مع تصاعد الأحداث الأخيرة في تونس تظهر دائمًا أسئلة للعديد من المهتمين بالشأن السياسي عن تاريخ تونس السياسي وتركيبة الحياة السياسية بها وطبيعة الفاعلين السياسيين بها. يأتي هذا المقال بترشيحات مختارة بعناية لمجموعة من الكتب التي تساعد بشكل جيّد في فهم الحياة السياسية التونسية وتاريخها وطبيعتها، ليسهل على المتابع للحالة التونسية فهم ما بها وتمهيد الطريق لمن يريد أن يتعمّق في الوضع التونسي.

1. الهادي التيمومي: كيف صار التونسيّون تونسيّين؟

من الصعب عادة فهم الأحداث السياسية لدولة ما دون التعرُّف على تاريخها وتطورها الاجتماعي تحديدًا، بمعنى آخر، التعرُّف على هوية الشعب وطبيعته من أهم عوامل دراسة وفهم الشعوب. وباعتبار أن سؤال الهوية هو أبرز ما يظهر على سطح الساحة السياسية والثقافية في الأحداث الكبرى، فإن محاولة الإجابة عنه تعتبر مدخلًا مهمًا لما نريد تقديمه فيما بعد. ففي كتابه «كيف صار التونسيّون تونسيّين» والصادر عام 2015 عن دار محمد علي الحامي.

يصف التيمومي، وهو أستاذ جامعي ومؤرِّخ مرموق، التونسيين في كتابه بأنهم «سكارى حد الثمالة بمسألة الهوية» مثلهم كمثل أي شعب له تاريخ متراكم من الخبرات والتحولات والتغيُّرات؛ فمنهم تيّاران أساسيان: الأول يرى تونس شرقية الروح وإسلامية لا يجب عليها أن تنفتح على الغرب وتفقد هويتها، والثاني يراها هوية تنتمي إلى حضارة البونيقيين وأن الإسلام دخيل عليها. ولفهم تلك التداخلات والانقسامات الأيديولوجية؛ يحاول التيمومي تتابع تاريخ تلك الانقسامات وكيف تشكّلت طبيعة وهوية التونسيين الحالية بداية من ثلاثينيات القرن التاسع عشر وبداية التحديث وحتى الآن. ويرفض التيمومي في كتابه الأحادية الهوياتية المنقسمة تلك؛ وإنما يدعو أن يكون المثقف والسياسي التونسي ناقدًا وعارفًا بتاريخه أجمع مستفيدًا من التراكم التاريخي التونسي الغزير للحصول على تونس الحديثة المنفتحة على العالم والتي ترفض الدوغمائية والتطرف وتفصل الدين عن الدولة.

2. خليل عبد الله: متلازمة بورقيبة.. مسألة الصراع على السلطة في تونس

صدر مؤخّرًا عن دار مسكلياني للنشر عام 2020 كتاب «متلازمة بورقيبة ومسألة الصراع على السلطة في تونس» لأستاذ العلوم الاجتماعية خليل بن عبد الله.

يناقش بن عبد الله أزمة الحالة التونسية ما بين فترتي (1927-1987) والتي تتمثّل في الدستور التونسي ووضعه بعد دولة الاستقلال وطبيعة تكوين الحياة السياسية والمنافسة على الحكم والوصول إليه. فالأسس التي وضعها بورقيبة تهدد التنافس السلمي على سلطة الحكم خصوصاً ضد الحاكم، كما يقول بن عبد الله في كتابه، تلك الأسس التي تهدد بانهيار الدولة التونسية بشكل كامل إن لم يُعد قراءتها وصياغة الدستور بشكل يسمح بتعددية المنافسة على السلطة.

فالكتاب يناقش تلك النقطة من ناحية علم النفس السياسي وشرح فكرة المتلازمة التي سيطرت على كثير من التونسيين، وعدم تركيز الضغط السياسي على ذلك الوضع الدستوري وتركيز أغلب الساسة على التنافس على الحكم دون حل المشكلة الأساسية من وجهة نظره؛ والذي قد ينتهي كما ذكرنا سابقًا بانهيار الدولة التونسية والقضاء على الحياة السياسية.

