لعل أبرز ما أخبرتنا به تجربة «تركي آل الشيخ» مع المصريين في الشهور الأخيرة هو كيفية تعاملهم ونظرتهم إلى الفساد. رجل غير متزن في انفعالاته وخصوماته، يسرف في توزيع ملايين الدولارات على هذا وذاك. من ينل رضاه سيحصد الكثير، ومن لم ينل رضاه سيتعرض للعديد من الصعوبات بالطبع.

تباينت ردود أفعال من تعرضوا لاختبار الولاء مقابل المال. دعنا نسميه «اختبار تركي آل الشيخ». فمنهم من قرر أن الولاء فوق كل شيء رغم تعرضه للمغريات، وهم قلة قليلة، ومنهم من اتخذ الموقف نفسه لكنه لم يتعرض للاختبار من الأساس، ومنهم من خضع وتقرَّب بشكل مثير للاشمئزاز. دعنا نستعرض سويًا نماذج من تلك الفئات، ونحاول أن نصل لإجابة عن هذا السؤال: «هل رحل تركي آل الشيخ عن مصر حقًّا؟»


تركي الأهلي وتركي الزمالك

لن يحب البعض نعت ما حدث مع الناديين بالفساد؛ لذلك دعنا نطلق على ما حدث «أشياء تجرح كرامة جماهير النادي». لا يمكن أبدًا أن نساوي بين الأهلي والزمالك في درجة الخضوع التي أبدتها إدارة الناديين لتركي أمام الجماهير. لكن ما يمكن أن نساوي فيه بينهما هو الخضوع الذي أبدته الإدارتان في الغرف المغلقة.

الخطيب لا مشكلة لديه في إعطاء تركي آل الشيخ بعض الصلاحيات غير المعلنة شريطة أن تظل غير معلنة.سيطلب دعمه في الانتخابات بشكل مباشر، ثم يتواصل معه لطلب مزيد من الأموال لأن طاهر يتقدم، سيطلب منه التعاقد مع الشناوي، ثم يتراجع لكونه من بورسعيد خوفًا من غضب الجماهير، ثم يطلب منه التجديد لعبد الله السعيد، ثم يتراجع بسبب غضب الجماهير.

الخطيب لا يفعل شيئًا بقوته، لكنه حريص كل الحرص على إظهار كل ذلك كردود أفعال للنادي الأهلي المحافظ على مبادئه، والذي لا يخضع لأحد. والمؤكد أن تركي آل الشيخ إن لم يفضح كل تلك التعاملات على صفحته الرسمية على الفيسبوك بينما صرح بها في الغرف المغلقة بالطريقة العنيفة ذاتها كانت الأمور ستُحل وسيتم ترضيته. الأمر يكمن في أنه أعلنها أمام الجماهير صراحة، أنا من أفعل كل ذلك وليس نسر الحرية!

على الجانب الآخر نادي الزمالك، يُمارس الممارسات نفسها، ولكن بوجه مفضوح كما جرت العادة. رئيس نادٍ لا يتحرج في إظهار قوة تركي وفضله على النادي، بل يبالغ أحيانًا في تكريمه، فيعلن زيارته للنادي،فيلغيها تركي دون إعلامه، فلا يبدي مرتضى أي تذمر، بل لا يعلق على الأمر. يعرض عليه الرئاسة الشرفية فيرفضها مرات ومرات وهو يعلم تمام العلم أنه لا يريد سوى الرئاسة الشرفية في الجزيرة،ولكن لا مشكلة طالما أنه يغرقنا بأمواله.

خلاصة الأمر أن ما حدث ما هو إلا صورة مصغرة لتعامل الناديين مع تلك الأمور عبر تاريخهما. فالفساد حتى وإن تفاوتت درجاته، لكن الطرف الأحمر يتقن إخفاءه جيدًا وتصديره للجمهور في صورة الحفاظ على قيم النادي، بل القتال من أجل الحفاظ على هذه الصورة حتى وإن كلفهم ذلك الصدام مع واحد من أهم ساسة العرب على الساحة العربية الآن، والدولة المصرية نفسها.


ثوب اتحاد الكرة الـمُلطخ

لاتحاد كرة القدم المصري سياسة معتادة عند الصدام مع أحد أطراف اللعبة الأقوياء. هل تتذكر مشكلة صورة صلاح الشهيرة مع الاتحاد المصري لكرة القدم. حينها قام اتحاد كرة القدم المصري بتسريب خطاب يرفضون فيه طلبات «المدعو محمد صلاح»، وانتشر الخطاب كالنار في الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعي.

هم يقولون إن الخطاب لم يصدر منهم، ولكني أعلم أنه منسوب إليهم. هذا أسلوبهم وأعرفه جيدًا.

