في تطور مذهل للصراع الدولي، حذر «بيل نيلسون»، كبير مسئولي وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، من محاولات الصين للسيطرة على موارد القمر، مبينًا أن الولايات المتحدة في سباق فضاء جديد مع الصين التي قد تحاول السيطرة على أكثر المواقع الغنية بالموارد على القمر «تحت ستار البحث العلمي»، وإبعاد وكالات الفضاء الأخرى عن تلك المناطق، مستشهدًا باستيلاء الصينيين على بحر الصين الجنوبي ووضع منشآت عسكرية على جزره.

فبحسب تقرير كتبه مسئولون من قوة الفضاء الأمريكية، فإن الهدف الاستراتيجي للصين هو إزاحة الولايات المتحدة كقوة فضائية عالمية مهيمنة اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا وعسكريًّا، فرغم أن القاعدة الصناعية الفضائية للولايات المتحدة لا تزال تسير على مسار تصاعدي، فهناك مخاوف من أن المسار التصاعدي للصين أكثر سرعة من نظيره الأمريكي بمعدل كبير، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة استباقية للحفاظ على ريادة الولايات المتحدة في مجال الفضاء بسبب محاولة الصين تسريع سد فجوة التكنولوجيا مع الولايات المتحدة، وفقًا للتقرير، وأكدت دراسة حديثة أُجريت بتكليف من البنتاغون أن الصين تبدو في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة باعتبارها القوة الفضائية المهيمنة بحلول عام 2045.

هل تستطيع الصين احتلال أراضٍ خارج كوكب الأرض؟

وفقًا لـ «معاهدة الفضاء الخارجي» التي تم التوصل إليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الستينيات، لا يمكن للدول المطالبة فعليًّا بالسيادة على القمر أو جعله أرضًا خاصة بها، وتنص المعاهدة، التي انضمت لها الصين، على أن جميع عمليات استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي يجب أن تتم لمنفعة جميع البلدان، وأن يكون مجالًا للبشرية جمعاء، ومتاحًا للاستكشاف والاستخدام من قبل جميع الدول ولا يخضع للتملك القومي بدعوى السيادة أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال أو بأي وسيلة.

وتحظر «معاهدة القمر» على أي من الدول المطالبة بالسيادة على أي جسم فضائي مثل القمر أو المريخ، وتدعو إلى إنشاء نظام دولي لتنظيم استغلال هذه الموارد عندما يكون هذا الاستغلال على وشك أن يصبح ممكنًا، لكن منذ أن تم تبني معاهدة القمر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 لم يتم التصديق عليها من قبل معظم الدول، ولم تنضم لها الصين أو أي من القوى الكبرى.

وتدعو الصين دائمًا إلى الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وتعارض تسليح الفضاء الخارجي وسباق التسلح فيه، لكن لا توجد أي ضمانة لمطابقة الأقوال للأفعال ولا لمعاقبتها وردعها عن مخالفة هذه المبادئ؛ فالالتزام بالقانون الدولي لا يمكن أن يمثل أولوية على المصالح القومية بالنسبة لبكين، ولا لغيرها من القوى الكبرى.

وهناك خطط معلنة لبناء قاعدة صينية على القمر تعمل بالطاقة النووية في غضون ست سنوات، وتهدف بكين إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر في غضون 10 سنوات (يُسمى رواد الفضاء الصينيين (تايكونوتس) taikonauts وليس astronauts).

يقول وو وييران، كبير مصممي برنامج استكشاف القمر الصيني، إنه من المرجح أن يتمكن رواد الفضاء الصينيون من الذهاب إلى القمر في غضون 10 سنوات، وأن بلاده ستبني محطة هناك تعتمد على الطاقة النووية.

 وتريد بكين أن يتمكن روادها من البقاء على القمر لفترات طويلة يقومون فيها بالدراسات العلمية بمجرد تأسيسها لمحطة أبحاث هناك، وقال كبير مصممي برنامج استكشاف القمر الصينيين: «بالمقارنة مع رواد الفضاء الأمريكيين الذين لم يتمكنوا من البقاء سوى لعشرات الساعات بعد الهبوط على القمر، سيبقى رواد الفضاء الصينيون على القمر لفترات أطول».

