قالوا عنها الساحرة المستديرة نظرًا لتغير أحوالها بدون مقدمات، ودون الالتفات لمقدمات أيضًا قد اعتقد الجميع أنها تؤدي إلى نتائج مضمونة، ولكن السحر لم يقتصر على هذا الحد، بل بالغ البعض بأمر الساحرة وأحيانًا بالسحر لها أيضًا!

خُرافات في نظر البعض وقدر محتوم في أعين الكثيرين، ولكن الأهم أن ما حدث قد حدث، ولكل سبب مسبب، وما ظهر أمام الناس اعتقدوه سببًا لما وقع، وبغض النظر عن صحة اعتقادهم من عدمه فإنه أصبح واقعًا ومتوارثًا حتى اليوم.

ربما كل هذا بسبب ميل البشر بطبيعتهم لتبرير خساراتهم بأنها ناتجة عن قوى خارقة، نحس أو سوء طالع أو ما شابه، فما بالك لو قرر أحدهم إطلاق كلمات ما تنذر بدمار مُستقبلي سيحل عليك لو لم تطعه ويحدث ما أنذرك به؟! هنا تقود الطبيعة البشرية الإنسان إلى التصديق ودون تردد بأن هنالك لعنة.


جوتمان وبنفيكا، الظالم والمظلوم

من الآن ولمدة مائة عام لن يُصبح بنفيكا بطلًا أوروبيًا

لم يتردد في إطلاق كلماته غاضبًا ومُهددًا كعادته، جملة ألقاها «بيلا جوتمان» بعد اجتماعه بمديري النادي كقنبلة، وذهب وتركهم يُفكرون.

سنعود للوراء قليلًا وربما أكثر حينما درب الميلان وقبل واقعة بنفيكا الشهيرة بسبع سنوات تقريبًا، حينها اعتلى الميلان قمة الترتيب، وبأداء وُصف بالهجومي الرائع من الجميع، وفجأة تقرر إدارة الميلان إقالته ليخرج جوتمان بتصريحه الشهير: «أقالوني رغم أنني لم أكن مجرمًا أو شاذًّا جنسيًا، وداعًا». منذ ذلك اليوم قرر جوتمان أن يضع شرطًا في عقوده مع الأندية التي يُدربها بألا يُقال في حين كان مُتصدرًا للترتيب!

ما حدث في الميلان ربما أشعره أنه لا أمان لإدارة أي نادٍ، وأنه مهما فعل فقد يُقال وكأنه دمية في أيديهم، ظل الأمر يلعب في رأسه رغم مرور زمن، ورغم ابتعاده بمسافات هائلة لتدريب ساو باولو البرازيلي ليحصل معه على البطولة المحلية في عام 1958 بأداء راقٍ، مما دفع البعض للقول بأن فوز البرازيل بكأس العالم ذلك العام كان بسبب اعتماد جوتمان طريقة 4-2-4 في اللعب، والتي انتشرت في البرازيل كلها.

بعدها بعام وتحديدًا في 1959 ذهب المجري للعمل في البرتغال لتدريب نادي بورتو ليحصل على الدوري في عامه الأول، بعدما كان بنفيكا مُتقدمًا بفارق خمس نقاط كاملة. كل ما سبق كان فصل الإعداد في حياة جوتمان ليأتي دور المجد والشهرة التي لم ولن تنتهي وبطرق مُختلفة.

وافق جوتمان في عام 1959 على تدريب نادي بنفيكا، وبدأ بداية غريبة جدًا بالاستغناء عما يقرب من العشرين لاعبًا، وقام بتصعيد لاعبين مُميزين من فرق الشباب رغم إعلان إدارة النادي وقتها عن قدرتها على التعاقد مع أي لاعب يطلبه جوتمان. كانت النتائج خُرافية، فالفوز ببطولتي دوري مُتتاليتين 1960 و 1961 وكأسين لدوري أبطال أوروبا في 1961 و1962، وإنهاء سيطرة دامت لخمس سنوات مُتتالية لريال مدريد وجيله الذهبي الذي هزمه في نهائي 1962 بخمسة أهداف مُقابل ثلاثة بقيادة المُعجزة إيزيبيو.

