المسئولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility، هو مفهوم متداول وأصبح محل نقاش في العالم العربي منذ فترة ليست بقريبة، لكن الدراية به في النطاق العام ليست كبيرة، كذلك تغيب ممارستها الفعلية من قبل الشركات في مصر مقارنة بدول أخرى عربية وغير عربية.

هو كذلك مفهوم غير عربي بالطبع، وإنما ظهر في أوروبا والولايات المتحدة كرد فعل على أضرار الرأسمالية التي تواجه المجتمعات بسبب الشركات الكبرى المسيطرة على الاقتصاد، ونجد في الاقتصاد الإسلامي ما يوازي هذا المفهوم، مثل: الزكاة والوقف والعمل الخيري، لكنه ليس مقصدنا في الطرح حاليًا.

قُدمت تعريفات عدة لـ «المسئولية الاجتماعية للشركات»، كذلك ظهرت تعريفات عديدة ذات صلة بها، وبالطبع لا يوجد اتفاق على تعريف موحد لها، وهي ليست مجرد «خدمة اجتماعية بلا مقابل» كما يعتقد البعض، فهي عمل طوعي من قبل الشركات تجاه مجتمعها، لكنه في المقابل يحمل أهمية كبيرة لصاحب العمل نفسه.

تُعرفها منظمة التجارة العالمية على أنها:

جميع المحاولات التي تتطوع بها الشركات لتحقيق التنمية لاعتبارات أخلاقية واجتماعية.

وكذلك يمكن تعريفها على أنها:

العلاقة بين الشركة والمجتمع الذي تستقر فيه الشركة، وكذلك العلاقة بين الشركة وحاملي الأسهم. (1)

وغالبًا ما تدور أشكال المسئولية في تقديم خدمات صحية أو تعليمية، أو تقليل أضرار البيئة، أو التوعية البيئية، أو أعمال لمحاربة الفقر.

رجال الأعمال وأحداث 11 سبتمبر

غالبًا ما يُوجِّه الإعلام الأنظار في ظل أي أزمة للشركات الكبرى ورجال الأعمال في أي مجتمع على اعتبار أنهم مسئولون تجاه مجتمعاتهم، ويطالبونهم بالتبرع، وهي مسئولية مستمرة وتزداد وقت الأزمات، على اعتبار أنه وضع غير طبيعي.

ففي ظل أحداث 11 سبتمبر 2001، قال «رونالد شايش»، الرئيس التنفيذي لشركة «بانيرا بريد»، إن رؤيته هي مساعدة الأطفال الذين يعانون من الجوع، فتبرع بـ 150 مليون دولار للمساعدة. أمّا «بيرتون جولدفيلد»، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة TriNet، بسان لياندرو بكاليفورنيا، وهي عبارة عن شركة تقدم حلولاً لإدارة عمليات الموارد البشرية للشركات الصغيرة، ذكر جولدفيلد أن برامج مساعدة الموظفين قد ازدادت بعد الأحداث، من حيث تقديم المساعدات الطبية والنفسية والعاطفية، وتم تقديمها بشكل مجاني للشركات.

تفاعل الشركات العالمية مع أزمة كورونا

كان هناك أمثلة عديدة لتفاعل إيجابي من رجال أعمال على مستوى العالم للمساعدة في ظل أزمة فيروس كورونا، وهو ما وضع -بطبيعة الحال- النماذج السلبية في حالة مقارنة مع هذه الأمثلة الإيجابية والمطالبة بالاقتداء بهم.

حيث تبرع رجل الأعمال الصيني «جاك ما» صاحب شركة «علي بابا» بحوالي 1.1 مليون جهاز اختبار و6 مليون جهاز ماسك و60 ألف بدلة حماية طبية، والذين تم إرسالهم في بداية الأمر لأثيوبيا ثم دول أفريقية أخرى.

