تُعتبر ضريبة القيمة المضافة VAT من أهم أنواع الضرائب غير المباشرة التي تُفرض على السلع والخدمات في كافة مراحلهما الإنتاجية والتوزيع، ويتحمل عبئها المستهلك النهائي، وتقوم الدول بتقدير قيمتها كـ نسبة من السعر النهائي للسلعة أو الخدمة، بحيث يتم تقدير قيمتها وفقًا للقيمة المضافة لكل مرحلة من مراحل الإنتاج، ويتحملها المستهلك ثم يحصل عليها المُموِّل والذي يقوم بدوره بسدادها للدولة.

ومن المُقدَّر أن تبلغ الضرائب على القيمة المضافة بموازنة العام المالي 2020/2021 نحو 401 مليار جنيه مقارنة مع 364.6 مليار جنيه بزيادة 36.463 مليار جنيه بنسبة 10%.

وتعتبر الضرائب على الدخل وضريبة القيمة المضافة من أهم مصادر الضرائب العامة، وعلى الرغم من ذلك تواجه تحصيل ضريبة القيمة المضافة العديد من الصعوبات، وهذا ليس بجديد على الواقع المصري في تحصيل الضرائب.

أولًا: صعوبات تحصيل ضريبة القيمة المضافة

على الرغم من وجود الإيصالات أو الفواتير التي تثبت المعاملات التجارية، فلا تزال الكثير من السلطات الضريبية غير قادرة على التدقيق بشكل فعال فيما يتم الإبلاغ عنه من قِبل الشركات، وذلك بسبب الافتقار إلى القدرة على الإنفاذ، مما يترتب عليه التهرب الضريبي.

كما تتضاءل القدرة على تحصيل ضريبة القيمة المضافة نتيجة الاحتيال الضريبي، خاصةً مع إمكانية تزوير الإيصالات بسهولة. وقد تسعى الشركات إلى بيع الإيصالات لشركات أخرى أو التواطؤ مع شركائها التجاريين من أجل تقديم تقرير يحتوي على قيم أقل من قيمة المعاملات التجارية.

وتستند منظومة ضريبة القيمة المضافة بالأساس على الحوافز المقدمة للمشترين من أجل مطالبة البائعين للفواتير، حيث لا يملك المستهلك النهائي الحوافز التي تدفعه لطلب هذه الفواتير. ويُسهم ذلك في تقليص القدرة على محاسبة ومراقبة الشركات نتيجة غياب هذه الفواتير، مما يؤدي إلى امتداد التهرب الضريبي عبر كافة سلاسل الإمداد.

وتتسم إقرارات ضريبة القيمة المضافة بارتفاع تكلفتها، خاصةً أنها تتضمن العديد من الإجراءات من أجل الالتزام بتسديد الضريبة، مما يوِّلد عبئًا على الشركات الصغيرة، لذلك تقوم بعض الدول بالسماح للشركات الأصغر حجمًا بالخروج من نظام ضريبة القيمة المضافة، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تجنب دفع الشركات للاقتصاد غير الرسمي. وتُطبِّق العديد من الدول عتبة لفرض ضريبة القيمة المضافة استنادًا إلى قيمة الأعمال التي تقوم بها الشركات والتي تفرض المزيد من التحديات.

ثانيًا: سبل تحسين تحصيل ضريبة القيمة المضافة

وتأتي سبل تحسين تحصيل ضريبة القيمة المضافة في تحسين مراقبة المبيعات من خلال تحسين التكنولوجيا المستخدمة في إصدار الفواتير، وذلك من خلال –مثلًا- إصدار فواتير موحدة تحتوي على طوابع زمنية وأرقام تسلسلية.

تقوم العديد من الدول بإلزام التجار باستخدام أجهزة الفواتير الإلكترونية، مما يساهم في الحد من التلاعب بأرقام الإيرادات وتوفير كميات كبيرة من البيانات عن المبيعات النهائية.

وعلى سبيل الذكر، وفّرت الأدوات التكنولوجية للسلطات الضريبية سبل الإنفاذ من أجل تحسين أداء نظم الضريبة القيمة المضافة، مثل البرازيل؛ حيث يتم إرسال الفواتير الإلكترونية في الوقت الحقيقي. وفي أوغندا، يتعيَّن على دافعي الضرائب من التجار الإبلاغ إلكترونيًا عن عائدات ضريبة القيمة المضافة وأن يُبلِغوا عن المعاملات المُفصَّلة بين الشركات. وفي الصين، سمحت رقمنة منظومة ضريبة القيمة المضافة زيادة المدفوعات الضريبية من قِبل شركات التصنيع الكبيرة، وتساعد هذه التقنيات على توليد معلومات بشأن الأسعار والكميات والمعلومات الخاصة بالمنتجات، مما يؤدي إلى إفادة مُتخِذ القرار بما هو أبعد من مجرد سياسات ضريبية.

