ذات صباح في المركز التدريبي التابع لنادي تشيلسي، قابل «ديديه دروجبا» رجلًا بملامح هندية انضم حديثًا للعمل هنا. تساءل ديديه في نفسه: من يكون ذلك الرجل؟ لا يبدو أنه طبيب الفريق الجديد، ولا يمكن أن يكون مدرب فريق الشباب، وهو لا يحمل صفة إدارية محددة. فكر أنه ربما يكون طباخًا جديدًا أُعجِب بقدراته مدرب الفريق جوس هيدينك، ثم ضمه ليشرف على المطعم. 

نزل دروجبا للملعب الرئيسي، وبدأ في الركض قبل انطلاق التدريبات، ليتفاجأ بالرجل يتخذ موقعه بجوار المدربين. إذن هو ليس طباخًا، لكن هل فعلًا هو مدرب؟ لم يخبرهم هيدينك بقدوم شخص جديد للعمل معهم، بل إن جوس نفسه لا يتحدث معه وكأنه لا يعرفه. اقترب دروجبا من قائد الفريق «جون تيري» وسأله: من ذلك الهندي؟ هل هو ساحر جديد هنا؟ أجابه تيري أنه لا يعلم، وإذا كان تيري لا يعرف شخصًا في تشيلسي، فمن المرجح ألا يعرفه أحد آخر. 

مضى المهاجم العاجي في حصته التدريبية، حتى وجد الرجل ينادي عليه في نهايتها. مد يده بالسلام، وقال: أهلًا ديديه، اسمي فيناي مينون وأنا هنا لمساعدتكم. ابتسم دروجبا وبادله السلام: مرحبًا سيد فيناي، تشرفت بلقائك، ماذا تعمل هنا؟ رد مينون: أنا مدرب يوجا!

نحن لا نعرف على وجه الدقة كيف كان رد فعل دروجبا، ما نعرفه أنهما أصبحا صديقين، بعد أن عملا معًا خلال السنوات التالية، تُرى ماذا يفعل مدرب يوجا داخل مركز البلوز التدريبي؟

ماذا يعرف عن كرة القدم؟

لا شيء. لا شيء على الإطلاق. فيناي لم يكن مشجعًا لكرة القدم أبدًا، ليس لأن الهند لا تمتلك منتخبًا متميزًا أو دوريًا قويًا، بل لأنه قضى أغلب سنواته في الدراسة وتحصيل العلوم، وأخذ يتنقل من جامعة لأخرى. في البداية أراد الشاب الهندي أن يصبح ضابط شرطة، لكنه لم يوفق، ليتخذ عندها المسار الذي سيدفعه نحو العاصمة الإنجليزية لندن بعد عشرة أعوام. 

شرع مينون في دراسة التربية البدنية في جامعة كاليكوت الهندية، وهناك اطلع على نماذج التحليل والإعداد البدني وعلاقتها بصحة الإنسان، ويحصل منها على درجة البكالوريوس. لم يكن ذلك كافيًا لإشباع شغفه، وبدأ في دراسة الماجستير، حيث مكث عامين يدرس فيهما تصميم البرامج التدريبية كما درس علم النفس الرياضي.

طار بعد ذلك نحو مدينة بونا التي تنتشر فيها مؤسسات الإعداد البدني، ليلتحق بأحد مراكز تعليم اليوجا، ثم يحصل على شهادة تخصص كمدرب عام 2001، ويبدأ في العمل من العام التالي. وقد نال درجة الامتياز في كل تلك الدراسات كما يقول حسابه عبر منصة لينكد إن الاحترافية. لذلك على الأحرى لم يجد فيناي وقتًا لمتابعة مونديال 1998، ولم يشاهد هدف زين الدين زيدان الإعجازي في مرمى باير ليفركوزن، وطبعًا لم يكن يسمع عن نادي تشيلسي.

لا أمتلك تذكرة

لم يتأخر عرض العمل الأول كثيرًا، بل وصل لفيناي عرض يتمناه كل من يعمل في ذلك المجال. إذ قدم له أحد المنتجعات السياحية في وادي ريشيكيش فرصة أن يتولى مسئولية حصص اليوجا للزوار والضيوف. وهو وادٍ يطل على جبال الهيمالايا، وتنتشر فيه الغابات الخضراء. هل هناك مساحة عمل أفضل من تلك لشخص مختص في يوجا؟ 

كانت إجابة مينون آنذاك هي: لا، وقد أحب كثيرًا قضاء وقته في التأمل بين الجبال. حتى حين آتاه عرض مغر من مجموعة فنادق جميرا الإماراتية، تردد فيناي في ترك الهند، لكنه في الأخير شق طريقه نحو دبي وانضم لفريق عمل الفندق ذائع الصيت عام 2004. 

