ليو لم يظهر بالشكل المرجو منه لأن زملاءه في الفريق لم يكونوا على نفس المستوى، المطلوب الآن هو خلق استراتيجية جيدة حتى يتمكن اللاعبون من مساعدة ميسي.

ما قرأته للتو عزيزي القارئ ليس رأيًا لأحد جماهير الكرة الأرجنتينة المتعصبين، ولا هو أحد العبارات الصادرة من لاعبي الكرة السابقين الذين تعج بهم الاستديوهات التحليلية هذه الأيام. ما قرأته لتوك هو تصريح المدير الفني لمنتخب الأرجنتين «خورخي سامباولي» في المؤتمر الصحفي الذي تلا مباراة منتخبي كرواتيا والأرجنتين في دور المجموعات بكأس العالم روسيا 2018.

مباراة انتهت بهزيمة قاسية للمنتخب الأرجنتيني بثلاثية نظيفة دون مقابل ليضمن المنتخب الكرواتي صعوده لدور الـ 16 وينتظر رفاق ميسي مباراتهم الأخيرة في دور المجموعات أمام منتخب نيجيريا. المصادفة الغريبة أن المنتخبين تلاقيا منذ 7 أشهر تقريبًا في مباراة ودية قبل قرعة المونديال على ملعب كراسنودار بروسيا، وانتهت المباراة بفوز النسور الخضراء بأربعة أهداف مقابل هدفين.


قُل ولا تقل

حالة من التخبط وعدم التركيز يعيش فيها معسكر منتخب الأرجنتين لكرة القدم هذه الأيام، نستطيع أن نلاحظها بسهولة من تصريح سامباولي بعد المباراة. تصريح يخبرك الكثير عن نظرة المدرب الأرجنتيني للأمور داخل الفريق، وكذلك نظرة اللاعبين له. فماذا تنتظر من لاعبي فريقك وأنت تقول لهم: «أنتم لستم بنفس مستوى ميسي، سنحاول أن نجد حلًا جيدًا»! وكأن الطبيعي في جميع فرق المونديال هو أن يتكون الفريق من 11 ميسي داخل المستطيل الأخضر. تصريح سامباولي دفع الأرجنتيني سيرجيو أجويرو للرد عليه أمام الصحفيين قائلًا: «دعه يقل ما يشاء، هذا لن يغير من الأمر في شيء».

العالم ليس بحاجة لتصريح سامباولي ليدرك أن ميسي هو المحرك الأول للمنتخب اللاتيني، مثل تلك التصريحات تكون مقبولة فقط إذا خرجت من اللاعبين أنفسهم مثل خافيير ماسكيرانو الذي صرّح قبل أيام من بدء المونديال بأنه يتمنى أن يكون اللاعبون بنفس جودة ليو وتطلعاته داخل الملعب، ولكن ماذا عن ميسي نفسه؟


بِمَ يشعر ميسي الآن؟

في أولى مباريات الأرجنتين بالمونديال أمام المنتخب الآيسلندي لمس ميسي الكرة 116 مرة، وقام بعمل 14 مراوغة طوال المباراة بالرغم من أن المدير الفني الآيسلندي «هيمير هالجريمسون» قد لعب بطريقة 5-4-1. هؤلاء الرباعي في خط الوسط كانوا يتبادلون الأدوار فيما بينهم بمجرد استحواذ ميسي على الكرة ليحافظوا على فكرة الضغط الثنائي وأحيانًا الثلاثي على البرغوث الأرجنتيني طوال اللقاء.

بالرغم من ذلك نجح ميسي في تقديم أداء طيب، ولكن إهدار ركلة جزاء كانت كفيلة بحصد الثلاث نقاط جعل هذا المجهود في مهب الريح وتعرض ميسي لضغوطات إعلامية أرجنتينية كانت سببًا في إعلانه الاعتزال الدولي منذ عامين، قبل أن يتراجع عن قراره بعد ذلك.

ماذا عن نسخة الليو أمام كرواتيا؟ قبل أن ننظر لإحصاءات ميسي أمام كرواتيا علينا النظر إلى تعبيراته قبل المباراة. وجه متجهم ينظر بدقة إلى أرض الملعب، يغطي وجهه بيده وكأنه يعلم ما هو قادم. قبل المباراة بأيام رفض ميسي المشاركة في احتفالية عيد الأب مع زملائه في الفريق وفضّل الجلوس بغرفته. ليونيل يعلم أنها فرصته الأخيرة لمشاركة يتذكرها العالم بأسره في المونديال.

لمس ميسي الكرة 49 مرة فقط طوال أحداث المباراة، منها 6 مرات فقط في آخر ربع ساعة من اللقاء! ميسي لم يقم طوال الـ 90 دقيقة إلا بخمس مراوغات فقط، وهو ثلث ما قام به أمام آيسلندا تحديدًا! صحيح أن لهذه الأرقام أسبابًا فنية واضحة، إلا أن لها أسبابًا نفسية أكثر وضوحًا.


