بدأت إضاءات من 21 أكتوبر/تشرين الأول، وتستمر على مدى شهر، تغطية متواصلة للانتخابات الأمريكية المقررة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني. ويمكنكم متابعة تلك التغطية هنا.


إنه الاقتصاد يا غبي.

عبارة شهيرة تعود إلى سباق الرئاسة الأمريكية بين بيل كلينتون وجورج بوش الأب عام 1992م، وينسبها البعض إلى جيمس كارفيل، أحد استراتيجيي حملة كلينتون الانتخابية. وقبل ما يقرب من قرن، قال فلاديمير لينين، زعيم الثورة الروسية، أن «الاقتصاد هو تعبير مُكثف عن السياسة». أما علماء الاقتصاد والسياسة، فيرون أن التشابك بين المجالين من القوة بحيث أنه يصعب أساسًا الحديث عن أي منهما دون الآخر.

ولهذا، فعندما نتحدث عن انتخابات، خصوصًا في دولة متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، فمن الطبيعي أن يحتل الملف الاقتصادي مكانًا بارزًا ومركزيًا، حتى في أوقات الأزمات الدولية والحروب الكبيرة المستعرة في أرجاء الكوكب؛ تلك الأزمات التي يمكن أن تمارس تشويشًا سياسيًا وثقافيًا كصراعات الهوية وحركات الهجرة والنعرة القومية… إلخ، من قضايا تبدو غير اقتصادية في ظاهرها فقط!


خلفية تاريخية

يمكن لأي مُطلع بدرجة كافية على التاريخ الاقتصادي الحديث أن يرصد وتيرة منتظمة من تصاعد النزعات الحمائية القومية في مواجهة نزعات التكامل العولمي، بحيث تتصاعد النزعات الأولى كلما عانى النظام الرأسمالي العالمي الأزمات، حيث تتعاظم التناقضات بين الدول الرأسمالية الكبرى (عالمياً) وبين قطاعات رأس المال (محليًا) على خلفية التناقضات داخل رأس المال العالمي، وهو ما ينعكس عالمياً في صورة صراعات دولية قد تصل لحروب عالمية كما حدث مرتين في القرن العشرين، كما ينعكس محليًا في تصاعد النزعات القومية والفاشية بكل ما يتصل بها من حمائية تجارية وإغلاق للحدود وكراهية للأجانب.. الخ.

ومع تفاقم أزمة النظام الرأسمالي منذ عام 2008م، أخذت النزعات الفاشية تتصاعد حتى لدى وداخل القوى الرأسمالية الكبرى، ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية استثناءً، وهو ما يتجلى بوضوح هذه الأيام في انتخاباتها الرئاسة مع تصاعد شعبية المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

ورغم أن المعركة الانتخابية بمُجملها تدور بين قوى رأسمالية يمينية في جوهرها، إلا أن هذا لا يمنع أن يكون بينها اختلافات تعود لاختلاف مواقعها من التغيرات الجارية في العالم، واختلاف مناهجها وطرائقها في مواجهة ومعالجة ما ترتبه تلك التغيرات من تحديات وتكاليف. هذا ما تجلى مؤخرًا أيضًا في معركة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، حيث تتكرر نفس التيمة أوقات الأزمات.

فبدلًا من أن تتحمل القوى الرأسمالية تكلفة الإصلاح بالتنازل عن بعض امتيازاتها، فإنها تحمِّل التجارة الخارجية والأجانب والمهاجرين والقوى العاملة، المسئولية، وتعبئ خلفها القطاعات الرأسمالية التقليدية المتضررة من سياسات الانفتاح التجاري والقوى الاجتماعية من محدودي الدخل المتضررين من المنافسة الدولية التي تقلل فرص العمل وتخفض الأجور.

وهكذا، نرى ذلك التركيب العجيب من القوى اليمينة حد الفاشية التي تصطف وراءها قطاعات عمالية فقيرة، في مواجهة قوى يمينية تصطف خلفها قوى ليبرالية!