نفى حينها مسئولو الاتحاد الخطاب المنسوب إليهم، لكن صلاح أكَّد حينها في فيديو منشور على صفحته الخاصة أن الخطاب منسوب إليهم، وأن هذا هو أسلوبهم المعتاد؛ الرد بشكل غير مباشر عبر تسريبات لتقدير رد فعل الجماهير بشكل مبدئي.

هذا تحديدًا ما يحدث مع النادي الأهلي الآن. تركي أراد أن يغيِّر جدول الدوري العام الذي وضعه اتحاد الكرة نفسه، فيستجيب اتحاد الكرة ويبدل مباراتي الدوي والكأس بين الأهلي وبيراميدز، فيعترض النادي الأهلي في بيان عنيف اللهجة، ويهدد بالانسحاب من الكأس.

ثم نرى العجب العجاب من اتحاد الكرة عقب بيان النادي الأهلي. اتحاد الكرة ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث يهدد النادي الأهلي بغرامات قوية، بل يهدد بضرورة صحة تراخيص المشاركة في البطولات الأفريقية، والتي لم نسمع عنها من قبل. بالطبع كان ذلك بالتكنيك نفسه، التسريب المعتمد على «صرح مصدر مسئول باتحاد الكرة …». وهذا تحديدًا ما يجعل إدارة الأهلي في انتظار بيان رسمي، هم يدركون قواعد اللعبة جيدًا، وبالطبع سيتركون لزملاء هاني أبوريدة ضربة البداية.

الأمر لا يحتاج إلى توضيح، ما الذي يجعل اتحاد الكرة يقف في وجه الأهلي بكل هذه القوة في مشهد لم نعتده أبدًا في مصر! ما المُعطى الجديد الذي لم يجعل طرفي المعادلة متساويين، واستلزم حدوث تغييرات عنيفة في المشهد. الإجابة هي تركي آل الشيخ.

تركي أعطى شيئًا افتقده اتحاد الكرة من قبل في مواجهة الأندية، وهذا الشيء هو إما أموال اعتاد المستشار السعودي أن تيسر أمامه كل عسير في مصر منذ نزوله بها، وإما نفوذ سياسي جعل موقف اتحاد الكرة أقوى بكثير من ذي قبل.


جماهير ولكن …

الشيء الثالث الذي أخبرتنا به تجربة تركي آل الشيخ في مصر هو الفرق بين جماهير النادي الواحد. ولنأخذ جماهير النادي الأهلي كمثال كونها خاضت الحرب الأكثر شراسة مع آل الشيخ هذا العام.

نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن جماهير النادي الأهلي في الشوارع والمدرجات، والتي أعلنت عن كرهها التام لآل الشيخ بمجرد صدامه العنيف مع بيبو. الحديث هنا عن طبقة الفنانين على وجه التحديد، والذين حرصوا على كسب شعبية كبيرة بمجرد إعلان انتمائهم لنادٍ ودعمه بكل ما يملكون، وكأنهم أحد أبناء الدرجة الثالثة، ولكن بمجرد ظهور عقود الترفيه للمستشار السعودي قرروا قلب الطاولة على الجميع بحجة الأخلاق!

أيمن بهجت قمر كمثال. حرص أيمن على دعم الخطيب بأغنية خاصة من تأليفه وغناء حسام حبيب دون مقابل حبًّا في الكيان. ومن قبلها بفترات طويلة تجده يتنقل من هذه القناة لتلك ليبهرنا بشعره ومدحه في جماهير الدرجة الثالثة وفي رموز النادي وقتاله للدفاع عن النادي أمام أي منافس. وبمجرد حدوث الصدام أعلن أيمن دعمه الكامل لآل الشيخ الذي لم يرَ منه شيئًا سيئًا منذ أن عرفه غير الدعم والتشجيع كمحب مخلص لمصر وفقًا لتعبيره! لم يكتفِ أيمن بذلك، بل دعا علانية للقبض على كل مسيء له ولهذا هذا الرجل من الجماهير في رد على تغريدة للموزع «عزيز الشافعي».

تغريدة الموزع المصري عزيز الشافعي عن سباب الجماهير لداعمي تركي آل الشيخ من الفنانين ورد أيمن بهجت قمر عليه.
تغريدة الموزع المصري عزيز الشافعي عن سباب الجماهير لداعمي تركي آل الشيخ من الفنانين ورد أيمن بهجت قمر عليه.

لم يكن أيمن الوحيد الذي قرر التضحية بعشقه للكيان في مقابل عقود الترفيه لتركي آل الشيخ، بل تبعه أيضًا صديقه الشاعر «أمير طعيمة» الذي أعلن أمس توقفه عن احترام جماهير النادي الأهلي، بحجة السباب الذي لم يتحمله من الجماهير بمجرد إعلانه استمرار عقود الترفيه من المستشار المبدع تركي آل الشيخ، الذي لم يجد منه إلا كل خير.

