جاء إطلاق حركة حماس عملية «طوفان الأقصى» ضد الاحتلال الإسرائيلي في ظل فرضه إغلاقًا شاملًا على الضفة الغربية ومعابر قطاع غزة، ابتداء من الجمعة، بذريعة الأعياد اليهودية.

وأتى الهجوم انتقامًا لعمليات تدنيس المستوطنين المسجد الأقصى وتصاعد الهجمات والمواجهات الدامية التي راح ضحيتها عدد كبير من الفلسطينيين، من أحدثها مهاجمة المستوطنين بلدة حوارة جنوب نابلس واقتحام قوات الاحتلال مدينة نابلس ومخيم مدينة طولكرم شمال غربي الضفة الغربية، مما تسبب في اندلاع مواجهات عنيفة بين شبان المخيم وجنود الاحتلال الذين منعوا سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين.

وقبل ذلك نفذ الجيش الإسرائيلي حملات مداهمات واعتقالات واسعة في مناطق متفرّقة من الضفة الغربية المحتلة طالت عددًا من قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس بحجة الضلوع في أعمال النضال المسلح.

كما اقتحم المستوطنون وأعضاء من الكنيست المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال، فيما أصدر الأردن إدانة رسمية وطالب إسرائيل باحترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها، ومنع تدنيس المقابر الإسلامية في محيط الأقصى.

وقد حولت قوات الاحتلال مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية منذ مساء الأربعاء بالتزامن مع انطلاق مسيرات للمستوطنين احتفالا بعيد العرش، وهي فعاليات تنظمها بشكل سنوي الجماعات الدينية المتطرفة في القدس بطريقة تستفز سكان المدينة العرب.

وتهدف جماعات المستوطنين لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه، ويحظى هذا التيار بحماية الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ويضغطون من أجل تسريع عملية تهويد مدينة القدس وسائر مناطق الضفة.

جهود اليمين الصهيوني لضم الضفة

تأتي تلك التوترات في ظل مساعي حكومة الاحتلال لالتهام الضفة الغربية؛ خصوصاً من جانب الوزيرين سموتريتش وبن غفير، فالأول هو وزير المالية في إسرائيل، ومسئول شئون الإدارة المدنية بوزارة الدفاع في الضفة الغربية، وهذا المنصب الأخير يجعل منه حاكمًا فعليًا للضفة، فهو أول وزير حكومي يشرف على الحياة المدنية هناك.

وسموتريتش من أشد المتطرفين الصهيونيين، إذ سبق أن اعتقلته قوات الاحتلال نفسها عام 2005 لاتهامه بالتحضير لهجمات إرهابية ضد الفلسطينيين؛ أي إنه متهم سابق بالإرهاب طبقًا لمعايير كيان الاحتلال، فهو يدعو صراحة إلى حسم الصراع بدلاً من إدارته، أي حل السلطة الفلسطينية، وفرض السيادة الكاملة على الضفة بمناطقها الثلاث أ وب وج، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أي باختصار توسيع الخط الأخضر ليشمل فلسطين التاريخية ومساواة وضع القدس ورام الله بتل أبيب، وإنهاء مرحلة عملية أوسلو للسلام التي أنشئت بموجبها السلطة الفلسطينية.

وبذل سموتريتش مجهودات مؤثرة لبناء آلاف المنازل الاستيطانية وتقنين البؤر الاستيطانية العشوائية، وأقصى مسئولي النيابة العسكرية الإسرائيلية من أجل توسيع الاستيطان، وخصص مئات الملايين لخدمة المستوطنات.

ويقود كذلك وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، المعروف بشدة تطرفه، مشروعًا لا يقل خطورة عن جهود سموتريتش وهو تشكيل قوات «الحرس الوطني» تحت إمرته، وهي ميليشيا تقرر تأسيسها لتضم العناصر الإرهابية الأكثر تطرفًا.

وتعمل هذه الميليشيا بشكل مستقل عن الشرطة الإسرائيلية، ومن شأن ذلك إضفاء الصفة الرسمية على المسلحين اليهود المتشددين ومنحهم حماية ودعم مادي وسلطات كبيرة، فالتسليح والتدريب والرواتب توفرها وزارة الأمن القومي، بينما يتولى عتاة التطرف الصهيوني بتوجيهها وإرشادها روحيًا، أي إنها ستتلقى المال من الحكومة والتوجيهات من الحاخامات المتشددين.