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي قدمت الحكومة الصينية رؤيتها طويلة المدى لبعثات فضائية أكثر طموحًا، تهدف لإنشاء بنية تحتية صينية في الفضاء، في وقت تعمل فيه على توسيع طموحاتها في الفضاء وتتحدى هيمنة الولايات المتحدة عن طريق منافسة وكالة ناسا.

وتتبادل الولايات المتحدة والصين الاتهامات بتسليح الفضاء، ويحذر كبار مسئولي الدفاع الأمريكيين من أن الصين وروسيا تبنيان القدرات للقضاء على أنظمة الأقمار الصناعية التي تدعم المخابرات الأمريكية والاتصالات العسكرية وشبكات الإنذار المبكر، لكن بكين تنفي وجود برنامج لديها لتدمير أقمار الدول الأخرى.

ويكسر هذا الوجود الصيني في الفضاء احتكار الولايات المتحدة لميزة تنافسية تمتعت بها طويلًا؛ فبحسب تصريح السناتور الجمهوري، جيم إينهوف، في جلسة استماع للقوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي: «في عقد من الزمان، تحولت الولايات المتحدة من زعيمة لا جدال على زعامتها في الفضاء إلى مجرد واحدة من اثنين من أقرانها في المنافسة»، مردفًا: «كل شيء يقوم به جيشنا يعتمد على الفضاء».

وقد حققت بكين إنجازات غير مسبوقة؛ ففي عام 2019 أصبحت أول دولة تهبط بمركبة على الجانب البعيد من القمر، ثم جلبت لاحقًا عيناتها القمرية الأولى، ومن المفترض أن تنشئ بؤرة استيطانية على القطب الجنوبي للقمر، وهي منطقة يعتقد العلماء أنها أفضل مكان للعثور على الماء، وهي منطقة تستهدفها أيضًا وكالة ناسا الأمريكية.

وتهدف الصين في نهاية المطاف إلى توسيع القاعدة لتصبح محطة أبحاث دولية، وهناك تعاون بين بكين وموسكو في هذا الصدد، ووقع الطرفان اتفاقية للتعاون الفضائي في عام 2019، وبناءً على هذا التعاون يعزم الطرفان تنفيذ مهمات فضائية مشتركة، وإطلاق رحلة مأهولة بالبشر إلى القمر.

ولم تهبط وكالة ناسا حتى اليوم على الجانب الآخر من القمر، حيث يصعب الحفاظ على التواصل مع الأرض بسبب تعطل إشارات الراديو، وأصبحت الصين أول دولة تتجاوز هذه المشكلة من خلال تثبيت قمر صناعي خلال المهمة الفضائية «تشانجي 4»، وفي أبريل/نيسان 2022 ، أعلن نائب رئيس إدارة الفضاء الوطنية الصينية (CNSA) وو يان هوا عن خطط لإطلاق كوكبة كاملة من الأقمار الصناعية لتوفير الدعم المعلوماتي للبعثات القمرية المستقبلية، ومن المخطط أن يتم إطلاق هذه الأقمار الصناعية بالفعل خلال عامي 2023 و2024.

ثروات القمر

بعد عقود من الهدوء يعود السباق الفضائي بقوة بعد نجاح الصين بسرعة في تقليد الإنجازات المدنية والعسكرية الأمريكية في مجال الفضاء وتحقيق إنجازات جديدة خاصة بها.

وتحمس الصينيون لإرسال المزيد من البعثات إلى القمر بعد اكتشاف معدن في عينات قمرية يمكن استخدامه كمصدر للطاقة، Changesite- (Y)، وهو سادس معدن جديد يعثر عليه البشر على سطح القمر، كما يجعل الصين ثالث دولة بعد الولايات المتحدة وروسيا تقوم بهذا الاكتشاف، وجاءت العينة التي تم العثور فيها على هذا المعدن من مهمة «تشانجي 5» الصينية في عام 2020، والتي جلبت الصخور والغبار من سطح القمر.