هناك بدأ في إعداد حصص يوجا صغيرة تضم 25 مشاركًا، ثم ابتكر برنامجًا للتعافي وسماه «القمر المكتمل». هذا البرنامج سيجلب شهرة واسعة لفيناي، ويضاعف عدد زبائنه ليتجاوز المائتي مشارك، يقول المدرب الهندي لصحيفة نيويورك تايمز: إن بعضهم كانوا من أغنى الأشخاص في العالم وأكثرهم تأثيرًا في مجالات مختلفة. أحدهم كان رجل الأعمال الروسي أليكساندر جوكوف. 

يبدو أن أليكساندر كان يقدر عمل فيناي جدًا، حتى أنه رشحه لابنته داشا التي تقيم في إنجلترا رفقة زوجها، ثم وجه الدعوة لمينون عام 2008 لزيارة لندن من أجل الإشراف على حصة خاصة لهما. وافق الشاب الهندي، وهناك دار بينه وبينهما حوار حول الصحة والتعافي النفسي، ثم سأله الزوجان عن سنوات عمله وخلفيته العلمية وخبرته مع اليوجا.

بدا أنهما مهتمان حقًا بما يقوله، قبل أن يسأله الزوج: سيد فيناي، هل تحب أن نستكمل حديثنا خلال مشاهدة مباراة كرة قدم في الملعب؟ ليجيبه مينون: مباراة؟! أنا آسف لا أمتلك أي تذكرة. 

لأنه يعرف الكثير عن الضغط

لم يكن مينون في حاجة لتذكرة بالطبع، لأنه ببساطة كان في رفقة رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي. دخل فيناي ملعب ستامفورد بريدج وقد فُتِحت أمامه كل الأبواب، ثم جلس في المنصة الرئيسية لمعقل البلوز تحاوطه عدسات الكاميرا. كانت مغامرة لم تخطر بباله أبدًا حين بدأ تلك الرحلة قادمًا من دبي صوب لندن، لكن رومان سيفاجئه بأمر أكثر إثارة. 

بعد المباراة، سيسأله الملياردير الروسي: هل تحب العمل معي مستشارًا نفسيًا؟ بالتأكيد كان ذلك سؤالًا مربكًا، فالإجابة بالإيجاب تعني أن فيناي سيضطر لقلب نظام حياته كلها رأسًا على عقب، وإجابته بالسلب كانت ستمنعه من فرصة ذهبية لا تتكرر كثيرًا للحصول على عائد مادي أفضل، وتوسيع شبكة علاقاته مع طبقة رجال الأعمال والمستثمرين الكبار. 

في النهاية أجاب بنعم، واضطر لنقل كل شيء نحو لندن. كان فيناي يسافر مع رومان خلال رحلات العمل، التي يضطر فيها الروسي لحضور اجتماعات طويلة ومرهقة، واتخاذ قرارات قيمتها تتجاوز ملايين الدولارات، وهو ما يجعل الضغط يتراكم فوق كاهله. وهنا كان مينون يصمم له التدريبات الفردية، ويقدم النصائح النفسية التي تساعده على التحكم في عقله وأعصابه بصورة أفضل. 

وجد أبراموفيتش تأثيرًا إيجابيًا ملحوظًا بسبب وجود مينون إلى جواره، وهنا فكر في الاستفادة من خدماته بصورة أكبر، فعرض عليه أن ينضم لطاقم المدربين والمعدين في تشيلسي، ليقدم تدريبات اليوجا لكل من يحتاجها سواء من لاعبين أو مدربين.

لماذا؟ ببساطة لأن رومان أدرك حجم الضغوط التي يعيشها لاعبوه خلال المنافسة الشرسة محليًا وأوروبيًا، وبالتالي أراد أن يوفر لهم فرصة للتغلب على حدة تلك الأجواء الصعبة مستعينًا بالرجل الهندي الذي أثبت له كفاءة. 