بينما قامت شركة «أمازون» بالتبرع بـ 5 ملايين دولار للشركات القريبة من مقر الشركة في الاقتصاد المحلي، وقامت أمازون كذلك بجانب شركة مايكروسوفت وشركاء آخرين بدفع كامل مرتبات موظفيهم خلال فترة عملهم من المنزل، دون أن يضطروا أن يذهبوا إلى مقرات العمل. أمّا خطوط ألاسكا الجوية فقد تبرعت بـ 2.5 مليون دولار، بينما ذكرت شركة فيسبوك أنه سيتبرع بحوالي 20 مليون دولار، وذكرت شركة أبل أنها ستتبرع بـ 15 مليون دولار.

رجال الأعمال في مصر

منذ أزمة فيروس كورونا ازدادت المطالبات الاجتماعية لرجال الأعمال المصريين بالتبرع والتعامل مع العمال بحكمة، ويتم وضعهم في مقارنة في كل مرة يتم تداول أخبار عن تبرع رجال أعمال في دول أخرى مثل: المصمم «جورجيو أرماني» في إيطاليا الذي تبرع بحوالي 1.25 مليون يورو للمستشفيات الإيطالية.

وبعد زيادة الضغط من الإعلام والسوشال ميديا على رجال الأعمال المصريين، ذكر نجيب ساويرس على تويتر:

مش هعلن تبرعاتي… دي حاجة بيني وبين ربنا وابدؤوا بنفسكوا.

وهو أمر شبيه بالنكتة، لأنه في ظل تلك الظروف يعلن كل رجال الأعمال عن حجم تبرعاتهم ليقتدي بهم غيرهم. ثم سرعان ما أعلنت مجموعة ساويرس للتنمية المجتمعية عن التبرع بـ 100 مليون جنيه في الرابع من إبريل/نيسان الماضي في بيان لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، مقسمة إلى 40 مليون جنيه للعمالة اليومية، و60 مليون جنيه لمساعدة الدولة في الإجراءات الاحترازية.

تسويق اجتماعي

خرج نجيب ساويرس في مكالمة في لقاء تليفزيوني ذكر أنه متضرر من الحجر وعدم انتظام العمل بشكل طبيعي، وهو ما أشعل حملة قوية ضده من السوشيال ميديا جعلته في موضع مقارنة مع شركات مصرية أخرى، وهو ما أجبر ساويرس بعدها على التبرع.

طالب الكثير من الواعين بفكرة المسئولية الاجتماعية بتبرع رجال الأعمال في ظل تلك الأزمة العالمية، وأصبحت مادة نقاش في مواضع مختلفة، خرجت بعدها -وبذكاء شديد- شركات العربي لتعلن أنها تحمي موظفيها وتوفر لهم بيئة عمل آمنة للحماية من عدوى فيروس كورونا، وطالب العمال لديه بعدم القلق وأنهم سيحصلون على رواتبهم كاملة، فاحتفت مواقع عديدة والأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي بـ «مجموعة العربي» وهو ما كان بمثابة دعاية مجانية للشركة، وله بالطبع تأثير على الصورة الذهنية المستقبلية للشركة.

يوضح استطلاع رأي تم عبر الإنترنت على 28 ألف من المستجيبين في 56 دولة، أن 66% يفضلون شراء منتجات من الشركات التي لديها برامج مسئولية اجتماعية، و62% يفضلون العمل فيها، و59% يفضلون الاستثمار فيها، و46% على استعداد لدفع أموال إضافية لشراء منتجات منها.

وبالتالي فهي ميزات وأرباح مستقبلية للشركة أكثر منها خسائر، كما أنها بمثابة إعلانات للشركة، وكما ذكرنا دعاية اجتماعية Social Marketing كما سماها «فيليب كوتلر». (2)

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. David Crowther and Gular Aras, “Corporate social Responsibility”, Book Boon, 2008, p11.
  2. Ramez Shehadi & other, “The Rise of Corporate Social Responsibility: A Tool for Sustainable Development in the Middle East”, American University of Beirut, 2013, p4.