عشب يُزرَع بمواصفات خاصة يحمل فوقه 22 رجلًا. قيمة هؤلاء اللاعبين التسويقية تعادل ميزانيات دولة بكاملها، يلبسون قمصانًا صُنِعَت خصيصًا لتتيح لهم الراحة القصوى في الحركة، يركلون كرة تتطور بصورة شبه سنوية بأبحاث رياضية وفيزيائية متقدمة.

صناعة مربحة بجميع المقاييس، عمودها الأساسي هو البث التليفزيوني. أصبحت مشاهدة كرة القدم تخضع لقوانين البث التي تُقسَّم طبقًا لمكان وجودك على خريطة العالم، وأينما ظهر بث تليفزيوني لسلعة رائجة مثل كرة القدم فهناك دومًا إعلانات لمنتجات وجدت في مناسبات كرة القدم مناخًا خصبًا للترويج.

لم يختلف الوضع في مصر كثيرًا وأصبحت إعلانات الشركات المختلفة جزءًا لا يتجزأ من بطولات كرة القدم الخاصة بالمنتخب المصري وأهمها بطولة كأس الأمم الأفريقية بالطبع. وتطور الأمر حتى أصبح متابعو كرة القدم ينتظرون تلك الإعلانات التليفزيونية كجزء من الجو العام للبطولة.

بمرور الوقت أصبحت تلك الإعلانات أشبه بعلامات تستطيع من خلالها توثيق تلك البطولات. فالإعلان التجاري عادة يستمد محتواه من الواقع الذي يعيشه المشاهد. يبحث الإعلان عن جملة «بالفعل، هذا ما يحدث» داخل عقل كل مشاهد.

ولذا قبل انطلاق كل بطوله تستطيع أن تستحضر الجو العام وترسم بعض العلامات لتلك البطولة. دعنا نستعرض بعض الإعلانات الخاصة ببطولات إفريقيا التي خاضتها مصر، ولنرى أخيرًا ماذا تخبرنا الإعلانات عن البطولة المقبلة.


بطولة 2006: بداية تغيير خريطة التشجيع

شهدت بطولة 2006 والتي أقيمت في مصر بداية التغيير في خريطة التشجيع. قبل تلك البطولة تحديدًا تستطيع أن ترسم الشكل الثابت للمشجعين المصريين. والذين ينحصرون عادة في فئتين، الفئة الأولى وهي فئة الشباب المستعد لتحمل معاناة «مرمطة» حضور المباراة من قلب الملعب. أما الفئة الثانية، فهي فئة الرجال الذين لم يستطيعوا أن يتخلصوا من شغف حضور تلك المباريات أبدًا. تظهر بعض الأسر المصرية في الملاعب خلال ذلك الوقت على استحياء لكن تبقى الأغلبية في المدرج للذكور الشغوفين باللعبة.

أما المنتخب نفسه، فكانت النجومية تبدو جماعية بعض الشيء وهي صفة ملازمة لمرحلة حسن شحاتة. كانت نجومية الشباك لهذا المنتخب تشمل أبوتريكة بجوار محمد بركات خاصة أن الاثنين شاركا في الفوز بدوري أبطال إفريقيا رفقة نادي الأهلي قبل ثلاثة شهور من تلك البطولة في نوفمبر 2005. شهدت البطولة توهج نجم أبوتريكة بعد إحراز ضربة الجزاء في المباراة النهائية ثم وفي نفس العام (نوفمبر 2006) سيسجل أبوتريكة هدفه التاريخي في نادي الصفاقسي ليحرز به دوري أبطال أفريقيا للعام الثاني على التوالي ويفض شراكة النجومية مع الجميع.

طبقًا لتلك الظروف ظهر إعلان بيبسي الراعي الرسمي للبطولة بشكلين، الأول، استعراض لمهارات بعض الشباب بالكرة والآخر يصور لحظة دخول لاعبي المنتخب لإحدى المباريات وينتهي بوضع حسن شحاتة يده فوق كتف تريكة.

تغيرت خريطة التشجيع خلال تلك البطولة تمامًا. أصبحت مباريات الفريق المصري لكرة القدم بمثابة نزهة للشباب والفتيات. ظهرت فتيات تلون وجهها بألوان العلم المصري وشباب يرتدي قبعات بذات الألوان. تغيرت خريطة التشجيع نوعيًا. لقد احتل المدرجات رجال وسيدات يبدو أن اهتمامهم بالكرة أقل لكن قوتهم الشرائية أكبر. تستطيع أن تلحظ ذلك بداية من المظهر وأساليب التشجيع بسهولة، وهو ما لم يخفَ على صانعي الإعلانات.


بطولة 2008: منتخب قوي وإحنا معاهم

التقطت شركة كوكاكولا الخيط بسهولة، ولأن منتج مثل المياه الغازية يقدم في الأصل للشباب فإن ظهور هؤلاء الشباب في المدرجات أصبح فرصة مثالية لمخاطبتهم من خلال كرة القدم.

قدمت حينئذ شركة كوكاكولا حملة دعائية ناجحة للغاية حملت اسم «وإحنا معاهم». استعرضت كوكاكولا أنواعًا جديدة للمشجع. الفتايين، اللي ملهمش فيها، العاطفيين، أما فتيات 2006 ظهروا باسم المستجدين.

