في الآونة الأخيرة، ارتبطت أسماء كبار لاعبي كرة القدم بوقائع اغتصاب واعتداءات جنسية مختلفة. أحداث تأتي في أوقات متفرقة، لكنها مرتبطة ببعضها البعض بخيط واضح. تُعد أبرز ملامح ذلك الخيط هو الرفض الدائم من قبل الجمهور العادي لأن ترتبط أسماء أبطاله ونجومه بوقائع غير سوية مثل تلك.

للوهلة الأولى تعتقد أن للمغتصب شكلاً مختلفًا عن الشخص العادي، أي يجب أن تتبعه صفات تدل على الجريمة والشر. وحيث لا يمكن أن ننفي أن الاغتصاب جريمة صعبة بكل المقاييس، لكن يجب أن نؤكد في الوقت ذاته أن شكل المغتصب لا يختلف كليًا عن شكل أي شخص عادي، ولا حتى صفاته، ربما يكون أي ممن تراهم بشكلٍ اعتيادي في المواصلات العامة أو في العمل أو حتى على الشاشات كنجوم ولاعبي كرة قدم.

لكن يظل السؤال الدائم: لماذا يرتبط لاعبو كرة القدم تحديدًا، بعيدًا عن كل الرياضات، بوقائع وجرائم مثل تلك بمعدلات ليست بالقليلة؟

لماذا دائمًا كرة القدم؟

قامت باحثة تُدعى «بريندا تريسي» بجولاتٍ عدة في مدارس ثانوية وجامعات بها العديد من لاعبي كرة القدم لمناقشة الاغتصاب المرتبط بكرة القدم، حيث كانت إحدى الناجيات من جريمة اغتصاب جماعي عام 1998، من قبل أربعة لاعبي كرة قدم في ولاية أوريجون.

تعتقد تريسي أنها ثقافة متأصلة لدى الشباب في ذلك السن، بالأخص الممارسين لكرة القدم منهم، لها دور مؤثر في الجرائم التي تتوسع في درجتها حتى تصل لما نجده في قضايا كبرى متورط بها لاعبون كبار مثل «كريستيانو رونالدو» و«نيمار» وغيرهم.

وبرغم من صدق طرح تريسي المتوافق مع الأرقام الواردة من الأبحاث الخاصة بكرة القدم في تلك المرحلة العمرية، فإنه لم ينجح أحد الباحثين في العثور على السبب الذي يفصل كرة القدم عن كافة الرياضات الأخرى، ويجعلها هي المنوطة بتلك الهالة سيئة السمعة.

لكن في إحدى محاضراتها كسر أحد الرياضيين الشباب الصمت، ليؤكد أن المجتمع العالمي بأكمله يعاني من هذا الخلل. وبالرغم من الشهرة الواسعة التي يحصل عليها كافة لاعبي كرة القدم في كل الأرجاء، فإن الأنباء عن الأشخاص سيئي السمعة تتصدر مشاهد أوسع في الصحافة والإعلام العالمي بسرعة أكبر.

يشير هذا الطرح إلى احتمالين مهمين؛ أول احتمال وإن كان ضعيفًا هو أن تكون أغلب الادعاءات التي تطال لاعبي كرة القدم ادعاءات كاذبة، بغرض التقرب من شخص مشهور، والاحتمال الثاني أن تكون الهالة سببها فقط أن هؤلاء هم لاعبو كرة قدم بالتالي فرص الانتقام منهم من خلال نشر أخبار سيئة عنهم تكون فرصًا أسهل.

لا يبرئ ذلك الطرح كل لاعبي كرة القدم، لكنه يضع هامشًا ولو بسيطًا لأن يكون هؤلاء اللاعبون هم ضحايا شهرتهم وشهرة اللعبة ككل. يمكن أخذ مثال لذلك: ما حدث في عام 2017، حينما طُرد طالبان مشهوران ممارسان لكرة القدم بجامعة (Sacred Heart) الأمريكية، بسبب اتهامهما باغتصاب إحدى زميلاتهما، وبعد عام واحد من الفصل، اعترفت بأن الأمر برمته كان كذبة منها للفت الانتباه إليها من خلال أشهر لاعبين بالجامعة.

تتحول 10% من قضايا الاغتصاب الخاصة بلاعبي كرة القدم إلى لا شيء،ويتحول اللاعب من جانٍ إلى بريء، لكن يعني ذلك أن هناك 90% من الوقائع يتم إثباتها في حق اللاعبين، أو تقف القضية دون حراك حتى ننساها وننسى كيف بدأت وعلى أي شيء انتهت.

