في كأس العالم 2022، وقبل مباراة المنتخب البرازيلي أمام كوريا الجنوبية، استقدمَ اللاعب البرازيلي نيمار شخصًا مهمًّا من العاصمة الفرنسية باريس إلى مقر إقامته في العاصمة القطرية الدوحة، على وجه السرعة. هذا الشخص لم يكن ناصر الخليفي رئيس النادي، ولا بيني زهافي وكيل أعماله، وإنما شاب برازيلي اسمه ناريكو.

ناريكو هو مصفف الشعر الخاص بنيمار، والذي طار مسافة قدرها أربعة آلاف ميل تقريبًا على متن طائرة من باريس إلى الدوحة، فقط من أجل أن يصبغ لِلاعب شعره ويحوِّله للون الأشقر.

ليس أمرًا مُستغربًا؛ فحسبما أوردت بعض التقارير، ينفق نيمار حوالي 2400$ على تصفيف شعره شهريًّا. وإنما الغرابةُ كلُّها في السبب وراء ذلك.

كان نيمار قد سبق أن ظهر بلون الشعر الأشقر في آخر مباراة جمعت الفريقين، وأحرز خلالها هدفين، فظن أن تلك القصَّة ستجلب له مزيدًا من الحظ الجيد، وهو ما حدث بالفعل، حين صنع وسجل وساهم في فوز فريقه برباعية.

إن كنت متابعًا جيدًا للبريميرليج، فلا بد أن تصفيفات شعر لاعبي نادي تشيلسي هذا الموسم قد استرعت انتباهك منذ المباراة الأولى. وإن كنت متابعًا أصيلًا للإيجيبشن ليج، فبالطبع تتذكر الفترة الذهبية لذيل الحصان في نادي إنبي، ما دفع الجمهور لإثارة إشاعة ظريفة عن انضمام عمرو جمال إليهم إثر ظهوره في إحدى الحوارات التلفيزيونية بتلك القصَّة.

الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عمَّا تعنيه تصفيفة الشعر للاعبي كرة القدم؟ وكيف تؤثر على أدائهم في الملعب؟ وكيف أسهمت كرة القدم كرياضة في الحلاقة كمهنة وصورة مجتمعية؟

في البدء كان ديفيد بيكهام

في تقرير نُشر في صحيفة ذا إيكونوميست، بعنوان: «الاقتصاد السري لشعر لاعبي كرة القدم»، يحكي شيلدون إدواردز الحلَّاق الذي قام بتصفيف شعر معظم لاعبي منتخب إنجلترا في بطولة يورو 2020 أو كما أسماه التقرير «الحلاق الذي شكَّل صورة إنجلترا» في تلك البطولة، عن التطور الذي عايشه وكان شاهدًا عليه، كحلاق مهاجر في إنجلترا في تسعينيات القرن الماضي.

حسب إدواردز، لم يكن الحلَّاقون آنذاك يحلمون ببناء قاعدة عملاء مربحة من لاعبي كرة القدم. لم تكن اللعبة بذلك التعقيد، ولم تكن الأموال التي تضخ فيها والأرباح التي تُجنى من ورائها لتقارن بأي حال مع عوائد اللعبة في العصر الحالي.

يكفيك أن تعلم أن العوائد التي تحصلها أندية البريميرليج في الوقت الحالي تقدر بأكثر من عشرين ضعف ما كانت تحصله في أوائل تسعينيات القرن الماضي. كما أن عددًا قليلًا جدًّا من المباريات كانت تبثُّ مباشرة للجمهور عبر شاشات التلفاز، ولكن في عام 2000، تغير وجه اللعبة تمامًا. والسبب؟ ديفيد بيكهام.

مع اتساع رقعة البث التلفزيوني، وتحول اللاعبين إلى لوحات إعلانية متحركة داخل الملعب، صار لزامًا أن يكون اللاعب/الواجهة في أقصى درجات الهندام والأناقة كي يلفت الأنظار. كيف السبيل إلى ذلك وكل اللاعبين يرتدون القميص نفسه؟

كانت تصفيفة الشعر بداية لا بأس بها، وكان بيكهام رائدًا في ذلك المجال، تعينه في ذلك زوجته فيكتوريا آدامز المغنية ومصممة الأزياء. فقصة Buzzcut المنتشرة في الوقت الحالي كأحدث تقاليع الموضة؛ كانت إحدى قصات بيكهام المثيرة للجدل في عام 2000.

حين أطلق عطره الحمضي الخاص عام 2005 ، لم يكن هنالك اهتمام يذكر بمنتجات العناية الشخصية للرجال، استنادًا للصورة النمطية عن الرجولة التي صنع بيكهام أول ثقب في سفينتها، حتى غرقت تمامًا في العصر الحالي، وأصبح حجم سوق العناية الشخصية للرجال حول العالم يقدر بنحو 30.8 مليار دولارًا أمريكيًّا عام 2021.

من هنا فُتح باب واسع، يدخل منه اللاعبون ويخرجون دون الشعور بالحرج، بل صاروا يلِجونه؛ لأنهم يعرفون أن نهايته مكسب كبير، وصور تحصد ملايين الإعجابات على الانستجرام وغلاف مجلات الموضة، وخطوة في درب تحولهم إلى «براند» دون أن يخشوا تعليقات حادة جارحة تخص رجولتهم التي لم تعد مرتبطة بلون شعرهم الأنثوي أو بالأقراط التي تزين آذانهم.