إنهاء هيمنة ظن الكُل أنها من المستحيل أن تنتهي جعل الكُل يتوقع أن الأفضل لم يأتِ بعد، وأن جوتمان سيستمر طويلًا في لشبونة ليُحقق المزيد، ولكن حدث ما لم يتمنه أحد. ذهب جوتمان للإدارة وطلب زيادة راتبه والحصول على مكافآت نتيجة لتحقيقه إنجازًا تاريخيًّا، ولكنه قوبل برد فعل غير مُتوقع من إدارة بنفيكا برفض طلبه، ليقول تهديده الشديد ويطلق نذير الشؤم الذي ظل يلهث خلف قميص بنفيكا في كُل كأس أوروبية.


وبدأت المُعاناة

بدأ الجميع في التعامل مع كلمات جوتمان على أنها جراء غضب ليس إلا، وأنها بالطبع لن تتحقق، ولكن البداية مُباشرة بعد استقالة جوتمان، وفي عام 1963 عندما وصل بنفيكا لنهائي كأس أوروبا أمام الميلان خسر بهدفين مُقابل هدف.

بدأ الشك يتسرب لمعظم من لهم علاقة بنادي العاصمة، هل كان جوتمان مُحقًا؟ لا لا بالطبع كانت مُجرد كلمات وسنفوز يومًا ما بالتأكيد. هكذا كانت تساور الشكوك جماهير بنفيكا ولاعبيه وبالطبع إدارته، الشكوك زادت عندما وصل بنفيكا لنهائي نسخة 1965 أمام قطب ميلان الآخر ليخسر أيضًا، ولكن تلك المرة بهدف نظيف.

يُقرر النادي البرتغالي إرضاء جوتمان بكُل الطُرق للعودة للشبونة لفك الشفرة التي ألقاها هو، وبالفعل عاد موسم 1965-1966 لنادي بنفيكا، ولم يفز بشيء لتكون الضربة القاضية لجمهور بنفيكا الذي اقتنع فعلًا أن هناك لعنة يصعب على جوتمان نفسه التغلب عليها.

يتكرر السيناريو مُجددًا بالخسارة أمام مانشستر يونايتد في نهائي نُسخة 1968، ثُم الخسارة من أندرلخت في نهائي الدوري الأوروبي عام 1983 . أصبحت السيناريوهات بعد ذلك أكثر قسوة، ليست مجرد خسارات لنهائيات أوروبا، ولكن السيناريوهات نفسها توحي بأن هُناك سوء طالع واضحًا لأبناء لشبونة، ففي نهائي دوري الأبطال عام 1988 خسر بنفيكا أمام أيندهوفن الهولندي بركلات الجزاء، الآن لا يعلم مشجعو بنفيكا ماذا يفعلون لإنهاء كُل هذا؟ حتى تأهلوا لنهائي نسخة عام 1990 أمام ميلان ساكي، حينها قرر الأسطورة إيزيبيو أن يذهب بنفسه لقبر جوتمان في فيينا ويصلي ويدعو له، ويرجو منه أن يُسامحهم حتى يفوزوا ولكن بلا فائدة، فرانك ريكارد في الدقيقة 68 يُنهي آمال نسور بنفيكا.

تمثال المدرب الراحل بيلا جوتمان في مدخل نادي بنفيكا لبرتغالي.

ظل بنفيكا بعيدًا عن الساحة الأوروبية حتى أتى الرائع جورجي جيسوس مُدربًا للفريق، وفي موسم 2012-2013 وصل لنهائي الدوري الأوروبي أمام تشيلسي، حينها قامت إدارة بنفيكا ببناء تمثال لجوتمان وهو يحمل كأسي أوروبا في مدخل النادي لعله يصفح عنهم ولكن بلا فائدة، ورغم الأداء الهجومي الرائع من بنفيكا فإن التعادل 1-1 كان نتيجة المُبارة بسبب ضياع كم رهيب من الفرص، الأدهى هو ارتقاء إيفانوفيتش في الدقيقة الأخيرة ليضع الكُرة في أقصى الزاوية ويفوز تشيلسي وسط حسرة الجميع في البرتغال.