الاختلافات الاقتصادية بين ترامب وكلينتون

يمثل ترامب وكلينتون هذا التناقض ما بين القوى الرأسمالية التقليدية التي لا ترغب في توسيع نطاق الانفتاح التجاري الذي تراه يضعف الاقتصاد الأمريكي لصالح خصومها، والقوى الرأسمالية الأكثر حداثة ومعها الشرائح العليا من الطبقة الوسطى المستفيدة من العولمة وفتح الحدود على مصراعيها. وهو ما انعكس على كافة القضايا الاقتصادية المحلية والعالمية .

ومن خلال تقارير للوول ستريت جورنال و البي بي سي و البيزنس إنسايدر، حدّد مجموعة من المحررين والباحثين الاختلافات الرئيسية بين ترامب وكلينتون حول أهم القضايا الاقتصادية على النحو التالي:

1. التجارة والعولمة

يرى ترامب ضرورة الحد من حرية التجارة وإعادة التعريفات الجمركية القديمة لحماية الصناعة الأمريكية مما أسماه: المنافسة غير العادلة. وهاجم اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة (النافتا) التي وقعها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، زوج منافسته هيلاري كلينتون.

أما كلينتون فترى أنه يجب التوسط والاعتدال فيما يتعلق بالسياسة التجارية. فهناك فوائد للانفتاح التجاري، كما أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة دخول حرب تجارية مع الصين حسب وصفها لمقترحات ترامب.

2. الوظائف والدخول

يعطي ترامب لخلق الوظائف اهتمامًا كبيرًا في دعايته الانتخابية. ولتحقيق هذا، حدد برنامجه بتشجيع الاستثمار داخل الولايات المتحدة، والاستثمار في البنية التحتية، وزيادة الإنفاق العسكري، وتقليص العجز التجاري، وخفض الضرائب، وتقليل التنظيمات الإدارية والاقتصادية، وتسهيل الإجراءات القانونية والإدارية لعملية التوظيف، مع التركيز بشكل خاص على التوظيف بقطاع الصناعة.

أما كلينتون، فترى تحقيق نفس الهدف من خلال تقديم المزيد من التدريب الذي يتم تمويله من خلال الضرائب المحصلة من الطبقات الأغنى، والاستثمار في البنية التحتية، وشبكات الإنترنت، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، لخلق مزيد من فرص العمل بها.

3. الأجور

بدا ترامب متقلبًا في شأن الحد الأدنى للأجور. ففي البداية، اتخذ موقفًا مُتسقًا مع منطلقاته الجمهورية اليمينية لدرجة اعتبار الأجور الحالية مرتفعة، لكنه غير موقفه لاحقًا مع ما وجهته له نقابات العمال وغيرها من انتقادات، منتقدًا عدم تحسن أوضاع الطبقة الوسطى منذ سنوات، ومتعجبًا من انخفاض الحد الأدنى للأجور؛ ليقدم موقفًا ملتبسًا ما بين الرغبة في زيادة الحد الأدنى الفيدرالي للأجور إلى عشرة دولارات في الساعة، وبين الدعوة لترك كل ولاية تحدده بنفسها.

أما كلينتون فتؤيد، كحزبها، زيادة الحد الأدنى الفيدرالي للأجور بشكل مطلق، وإن كان بتقلب في تحديد مستواه ما بين 12 دولار للساعة كما كانت تقترح في البداية، مع السماح للولايات بتحديد مستويات أعلى إن شاءت، و 15 دولار للساعة كما كان اقتراح ساندرز – منافسها الديموقراطي السابق – الذي كانت ترفضه، والذي تبناه الحزب الديموقراطي في النهاية.

4. الضرائب

يرى ترامب كجمهوري تقليدي خفض الضرائب على الشركات من 35% إلى 15% فقط، مع تبسيط وتقليل شرائحها لتحفيز الاستثمار والنمو.

بينما تعمل كلينتون لأجل الحفاظ على الإنفاق الصحي ودعم التعليم من خلال زيادة الضرائب على الدخول العائلية الأعلى من مليوني وخمسة ملايين دولار سنويًا، ومنع التهرب الضريبي بالاستثمار في الخارج، مع تقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي تقوم باستثمارات طويلة الأجل وتوظيف عمالة جديدة.

