«كرة القدم دائمًا تعطيك فرصة للانتقام»، واحد من أهم القوانين التي نعرفها جميعًا في كرة القدم، فإذا خسر فريقك اليوم بسداسية نظيفة مثلا، ما عليك سوى الانتظار، حتى يعود الفريق ويحقق الثأر من نفس المنافس وبنتيجة عادة تكون ملائمة لنظيرتها الأولى، وذلك بعيدًا عن مدة الانتظار نفسها، الأهم هو تحقيق الانتصار ولو بعد حين.

كنت أثق أن الله سيكافئني على مجهودي ومثابرتي يومًا ما. الآن أنا في يوم الاحتفال، فلقد حققت الحلم في عام صعب على الجميع بسبب جائحة كورونا. هذا اللقب هدية من الله، والحمد لله أني أنهيت هذا العام بالطريقة الأمثل.
تصريح بيج رامي

وهذا ما احتاجه ممدوح السبيعي الشهير بـ «بيج رامي»، من أجل تحقيق لقب مستر أولمبيا، والتي تعد البطولة الأشهر في رياضة كمال الأجسام عالميا، بعد انتظار دام 10 سنوات من المثابرة والاجتهاد؛ ليصبح الفائز رقم 16 في تاريخ البطولة، وذلك لأول مرة في تاريخ مصر ولثاني مرة في تاريخ العرب.

لماذا نحن هنا؟

رغم فرحة الانتصار التي نراها إلا أن هناك بعض الأسئلة التي تشاطر أذهاننا الآن: لماذا نحن هنا؟ ولماذا كل هذا الاحتفاء بـ «بيج رامي»؟ بل والأهم كيف فاز بتلك المسابقة؟

في البداية، تخيل معي أن منتخب مصر استطاع انتزاع لقب كأس العالم لكرة القدم لأول مرة بعد الفوز على البرازيل في النهائي. وأزيدك من الشعر بيتًا، وأقول لك بعد مشاركة كضيف في البطولة على طريقة الدنمارك في يورو 1992م.

تنقسم البطولات في عالم كمال الأجسام إلى مستويين: هاوٍ ومحترف. تمثل بطولة مستر أولمبيا المستوى الأعلى من الاحتراف في اللعبة، حيث يشارك أفضل لاعبي العالم سنويًا، ويتأهلون إليها عن طريق بطولات رسمية للتصفيات، تحت تنظيم الاتحاد الدولي لكمال الأجسام في العالم، ويحصل صاحب المركز الأول بها على جائزة مالية قدرها 400 ألف دولار أمريكي، وهذه إجابة السؤال الثاني.

أما عن نظام التقييم في البطولة، وإجابة السؤال الثالث، يقول مدرب اللياقة البدنية «حسام حسان» لـ «إضاءات»، إنها تعتمد على الضخامة والعمق العضلي، بحيث تحتوي الكتلة العضلية على أقل نسبة دهون، مما يساعد على توضيح التشريح الخاص بكل منطقة عضلية، إلى جانب التناسق العضلي، بمعنى أن تكون عضلات الجسم في الجانبين السفلي والعلوي متساوية، وأخيرًا طريقة العرض والحضور.

https://twitter.com/AngeloJohnGage/status/1340523040946466816

شهرة عالمية

تحول رامي من مرحلة الهواة إلى الاحتراف، عندما حصل على بطولة مستر أولمبيا للهواة عام 2012، ثم عاد ليحصل على لقب بطولة نيويورك بعدها بعام واحد؛ وهي من قادت رامي إلى أول ظهور له في بطولات مستر أولمبيا للمحترفين عام 2013، وحقق المركز الثامن وقتها.

ارتفع مشوار رامي مع مستر أولمبيا تدريجيًا على مدار أربع سنوات متتالية بعد ذلك، حيث حل سابعًا في 2014، ثم خامسًا في 2015، ورابعًا في 2016، ثم يكتب التاريخ ويحقق أفضل إنجاز مصري في تاريخ البطولة وقتها، محرزًا المركز الثاني في 2017، في بطولة أثارت جدلًا واسعًا بين متابعي اللعبة.