3. عزمي بشارة: الثورة التونسية المجيدة

تعتبر الثورة التونسية واحدة من أكثر الثورات العربية التي كُتب عنها ونوقشت في مؤتمرات وأبحاث سياسية واجتماعية عديدة. من أهم الكتب التي كتبت عنها كان كتاب «الثورة التونسية المجيدة: بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها» للدكتور عزمي شارة، والصادر عام 2012 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

يناقش بشارة الأسباب العامة والخاصة لقيام الثورة التونسية. فقد كانت الدولة التونسية قبل 2011 حالة مثالية لقيام الثورة بها؛ بشكل عام، كان الفشل في التنمية على مدار عقود، وسلطوية الحكم واستبداده والشقاق الشديد بين التيارات الإسلامية والعلمانية وتزايد نسبة البطالة بشكلٍ كبير، والذي كانت نتيجته معروفة للكل بإحراق بوعزيزي لنفسه بسبب صعوبة العيش من دون عمل. وبشكلٍ خاص، كان التزاوج بين فئة رجال الأعمال ومنظومة الدولة سببًا، مما أدى إلى ظهور شكل جديد من أشكال التسلط والاستبداد السياسي بإدخال أبناء المسئولين الأمنيين والعسكريين لملعب الاقتصاد والسياسة محميين بسلطات أهاليهم والذي أدى بهم للاستعراض الاستهلاكي واستفزاز مشاعر المواطنين في الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانوا يعيشون فيها.

يناقش أيضًا بشارة تاريخ الانتفاضات الشعبية التونسية وخريطة تشكّلها وتشكّل الأحزاب في تونس وطبيعة الحياة السياسية التونسية، ويوضِّح كيف تصاعدت الأحداث في تونس وتجاهل بن علي لها حتى اضطر إلى الهروب من البلاد.

4. الهادي التيمومي: نقابة رجال الأعمال التونسيين.. صراع طبقات أو صراع حوارات

في عام 2015 أعلنت لجنة نوبل للسلام فوز الرباعي التونسي (الرابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان، هيئة المحامين، الاتّحاد العامّ التّونسيُّ للشّغل، الاتّحاد التّونسيّ للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليديّة) وذلك نتيجة تدخلهم في الحوار الوطني التونسي والمساهمة في إنقاذ الدولة التونسية من الانهيار وتكريمًا للثورة التونسية كمهد للربيع العربي وأنجح تجاربه. وقد استفاد الرباعي من قوة المجتمع المدني والنقابي التونسي وتأثيره في الحياة السياسية وتاريخ تونس السياسي في القرن العشرين.

وفي كتابه «نقابة رجال الأعمال التونسيين: صراع طبقات أو صراع حوارات» الصادر عام 2015 عن دار محمد علي للنشر، يناقش التيمومي تاريخ وتأثير المؤسسات النقابية ورجال الأعمال التونسيين في التاريخ السياسي لتونس. ويستعرض الكتاب تاريخ الأعراف التونسيين بداية من عشرينيات القرن الماضي وحتى السبعينيات، بداية من فترة الاحتلال الفرنسية وحتى الاستقلال وانفتاح السوق التونسية وسيطرة الرأسماليين التونسيين على السوق. ويهدف الكتاب إلى تعريف عامة الناس بتاريخ المؤسسات النقابية التونسية وتطورهم ووضعهم وتأثيرهم في الاقتصاد التونسي وبالطبع في الحياة السياسية التونسية وأهميتهم وقوتهم الراسخة والتي ظهرت في الحوار الوطني واستفادتهم من قوة المجتمع المدني والبيئة التي يتم التحاور فيها.

