يبدو أن مجال الرعاية الصحية بدأ يستهوي الشركات التقنية الكبرى للدخول إليه بقوة، فبالرغم من التعقيدات الكبيرة في هذا المجال فإنه في الواقع يعتبر سوقاً ضخماً مليئاً بالفرص الاستثمارية الواعدة، فوفقًا لمركز الرعاية والخدمات الطبية (CMS) بلغ معدل الإنفاق على الرعاية الصحية في الولايات المتحدة 3.3 تريليون دولار في عام 2016 ، ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 5.5% سنويًا في المتوسط حتى عام 2026، وهذا ما يجعل الرعاية الصحية تمثل فرصاً تجارية هائلة للشركات الكبرى. فلا عجب أن تتطلع شركات التكنولوجيا الرائدة إلى قيادة الابتكار في مجال الرعاية الصحية.

مبادرات عمالقة التقنية

يتضح ذلك من خلال عدة مبادرات من قبل عمالقة التقنية للدخول في هذا المجال الواعد. فبعد أن أعلنت شركة ميكروسوفت عن مبادرتها الخاصة في هذا المجال Healthcare NExT، فها هي شركات أخرى مثل: أبل وجوجل وأمازون تعلن الدخول بقوة في هذا السوق من خلال عدة مبادرات وابتكارات جديدة.

فعلى سبيل المثال ترى «جوجل» أن مجال الرعاية الصحية يمثل كنزاً هائلاً من البيانات حيث تتركز ثلث بيانات العالم في هذا المجال، ومن خلال الاستفادة من نقاط قوتها في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لفهم الكميات الضخمة من البيانات الصحية، وضعت نفسها كرائدة في الابتكار في مجال الرعاية الصحية من خلال تطبيق إمكانيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الكشف عن الأمراض وإمكانية التشغيل المتداخل للبيانات والتأمين الصحي.

دخلت أمازون مجال الرعاية الصحية عام 2014 عندما قامت بشراء شركة Cardinal Health للمستلزمات الطبية، وكنتيجة لذلك تقوم الشركة الآن بتوزيع المستلزمات الطبية في 43 ولاية، بعد ذلك أعلنت عن تأسيس شركة جديدة للرعاية الصحية توفر لموظفيها حلولاً تقنية للوصول إلى الرعاية الجيدة بتكلفة معقولة وخالية من حوافز الربح، يعمل في الشركة ما يقارب 1.2 مليون موظف منتشرين في أسواق مختلفة، مما يعني كميات هائلة من البيانات، ومع التقدم في تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي، بغض النظر عن سعرها للموظفين، فإن مجموعات البيانات الصحية التي يمكن تفسيرها وتحليلها ستصبح منجمًا ذهبيًا لشركة أمازون.

بين عامي 2013 و2017 قدمت مايكروسوفت 73 براءة اختراع متعلقة بالرعاية الصحية تتعلق إلى حد كبير بالذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية عن بُعد والجينوم والطب الدقيق. في عام 2017، أنشأت Microsoft قسماً صحياً في معمل أبحاث كمبردج لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة السحابية لدخول مجال الرعاية الصحية، حيث وظّفت الشركة عدداً من الباحثين لقيادة قسم أبحاث الرعاية الصحية والمساعدة في عمل الأبحاث وتطوير آليات التحليل والتنبؤ، وذلك باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

تشتمل أبحاث الشركة تطوير أنظمة الرصد التي تساعد على إبقاء المرضى خارج المستشفيات وتنبيههم حول المشاكل والأمراض في الوقت المناسب، كما ستعمل على إجراء دراسات في أمراض مثل السكرى وغيرها.

تظل شركة أبل هي الشركة الرائدة في هذا المجال، حيث قدمت مبادرات ناجحة وجدت لها مكاناً بارزاً في هذا المجال، ورغم أن شركات مثل جوجل سبقت شركة أبل في الدخول لعالم الرعاية الصحية من خلال مبادرة Google Health التي قدمتها في عام 2008، وأدى فشلها لإيقافها عام 2011، فإن شركة أبل نجحت في الدخول بقوة في سوق الرعاية الصحية، من خلال عدة تطبيقات ومنصات، جعلتها تتفوق على الكثير من الشركات المتخصصة في هذا المجال.

