين فحسب. وتعاملهم معاملة الجنود الرسميين، ويحصلون على 3500 دولار شهريًا. لكن بينما تعاملهم أوكرانيا معاملة الجنود النظاميين. لكن المختلف أن أوكرانيا تفرض عليهم إقامة جبرية في البلاد حتى تنتهي حالة الأحكام العرفية، أي انتهاء الحرب. فمبجرد توقيعهم للعقد مع كييف لا يصبح بمقدور المقاتل الانسحاب أو العودة لدياره.

أحد المتطوعين البريطانيين، قاتل لمدة 10 سنوات في أفغانستان، كشف أنه تراجع عن الانضمام حين علم بشروط كييف. ومن ضمنها تسليم جواز سفره. وقال إن الحكومة الأوكرانية لا تسمح للمقاتلين بمعرفة بنود العقد إلا بعد دخولهم أوكرانيا. جندي بريطاني آخر، قاتل في أيرلندا لمدة 6 سنوات، قال إن الظروف المرهقة في أوكرانيا دفعته للتراجع عن توقيع العقد. مواطن سويدي عائد من أوكرانيا قال، إنه تراجع عن التعاقد بسبب أن الحكومة لم تعلن تكفلها بعائلته حال مقتله.

روسيا والقانون الدولي لن يرحموهم

.وسواء تعاملهم أوكرانيا معاملة الجنود النظاميين أم لا، فإن روسيا قد توعدت أنها لن تعاملهم كجنود رسميين. سواء بأنها لن تحرص على الاحتفاظ بهم كأسرى حرب، أي تصفيتهم بمجرد رؤيتهم. وحتى من يتم القبض عليه، فلن تفرج عنه بعد انتهاء الحرب وفقًا لمعاهدة جنيف الثالثة. لكنها سوف تُخضعهم للسجن وللعقوبات المختلفة. إذ إن روسيا تخشى أن يكون الفيلق الدولي هو الغطاء الشرعي الذي تستقدم به أوكرانيا مرتزقة يستطيعون تشغيل الأسلحة المتطورة التي تمتلكها أوكرانيا، ولم يحظ جنودها بتدريب كاف عليها.

روسيا في ذلك تستند إلى العديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن المقاتلين الأجانب. منها القرار 1373 لعام 2001 والذي ينص على أنه من الضروري على جميع الدول الأعضاء كفالة تقديم أي شخص يشارك في تمويل أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو ارتكابها أو دعمها إلى العدالة. والمقاتلون الأجانب يعتبرون من مرتكبي الأعمال الإرهابية.

كذلك قرار  2178 لعام 2014 الذي ينص على أن الدول الأعضاء ملزمة بمنع تجنيد أو تنظيم أو نقل أو تجهيز المقاتلين الأجانب. كذلك قمع تمويل أو سفرهم، ويتم إدراج أسمائهم وتقديم تقارير إلى اللجان المختصة  إلى اللجنة عن آخر المستجدات المتعلقة بالتهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب.

نتفهم مشاعر الجميع إزاء هذه الحرب، لكن ثمة قوانين تحكم النزاعات الدولية تدعونا إلى عدم النصح بالتطوع للقتال في أوكرانيا.
بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني.

  أما قرار 2396 لعام 2017 فيدعو إلى تعزيز التعاون القضائي وتنفيذ الاستراتيجيات المناسبة لملاحقة المقاتلين الإرهابيين الأجانب قضائيًا. وكذلك إعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم ومن يرافقهم من أفراد أسرهم. وتتضمن مبادئ مدريد التوجيهية لعام 2015 توجيهات إضافية بشأن مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتتلخص في مساعدة الدول الأعضاء في وقف تدفق الإرهابيين الأجانب.

وتدعم روسيا موقفها بأنهم ليسوا متطوعين بنشر العديد من البيانات الاستخباراتية التي تزعم أن واشنطن تستخدم قاعدة التنف في سوريا لتدريب مقاتلي داعش قبل إرسالهم إلى أوكرانيا. وأن واشنطن تعمدت إطلاق سراح العديد من الأسرى التابعين لداعش في مقابل خضوعهم لتدريب أمريكي والموافقة على الذهاب إلى دونباس لمحاربة الانفصاليين المدعومين من روسيا، أو إلى أوكرانيا نفسها لمحاربة القوات الروسية.

وحتى بعيدًا عن الادعاءات الروسية، فإن المقاتلين الأجانب، المتطوعين والمرتزقة، سيتعرضون بكل تأكيد للملاحقة القانونية الدولية. مثلما حدث مع بعض البريطانيين الذين تطوعوا للقتال ضد داعش في صفوف الميليشيا الكردية. وصلت الأحكام في بعض الحالات إلى إسقاط الجنسية البريطانية عنهم. لهذا رغم تصريح وزيرة الخارجية البريطانية بأن حكومة بلادها مستعدة لدعم المواطنين الراغبيين في التطوع لدعم أوكرانيا، فإن جونسون، رئيس الوزراء، قال إن القوانين الدولية تجعله ينصح المتطوعين ألا يذهبوا.