وعلى صعيد برامج تحفيز الممولين والمواطنين لتحصيل كفء لضريبة القيمة المضافة، تتعدد الأنماط والأساليب المستخدمة في مثل تلك البرامج، ويعد النمط الأكثر شيوعًا هو ذاك القائم على تخصيص مكافآت للعملاء عبر منحهم لنقاط نظيرًا لعمليات الشراء، والتي يمكن من خلالها الحصول على العديد من البيانات حول سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم وتوزيعهم الجغرافي وغيرها من البيانات.

كما تعد برامج الولاء شائعة جدًا في صناعة البيع بالتجزئة وتعمل كأداة مفيدة جدًا للشركات. كما توفر هذه البرامج حافزًا للعملاء المخلصين لإجراء عمليات شراء إضافية من خلال مكافأتهم بالمزايا، كما أنها تهدف أيضًا إلى جذب عملاء جدد.

وفي الآونة الأخيرة، استخدمت أنظمة الولاء التكنولوجيا لتوسيع نطاقها. بدلاً من مطالبة العملاء بحمل البطاقات أو القسائم التقليدية للوصول إلى المزايا، تم توفير عدد متزايد من برامج الولاء لأي شخص لديه جهاز محمول. ويمكن تطبيق ذلك من خلال بعض البرامج مثل البرنامج الحصري الذي يتم إدارته عادةً داخليًا، حيث يعمل الكيان المعني باعتباره صاحب المصلحة الوحيد في برنامج الولاء. تقع على عاتق مشغل برنامج الولاء مسئولية الاحتفاظ بسجل لنقاط الولاء المكتسبة واستردادها لاحقًا من قبل كل عضو. والبرنامج متعدد الأطراف وهو أكثر تعقيدًا نتيجة لوجود كيانات متعددة مشتركة في البرنامج. يصبح العميل عضوًا في برنامج الولاء من خلال الدخول في اتفاقية عضوية مع مشغل برنامج الولاء الذي يوفر مزايا مختلفة لكل بائع في مجموعة مزودي الخدمة ومدى إجراء معاملة المقايضة.

ثالثًا: التجارب الدولية

وعلى صعيد النماذج المستخدمة في بعض الدول لإصلاح منظومة ضريبة القيمة المضافة، قامت جنوب أفريقيا بتطبيق برامج الولاء، ومن المفترض أن تحقق نتائج أفضل مع الاعتماد المتزايد على تكنولوجيا الهاتف المحمول، بما يُيّسر تطبيق أحكام قانون ضريبة القيمة المضافة والتغلب على صعوباتها، وتيسير تفسيرها بما يتسق مع رؤية أصحاب المصالح من خلال تطبيق برامج الولاء.

وتخضع السلع أو الخدمات لضريبة القيمة المضافة بنسبة 14%، وعندما يتم فيه استيفاء المتطلبات التشريعية، يمكن لمُشغلي برامج الولاء الالتزام بضريبة القيمة المضافة عندما يحصل العملاء على ميزة عند شراء سلعهم أو خدماتهم، وأقامت الشركات شراكات مع شركات في صناعات أخرى لإغراء العملاء بعروض ذات قيمة مضافة (مثل خصم 50% على وجبة في أحد منافذ الطعام عندما يشتري العميل الملابس بأكثر من مبلغ محدد في منفذ البيع بالتجزئة). ولا تعزز هذه البرامج الولاء للعلامة التجارية فحسب، بل تعزز أيضًا البيع العابر في سوق شديد التنافسية.

وعلى جانب آخر، قامت سنغافورة بإطلاق مسمى «ضريبة السلع والخدمات» على ضريبة القيمة المضافة، وتُقدر قيمتها بنحو 7%، ويقوم الممولون بالتسجيل في المنظومة من أجل سدادها للدولة، كما يمكن للممول الانسحاب منها في حالة أنه توقف عن نشاطه الاقتصادي أو في حالة أنه لا يحقق عائدًا يتجاوز (1) مليون دولار سنغافوري. ولا يُسمح للأنشطة التجارية غير المسجلة في ضريبة السلع والخدمات بفرض ضريبة السلع والخدمات. حيث تعتبر تحصيل ضريبة السلع والخدمات جريمة إذا لم تكن من الشركات المسجلة في ضريبة السلع والخدمات، كما لا تخضع الصادرات لها.

