الفوز – الذي بدا مفاجئا – لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يعني ببساطة أن الـ 500.000 دولار التي قامت حكومة بوتفليقة بالتبرع بها لمؤسسة كلينتون الخيرية قد ذهبت في مهبّ الريح!


«Clinton Foundation» ما هي مؤسسة كلينتون الخيرية؟

باختصار شديد؛ هي حصّالة آل كلينتون التي يجب أن تضع فيها بضع دريهمات إذا أردت أن تحصل على نفوذ لديهم.

مؤسسة كلينتون الخيرية هي ذراع مالي سياسي للزوجين كلينتون، «بيل» الرئيس الأمريكي الأسبق، و«هيلاري» المرشحة الخاسرة للرئاسة ووزيرة الخارجية السابقة في عهد أوباما.

أشارت الوثائق التي نشرتها كلينتون للعموم (من أجل إظهار نزاهتها المالية عند الترشح للرئاسة) أن كثيرًا من الحكومات والشركات وأصحاب المصالح يقومون بـ «التبرع» لهذه المؤسسة «الخيرية» مقابل الحصول على نفوذ وتقرّب من عائلة كلينتون.

خاصة وأن جميع التوقّعات والمحللين كانوا يضعون هيلاري في الرواق الأول للفوز برئاسة أمريكا، أي أنك تدفع لكلينتون شيئًا من المال الآن، ليردّوا لك الجميل عندما تصل هيلاري إلى البيت الأبيض.

لكن المفاجأة التي صنعها ترامب ذهبت بكل ما أنفقت الجزائر وغيرها من البلدان العربية (القائمة تضم قطر والسعودية وعمان والبحرين) والغربية والشركات التي كانت تعوّل على فوزها هباءً منثورًا.

أعداء آل كلينتون يتهمونهم بأنهم يستخدمون تلك الأموال لمصالح شخصية عوض الأهداف المزعومة من محاربة الأمراض في إفريقيا ودعم مبادرات تعليمية والتدخل الإنساني خلال الكوارث الطبيعية.

عندما تبرّعت الجزائر لمؤسسة كلينتون الخيرية، فعلتها باسم «التبرع من أجل دعم هايتي» خلال الزلزال الكبير الذي أصابها سنة 2010. لكن معروف أن كل من يتبرع لمؤسسة كلينتون الخيرية له أغراض ومآرب أخرى، فقد كان من الممكن أن تتبرع الجزائر لحكومة هاييتي مباشرة دون المرور على آل كلينتون!

الغريب أن هيلاري كلينتون لم ترد الجميل للمسؤولين الجزائريين بعد هذا التبرع، ففي كتابها الأخير المعنون بـ«خيارات صعبة» سنة 2014 أشارت منتقدة الجزائر: «(الجزائر) من البلدان المعقّدة التي ترغمنا على الموازنة بين مصالحنا وبين الدفاع عن قيمنا، فهي من جهة حليف لنا في مكافحة الإرهاب، ولكنها أيضًا تعاني من قمع لحرية التجمع وحقوق الإنسان كما أن بها اقتصادًا مغلقًا نسبيًا».


هل ربحت الجزائر ما هو أهم؟

معلومٌ أن التبرعات التي صبّها نظام بوتفليقة في الحصالة الخاصة بآل كلينتون، كانت في انتظار الثاني لرد الجميل السياسي على الأقل، لكنه لن يأتي طالما فعلها ترامب

http://gty.im/159495040

رغم الحديث الكثير عن جنونه ونرجسيته المخيفة، تصريحاته العنصرية المقيتة وسياساته اليمينية الشعبوية المرعبة، قد يكون ترامب من أكبر المكاسب بالنسبة للنظام في الجزائر وغيرها من الدول غير الديموقراطية.

فقد عبّر في أكثر من مناسبة أنه يعارض سياسة تغيير الأنظمة، السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة خلال القرن الماضي بشدّة والتي أدت في كثير من الأحيان إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها كما حصل في العراق وليبيا وأفغانستان.

إضافةً لهذا؛ على رجال النظام الجزائري أن يطمئنوا، فـترامب يعارض أيضًا الربيع العربي، خصوصا بعد الفوضى التي صاحبته. فغالبًا لن تدعم إدارة ترامب دَمَقْرَطة البلدان العربية أو تضغط بملف حقوق الإنسان وحرية التعبير، بل هو غالبًا يفضل التعامل مع الأنظمة القمعية كما هي، عوضًا عن تغييرها، أي ثنائية «ديكتاتور خير من الفوضى».

أما اقتصاديًا فالحديث يختلف، فترامب انتقد كثيرًا عبر السنين ما تفعله منظمة الأوبيك وتدخلها في ضبط أسعار المحروقات مما يضر بمصالح الولايات المتحدة، والجزائر عضو فاعل جدا في هذه المنظمة التي كان آخر لقاء لها في الجزائر حيث التوقيع على اتفاقية وُصفت بالتاريخية لخفض إنتاج الغاز من أجل الحفاظ على سعره فوق الخمسين دولارا.

هذا بالطبع إذا أخذنا كل آراء ترامب على محمل الجد، وهو الأمر الصعب بالنظر إلى تراجعه في كثير من المرّات عن آرائه السابقة وعدم اتساق أفكاره وخططه، بل وعدم اتزانه نفسيًا وعقليًا كما تبيّن العديد من المواقف السابقة.


يا للمفارقة، قد يكون ترامب فأل خير على المسؤولين في الجزائر، خاصة مع رياح العهدة الخامسة التي هبّت فجأة لجس نبض الشارع وحديث الكثير من الوسائل الإعلامية عن تحسن مفاجئ لصحة بوتفليقة ودعوة الأمين العام لجبهة التحرير لترشيحه لعهدة خامسة، فهل سيكون ترامب، الذي راهن مسؤولو النظام في الجزائر على منافِسَته هيلاري لسنوات، هو من يُهدي لهم الجنازة الرئاسية؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.