الشعر يحكي قبل اللسان أحيانًا

إن كنت تعتقد أن الفارق بين الشِّعر والشَّعر، محض تشكيلة على حرف، فأنت محق نوعًا ما. لكنك إن دققت النظر في ما وراء الكلمتين، تجد أنهما تحملان الشيء الكبير من ديوان الشعوب وحكاياتهم، الفارق أن إحداهما في صورة نثر وجرسٍ وكتابة، والآخر في صورة حسية مرئية وملموسة.

في مقال بحثي بعنوان: «الشعر، من الغرب إلى الشرق الأوسط، عبر البحر المتوسط»، يرى عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كريستيان برومبيرجر أن ملاعب كرة القدم أماكن مثالية لتتبع موضات الشعر وتطورها، باعتبارها إحدى السمات الشكلية التي كثيرًا ما يستدل بها على سلوك وطبيعة الشخصيات جموحًا وطموحًا ودَعة.

بول بوجبا مثالًا، كانت قصة شعره في كثير من الأحيان تحكي موقفه من أحداث تجري حوله، من انتقادٍ أو توجيه الامتنان لأشخاص في طفولته أو الرد على شائعات حول أدائه وانتقاله من نادٍ لآخر، وأبرزها على الإطلاق القبضة التي نقشها على شعره تضامنًا مع حركة «حياة السود مهمة» عقب مقتل جورج فلويد، وأظهرها في مباراة مانشيستر يونايتد أمام بورنموث في البريميرليج.

قصة البطولة الفريدة التي حقق فيها المنتخب المغربي إنجازًا غير مسبوق في تاريخ الكرة العربية والأفريقية في كأس العالم، كانت ترويها رءوس الشباب المغربي مع كل مباراة وهم يقفون في المقاهي والشوارع وقد حاز كل منهم قصة شعر تشبه بطله المفضل: حكيمي، زياش، بوخلال، النصيري. الغريب أن ذلك لم يكن مستهجَنًا من الكبار الذين ينتقدون كل جديد، خصوصًا فيما يتعلق بفكرة الموضة وعنصريها الأبرز الملبس وقصَّة الشعر.

أحد حلَّاقي المنتخب المغربي محمد بن عيسى، يذكر أنه قبيل مباراة المغرب والبرتغال، وبعدما وضع اللمسات النهائية على قصة شعر يوسف النصيري، قال له: ضع قميصك واكسب لنا تلك المباراة إن شاء الله.

هل يمكن أن نعتبر تلك الجملة ما قبل تأثير الفراشة؟ حيث يخسر رونالدو ويطير إلى السعودية ويتبعه نفر غفير من نجوم الكرة العالمية؟ لا تقلل أبدًا من قيمة قصة شعر جيدة.

أمرٌ كهذا كان نواة بحث نشرته مجلة «GQ Middle east» عن العلاقة بين كرة القدم وصالونات الحلاقة في الوطن العربي، يلخص كيف أن كرة القدم تتأثر بالناس ثم تعيد لهم هذا التأثير، ولكن على مسارح أكبر.

مش قَصَّة والسلامة

«وكأنهم نسوا أحذيتهم في المنزل». هكذا وصف إدواردز حال الكثير من زبائنه من لاعبي كرة القدم، الذين يقدسون تصفيفة الشعر، بل يعتبرونها من طرق التحضير الجيد للمباراة. وإن كانت قصة نيمار في مستهل الموضوع قد أثارت إعجابكم؛ فالقصة التالية أجدرُ بأن تترك أفواهكم مفتوحة من فرط الدهشة.

كان رحيم ستيرلنج يمر بفترة عصيبة في مانشيستر سيتي في منتصف موسم 2020-2021، قبل أن يشعر بأن الوقت قد حان لانطلاقة جديدة، أي قصة شعر جديدة. أشار عليه إدواردز بقصة شعر أقصر قليلًا مع تدريجة مختلفة لجوانب الشعر، وتموجات في أعلاه. لن تصدقوا ما حدث! بعد تلك القصة الجديدة بدأ إمساك الأهداف يزول، وعرف رحيم طريقه للمرمى مباشرةً وأحرز خمسة أهداف في ثماني مباريات.

بعد تلك المباراة كانت الرسائل تنهال على إدواردز، ترجوه أن يقنع رحيم بأن يبقي على تلك القصة، تميمة الحظ الجيد. وهكذا اعتبرها اللاعب نفسه، حيث نشر على حسابه على تويتر صورته بالقَصَّة الجديدة، معلّقًا: ستيرلنج بالتدريجة المنخفضة، أمر مختلف!

ظاهرة أخرى وصفها سايمون كوبر في كتابه «اقتصاديات كرة القدم»، حيث لاحظ أن بعض اللاعبين الصغار يصبغون شعرهم باللون الأشقر في المباريات التجريبية التي يحضرها الكشافون، ليبرزوا عن أقرانهم ويتميزوا، فتلتفت لهم عيون الكشافة.

إذن، بالنسبة لهؤلاء اللاعبين فهي ليست قَصَّة والسلامة! وبعيدًا عن مسألة الحظ الجيد أو السيئ، ففي عالم تتملكه شهوة اللقطة، وتسيطر عليه أخاطيب الرأسمالية داخل وخارج الملعب؛ تصبح الصورة كل شيء.

تنتهي المباراة، فيهرع المشجعون لتصفح حساب إنستجرام الخاص بلاعبي فريقهم، ليتفقدوا صورهم التي تم التقاطها بواسطة مصورين متخصصين، يظهر فيها لوحة الإعلانات التي تسمى تلطُّفًا قميص الفريق، وحذاء الشركة الراعية.

بعض هؤلاء اللاعبين يحصلون على مقابل مادي ضخم لقاء نشر قصَّات شعرهم الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، بينما يصبغ آخرون شعرهم حتى يراهم بالكاد أحد!