قليل من العدل

يقول «جوناثان ويلسون»، الصحفي بجريدة الجارديان، إنه ليس من العدل أو المنطق أن يتحمل شخص واحد كل هذه الضغوط، وأن يكون هو محور كل شيء كما يحدث الآن مع ميسي، وأين؟ في بلد يمتلك العديد من المواهب الكروية وتاريخها يجعلها واحدة من أفضل المنتخبات في تاريخ كرة القدم. الاعتماد على ميسي وحده أضرّ الأرجنتين كثيرًا.

ميسي لاعب جيد للغاية بكل بساطة، ولكن اللعب بجانبه شيء في غاية الصعوبة؛ لأن الغرض دائمًا هو إيصال الكرة لميسي، وهذا مستحيل.
تصريح سابق لـ «باولو ديبالا» في بداية هذا العام

تصريحات ديبالا تؤيد وجهة نظر الصحفي الإنجليزي. فعلى مستوى الأندية، فالأمر يمكن التعامل معه، اللاعبون يتعودون مع الأمر. لكن على المستوى الدولي الأمر يصبح أكثر صعوبة نظرًا لضيق وقت تجمع المنتخب، وكذلك زيادة عدد جودة اللاعبين الذين يقابلهم الفريق.


ماذا فعل سامباولي براقصي التانجو؟

في شهر مارس/آذار السابق أبلغ ليونيل ميسي مدربه الأرجنتيني خورخي سامباولي أن طريقة 3-4-3 التي انتهجها سامباولي خلال العديد من مباريات التصفيات غير مناسبة له؛ لأنها تؤدي إلى انتشار لاعبي الوسط بعرض الملعب وخاصة في منطقة الجناح الأيمن المائلة إلى قلب الملعب «inside right» مما يؤدي إلى تزاحم اللاعبين في تلك المنطقة التي يفضلها الليو للهجوم.

وافق خورخي بالطبع، وأعلن قبل البطولة أنه سيلعب بطريقة 4-4-2 «Diamond»، والتي لعب بها بالفعل في مباراة آيسلندا في الشوط الثاني بعد دخول بانيجا إلى أرض الملعب بدلًا من لوكاس بيجليا، لكن يبدو أن سامباولي لم يقتنع اقتناعًا كاملًا بشكوى ميسي، وقرر العودة مرة أُخرى إلى طريقة 3-4-3 التي أثبتت فشلها في التصفيات.

مشكلتان فقط في تلك الطريقة كانتا كفيلتين أن تُظهر الأرجنتين بذلك الشكل المهين أمام كرواتيا. الأولى هي عدم قدرة أي من ثلاثي خط الدفاع «أوتاميندي-ميركادو-تاجليافيكو» أو حتى الظهيرين «أكونا-سالفيو» على القيام بعملية بناء الهجمة «Build up»، تمريرات مقطوعة وغير متقنة طوال 90 دقيقة. أما المشكلة الثانية فهي تلك التي اشتكى منها ميسي منذ أربعة أشهر في تلك الطريقة، وهي ازدحام منطقة وسط الملعب بشكل عرضي أمام خط دفاع الفريق المنافس، فما بالك إذا كان هذا الخط هو أحد أفضل خطوط الوسط في المونديال حتى الآن، والذي يضم كلًّا من «لوكا مودريتش – إيفان راكيتيتش- بريزيتش – ريبيتش».

هزيمة الأرجنتين أمام كرواتيا وخروجها الذي تزداد احتمالاته مع الوقت يتحمله سامباولي، سامباولي وحده بسبب إصراره على طريقة أثبت للقاصي والداني فشلها. المدرب الأرجنتيني فشل في التعامل مع لاعبي الأرجنتين، أو بالأحرى مع رفاق ميسي كما يراهم، فنيًّا ونفسيًّا. لم ينجح في خلق الدوافع لدى الفريق، وعاند في تطبيق خطة ترفضها إمكانيات لاعبي الفريق.

لم يدرك سامباولي أن أرجنتين ميسي ليست تشيلي 2015 التي ضمت «أليكسس سانشيز وأرتورو فيدال وخورخي فالديفيا» في وسط الملعب، فكانت تلك هي النتيجة، خسارة مُذلة أمام كرواتيا وخروج على الأعتاب من كأس العالم وإقالة تلوح في الأفق. سامباولي خان ميسي مرتين، مرة حين قرر زيادة الضغط عليه وتصديره للرأي العام بشكل واضح على أنه الرجل الأول وما دونه هو مجرد كماليات، والمرة الثانية حين تجاهل شكواه وقرر العودة إلى طريقة لعبه القديمة بشكل مفاجئ!