أعلنت قطر صباح أمس الإثنين، الثالث من ديسمبر/ كانون الأول، نيتها الخروج من منظمة أوبك مطلع العام 2019، بدعوى أنها تريد التركيز على تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعي، باعتبارها المصدر العالمي الأول له. القرار كان مفاجئًا في ظل ترقب أسواق النفط العالمية اجتماع أوبك الساخن، في فيينا، أواخر الأسبوع الجاري، من أجل اتخاذ قرار نهائي حول خفض إنتاج النفط (وبالتالي ارتفاع الأسعار) من عدمه في 2019.

معرفة دوافع القرار القطري وتبعاته يستدعي منا نظرة في تاريخ كارتيل النفط الأكبر في العالم، وثقل الدول الأعضاء فيه.


ما هي منظمة أوبك؟ وما أهدافها؟

أوبك هي منظمة حكومية دولية، تم إنشاؤها 1960، من قبل الخماسي؛ إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا. عدد أعضائها حاليًا 15 دولة؛ سبعة من أفريقيا (الجزائر – أنجولا – الكونغو – الجابون – غينيا الاستوائية – ليبيا – نيجيريا)، وستة من آسيا (السعودية – الإمارات – الكويت – العراق – إيران – قطر)، و2 من أمريكا الجنوبية (فنزويلا – الإكوادور). كان مقر المنظمة في السنوات الخمس الأولى من عمرها في جنيف، بسويسرا، ثم انتقلت إلى العاصمة النمساوية فيينا عام 1965.

تشكلت أوبك من قبل 5 بلدان نامية منتجة للنفط في مرحلة انتقالية في المشهد الاقتصادي والسياسي الدولي. كانت حقبة الاستعمار الشامل توشك أن تنتهي، وتولد من رحمها العديد من الدول الجديدة، والتي كانت ترغب في التحكم في ثرواتها واستغلالها بشكل أمثل، وتأكيد استقلالها، وذلك عبر التخلص من هيمنة تحالف الشركات المتعددة الجنسيات، المعروف باسم «الأخوات السبع»، على سوق النفط الدولية.

تهدف المنظمة حاليًا إلى تنسيق وتوحيد سياسات البترول بين الدول الأعضاء، من أجل ضمان أسعار عادلة ومستقرة لمنتجي النفط، واستمرار تدفق البترول بشكل فعال ومنتظم إلى الدول المستهلكة، وضمان جني أرباح عادلة للمستثمرين في الصناعة.

تتحكم أوبك في أسعار النفط عالميًا منذ سبعينيات القرن الماضي، بعدما نجح أعضاؤها في السيطرة على ثرواتهم البترولية، واكتساب الكلمة الرئيسية في تسعير النفط الخام في الأسواق العالمية.وتنتج الدول الأعضاء في المنظمة حاليًا حوالي 40% من النفط الخام العالمي، تمثل صادراتهم من الذهب الأسود 60% من إجمالي المتداول عالميًا.

تمتلك الدول الأعضاء في أوبك نحو 81.89% من احتياطات النفط المكتشفة في العالم حتى الآن (1.2 تريليون برميل)، وتستحوذ دول المنظمة الموجودة في الشرق الأوسط على 65.36% من هذه الاحتياطات.