طوال تلك الفترة لم تجد أسرة رامي في قرية السبايعة في مدينة بلطيم شمال محافظة كفرالشيخ، مفرًا من دعمه في هذه الرياضة التي عارضوها بحجة أنها لن تدر دخلًا يكفيه من أجل أكل العيش، ولكن رامي الذي عمل في بدايته في مهنة الصيد، على سواحل قريته الساحلية، ثم على سواحل دولة الكويت بعد ذلك، وجد لنفسه طريقًا لأكل العيش من تلك الرياضة الفقيرة في نظر الكثير.

وإلى جانب مستر أولمبيا، حصل رامي على لقبين في بطولة أرنولد كلاسيك، والتي ينظمها الممثل الأمريكي الشهير «أرنولد شوارزنيجر»، الأول كان في البرازيل عام 2015، والثاني كان في إسبانيا عام 2017، وتبلغ جوائز تلك البطولة 130 ألف دولار، إلى جانب سيارة «هامر» وساعة «روليكس».

هزيمة مؤلمة

مع تحقيق تلك الألقاب واحدا تلو الآخر، لم يكن مفاجئًا أن يتلقى رامي عروضا للتجنيس، للعب باسم دولة أخرى، وعلى رأسهم الكويت، التي وفرت له الدعم اللازم منذ سفره للعمل في مهنة الصيد، حيث بدأ مسيرته التدريبية عن طريق الصدفة، في صالات نادي «أوكسجين جيم» بالكويت عام 2010، ووصل وقتها إلى وزن 200 رطلًا، ولكنه أصر في النهاية على اللعب باسم مصر.

من بين مشاركاته الخمس في مستر أولمبيا، لن ينسى «بيج رامي»، حصوله على المركز الثاني في عام 2017، والتي اعتبرها الكثير من المتابعين هزيمة عنصرية، تفوق فيها بطل العالم في اللعبة وقتها الأمريكي فيل هيث، والذي احتفظ باللقب 7 سنوات متتالية، حينها اكتفى رامي بمنشور عبر انستغرام قال فيه «لم تنته بعد .. سوف أعود».

ومن جانبه، اختلف المدرب حسام حسان مع الآراء التي أرجعت هزيمة رامي للعنصرية، وقال لـ«إضاءات»: «في نسخة 2017، عانى رامي من مشاكل في عضلات الظهر والقدم وخصوصا الجزء الخلفي، ولم يكن مستوى تنشيف العضلات على ما يرام، على عكس فيل هيث المعروف بمستواه الخرافي في التنشيف، لذلك استطاع حسم البطولة وقتها».

فرصة الانتقام

احتاج رامي ثلاث سنوات متتالية من أجل اقتناص فرصته للانتقام على مسرح مستر أولمبيا وأمام منافسه فيل هيث أيضا، ولكن رامي لم يكن يعلم أنه سيحتاج إلى جهد إضافي في أيام رحلته الأخيرة، قبل الوصول إلى المسرح الذي دائما ما يحب التواجد عليه، فأصيب بفيروس كورونا في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يعني عدم خوض تصفيات البطولة وبالتالي الغياب للعام الرابع.

أود أن أخبركم في بيان رسمي أن اختبار كوفيد-19 الذي أجريته إيجابي، لذلك لن أتمكن من المشاركة في بطولة NPC european، وأتمنى حظًا سعيدًا لأصدقائي المنافسين
بيج رامي في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2020

لم تنته درامية القصة بعد، إذ وجه منظمي البطولة والاتحاد الدولي لكمال الأجسام، بطاقة دعوة خاصة لرامي في الـ 21 من نفس الشهر، من ثم أصبح حلم التواجد على مسرح أولمبيا حقيقة من جديد، لتبدأ رحلة جديدة من أجل خطف اللقب استمرت لـ 72 يوما متواصلًا، أثبت رامي خلالها أن «الشتاء قادم» كما قال في المؤتمر الصحفي، وأن فيل هيث لم يعد بمقدوره الحفاظ على اللقب للمرة الثامنة.

المستوى الذي أظهره رامي في تلك البطولة، يجعلنا نتسأل عن مدى قدرته على الاحتفاظ بها لسنوات قادمة، لاسيما وهو في الـ 35 من عمره، الإجابة كانت عند المدرب حسام حسان، والذي قال في ختام حديثه مع «إضاءات»، أن رامي قادر على الاحتفاظ باللقب، وإبقاء الساندو –تمثال الفوز بالبطولة- داخل مصر في العام المقبل، شريطة الحفاظ على هذا المستوى، الذي أجبر الجماهير ولجنة التحكيم على التصويت له هذا العام.