ولا تزال هذه الميليشيا في طور التأسيس، إذ تم تكوين أولى وحداتها مطلع آذار/مارس الماضي في مدينة اللد التي يعيش فيها عرب ويهود، مما يؤشر إلى تركيز هذه الميليشيا على المدن المختلطة لاستهداف فلسطينيي الداخل وقمعهم.

ويتضمن مخطط تكوين ميليشيا الحرس الوطني ضم ضباط من شرطة حرس الحدود وتجنيد نحو عشرة آلاف متطوع، بميزانية قيمتها 31 مليون دولار، ودعم حكومي سنوي يبلغ 17 مليوناً.

وتسبب ذلك في تصاعد المخاوف من أن ترتكب هذه القوات أعمالاً وحشية ضد السكان العرب في الضفة الغربية، وانتقدت السلطة الفلسطينية هذه الخطوة وحذرت من عواقبها الوخيمة.

واعتبرت الخارجية الفلسطينية أن إطلاق نتنياهو يد بن غفير ضد الفلسطينيين سيشعل ساحة الصراع ويوسعها، الأمر الذي سيخرّب أي جهود مبذولة لوقف التصعيد وتحقيق التهدئة.

واتهم رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، بن غفير بأنه «يريد تحويل ميليشيا السفاحين التابعة له إلى حرس قومي يجلب الإرهاب والعنف في كل مكان بالبلاد»، وحذر المساعد السابق لوزير الخارجية الإسرائيلي، إيدان رول، في تغريدة، من أن أعضاء منظمة «لا فاميليا» العنصرية اليمينية «سيصبحون الحرس القومي بسلاح وصلاحيات»، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، هذه الخطوة بأنها «جنونية» مبرراً ذلك بأن بن غفير وُجهت له اتهامات 53 مرة، وأدين بتهمة متعلقة بالإرهاب.

وانتقد جلعاد كاريف النائب عن حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو، موافقة الأخير على تكوين هذه الميليشيات، وقال: «الحرس الوطني يجب أن يكون تحت سيطرة الشرطة، لا تحت سيطرة مجموعات متطرفة لهافا وبقية الكهنايين (أي أتباع الحاخام المتطرف مائير كاهانا)»، وطالب النائب عن الليكود جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» بمعارضة مسعى تشكيل جهاز مثل هذا، واصفًا إياه بـ«ميليشيا بن غفير التي أقرها القانون»، وقال المفوض العام الأسبق للشرطة الإسرائيلية، موشيه كرادي، إن بن غفير يريد «تشكيل ميليشيات خاصة من أجل أغراضه السياسية».

وبين مخططات وخطوات سموتريتش وبن غفير وقادة اليمين الصهيوني يتم اعتصار الفلسطينيين في الضفة الغربية وجعلهم أهدافًا مستباحة أمام قطعان المستوطنين المدعومين بالآلة الحربية الغاشمة، فمجرد بقائهم على أرضهم التي عاش عليها أجدادهم منذ القِدم يعد جريمة في نظر المستوطنين الذين جاءوا من مختلف أنحاء العالم لينهبوا أراضيهم وبيوتهم ويسفكوا دماءهم لإجبارهم على الهجرة وترك أراضيهم لليهود.

وقد دعت الخارجية الفلسطينية مؤخرًا إلى التعامل مع اعتداءات إسرائيل اليومية باعتبارها مخططًا لضم الضفة، واعتبرت أن تزايد جرأة اعتداءات ميليشيات المستوطنين على مدار الساعة هدفه تخويف الفلسطينيين لإعادة ترتيب أولوياتهم في مواجهة الاحتلال، ليصبح هم المواطن الدفاع عن منزله وليس أرضه.

وبعد أشهر طويلة من الغليان في الضفة والقدس جاء الرد الانتقامي من حركة حماس، وأعلن رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، أن حرب «طوفان الأقصى» ستمتد إلى الضفة الغربية والخارج، وأن «سببها المركزي والأساس العدوان الصهيوني الإجرامي الذي تم على المسجد الأقصى المبارك».