حجم احتياطات أوبك من النفط
حجم احتياطات أوبك من النفط

ما هو حجم قطر بين دول أوبك؟

أنتجت أوبك في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نحو 32.9 مليون برميل يوميًا. تصدرت المملكة العربية السعودية الدول المنتجة في المنظمة والعالم بإنتاج 10.63 مليون برميل يوميًا، تلتها العراق بـ 4.65 مليون برميل يوميًا، وحلت إيران في المرتبة الثالثة بـ 3.3 مليون برميل يوميًا، ورابعًا جاءت الإمارات بـ3.16 مليون برميل يوميًا، ثم الكويت بـ 2.76 مليون برميل يوميًا، ونيجيريا بـ 1.75 مليون برميل يوميًا، وفي المرتبة السابعة جاءت أنجولا بـ 1.53 مليون برميل يوميًا، وفي الثامنة فنزويلا بـ1.17 مليون برميل يوميًا، ثم ليبيا بـ1.11 مليون برميل يوميًا، فالجزائر بـ1.05 مليون برميل يوميًا، وفي المرتبة الحادية عشر جاءت قطر بـ 609 ألف برميل يوميًا، تلتها الإكوادور فالكونغو فالجابون فغينيا الاستوائية بإنتاج 525 و324 و186 و131 ألف برميل يوميًا على الترتيب.

إنتاج أوبك من النفط خلال أعوام 2016، 2017 و2018

وعلى صعيد احتياطات النفط، تمتلك قطر 2.1% من احتياطات النفط المكتشف في العالم حتى العام 2017، برصيد 25.2 مليار برميل، وهي بذلك تحتل المرتبة التاسعة بين دول أوبك.

كما هو واضح فقطر هي أكبر الدول الصغيرة المنتجة للنفظ في أوبك، لكنها لا ترقى لأن تكون أصغر الكبار لكون إنتاجها لا يتخطى خانة مئات الآلاف إلى خانة الملايين، كما أن إنتاجها متواضع على الصعيد العالمي خاصة إذا قورن بإنتاج الحيتان الكبرى مثل السعودية وروسيا.


هل قطر الدولة الأولى التي تترك أوبك؟

واجهت أوبك العديد من المشاكل والتحديات منذ إنشائها قبل 6 عقود، خاصة وأن منتجيها الكبار يقعون جغرافيًا في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. خرجت المنظمة من هذه الأزمات أكثر قوة وغنى في كثير من الأحيان.على سبيل المثال، عندما كانت الحرب مشتعلة في مركز ثقل أوبك بالخليج العربي عام ما بين 1990-1991، قفزت الأسعار إلى أعلى مستوى لها حتى ذلك التاريخ، فأصبح سعر البرميل الواحد 41.41 دولار.

وخلال عامي 1998-1999، نشبت الأزمة الاقتصادية الآسيوية، وهبطت وقتها أسعار النفط إلى ما دون الـ 10 دولارات للبرميل الواحد، لكن الأسعار عادت مرة أخرى للارتفاع مع بداية الألفية الجديدة واستمرت في الصعود حتى بلغت ذروتها في يوليو/ تموز 2008 وتجاوز سعر البرميل 140 دولار، قبل أن يهبط سريعًا إلى 32 دولار بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

عادت الأسعار مرة أخرى إلى الارتفاع ووصل سعر البرميل في عام 2014 إلى 100 دولار، قبل أن يهوي مرة أخرى مطلع العام 2016 ويصبح 25 دولارًا فقط للبرميل؛ ما سبب أزمة اقتصادية حادة لدول أوبك الكبار، وهي الأزمة التي لا تزال مستمرة حتى الآن بسبب تذبذب الأسعار.

من جانب آخر، شهدت أوبك على مدى تاريخها انسحاب وتعليق أكثر من دولة لعضويتها، مثل الإكوادور التي علقت عضويتها في المنظمة عام 1992 بسبب رسم العضوية السنوي الضخم والبالغ 2 مليون دولار، ورفض المنظمة رفع حصة إنتاج الإكوادور إلى أكثر من 320 ألف برميل في اليوم (فعلت الإكوادور عضويتها مرة أخرى عام 2007). كما دفعت مخاوف مماثلة الجابون إلى إنهاء عضويتها في المنظمة عام 1995، قبل أن تعود وتنضم إليها مرة أخرى في 2016.

كذلك علقت إندونيسيا عضويتها في المنظمة عام 2009، بعد أن أصبحت مستوردًا صافيًا للنفط وغير قادرة على تلبية حصتها الإنتاجية، لكنها أعادت تفعيل عضويتها مطلع العام 2016، ثم علقتها مرة ثانية بنهاية نفس العام.