فضائي في الستامفورد بريدج

بشكل ما نجح أبراموفيتش في إقناع فيناي بقبول تلك المهمة، لكن ظلت العقبة الأولى أمام إتمامها هي كيف سيتم تقديم مدرب اليوجا لفريق كرة قدم؟

أيقنت أن اللاعبين سينظرون لي كما لو أنني كائن فضائي هبط عليهم فجأة من السماء، أو ربما كساحر يمارس طقوسًا شيطانية. لذلك أعددت خطة حكيمة لكسب ود اللاعبين، ومن ثم مساعدتهم على الصعيد النفسي. 
فيناي مينون

أولًا: حدد مينون هدفه بدقة، وهو مساعدة اللاعبين على اكتساب التركيز، والتعامل بشكل أفضل مع مشاعرهم التي تتغير بصورة حادة وفقًا للنجاح أو الإخفاق. وثانيًا: قرر أن يقدم نفسه مستخدمًا كلمات بسيطة، خالية من أي مصطلحات معقدة، ليشرح أنه هنا فقط لمساعدتهم، ولن يشكل أي أزمة أبدًا.  

أما ثالثًا: فرأى أن تكون تدريبات اليوجا غير إلزامية لأي أحد، بل يخضع الأمر كله لرغبة اللاعب في اللجوء لمينون وقتما أراد. ورابعًا رفض أن يتواجد بصورة يومية داخل المركز التدريبي وإلى جوار الطاقم الفني، وذلك حتى لا يشتت تركيزهم أو يعيق أحد عن تأدية عمله، بل يزور المركز في الوقت الذي لا يسافر فيه مع رومان، ويراقب اللاعبين من بعيد. 

أدرك المدرب الهندي أن الأمر سيكون مفاجئًا، وربما غريبًا، وبالتالي قد لا يفهمه أو يتقبله بعضهم، لذلك فهو لن يفرض وجوده بأي شكل وسيترك الباب مفتوحًا أمام الجميع لتجربة جلسات اليوجا، واختبار ما إذا كنت ذات أهمية أم محض هراء لا طائل منه.

أثر الفراشة

كان فيناي محظوظًا بأول اللاعبين الذين أحبوا تجربة الأمر، هل يمكنك تخمين اسم ذلك الزبون؟ إنه دروجبا، أحد أهم الهدافين في تاريخ تشيلسي، والمهاجم صاحب الكلمة المسموعة بين اللاعبين. سأله دروجبا كيف يستفيد كلاعب من تدريبات اليوجا، ثم أخبره: دعنا نجرب الأمر لمرة واحدة. يبدو أن ديديه لاحظ تغييرًا إيجابيًا بعدها، فلم تكن المرة الأخيرة التي يخضع فيها للتدريب مع مينون. 

بعد بضعة أيام، آتاه زبون آخر، من يكون؟ إنه القائد جون تيري بنفسه، الذي أخبر زملاءه بعد الجلسات بالهدوء والسلام الذهني الذي أحسه، وحثهم لتجربة التدريبات خصوصًا مع اشتداد المنافسة والضغوط. كانت نصيحة تيري محركًا لصانع الألعاب إيدين هازارد لتغيير انطباعه عن مينون، في البداية لم يأخذ الموضوع بجدية، لكنه بعد ذلك تحول لضيف دائم على طاولة مينون.

يؤكد هازارد أن عالم كرة القدم اليوم يعج بالتفاصيل الضاغطة، ويدفع اللاعبين لتبني أفكارًا سلبية، لذلك يحرص على جلسات المدرب الهندي لأنها تمنحه الاسترخاء الذهني خلال ساعة واحد فقط، حتى أنه تحدث عام 2017 عن اليوجا كعنصر رئيسي ضمن برنامجه التدريبي المعتاد. 

أضِف لهازارد أيضًا المدافع ديفيد لويز وسيزار أزبيليكويتا ضمن عدد آخر من اللاعبين، كل هؤلاء حرص فيناي أن تكون علاقته بهم علاقة صديق يلجئون إليه حين حاجتهم. وقد لاحظ المدربون مدى ارتياح نجوم تشيلسي له، ليمنحه أنطونيو كونتي صلاحيات أوسع إبان حقبته، ويطلب منه إلقاء كلمة قبل مباراة هامة أو بعد فوز ثمين أو للتعافي من خسارة مفاجئة. 

تشيلسي، الدوري الإنجليزي، لندن، جون تيري
فيناي مينون رفقة جون تيري وأزبليكويتا

المثير هو معرفة أن كونتي نفسه أصبح أحد رواد جلسات اليوجا، وقارئًا لكتب الصحة الذهنية حتى بعد خروجه من تشيلسي. يشترك في ذلك مع جون تيري مدرب أستون فيلا الحالي، الذي حرص على وجود مدرب مختص في ناديه الجديد، وشجع لاعبي الفيلا أيضًا على الالتزام بتلك التدريبات. كم هو ظريف تخيل أحمد المحمدي ومحمود تريزيجيه يمارسون اليوجا!