وما زال العلماء الصينيون يواصلون تحليل عينات من الصخور القمرية التي جمعتها مهمة «تشانجي 5»، وكانت أول مهمة تقوم بهذا العمل منذ السبعينيات، مما أدى إلى مجموعة من الاكتشافات، ومن المتوقع أن تحاول مهمة القمر القادمة للصين «تشانجي 6» جمع العينات من الجانب البعيد من القمر الذي لا يواجه الأرض.

وتنفق الصين مليارات الدولارات ليس فقط لوضع البشر على القمر، ولكن أيضًا للوصول إلى الموارد التي يمكن أن تعزز الحياة على سطح القمر، وبدأت منذ سنوات في زراعة النباتات كبذور اللفت والبطاطس على القمر، لكن تم الإعلان عن إنبات بذور القطن حسبما نقل عن البروفيسور ليو هانلونج من جامعة تشونج تشينج، في صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست الصينية.

وتخطط كذلك لإنشاء قاعدة على سطح المريخ، إلى جانب إطلاق رحلات جوية منتظمة مع الكوكب الأحمر، في مسعى إلى الهيمنة على الفضاء بحلول سنة 2043، وتراهن هذه الخطط على إقامة «جسر فضائي» مع المريخ من أجل نقل البشر، وتم الكشف عن هذه الخطط، بعدما تمكنت الصين لأول مرة من إنزال إنسان آلي على سطح المريخ، في منتصف مايو 2021، مما شجعها على المضي قدمًا في مشروع جمع العينات، ثم إنشاء مستوطنة صينية على أرض المريخ بعد ذلك.

ورغم أنه من الصعب على أي دولة الحفاظ على وجود بشري طويل الأمد في الفضاء السحيق، وهو أمر حتى اليوم يبدو غير واقعي، لكن الأكثر احتمالًا هو وجود منافسة في السنوات القليلة المقبلة بين واشنطن وبكين على «موارد ومواقع هبوط محددة» على سطح القمر على الأقل، ومع ذلك قد يكون هذا مفتاحًا للتعاون وليس للصراع بين القوتين، فالبعض في الولايات المتحدة يرى أن هناك حاجة للتعامل مع الصين، بسبب احتمال الهبوط بالقرب من بعضهم البعض أو الاضطرار إلى تقديم خدمات الطوارئ لرواد الفضاء الآخرين في بعض الظروف.

ومن الصعب للغاية فرض سيطرة عسكرية على كامل سطح القمر الذي تبلغ مساحته خمسة أضعاف مساحة أستراليا، لذا قد تلجأ الصين إلى الاكتفاء بالمنطقة الغنية بالموارد فقط بدلًا من احتلال القمر بأكمله، وفي النهاية يعتمد الأمر على توفر الأموال والقدرة على تحويلها إلى تكنولوجيا فضائية.

ويشعر الجيش الأمريكي بقلق شديد من تطوير بكين لأنظمة الفضاء التي يمكن أن تهدد الأقمار الصناعية الأمريكية، والتداعيات الأمنية لغارات الصينيين في الفضاء السحيق، بعد أن حققوا تقدمًا سريعًا بشكل مذهل.

وتسعى الصين ليس فقط للحصول على المعادن والثروات، بل الحصول على الهيبة العالمية وأن تكون القوة المهيمنة على الأرض، لذا فإن السيطرة على القمر وإنشاء جسر فضائي يصل إلى المريخ وسيلة لإظهار أن نظامها في أعلى درجات الاقتدار والقوة، مع العلم أنه قبل عشر سنوات فقط كانت طموحات الصين القمرية التي تحققت اليوم مجرد خيال، ومع احتدام السباق على القمر فإن العامين المقبلين يمكن أن يحددا مدى قدرة بكين على الفوز بالسيطرة على القمر والمريخ.