ماذا يعني خروج قطر من أوبك؟

إنتاج أوبك من النفط خلال أعوام 2016، 2017 و2018
إنتاج أوبك من النفط خلال أعوام 2016، 2017 و2018

كما هو واضح مما ذكرناه، فإن قطر لاعب صغير في أوبك وسوق النفط الدولية، وبالتالي خروجها من المنظمة لن يضرها في شيء، وهناك نماذج تاريخية لدول صغيرة الإنتاج خرجت من أوبك ولم تؤثر عليها، فلماذا إذن تنسحب قطر من المنظمة؟

يقول وزير قطر لشؤون الطاقة، المهندس سعد بن شريده الكعبي، إن قرار الانسحاب «يعكس رغبة دولة قطر بتركيز جهودها على تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعي، وعلى تنفيذ الخطط التي تم إعلانها مؤخرًا لزيادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعي المسال من ٧٧ إلى ١١٠ مليون طن سنويًا»، وأن قرار خروجها من المنظمة «ليس سياسيًا وإنما يرجع لأسباب فنية فقط تتعلق بإستراتيجية قطر في المستقبل تجاه قطاع الطاقة».

ورغم هذا الحديث، فإن الكعبي لم يستطع أن يخفي البعد السياسي للقرار، فقال في ثنايا حديثه: «لا نقول إننا سنخرج من نشاط النفط لكن (سنخرج من) المنظمة التي تسيطر عليه تديرها دولة واحدة. من غير العملي وضع جهود وموارد ووقت في منظمة نحن لاعب صغير للغاية فيها ولا قول لنا فيما يحدث»، وعلق رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، عبر تويتر، على القرار قائلًا إن منظمة أوبك «تستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية».

اعتادت قطر منذ زمن أن تلعب دور الوسيط في المنافسات الداخلية بين دول أوبك، وساعدت في التوسط لصفقة لخفض الإنتاج بين أوبك وروسيا والمنتجين الآخرين في عام 2016، والتي ساعدت على رفع الأسعار من أدنى مستوياتها في ذلك الوقت. لكن منذ قرار المقاطعة الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين ومصر، منذ يونيو/ حزيران 2017، أصبحت قطر معزولة داخل أوبك وفقدت دورها كوسيط، وفرضت المملكة العربية السعودية وروسيا، التي ليست عضوًا في أوبك، شروطًا تتعلق بحصص الإنتاج دون الرجوع إلى باقي الدول الأعضاء في أوبك.

قطر ليست الدولة الوحيدة الغاضبة، إيران أيضًا غاضبة من التحكم السعودي الروسي في سوق النفط، إذ قال ممثل إيران لدى أوبك، حسين كاظم بور أردبيلي، إن قرار قطر بالانسحاب من المنظمة يظهر خيبة أمل المنتجين الصغار من الدور المهيمن للجنة المراقبة التي تقودها السعودية وروسيا، مضيفًا أن أية تخفيضات في الإمدادات يجب أن تأتي فقط من الدول التي زادت إنتاجها.

كانت قطر لتتغاضى عما تفعله السعودية في أوبك إذا كانت الأوضاع بينهما بخير، لكن القطيعة المستمرة بينهما منذ نحو 18 شهرًا، وعدم وجود بوادر جادة لانفراج الأزمة حتى الآن، دفعت قطر إلى اتخاذ قرار الخروج من أوبك خاصة وأنه ليس له تبعات كبيرة. قطر الآن تحاول إثبات حضورها وأن تقول إنها لن تقبل بالبقاء في منظمة ليس لها دور مهم فيها، خاصة إذا كان انحصار دورها لصالح تضخم دور دول أخرى تعتبرهم أعداء مثل السعودية والإمارات.