5. آن وولف: الإسلام السياسي في تونس.. تاريخ حركة النهضة

لا يمكن الحديث عن الحياة السياسية التونسية من دون أن نذكر حركة النهضة التونسية وتاريخها وتأثيرها وقوتها كمنافس رئيسي في الحياة السياسية التونسية. ويأتي كتاب «الإسلام السياسي في تونس تاريخ حركة النهضة» للباحثة الأمانية بجامعة كمبريدج آن وولف، والذي صدرت ترجمته عن المركز المغاربي للبحوث والتنمية.

تتبّع وولف في كتابها تاريخ تأسيس وتفاعل حركة النهضة وما تعرضت له من استبداد سياسي وأمني قبل ثورة تونس وكيف تتعامل الحركة وسياساتها بعد الثورة. ويعتبر الكتاب من أفضل ما كُتب عن تاريخ الحركة، بخاصة أن الدراسة تمّت بعد الثورة ومحررة من أي ضغوط سياسية أو أمنية توجّه البحث، وبحرية أكبر سمحت بإجراء حوارات مع أشخاص وقياديين في الحركة؛ لفهم التطور السياسي والتاريخي للحركة من مجرد مجموعة سياسية صغيرة إلى فاعل أساسي في تونس بعد الثورة وأيضًا دورها الإقليمي الملحوظ.

6. محمد الحاج سالم: السلفية الجهادية في تونس

عادة بعد قيام الثورات تظهر مجموعات متطرفة وعنيفة تدعو لفكرتها بالقوة والقسوة الممكنة لها. وإذا ذُكرت الجماعات العنيفة في تونس لا بد من ذكر جماعات السلفية الجهادية والتي ظهرت في أعقاب ثورة 14 يناير (جانفي) منطلقة ومتحررة من الضغط الأمني والسياسي لنظام بن علي. انطلقت تلك الجماعات والأفكار من الكبت الأمني إلى البراح ولكن بدعوات تدعو لاستبداد أو كبت من نوع آخر.

فتلك الجماعات التي قسّمت المجتمع إلى مؤمن وكافر وأحلّت دماء مواطنين تونسيين من الضروري دراستها وفهم مرجعياتها وتطورها وبنائها ومحاولة توقع ما يخبئه لهم المستقبل وللتونسيين جميعًا في حالة استمرار وجودهم. ولذا، أتى كتاب «السفلية الجهادية في تونس» بتحرير من محمد الحاج سالم عام 2014 والصادر عن المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بعد مجهود بحثي فكري وميداني لمدة عام ونصف يحاول فيه الباحثون المشاركون في الكتاب فهم جماعات السلفية الجهادية وأدبياتها وتكوينها وما تريده وخطورته على المجتمع التونسي. ويعتبر هذا الكتاب عملًا مؤسسًا في مجاله؛ بخاصة أنه عاصر ظهور تلك الجماعات وخطاباتها وتقيسمها للمجتمع.

7. إلهام المرزوقي: الحركة النسائية في تونس في القرن العشرين

بدأت، مؤخرًا،في الوطن العربي تبرز علامات وجود وتأثير الحركة النسائية في الحياة السياسية. أما في تونس، فتاريخ الحركة النسائية غزير بالمواقف والعمل الوطني وتأثيرهن في السياسية التونسية. ولذا، يأتي كتاب «الحركة النسائية في تونس في القرن العشرين» والصادر عام 2011 عن المركز الوطني للترجمة بباحثة النسوية إلهام المرزوقي للتدليل على أهمية الحركة النسائية في التاريخ السياسي التونسي بداية من عشرينيات القرن الماضي وتأسيس «الاتحاد الإسلامي النسائي» عام 1936، وتأسيس «الاتحاد النسائي التونسي» الذي كان قريباً من الحزب الشيوعي التونسي وقت الاستعمار الفرنسي، وإلى تأسيس «الاتحاد القومي النسائي التونسي» عام 1958، التابع للحزب الحاكم آنذاك. مما يوضح تاريخ الحركة النسائية ودورها وتنوعها بين الأيديولوجيات السياسية المختلفة المكوِّنة للحياة السياسية في تونس.