5. الدين العام

قدم ترامب تصريحات متضاربة بهذا الشأن، بشكل يعكس تغير مواقفه بحسب استجابات مجتمعات الأعمال لتصريحاته، فكان موقفه في البداية هو إنهاء هذا الدين من خلال النمو الاقتصادي السريع (الأمر الذي لا يراه الخبراء محتملًا في ظل الأوضاع الحالية) وبإعادة التفاوض على الدين مع الأطراف المعنية، ثم تحول عنه لاحقا ليقول أن شروط الدين مُقدسة ولا تفاوض عليها.

أما كلينتون، فقد انتقدت أي مقترحات لترامب أو لساندرز تفاقم عجز الموازنة، واقترحت تمويل العجز من خلال الزيادات الضريبية التي تقترحها على الدخول العائلية العالية، وهو ما يرى بعض الخبراء أنه لن يؤدي لمسار مختلف عما كان مع من سبقها من رؤساء.

6. البنية التحتية

تحتل مكانًا بارزًا في تصريحات ترامب، حتى أنه وعد ببرنامج بقيمة تريليون دولار لإعادة تأهيل الطرق والمطارات والكباري وأنظمة المياه وشبكة الكهرباء، وسيموله من جزء من العوائد الضريبية المتوقعة من رفع القيود عن إنتاج الطاقة، ومن صندوق يساهم فيه المستثمرون.

أما كلينتون فوعدت بعرض برنامج بقيمة 275 مليار دولار على الكونجرس خلال أول مائة يوم من رئاستها، وستعتمد في تمويله على العوائد الضريبية الجديدة من الزيادات الضريبية على الشركات، كما ستؤسس بنكًا للبنية التحتية وبرنامج سندات باسم بناء أميركا.

7. السياسة النقدية والاحتياطي الفيدرالي

يتبنى ترامب موقفاً أكثر مرونة من الموقف السلبي لأغلب أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه تجاه سياسات التيسير الكمي (زيادة عرض النقود) التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي ، واستقرت مواقفه الأخيرة عند قبول معدلات الفائدة المنخفضة – رغم رفضه لها في البداية – إلا في حالات ارتفاع معدلات التضخم ، فيما تريد كلينتون الرقابة على القطاع المالي وتنظيمه وتقليص سيطرة المصرفيين على الاحتياطي الفيدرالي وإنهاء ما أسمته “الباب الدوّار بين واشطنون و وول ستريت” ، أي انتقال المسئولين بين الاحتياطي الفيدرالي و وول ستريت .

8. الضمان الصحي والاجتماعي

يعد ترامب بالحفاظ عليه مع تعديله لتقليص الهدر به ولقصره على مستحقيه فقط، الأمر الذي يشكك بمصداقيته بعض الخبراء المستقلين. بينما تريد كلينتون تعزيزه، خصوصًا لصالح النساء المطلقات والأمهات الوحيدات.

9. الهجرة والحدود

لعل هذه النقطة الأكثر وضوحًا في الخلافات بين المرشحين، حيث يريد ترامب تشديد إجراءات الهجرة، ومنع دخول مسلمين جدد للولايات المتحدة، وطرد ملايين المهاجرين خصوصًا غير الشرعيين منهم، ومنع إعطاء الجنسية، وحتى بناء سور على طول الحدود مع المكسيك.

بينما تدعم كلينتون المهاجرين، وتريد إدماجهم في المجتمع الأمريكي، وتعد بتأسيس أول مكتب وطني لشئون المهاجرين إذا دخلت البيت الأبيض، كما سخرت من فانتازيا السور العازل مع المكسيك!

10. المصروفات الجامعية

يرى ترامب ضرورة ضبط سياسة القروض الطلابية ونقلها للقطاع المصرفي الخاص، وأن يتم ضمان تقديم القروض للطلاب الأكثر كفاءة.

أما كلينتون فتريد كليات عامة مجانية لغير القادرين فقط، ممن تقل دخولهم عن 85 ألف دولار سنويًا، و125 ألف دولار سنويًا عام 2021م، كما ترغب بتقديم بعض المزايا والمساعدات لبعض المقترضين القدامى من الطلبة.