كذلك الفنان «محمد حماقي»، الذي اعتبره كثيرون المطرب الأقرب للقلعة الحمراء،طلب منذ أيام في إحدى حفلاته من الجماهير توجيه تحية كبيرة لنادي بيراميدز، لكنه لم يلقَ رد الفعل الجيد مما عرضه للإحراج، فحاول تدارك الموقف بقوله إنه يجب أن ندعم أي تجربة للاستثمار.

يبدو أن حماقي قد نسي كلماته التي غناها منذ عام تقريبًا:


هل رحل تركي آل الشيخ فعلًا؟

الأجيال التي تسلم بعض تاريخ والكل في واحد ونتيجة ده إن النادي الأهلي المصري بقى رقم واحد.

السؤال الذي يسأله العديد من المتابعين الآن: هل رحل تركي آل الشيخ حقًّا بهذه السهولة؟ هل كان تركي ينتظر هجومًا من الإعلامي المصري أسامة كمال ليعلن تصفية كافة أعماله في مصر ونقل ملكية النادي الذي استثمر فيه ملايين الدولارات لرجل الأعمال الإماراتي سالم الشامسي؟ دعنا نسرد عدة ملحوظات حتى يمكننا التوصل إلى الإجابة.

https://www.facebook.com/Turkialalshik/videos/2168735870105468/?__xts__%5B0%5D=68.ARDJiGG9qz7DSKKzhAkpnk0wmGoyKo6rs0tjEDoSAoMDutH7_K3oJ7vbWGhbSa30umRQtTB2WVpdersk9_B4vJmEhOGhxYnFlfRiwcUyupTI1gvs_e8HNSdLmO_qeQNVcP8jtQOQFMfMHiRBR1-eEqLS0GVzTgzCcFEBeNGImJ5Ack-P5SFgxrOmDCPS68mAVmjDvkuKJfxbnlDfiUBoKLKGD0QkzhFkGu-JFgOPG68dZqHLClRxmgrjijI402DRp1gUndJBG8besU-8GEOKRWBXCLKcDNMdOvVsMvkcWc9LEYcue-Cl6-SDHXIOi2s0T0ASD_Dv5kDNTDxmfIt5gMC1wnA1p5Mm&__tn__=-R

الملحوظة الأولى هي أن آل الشيخ قد تعرض لما هو أعنف من ذلك، وهو هجوم حاد في المدرجات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يجعله ذلك يُقدم على هذه الخطوة من قبل، الأمر لم يتعدَ مجرد التهديدات قبل ذلك.

الأمر الثاني أن بيان تركي جاء بعد ساعة واحدة فقط من تصريحات الإعلامي المصري أسامة كمال، والتي هاجم فيها تركي بهدوء. وكأن تركي كان يعلم بهذا الهجوم من قبل، وكان قد أعد لهذا القرار من قبلها بوقت كافٍ.

الشيء الثالث الذي يجب أن ننتبه إليه هو أن أسامة كمال أحد المقربين لمؤسسة الرئاسة المصرية، والذي اختصه السيسي بمداخلاته الهاتفية قبل أن يزيحه عمرو أديب من القمة بكاريزمته التي راهن عليها النظام المصري. الشاهد في الأمر أن أسامة كمال لن يقدم على هذه الخطوة من تلقاء نفسه بكل تأكيد. خاصة أنه استمر في هجومه على تركي بعد إعلان بيعه لنادي بيراميدز قائلًا:

لسه مصر بلد الأهرام ومحمد علي وسعد زغلول زي ما هي بلد السيسي.

أي أنه لم تصله تعليمات بتهدئة الأجواء، فما الذي يمنع أن تكون التعليمات قد جاءته بإشعالها؟

هل كان الأمر مُرتب سياسيًّا منذ أيام لفض النزاع لأسباب لا نعلمها؟ أم خضع تركي آل الشيخ لأوامر أعلى من منصبه وقرر تهدئة الأجواء بنقل ملكية النادي إلى نائبه الإماراتي سالم الشامسي وقرر استمرار حربه مع الخطيب من وراء الكواليس؟ أم أن الأمر مجرد حركة طفولية من المستشار المسرف حتى يترجاه لاعبوه وفنانوه وإعلاميوه للبقاء في مصر كسابقتها؟

لا شيء نستطيع أن نجزم به حتى الآن سوى أن ترتيب الأحداث الأيام الماضية لا ينبئ بأن الحقيقة تتفق مع ما رأيناه على شاشات التلفزيون أبدًا. فلننتظر ما سيحدث خلال الشهور القادمة.

[تحديث] 11:57 مساءًا

تركي آل الشيخ يعلن عودته لرئاسة نادي بيراميدز واستعداده لخوض لقاء الكأس يوم 28 فبراير أمام النادي الأهلي المصري.