بالمُناسبة خسر بنفيكا هذا الموسم الدوري والكأس أيضًا، الدوري كان مُتقدمًا فيه بفارق نقطتين حتى الجولة قبل الأخيرة حين تقابل مع مُنافسه بورتو، وبالفعل تقدم بنفيكا، ولكن بورتو تعادل بهدف عكسي وفاز بهدف في الدقيقة التسعين ليفوز باللقب!

أما نهائي الكأس فلم يُكن مُختلفًا كثيرًا، حيث كان مُتقدمًا على فيكتوريا جيماريش حتى الدقيقة 79 بهدف نظيف، وعند الدقيقة 80 كانت 2-1 لجيماريش، يبدو أن تمثال جوتمان استفزه أكثر. هذا الموسم كان بمثابة ضربات مُتتالية على رأس خيسوس ولاعبيه، فمن سبق أن فريقه يخسر 3 بطولات في أسبوع واحد في الدقائق الأخيرة؟

بعد كل هذا خسارة بنفيكا أمام إشبيلية في نهائي اليوروبا ليج نسخة 2014 لم تكن مفاجئة، وخصوصًا بعد 15 تسديدة لبنفيكا على المرمى مقابل 7 فقط للأندلسيين، بالمناسبة لقد خسروا بضربات « الحظ» الترجيحية مُجددًا. 8 نهائيات أوروبية منها 5 لدوري الأبطال و3 للدوري الأوروبي خسرها بنفيكا في 54 عامًا، هل سيتوجب عليهم الانتظار أكثر؟


جوتمان آخر ولكن في كولومبيا

نحن الآن في كولومبيا عام 1948 وفي أشهر نادٍ للهواة يُدعى «أمريكا دي كالي»، حيث أراد الجميع تحويله إلي نادٍ مُحترف، حينها رفض أحد أعضاء النادي، وكان يُدعى بنيامين يوريا، وقال: «فلتذهب الاحترافية إلى الجحيم، افعلوا ما تريدون بأمريكا ولكن أُقسم لكم أنهم لن يفوزوا بشيء»، وبالفعل ولمدة 3 عقود كاملة لم يرفع نادي أمريكا كأسًا واحدة وقد سماها الجميع لعنة يوريا، ولا أحد يعلم السبب!


لماذا؟

بيلا جوتمان، بنفيكا، البرتغال
بيلا جوتمان، بنفيكا، البرتغال

لا يجد الكثيرون تفسيرًا منطقيًا لما يحدث، لأن الأمر غير منطقي بُرمته من الأساس، فكيف لكلمة أن تحدد مصير أو مستقبل أي شيء؟ وكيف يقتنع البشر بشيء مثل هذا؟ ربما بسبب الصدفة الأولى، والتي بنى عليها المشجعون اعتقادًأ راسخًا باستمرار العُقدة، وبالتالي كان يلعب الفريق وهو خاسر قبل البداية حتى لعلمه بسوابق أنه لن يفوز لأن هُناك قوة أكبر تمنعه من ذلك مهما فعل.

هل هناك سحر قام به أحدهم لليفربول حتى لا يفوز بالدوري لعقدين وأكثر؟ ومن لعن أرسنال في دوري الأبطال؟ بالطبع لا يوجد من فعل هذه ولا تلك، كلها تبريرات واهية لفشل دام لسنوات، الجميع يريد أن يخلق الحدث ويتحدث عنه دون الالتفات للسبب الحقيقي.

المؤكد أن كل ما قاله جوتمان قد حدث، وفي حوادث أُخرى مثل بنيامين يوريا في كولومبيا وغيرها، ولكن الأكثر تأكيدًا هو أن الخوف من الفشل يزيد احتماليته، فلو دخل لاعبو بنفيكا أي نهائي مما خسروه وهم يرغبون في الفوز لفازوا، وما احتاجوا أن يترجوا جوتمان قبل كل نهائي ويلعنوه بعده.