كانت رحلة ريال مدريد نحو نهائي نسخة دوري الأبطال لموسم 2021-2022 شاقة وعسيرة. باريس سان جيرمان ثم تشيلسي ثم مانشستر سيتي، وفي كل مرة كان بطل إسبانيا على بُعد لحظات من الخروج قبل أن يعود ويقلب الطاولة ويتأهل، وتكرر ذلك في كل مرة.

خرجت عشرات التفسيرات بالطبع تحاول أن تكتشف سر عودة الريال المتكررة، يُصر الجميع أن الأمر يتخطى مجرد التوفيق العادي وأن الحظ يقف إلى جانب الريال، بينما يرى مشجعو الريال أن شخصية البطل التي يتمتع بها فريقهم هي السبب في ذلك.

وتتنوع هذه التفسيرات وتختلف، لكنها جميعها خاطئة لسوء الحظ، والإجابة الوحيدة الصحيحة هي التي جئنا لنخبرك بها، فسر عودة الريال لم يكن الحظ ولا شخصية البطل، ولكن هناك في المدرج الجنوبي، حيث يوجد «ألتراس سور».

الاسم ليس غريبًا عليك بالطبع، ولا يمكن أن يكون غريبًا، يحضر اسم ألتراس سور بشكل مكثف في كل الصفحات العربية، وفي كل مرة يتأخر الريال في نتيجة الذهاب، ستجد خبرًا مكررًا ينص على استدعائهم لمباراة العودة.

ليس لهذا الخبر تاريخ بداية، وليس له مصدر، ولا يفنى مهما تقدم الزمن، وقد حضر بقوة قبل مباراة السيتي الأخيرة. لكن هل كان ألتراس سور سر عودة الريال في النتيجة بالفعل؟

أحفاد فرانكو

تتشابك كرة القدم مع السياسة في العالم بأكمله، لكنها في إسبانيا تأخذ شكلًا معقدًا، حيث ما زالت الدولة منقسمة بين قوميات متنافرة رغم مرور عقود على الحرب الأهلية، وما زالت أقاليم عدة لا تعتبر نفسها جزءًا من الدولة الإسبانية وتطالب بالانفصال.

وتستخدم هذه الأقاليم فرق كرة القدم للترويج لقومياتها، وبالطبع تمثل جماهيرها الصورة الأعنف للتعبير عن هويتهم ومطالبهم، حيث تمثل جماهير أتلتيك بلباو إقليم الباسك، وتمثل جماهير برشلونة إقليم كتالونيا، وهكذا أغلب الأندية التي تنحدر من أقاليم مختلفة.

والعدو الصريح لكل هؤلاء كان ريال مدريد، النادي المفضل للجنرال فرانكو، والذي يمثل بالنسبة للكثيرين القومية الإسبانية، والتي تتنافى بطبيعة الحال مع كل القوميات الباقية.

من رحم هذا الصراع، ولد ألتراس سور في عام 1980، وذلك  بانفصاله عن جماعة مشجعين أخرى اسمها «الرايات Las Banderas»، والتي اعتبرها البعض أَعف مما يجب ولا تستطيع الدفاع عن ريال مدريد.

قامت أفكار المجموعة منذ البداية على كراهية الجميع، كراهية جماهير باقي الأندية، وكراهية الأقليات، وكراهية الجميع، وتبنت المجموعة أفكارًا يمينية متطرفة، ولم يكن غريبًا أن تسمع الهتافات العنصرية تدوي في البيرنابيو في كل لحظة.

دعمت المجموعة كذلك النازية بقوة، وتبنت أفكارها، وأدت المجموعة التحية النازية في بعض الأحيان، ورددوا الأناشيد التي تتغنى بالهولوكوست، وما زال بعضهم يرفع علم فلسطين في بعض الأحيان مكايدةً لليهود.

ستة ملايين يهودي يذهبون إلى غرف الغاز
هتاف لألتراس سور

هذه الأفكار هي ما جعلت المجموعة مكروهة داخل إسبانيا وخارجها، وأصبح المدرج الجنوبي الذي تشغله المجموعة مصدرًا للكثير من القلق للفرق التي تواجه الريال والريال نفسه في أغلب الأوقات.

تاريخ عنيف

كعادة الكثير من مجموعات الألتراس، فإن العنف كان حاضرًا بقوة في تاريخ ألتراس سور، في 1987 وبينما يلتقي ريال مدريد ببايرن ميونخ ألقت المجموعة بعض الزجاجات الحارقة والمخلفات في الملعب، وهو ما تسبب في منع ريال مدريد من اللعب في ملعبه مباراتين كعقوبة من الاتحاد الأوروبي.

