دخلت الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة شهرها الثاني، ومنذ اليوم الأول والاحتلال الإسرائيلي لا يتردد في قصف مدنيّ غزة بأي نوع من الأسلحة متاح عنده، دون اكتراث بتأثير تلك الأسلحة على المدنيين، أو بوضع تلك الأسلحة في أحكام القانون الدولي من حيث حرمة استخدامها في الحروب.

من الأسلحة التي كشف الاحتلال عن استخدامه لها كانت الصواريخ الحرارية، أو المعروفة أكثر باسم القنبلة الفراغية. فقد نشر سلاح الجو الإسرائيلي صورة لطائرة أباتشي كانت على وشك الإقلاع لقطاع غزة لتنفيذ طلعة جوية. لكن سرعان ما حُذفت الصورة من الصفحة الرسمية لسلاح الجو. سر الحذف كان أن الطائرة مُعلق بها صاروخ حراري، وهو من الأسلحة المحرمة دوليًا.

ويساوي القانون الدولي بينها وبين قنابل النابالم الحارقة، والقنابل العنقودية، والقنابل الفسفورية. لكن لا يبدو أن إسرائيل تكترث بهذه التصنيفات، فقد استخدمت الفسفور أكثر من مرة دون أن يردعها أحد، أو يعاتبها المجتمع الدولي. العجيب أنه لا يبدو أن العالم قد نسي شكل الصاروخ الحراري، فقد اشتعل الرأي العام العالمي منذ أقل من عام حين تواترت الإشاعات أن روسيا نقلت عددًا من تلك الصواريخ والقنابل إلى أوكرانيا.

وانبرت العديد من المنظمات الدولية تعلن بشكل واضح إدانتها لروسيا لاستخدام تلك القنابل المحرمة دوليًا، والتي تسبب نزيفًا داخليًا فوريًا ينتهي بوفاة محققة. وذكرّوا روسيا باستخدامها السابق له في الشيشان عام 1999، ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش ذلك بأنه تصعيد خطير سيكون له تداعيات إنسانية كارثيّة. لكن لم تُمنع روسيا من استخدامها، واستخدمتها مرة أخرى عام 2016 في حلب السورية، وسط إدانة دولية خجولة.

لكن كان الرأي العام الدولي أقل حزمًا، أما حين أتى الأمر لأوكرانيا كان العالم واضحًا، لا تعني لا. ويبدو أن الرأي العام الدولي عاد لقلة اكتراثه هذه المرة أيضًا، فالقنبلة سوف تُستخدم، واُستخدمت، ضد أهل غزة. ويبدو أن هناك توافقًا دوليًا أنهم أقل أهمية، أو أقل بشرية، من المواطن الأوكراني، لذا يحق لإسرائيل إبادته بأية طريقة شاءت.

حتى لو بالقنبلة الفراغية، أو قنبلة الغبار الجوي، المعروفة رسميًا بأنها إحدى القنابل غير النووية، لكنها تمتلك قدرة تدميرية مرعبة. القنبلة الفراغية عُرفت بهذا الاسم لأنها لا تحوي مواد متفجرة تقليدية، ولا تقتل ضحاياها بالنار أو الشظايا أو تدمير المباني فوق رؤوسهم.

بل تتكون من حجرتين منفصلتين، في واحدة وقود، وفي الأخرى مواد متفجرة. ذخيرتها الأساسية من وقود صلب شديد الاحتراق وسريع الاحتراق، يتحول بالوقود في أجزاء من الثانية إلى رذاذ غازي متطاير ومشتعل. يدخل الرذاذ، أو سحابة الانفجار، إلى كل مكان ممكن، ثم تقوم شحنة تفجيرية ثانية بالانفجار ما يؤدي إلى زيادة اشتعال الرذاذ.

ذلك الرذاذ يقوم بامتصاص الأوكسجين من المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها القنبلة، فتتسارع ذرات الأوكسجين من المناطق الأخرى لتعويض نقص الأكسجين الحاصل. هجوم ذرات الأوكسجين يعني بصورة أكبر تدافع الضغط الجوي المرتفع من جميع الاتجاهات للوصول إلى نقطة الضغط المنخفض التي خلقتها القنبلة.

