يبدو أن الشارع العربي اعتاد على متابعة بلدانه متنازعة، وتخضع الأطراف المتحاربة فيه إلى نعرات دينية وطائفية وما ينتج عن ذلك من قتل وتشريد، ولم يعد موت الأبرياء أو تشريدهم أو حتى وقوفهم على شفا حفرة من الهلاك المؤكد، يولد فينا الإحساس بالتعاطف، والذى ينم عن أن إنسانيتنا ما زالت بخير، فقد أمسى ما كان يحرك مشاعر الإنسان العربي بالأمس لا يحركها ما هو أكثر منه اليوم، إلا في حالة تم توجيه مشاعره من خلال قنوات ومحطات فضائية!

فوسط صمت مخزٍ، نُشر على الموقع الرسمي للجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، بيان جاء على لسان رئيس البعثة هناك «ألكسندر فيت»: «لقد توقفت أنظمة المياه والصرف الصحي في محافظات الحُديدة، وصعدة، وتعز عن العمل بسبب عدم توفر الوقود، ونتيجة لذلك، حُرم نحو مليون شخص الآن من المياه النظيفة والصرف الصحي في بيئات حضرية مكتظة بالسكان، في بلد لا يزال يتعافى ببطء من أسوأ تفش لوباء الكوليرا في العصر الحديث».


أسوأ أزمة إنسانية في العالم

ووسط هذا الخطر الداهم الذى يهدد الأبرياء في اليمن، لا أجد أي عذر – ولو وُجد فهو أقبح من ذنب – لهذا الصمت المفزع بعد أن حذر أيضًا خبراء الأمم المتحدة من أن 3.2 مليون شخص يهددهم خطر المجاعة وهناك 150 ألف طفل يعانون سوء التغذية، يمكن أن يموتوا الشهر القادم، وبحسب منظمة «أ نقذوا الأطفال»؛ يموت 130 طفلًا يوميًا في اليمن.

وهناك ما لا يقل عن 17 مليون شخص آخرين، من بينهم 11 مليون طفل، في حاجة ماسة للإمدادات الإنسانية. كما أدى نقص الأدوية والمياه النقية إلى انتشار الأمراض. وأصبحت البلاد الآن في خضم وباء الكوليرا الذي يسجل أسرع انتشار على الإطلاق. وقد تأثر به حوالي 900 ألف شخص، وفقًا لما ذكرته الأمم المتحدة.


عاصفة الحزم.. وإعادة الأمل

ترجع بداية المأساة إلى مارس من عام 2015، عندما انطلقت عملية «عاصفة الحزم» العسكرية، بقيادة السعودية، ضد المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقد بدأت العمليات استجابة لطلب من رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي بسبب هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن، التي فر إليها الرئيس هادي، ومن ثم غادر البلاد إلى السعودية، وتستهدف غارات التحالف الحوثيين والقوات الموالية لصالح، الذي أُطيح به في عام 2011 في ثورة الشباب اليمنية ثم تحالف لاحقًا مع الحوثيين قبل أن يلقى مصرعه الإثنين 4 ديسمبر 2017.

بحلول أوائل إبريل 2015، حاول التحالف كبح تقدم قوات الحوثيين نحو الجنوب عبر ضرب الطرق والجسور ومحطات الوقود. واستُنزفت الأهداف المحددة – ذات القيمة العسكرية الحقيقية – إلى حد كبير، حيث تم شن هجمات جديدة أعادت ضرب أهداف محددة أو إصابة ما يشتبه به من أماكن تجمع للقوات الحوثية والقوات الموالية لصالح.

وفي 22 إبريل، أعلن المتحدث باسم قوات التحالف عن انتهاء عملية «عاصفة الحزم»، بعد تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية التي تشكل تهديدًا لأمن السعودية والدول المجاورة. وفي الواقع لم يتمكن التحالف حينها من تدمير قوة المتمردين الحوثيين.

وأعلنت السعودية بدء مرحلة جديدة تحت مسمى عملية «إعادة الأمل»، وفي خطاب متلفز للرئيس عبد ربه منصور هادي قال إن الضربات الجوية تم إيقافها بناءً على طلبه، شاكرًا التحالف العربي لدعمهم الشرعية في اليمن. ولم تتوقف الغارات الجوية والبحرية على الرغم من إعلان انتهاء عاصفة الحزم، ورحبت إيران بإيقاف العمليات العسكرية، ووصفت ذلك بأنه «خطوة إلى الأمام» لليمن الذي مزقته الحروب.


أطفال اليمن: من حقنا أن نعيش

احتفل المجتمع الدولي في 20 نوفمبر الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للطفل، فيما احتفى أطفال اليمن بالعاصمة صنعاء بتلك المناسبة على طريقتهم وذلك برفع «نعش رمزي» للضمير العالمي في وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة في ظل ما يتعرضون له من قصف وقتل متواصل من قبل طيران التحالف السعودي، المصنف أمميًا في القائمة السوداء عن قتل أطفال اليمن.

رفع الأطفال عشرات اللافتات التي كُتب عليها عبارات تدعو لوقف الحرب على اليمن وحمايتهم من القصف الذي يستهدفهم بشكل متواصل في منازلهم وفي مدارسهم ما جعلهم يشكلون الرقم الأكبر في قائمة الضحايا المدنيين جراء القصف المستمر منذ نحو ثلاثة أعوام. كما رفعوا لافتات كُتب عليها «الحصار يقتلنا» وعبارة «من حقنا أن نعيش ونتعلم» وعبارات أخرى تنتقد عدم تدخل الأمم المتحدة لوقف الانتهاكات بحقهم.


اعتبرها حلب أو بورما!

هنا، لا يعنيني أي الأطراف المتناحرة على حق، فقد مللنا تلك الدوامة التي نخرج منها جميعًا خاسرين، فعندما تدور رحى الحرب يختلط الحق بالباطل، ولا يطحن غير عظام الأبرياء، بين فريقين متخاصمين، ويتعرض لتلقي الضربات من الجهتين، فلنوجه جهودنا لإنقاذ الأبرياء وليس هناك وسيلة أفضل من الضغط الإعلامي على الجانب السعودي وحلفائه لإيقاف الحرب لدواع إنسانية.

ربما نكون فقدنا الكثير من إنسانيتنا وسط مشاهد الاحتراب والنزاعات المتكررة، والتي لا طائل من ورائها فلا أرض محتلة تتحرر، ولا حق يصل إلى أصحابه، لكن أكثر ما يدهشني في مشهد الشارع العربي، هو التعاطف الذي يظهر حسب تبني إحدى المحطات الإخبارية ذلك!

فنجد فجأة كافة وسائل التواصل الاجتماعي تحمل نفس الشعار وتتناقل صور ضحايا أغلبها من مآسي سابقة أو حتى من بلدان غير عربية لتأجيج مشاعرنا لصالح فريق ضد آخر على غرار «حلب تحترق» و«متضامن مع مسلمي بورما»… إلخ

بالطبع لا أقلل من قيمة الأبرياء هنا أو هناك، فقط يدهشني أن مشاعرنا وإنسانيتنا أمست «Delivery»!

هل وصل بنا الأمر إلى حد أن يكون التعاطف هو الآخر سياسيًا أو قائمًا على أساس طائفي؟ ويأتي التضامن بناء على توجه محطة والقائمين عليها وولائهم لأي دولة أو طائفة، ولا يكون له وجود إذا لم تمل علينا ذلك؟

لعلنا الآن نعرف ماذا وضع أطفال اليمن داخل النعش الرمزي!

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.