لكن الحادثة الكبرى كانت في 1998 حيث كان ريال مدريد يواجه بروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، لكن قبل المباراة وبسبب أعمال شغب قادتها المجموعة سقط المرمى المواجه للمدرج، وهو ما تسبب في تأخير المباراة ل75 دقيقة، وكاد أن يتسبب الأمر في إقصاء الريال من البطولة التي توج بلقبها لاحقًا.

كذلك لم تخلُ رحلات المجموعة الخارجية من الكثير من المشاكل، اصطدمت المجموعة بألتراس اليوفي في إحدى المباريات ودارت بينهم مواجهات في الشوارع، وتكرر الأمر في عدد من الدول.

علاقة متوترة

أثارت هذه الأحداث التوتر بين إدارة الريال وبين المجموعة، وانقسم أفراد الإدارة بين مؤيد ومعارض لوجود المجموعة، لكن أفضل فتراتهم كانت في وجود الرئيس السابق للنادي رامون كالديرون حيث ربطتهم به علاقة قوية وحرص على دعمهم في الكثير من المرات.

لكن بيريز كان على النقيض تمامًا، ورأى أن المجموعة تسيء لصورة ريال مدريد التسويقية، فعمد إلى تحجيم المجموعة وتقليل أعدادها منذ ولايته الأولى.

وتزايد الأمر سوءًا في ولايته الثانية، حين خرج الفريق خالي الوفاض من البطولات في موسم 2013، فطالبت المجموعة باستقالته وحرضت الجماهير ضده، فصدر قراره حينها بمنع المجموعة نهائيًا من الدخول إلى الملعب.

كان رد فعل المجموعة الأسوأ بالطبع، حيث شنت حربًا مستمرة على بيريز تضمنت تخريب منزله وتدنيس قبر زوجته بعبارات مسيئة تطالبه بالاستقالة.

ومنذ هذا القرار في 2014 لم يسمح للمجموعة بالحضور بشكل منظم إلا في مرات محدودة، رغم محاولاتهم المستمرة في التسلل أو الدخول بأسماء مختلفة.

سر الريمونتادا

كانت عودتهم الأولى للملعب في مباراة فولفسبورغ في إياب دور ال16 من دوري أبطال أوروبا 2016، والذي خسر ريال مدريد في ذهابه بثنائية نظيفة، وحينها سمح لهم بيريز بالحضور، وتكرر الأمر في 2018 أمام باريس سان جيرمان.

فرغم المشاكل المتكررة، لا أحد ينكر قيمة المجموعة في التشجيع، على عكس جمهور البيرنابيو المعروف بوداعته، فإن ألتراس سور لا يتوقف لحظة عن التشجيع والصراخ، ويمارسون كل الأساليب التي يمارسها الجمهور للضغط على المنافس والحكم.

ورغم إقرار بيريز بذلك، فهو يرى أن أسلوب المجموعة لا يتماشى مع ريال مدريد، وطريقتهم العنيفة تضر بالجميع، وما زال مصرًا على منعهم من الدخول.

لولا ألتراس سور لظهر البيرنابيو كما لو كان فارغًا
جوزيه مورينيو، مدرب الريال الأسبق

لكن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي العربية لم تقتنع بذلك على الأرجح وما زال الخبر ضيفًا أساسيًا في كل مباراة مهمة للفريق، مع ما يتبع ذلك بالطبع من مبالغات.

وطبقًا لدراسة أجريتها قبل قليل، فإن 96% من هذه الأخبار ليس صحيحًا، ومهما كُذب الخبر، فما زال يلقى تفاعلًا ضخمًا في كل مرة، وبالتالي يستمر في الانتشار مع كل مباراة.

لم نسلم نحن من ذلك أيضًا، تضمن العنوان أنهم سر عودة ريال مدرد المتكررة، بالرغم من أنهم لم يحضروا من الأصل، وكان الأمر مجرد إشاعة متكررة.

فلذلك في المرة القادمة لا تصدق الصفحات التي تتحدث عن عودتهم ولا تصدق العناوين التي تدعي معرفتها بسبب عودة الريال المتكررة، لأنه لا أحد يمتلك الإجابة إلى الآن، حتى جوارديولا وأنشيلوتي أنفسهم.