إسهامات أبل في مجال الرعاية الصحية

يرى «تيم كوك»، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، أن اهتمام الشركة بمجال الرعاية الصحية نابعاً من كون هذا المجال يمثل ثاني أكبر مكونات الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي يعتبر فرصة عمل كبيرة للشركة.

في عام 2015 كشفت أبل عن منصة Researchkit الطبية، والتي نجحت نجاحاً كبيراً، حيث مكّنت المجتمع العلمي من أن يتواصل مع عدد كبير من الأشخاص في العالم، مما مكّن العلماء من جمع معلومات كثيرة ومفيدة، وفق ما ذكره «جيف ويليامز» نائب رئيس أبل للعمليات.

وقد كان مبدأ عمل منصة Researchkit بسيطاً للغاية، حيث يقوم مجموعة من الأطباء والعلماء الباحثين في مختلف المجالات الطبية بإنشاء تطبيقات، يقوم مستخدمو أجهزة أبل الذين يستخدمون المنصة بتحميل التطبيقات ومشاركتها عن طريق الإجابة على بعض الأسئلة، وبهذا يساعدون على جمع المعلومات المتعلقة بالمرض المصابين به، هذه التطبيقات شملت عدداً كبيراً من الأمراض مثل: الربو، السرطان، متلازمة باركينسون وداء السكري وغيرها.

في مؤتمر مارس/آذار 2016 أعلنت أبل عن المنصة الجديدة Carekit، التي تعمل على تسهيل تتبع المرضى لحالاتهم الطبية وخطط الرعاية لديهم ومراقبة تناولهم للأدوية وأعراضهم الصحية بشكل سلس، كما أن التطبيقات المطورة لمنصة Carekit ستسهل على الأفراد مشاركة حالاتهم الطبية ومعلوماتهم الصحية مع الأطباء.

اعتبرت منصة Carekit استكمالاً لمسيرة أبل الرائدة في مجال مساعدة المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، فمثلما قدمت في الإصدار السادس والسابع والثامن من نظام IOS حزمة من الخواص لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة لتسهيل حياتهم، ها هي تكمل مسيرتها في مجال الأبحاث الطبية بعدما بدأتها عام 2015 بإطلاق منصة Researchkit، التي ساعدت العلماء والمرضى على حد سواء في تشخيص الأمراض واقتراح العلاج وجمع المعلومات عن الأمراض المختلفة، مُستفيدة في ذلك من الشعبية الكبيرة لأجهزتها.

كانت الفكرة الأساسية وراء تطوير منصة Carekit هو محاولة أبل الاختلاف عن الآخرين بتقديم شيء أكثر تطوراً يميزها عن غيرها من الشركات، ففي سوق يزدحم بمئات التطبيقات الصحية كان هدف أبل هو تطوير منظومة بيئية متكاملة من التطبيقات الجديدة المخصصة للعلاج، فبدلاً من بناء تطبيقات منفصلة عمدت إلى بناء طقم من الأدوات والقوالب البرمجية، يمكن من خلالها مساعدة المؤسسات التي تعمل في مجال الرعاية الصحية في بناء وتصميم تطبيقاتها الصحية الخاصة.

تهدف شركة أبل من خلال استثمارها في مجال الرعاية الصحية لتقديم حلول متكاملة للمرضى، بدايةً من مساعدة المطورين لبناء تطبيقات أسهل لمساعدة المرضى، مروراً بتسجيل أعراض المرض والحصول على المعلومات ورصد تقدم حالاتهم وإرسال التقارير إلى الطبيب، كما عملت على تعزيز عملية استكمال الرعاية الصحية في المنزل، من خلال التواصل بين المرضى والأطباء وتقديم معلومات عن الأعراض الجانبية للأدوية المتناولة إضافة إلى تسجيل هذه الأعراض ورصد مدى نجاح العلاج.

وإجمالاً، تسعى شركات التكنولوجيا إلى الظهور كقادة في مجال الرعاية الصحية، مع الاستفادة من نقاط القوة الأساسية لديهم، حيث تتفوق جوجل في مجال البيانات، وأبل في الأجهزة الاستهلاكية، وأمازون كعملاق البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، ومايكروسوفت كقائد موثوق به في تكنولوجيا الرعاية الصحية، حيث لا تسعى هذه الشركات إلى ابتكار الصناعة فحسب، بل تسعى أيضاً إلى إقامة شراكات كبرى لاحتلال المقدمة في مجال واعد.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.