لكن على المستوى الكروي كانت بيبسي هي الأكثر اهتمامًا. تولد لدي جماهير مصر ثقة كبيرة في منتخبها. أظهرت إعلانات بيبسي نجوم البطولة الماضية «حسن شحاتة، أبوتريكة، الحضري، الجماهير المصرية» كأساطير على المنتخبات الأفريقية أن تحذر منهم وإلا سيتذوقوا الهزيمة، وهو ما حدث بالفعل.


بطولتا 2010 و2017: الحدث الأهم لكن دون توقع

بعد أن فازت مصر ببطولتي إفريقيا مرتين متتاليتين، أصبح من الصعب التوقع الفوز بالثالثة. كان الأمر لا يتوقعه أكثر المتفائلين في الحقيقة، لكنه يبقى الحدث الأهم رغم ذلك، فمباريات منتخب مصر في تلك البطولة أصبحت هي الحدث الأكثر بهجة خلال الأعوام الأخيرة.

تشابه الوضع مع بطولة 2017. حيث عادت مصر مرة أخرى للبطولات الأفريقية لكن بعد أعوام حملت أحداثًا أخطر من كرة القدم. تلك الأعوام شهد خلالها المصريون هزائم سياسية واجتماعية عديدة حتى أيقنوا أن كرة القدم كانت رحيمة بهم. هجر المصريون السياسة وارتموا في أحضان كرة القدم عن طيب خاطر ولذا كانت تلك البطولة هي الحدث الأهم حينئذ لكن دون أن يرفع أحد سقف توقعاته خاصة بعد طول الغياب.

جاءت الإعلانات كلاسيكية بشكل كبير خلال البطولتين كونهما أحداثًا هامة ربما الإعلان المميز الوحيد هو إعلان أصدرته شركة كوكاكولا لشكر كوبر بعد وصوله للمباراة النهائية وحمل الإعلان جملة (طلع الراجل ليه نظريه) وهو توثيق مهم لمرحلة كوبر، حيث لم يكن هناك أحد يعلم تحديدًا ماذا يملك الرجل أو ماذا يريد. كان الأمر مقتصرًا على صلاح وما زال ذلك الوضع لم يتغير بعد مرور سنتين ورحيل كوبر وقدوم أجيري.

فقبل انطلاق البطولة الحالية وبمجرد أن تشاهد الحملات الإعلانية تستطيع أن تفهم ماذا سيفعل المنتخب خلال البطولة القادمة.


بطولة 2019: نملك صلاح وتخوف من الجماهير

بالطبع كان نجم الشباك خلال الإعلانات الحالية هو النجم الأبرز محمد صلاح. يعرف الجميع أن محمد صلاح هو فرس الرهان الخاص بمصر خلال تلك البطولة. ولذا ظهر إعلان فودافون بشكل صريح، مصر كلها في انتظارك يا صلاح. البطولة على أرضنا لذا نرجوك أن تلعب و تحرز الأهداف. الأمر أصبح أقرب للتوسل لأن الجميع يعلم تمامًا أن رجلًا واحدًا سيتحكم في مصير الملايين. ولذا لم يكن الإعلان خياليًا أو مفتعلًا حتى مع كل عبارات التوسل تلك.

أما شركة بيبسي فقد قدمت حملة إعلانية بالشراكة مع شركة شيبسي. يبدأ الجزء الأول من الحملة الإعلانية عبر إعلان لشركة شيبسي يتم تقييمه من خلال بعض مشاهير السوشيال ميديا بالإضافة لحسن شحاتة ورضا عبدالعال، يتم توجيه بعض الملاحظات والتوجيهات للاعبي المنتخب المصري. ثم يظهر الجزء الثاني من الإعلان عبر شركة بيبسي وفيه يرد أفراد المنتخب بأنفسهم برسالة أننا سنحاول ولكن إذا لم نوفق نرجوكم لا تسخروا منا. ما تفعلوه خلال مواقع السوشيال ميديا يسبب لنا ضغطًا.

إعلان آخر يتحدث بحديث الجماهير. نعم لا يثق أحد في أي لاعب في قوام منتخب مصر فيما عدا محمد صلاح. لذا أصبحوا مادة منطقية للسخرية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لأن الجميع يعلم أن هذا الجيل فقير جدًا فنيًا.

ثم جاءت شركة كوكاكولا بإعلان أخير يتحدث حول أهمية توحيد الهتافات والوقوف وراء منتخب مصر. والحقيقة أن هذا الإعلان يبدو وكأنه نداء من الدولة ذاتها. لقد تصاعدت وتيرة الأحداث قبل انطلاق البطولة بشكل كبير بين الأندية واتحاد الكرة. وصل الأمر لتوجيه بعض الجماهير دعوات لمقاطعة مباريات تلك البطولة. وهو الأمر الذي يستدعي التنبيه سريعًا على أهمية نبذ الخلافات وتوحيد الهتافات إلى آخره. الشيء المميز في هذا الإعلان الذي يحتوي على كل أطياف الجماهير أنه تم إصداره بنسختين. واحدة منهما لم تحتوِ على جماهير المصري البورسعيدي وذلك لتجنب الخلاف مع جماهير الأهلي والسبب معروف بالطبع.

الحقيقة أن منتخب مصر سيلعب تلك البطولة معتمدًا على محمد صلاح وحده. أما البقية بالكامل فهم تحت ضغط مباشر لأنهم ليسوا على قدر الحدث وستلعب تلك البطولة خلال أجواء ليست بالمثالية من قبل الجماهير. الإعلانات تقول لك إن صلاح ربما يجلب البطولة لكن الأمر سيكون صعبًا للغاية. أستطيع أن أقول لك ذلك فقط بمشاهدتي للإعلانات.