عبارة قرأتها على مدخل مقهى في إحدى المناطق اللبنانية، إبان التفجيرات التي عصفت بأكثر من منطقة بلبنان عام 2014، فقد تخوف أصحاب مقهى من وصول أحد هؤلاء الانتحاريين إليهم، فوضعوا على المدخل لافتة كتب عليها «لا يوجد لدينا حور عين الرجاء عدم التفجير».

عبارة موجعة بحجم السُخرية، الآن وبعد ثلاث سنوات من قراءتي لهذه العبارة التي لاقت رواجا وانتشارا كبيرا على الشبكة العنكبوتية لتكرار تداول وجودها في أكثر من مكان داخل بيروت وبغداد، حتى رأيتها معلقة اليوم على المتجر المواجه لمحل عملي.

رائحة الخوف تملأ المكان، الموت شبح يحوم حولنا، كيف وصلنا إلى هذا الأمر، واستوطن الإرهاب نفوسنا، أصبح مشهد الدماء طبيعيا، وصور الأشلاء مألوفة، سماع دوي الانفجارات شيء اعتادته الآذان، كل ذلك شيء قليل يقدمونه قربانًا للحصول على الجنة والفوز بالحور العين.

برغم جميع ما تم ذكره على مدى أكثر من 1400 سنة من أحاديث نبوية وآيات قرآنية ووصف النبي (ص) عظمة وجلال الجنة بكل ما فيها من أنهار خمر وثياب من سندس وإستبرق وفاكهة والنخل ذات الأكمام، فإن كل ذلك لا يثير مخيلة الجهادي أو الانتحاري أو الشخص المكبوت جنسيا «جميعهم نفس الشخص»، فقط كل ما يثير مخيلته ويدغدغ حواسه هن الحور العين. تلك المخلوقات الوارد ذكرها في عدد كبير من الآيات القرآنية الكريمة:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ{51} فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{52} يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ{53} كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ{54}
سورة الدخان
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{19} مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ {20}
سورة الطور
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا{36} عُرُبًا أَتْرَابًا{37} لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ{38}
سورة الواقعة

وكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية تناولت وصف الحور العين وعددهن وصفاتهن، ولكن لماذا عزيزي الانتحاري يشغل بالك هذه المخلوقات فقط، لماذا لا تعير أي انتباه للحرير واللؤلؤ والمرجان والأشياء المادية والمعنوية في الجنة؟


لكل شهيد في الجنة 490 حورية

وحش الكبت الجنسي والجهل يلتهم عقول الشباب، وليس المقصود بالجهل هنا هو الجهل الثقافي أو عدم القراءة، وإنما جهل مبادئ الحياة، فقر الأنفس، فالانتحاري أو التكفيري ليس بالضرورة شابًا يافعًا لا يستطيع القراءة والكتابة ويلتمس القرب من الله طمعًا في جنته عن طريق الشهادة، التكفيري من الممكن أن يكون جامعيا، دكتورا، مهندسا، طبيبا، وأحيانًا ضابطا.

جميعهم لديهم نفس الأيديولوجية يجتمعون على عدة أشياء، منها الكبت الجنسي، والجهل، والفقر، وعدم الرقابة على الخطاب الدينى، والفشل في الحياة الشخصية. هؤلاء الأشخاص يقعون ضحية للخطابات التكفيرية على أيدي من يدعونهم «شيوخا» يحشون رؤوسهم بعبارات عن الشهادة، والدين، والجائزة الكبرى، والجنة، والحور العين، الذين يبالغون في وصفهن بأنهن نساء ومخلوقات من نور، جميلات، بيض، حسان.

أذكر أنني في الماضي رأيت فيديو على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لرجل بلحية يدعونه «شيخا»، يقوم بوصف الحور العين بطريقة مبالغ فيها، حتى تكاد تصدق أن هذا الرجل عاش التجربة بنفسه ويتحدث كمن رآهن رأي العين، ويقوم بحساب عددهن لكل رجل، وعن فترة جماع كل واحدة قد تصل مدتها لـ 70 سنة وبقوة 100 رجل! رغم أنها مسألة غيبية ميتافيزيقية لم يرها أحد من قبل كي يخبرنا عنها، وتنتهي المسألة عند هذا الحد.

هذا الرجل يبيع الوهم الجنسي لهؤلاء الأعراب حتى يخدرهم، وبطريقة حسابية بسيطة -على حد قوله- فإن للواحد سبعين حورية، ولكل حورية سبعون وصيفة، أي الناتج هو 490، مدة الجماع مع كل واحدة 70 عاما، هذا يعني أن مدة الجماع مع الكل يساوي 34300 سنة، إذًا فالزوجة أو الحور عليها أن تنتظر دورها لمدة 34300 سنة، لقد اختزلوا الجنة في الحور العين. فهل هذا يتقبله عقل؟ وهل هذا هو الذي جعل «الدواعش» يتسابقون على تنفيذ العمليات الانتحارية؟


في قتل الأبرياء انتصار لذاته المريضة

ليس الجنس فقط هو من يحرك هؤلاء الشباب من متعطشي الدم إلى القتل والتفجير، بل هناك عديد من العوامل النفسية التى تدفع الانتحاري لارتكاب هذه الجرائم، فالانتحاري ليس مريضا نفسيا بدليل أنه يقتل وهو في كامل وعيه، ولكنه شخص قانط وحاقد على المجتمع، ضائع بين المفاهيم، لم يجد من يساعده على إيجاد ذاته فيقع فريسة لهذه الجماعات عن طريق سبل عدة.

حتى الذي ينفذ عمليات إرهابية في بلد غريب كتفجيرات «بروكسل»، و«باريس» الأخيرة، على الرغم من أن الانتحاري هنا لا يملك أي عداء أو خلاف مع شخص من هذا البلد، إنما هو يملك ولاء أعمى للجماعة، بالإضافة لعوامل سلوكية مضطربة من الممكن أن يكون مر بها في حياته الشخصية جعلته شخصا عدوانيا.

فعندما يقوم الانتحاري بقتل شخص أو مجموعة من المدنيين فهو فى رأيه يقتل مجتمعا ومنظومة يصب عليها غضبه، يقتل السبب في فشله الشخصي، والدليل على ذلك انضمام أعداد كبيرة من شباب أوروبي لا يوجد أي خلافات أو حروب في بلدهم مثل «هولندا»، و«النمسا»، أذن عن من يدافعون ويضحون بأرواحهم؟ كل ذلك طمعًا فى الجنة التى يصورها لهم شيوخهم، وانتقامًا من ظلم مجتمعاتهم لرفع راية الإسلام. والإسلام منهم بريء.

ولكن مهما كانت دوافعك كانتحاري، ومهما كانت التعاليم التي تتلقاها على يد شيوخك التكفيريين، كل ذلك لا يغفر لك قتل الأنفس، ولا يعطيك الحق في سلب الحياة منا، تريدون الجنس؟ اذهبوا للمراقص، تزوجوا إذا كنتم تريدون العفة، تريدون الجنة؟ أقيموا الصلاة، افعلوا أي شيء صائب تقربًا إلى الله، ولكن لا تقتلوا أبناءنا تقربًا للحور العين، والعيش الهانئ، لأنك عندما تعبر إلى البر الآخر لن تجد إلا الجحيم في انتظارك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.