أما على صعيد الاتحاد الأوروبي، فقد كانت دوله تخسر مليارات اليورو في ضريبة القيمة المضافة (VAT) كل عام بسبب الاحتيال حولها والتهرب منها وتجنبها، بالإضافة إلى أنظمة تحصيلها غير الملائمة. ونتيجة لذلك، تقدم دول الاتحاد الأوروبي العديد من الإجراءات لزيادة الامتثال لضريبة القيمة المضافة وجعل أنظمتها أكثر مقاومة للاحتيال.

وأحد هذه التدابير هو آلية الدفع المقسمة. وتعمل آلية الدفع المقسم على تغيير كيفية تحصيل ضريبة القيمة المضافة بشكل عام، عن طريق إجراء الدفع للقاعدة الضريبية (أي صافي سعر المنتج لضريبة القيمة المضافة) بشكل منفصل عن مبلغ ضريبة القيمة المضافة. هناك اختلافات في آلية الدفع المقسّم، ولكن بشكل عام، يدفع العميل فاتورة إلى حسابين منفصلين: يتم دفع صافي المبلغ إلى الحساب المصرفي التجاري للمورد، ويتم دفع مبلغ ضريبة القيمة المضافة مباشرةً إلى حساب مصرفي مخصص لـ المورد، يُسمى حساب ضريبة القيمة المضافة.

وفي الممارسة العملية، سيتم سداد دفعة واحدة وسيتم تقسيمها من قبل البنك. وتعتبر المدفوعات المقسمة إجراءً لمكافحة الاحتيال في ضريبة القيمة المضافة وعدم الامتثال عن طريق إزالة فرصة للموردين لفرض ضريبة القيمة المضافة وتختفي دون الإعلان عنها أو دفعها إلى مصلحة الضرائب (احتيال التاجر المفقود).

إنه يبتعد عن التيار الرئيسي لتحصيل ضريبة القيمة المضافة في الاتحاد الأوروبي، والذي يعتمد على البائع في تحصيل الضريبة، وعلى التحويلات الدورية للضريبة من قِبل التجار المسجلين.

وعلى سبيل الذكر، فقد قامت بولندا بتنفيذ الدفعات المجزأة اعتبارًا من 1 يوليو/تموز 2018. وعلى عكس إيطاليا، لم يطلب مخطط بولندا من العملاء إجراء دفعتين منفصلتين بدلاً من ذلك، تطلب بولندا دفعة واحدة يتم تنفيذها للبنك، الذي سيقوم بعد ذلك بتقسيم الدفعة إلى حسابين مصرفيين منفصلين: حساب واحد للمبلغ الصافي للخدمة يتم دفعه إلى الحساب المصرفي التجاري للمورد، والحساب الآخر لمبلغ ضريبة القيمة المضافة يتم دفعها مباشرة إلى حساب مصرفي مخصص لضريبة القيمة المضافة للمورد. إن نطاق تفويض الدفع المقسم في بولندا أوسع بكثير من نطاق ولاية إيطاليا، حيث يتم تطبيقه على جميع الأنشطة التجارية المسجلة في ضريبة القيمة المضافة.

وختامًا، فإن للتحول الرقمي وتحقيق الشمول المالي دورًا كبيرًا في عملية الإصلاح الضريبي عامةً وضريبة القيمة المضافة خاصةً؛ حيث تشير بعض الدراسات إلى أن التحول إلى الدفع والتحصيل الإلكتروني على صعيد جانبي الموازنة يحقق وفورات تُقدر بنحو 320 مليار دولار سنويًا في الدول النامية.

كما أن رقمنة المالية العامة تُمكِّن الحكومات من زيادة الحصيلة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي، وتساعد على رفع كفاءة وشفافية نظم المشتريات العامة. ويُعد الشمول المالي أساسًا لنجاح مبادرات رقمنة المالية العامة القائمة على التحول نحو نظم الدفع والتحصيل الإلكتروني، فنفاذ السكان إلى هذه الخدمات الرقمية يتطلب وجود رؤية وطنية داعمة لزيادة مستويات الشمول المالي مع التركيز على المناطق المحرومة وتوفير التقنيات اللازمة لتسهيل هذا النفاذ، بما يُمكِّن من الاستفادة من اتجاه الحكومة لرقمنة المالية العامة.

تشير الإحصاءات إلى تواضع نسبة نفاذ الأفراد والشركات في المنطقة العربية إلى الخدمات المالية والمصرفية مقارنة بالمتوسط العالمي وباقي الأقاليم الأخرى. لذلك تبدو الحاجة مُلحة إلى تبني إستراتيجيات داعمة للشمول المالي، بالتركيز على الشباب والإناث والسكان في المناطق النائية، عبر تطبيق مجموعة من السياسات على جانبي العرض والطلب الخاص بالخدمات المالية والمصرفية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.