جاءتني وهي تتذمَّر من زوجها ومشكلاته التي لا تنتهي معها، وجلست تعلِّل عدم تقبُّلها لعيوبه، ورفضها الاقتراب منه وفهم شخصيته، والتماس العذر له، بأنهما لم يتزوجا عن حبّ، بل كان زواجهما تقليديًّا «زواج صالونات» كما تقول.

قلتُ لها: في هذا الزمان – يا عزيزتي- أصبح من النادر أن يوجد شخصٌ لم يتزوج عن حبٍّ واقتناع. فطالما أنه تقدَّم لخطبتك وجلستِ معه وارتحتِ في الحديث إليه، واستقرَّت نفسك على الموافقة، دون إرغام من أحد، فأنت في الحقيقة قد قبلت به زوجًا، أي: قبلتِ به حبيبًا، وبدأت معه مشروع هذا الحب بالشروع في إعلان الخطبة، ومن ثمَّ عقد الزواج، حتى وصلتما إلى إتمام الزفاف وبناء هذا البيت وتلك الأسرة التي عدادها الآن أربعٌ من الأنفس لهم ذكرياتٌ سعيدة مشتركة، بجانب ذكرياتك الحزينة التي تصرين على تصدُّرها واقع حياتك مع زوجك.

أن يخفق أحد الطرفين في فهم شريك حياته، ثم يعلِّق إخفاقه هذا على أنه لم يتزوجه عن حب، فهذا وهمٌ وخداعٌ للنفس

وهذه الأسرة لها – أيضًا – بيت واحد بنيتماه وأسستماه معًا، واشتركتما في كل تفاصيله الصغيرة والكبيرة بالاتفاق والتوافق، ويجب أن يكون لهذه الأسرة طريقٌ واحد للسعادة وراحة البال، والتغاضي والتواضع لشريك الحياة هما زادك في هذا الطريق، ولا بد وأن يكون لكل منكما الرغبة نفسها في دوام هذا الحب ومحاولة إيجاد طريقة للتفاهم وإبقاء قنوات حوار مفتوحة بينكما.

ذكرني هذا الحديث مع صاحبتي بتلك المسكينة التي جاءت باكيةً تشكو فيها زوجها الذي يصرِّح لها إثرَ كل مشكلة تكون بينهما بأنه نادمٌ على زواجه منها، وأن أكبر غلطة في حياته أنه تزوج زواج صالونات، ولم يتزوَّج عن حبّ. وقد نصحتها ساعتها بأن لا بد وأن تكون لها وقفة حاسمة لإنهاء تلك المشكلة، فتخبر زوجها بأنها بالرغم من زواجها به زواج صالونات، فإنها أحبَّته منذ قررت الارتباط به، وأنها وحريصة على حياتها معه، وستعينه على أن يحبها بأن تغير ما يراه سيئًا من أخلاقها، وما يزعجه من تصرفاتها، لكن إن ظلَّ على رأيه بأنه نادمٌ على الزواج بها، فلن تملك ساعتها أن تعيش مع رجل لا يريدها، وتخبره بأن القرار له، ولتتركه وحده ولتبتعد عنه قليلًا، وأنا على ثقة بأنه سيعيد ترتيب أوراقه، وسيراجع نفسه، وسيتغير تدريجيًّا حتى تصل معه إلى درجة مقبولة من الانسجام والشعور بالأمان.

أن يخفق أحد الطرفين في فهم شريك حياته، ثم يعلِّق إخفاقه هذا على أنه لم يتزوجه عن حب، فهذا وهمٌ وخداعٌ للنفس، لن يجني من ورائهما إلا مزيدًا من التعاسة وخيبة الأمل، ولن يفيق إلا على كارثة فقد هذا الشريك بأي صورة كانت، وساعتها – حتمًا – سيراجع نفسه، وسيدرك كم كان أحمق بأن ضيع أيامه القصيرة في هذه الدنيا في الخلاف مع من يحب، ولم يحاول بذل الجهد في التقرب منه ومعرفة أسرار شخصيته والطرق الصحيحة إلى مفاتيح قلبه.

فإلى كل عروس – ذكرًا كان أو أنثى – أقول:

لا يتزوج أحدكما إلا بمن يحب ويقتنع به تمام الاقتناع، ولا يسمح أبدًا بتدخل أي طرف للضغط عليه للرضا بمن سيكون شريك حياته؛ فلن يعيش لك أحد، ولن يتحمل عنك الآلام أحد، ولن يكمل أحدٌ معك الطريق إلا هذا الشريك الذي اخترته، فكن حريصًا على حسن الاختيار، وتأكَّد من تحقيق التكافؤ الشعوري بينك وبين شريك حياتك قبل إتمام هذا الزواج.

ولا يظننَّ أحدٌ أن هذا الحب قبل الارتباط الرسمي، والذي يروِّجون لجعله حقيقةً مسلَّمًا بها، واقعيٌّ إلا إذا كان صاحبه جادًّا واتخذ الخطوات الجادة لتكليله بالزواج. فالحبُّ الذي قوامه الكلمات المعسولة والنظرات المحرَّمة، ولا يأتي البيوت من أبوابها، ولا يصلح معوجًّا، ولا يحترم أهلًا، ولا يقدِّر أمانة، ولا يدفعك لأن تكون شخصًا أفضل، ولا يسير بك نحو الطريق الحلال، هو سرابٌ ومحض أوهام، مهما خدعوك وزيَّنوه لك، ولا يُجنى من ورائه إلا ضياع العمر، واستهلاك المشاعر الذي يؤدي بدوره إلى استهلاك الصحة.

حتى إذا جاء الحب الحلال وجد صاحبه قد شاخت مشاعره، وانكسر قلبه؛ إثر تجاربه السابقة؛ فيأتي ويحاول الترميم، ويكون نجاحه في هذا الترميم متوقفًا على صدق توبته، وإصراره على تصحيح المسير، ورغبته الجادة في تذوق هذا الحب الحلال، ثم على إرواء نبتة هذا الحب طيلة حياته بالاهتمام بشريك الحياة ومحاولة فهم شخصيته وتقبُّله كما هو بعيوبه ومميزاته، والتسليم بأننا جميعًا بشر نخطئ ونصيب، وأنه لا يوجد شخص كامل، فمن يبحث عن العيوب في شخص ما سيجدها، تمامًا كما لو بحث عن المميزات في الشخص نفسه فسيجدها أيضًا. فلنترفَّق كثيرًا بشريك الحياة ولنفهم طبيعته، ولنحاول معه الإبقاء على دوام الحُبِّ بيننا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.