هذا التدافع يولد انفجارًا شديد الحرارة، ويكون أمد الانفجار وموجته أطول من أمد وموجة الانفجار التقليدي بالقنابل المعتادة. خصوصًا أن درجة الحرارة الناتجة عن انفجار قنبلة فراغية يبلغ قرابة 3000 درجة مئوية، في حين تبلغ في معظم، أو تقريبًا كل، القنابل التقليدية إلى حد 1500 درجة مئوية، وهي درجة مرعبة في حد ذاتها، وتصير قاتلًا فتاكًا إذا تضاعف.

تلك الحرارة المرتفعة، وموجات انفجار الضغط، تسحق كل ما هو مقابل للقنبلة. فالبشر ينفجرون، وواجهات المباني وأسطحها تتساقط كأوراق الشجر. كما أنها قد تحدث تأثيرًا في المباني ككل، في الواجهة وفي خلفيّة البيت، نظرًا لقوة الهواء الضاغط وهو يهرول لمنطقة الضغط المنخفض. كما أن ذلك الضغط، والحرارة المرتفعة، يقتلان في طريقهما كل ما هو كائن حي، سواء بشرًا أو نباتًا أو حيوانًا.

ومن أسباب تحريمها دوليًا، وهي نفس الأسباب المعلنة لاستخدام إسرائيل لها، أنها من القنابل القليلة القادرة على الوصول للملاجئ والمخازن تحت الأرض، والأنفاق طبعًا. وتستطيع القنبلة تدمير تلك العناصر حتى وإن كانت مبنيّة بطريقة محصنة، أما الملاجئ والأنفاق اليدوية والمبنيّة تحت الحصار فستتحول فورًا إلى قبور لساكنيها. فالقنبلة إذًا تقتل في طريقها كذلك الحجر والجمادات أيضًا.

القتل على بشاعته إلا أنه أهون ما تفعله تلك القنبلة في من قرر الاحتلال أنه يستحق الموت لا لشيء إلا لأن الاحتلال قرر. فمن لم يمت من الضغط أو الحرارة فإنه يعاني إصابات شديدة الخطورة، كالعمي نتيجة انفجار عينيه أو تعرضهما للحرارة المرتفعة. كما تتمزق طبلتا الأذن فورًا. كذلك يعاني الفرد من انسداد الطريق التنفسي، ما يؤدي لانهيار الرئتين، ما يؤدي في النهاية للموت ألمًا واختناقًا.

كونها ذات قدرة تدميرية هائلة، لكنها بالطبع غير ملوثة بالبيئة، على حد تعبير ألكسندر روكشين نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، فقد شهدت تنافسًا حاميًا بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في من يمتلك الصورة الأشرس منها.

أعلنت روسيا عام 2007 أنها امتلكت القوة التدميرية الأكبر للقنبلة الفراغية، رغم أن القنبلة الروسية تحمل 7 أطنان من الوقود المتفجر إلا أنها تعادل في قوة انفجارها 4 أضعاف القنبلة الأمريكية. وأطلقت عليها روسيا اسم أبو كل القنابل. تُعارض بهذا الاسم التوصيف الأمريكي للقنبلة بأنها أم القنابل، حين كشفت عن النسخة الأمريكية منها عام 2003.

وفي عام 2023 عادت إسرائيل لاستخدام تلك القنابل في هيئة الصواريخ الحرارية التي تُطلق من المقاتلات الجوية. قد تبدو أنفاق حماس مبررًا كافيًا لإقناع الإعلام الغربي بضرورة استخدام تلك النوعية من القنابل، لكن لا يُعتبر ذلك صحيحًا تمامًا. فعمارات غزة التي تنهار مع إسقاط القنابل من الجو تمثل عائقًا قويًا أمام وصول قوة التفجير للأعماق، فالركام والهدم يستهلك جانبًا كبيرًا من قوة القنبلة، ما يعني بكلمات أخرى أن السبب الحقيقي وراء استخدام القنبلة قد يكون، ربما، هو إبادة سريعة ووحشية لكل كائن حي في غزة.