وقوف القضايا بعد الضجة الإعلامية الكبيرة يكون أحد عوامله هو كِبَر اسم المُتهم، وهو السبب ذاته الذي يزيد من ضجة القضية من البداية. بالرغم من تنافي كِبر اسم اللاعب مع وقوعه في فخ الاغتصاب كجريمة. فمنطقيًا، لماذا يحتاج لاعب مشهور، يُعد مطمعًا من الجميع تقريبًا، أن يقع تحت شبهة الاغتصاب؟

هل يحتاج النجوم للاغتصاب؟

إذا كنت من متابعي قضايا الاغتصاب العالمي وتطور الأحداث في هذا الشأن مؤخرًا، بالتزامن مع ارتفاع المطالب النسوية والحركة النسائية في العالم أجمع، فالمؤكد أنك سمعت عن حركة «لا تعني لا – No means No». كانت أحد أهم المظاهر التي أدخلتها تلك الحركة على وقائع الاغتصاب في القضاء عالميًا، أنه إن طالبت الفتاة بأن تتوقف العلاقة بينها وبين الشاب في أي وقت ولم يسمع الشاب لذلك الطلب، فكل ما يحدث بعد ذلك يُعد اغتصابًا.

في كرة القدم لم نكن لنعرف تلك الوصوف والقضايا المُعقدة والحيثيات الغريبة عن لعبة لا تخرج في أذهاننا عن المستطيل الأخضر، قبل أن تنفجر قضايا مثل تلك حتى بلغت حالة كريستيانو رونالدو، وقضيته الشهيرة التي انهارت بسببها أسهم اللاعب في نادي يوفينتوس الإيطالي بنسبة 10% بما يقدر بحوالي 114.5 مليون يورو.

حيث ادعت إحدى الفتيات أنها تواجدت مع رونالدو في غرفة نومه ذات مرة، وسمحت له بتقبيلها، لكنها لم تسمح فيما بعد ذلك بأي شيء آخر، وهو ما حول مسار القضية لادعاء بالاغتصاب في الأوساط الرياضية. حينها تساءل الجميع سؤالاً مُهمًا: هل يحتاج رونالدو للاغتصاب؟

الاغتصاب ما هو إلا عملية واعية من الإرهاب يستخدمها كل الرجال من أجل وضع كل النساء في حالة خوف دائمة.
الكاتبة سوزان براونميلر في كتاب «ضد رغبتنا».

يُمكن طرح ذلك التساؤل في جميع قضايا الاغتصاب التي تطال اللاعبين الكبار، أمثال نيمار وروبينيو وغيرهما، لكن لن نجد مثالاً أوضح من رونالدو لشرحه إجابة ذلك السؤال.

حاول عديد العلماء وأخصائيي الطب النفسي التأكيد مرارًا وتكرارًا على أن الشهوة الجنسية ليست هي الدافع للاغتصاب، وإلا وقع جميع الرجال في تلك الجريمة. بينما يقع بعض الرجال الذين يعانون من خللٍ نفسي عرضة لذلك الأمر نتيجة الرفض.

إن كان ذلك الرفض يُثير بعض الرجال من العامة، والذين اعتادوا على الرفض في أغلب مواقفهم الحياتية، فما بالك بلاعبي لعبة هي الأشهر عالميًا، والذين لم يعتادوا أن يقابل أي طلب من قبلهم بالرفض؟ بالأخص فيما يخص الشأن النسائي.

خلل كرة القدم النفسي

إن اتفقنا ضمنيًا على أن الرفض يُعد أحد مسببات الاغتصاب عند أغلب الرجال، بالأخص المعتقدين في التفسير المُقدم من مدرسة فرويد، والصادر في منتصف القرن العشرين، والذي يشير إلى احتمالية كون المرأة تشتاق سرًا إلى الاغتصاب. يظل هناك عامل واحد يجب أن يتوافر في المعادلة التي تجمع لاعب كرة القدم المشهور بالفتاة، ومن ثم عامل الرفض. العامل الأخير والأهم هو الخلل النفسي.

خلال عام 2020، أكد اتحاد اللاعبين المحترفين The PFA أن عدد اللاعبين المهتمين بتحسين صحتهم العقلية والنفسية قد ارتفع بالفعل خلال هذه السنة، خاصة فيما يتعلق بتقلب المزاج والقلق الدائم من الرفض. حيث بلغ عدد الذين طلبوا تحسين حالتهم بمعرفة الاتحاد إلى 464 عضوًا، وذلك حتى شهر سبتمبر من عام 2020.

يمثل ذلك الرقم نسبة 10% من أعضاء الاتحاد المكون من 4000 لاعب، وتنقسم تلك النسبة إلى 42% من اللاعبين الحاليين، و55% لاعبين سابقين و3% من أفراد عائلة أحد اللاعبين. ما يُمكن الإشارة إليه من خلال ذلك الإحصاء، أن عددًا لا يستهان به من لاعبي كرة القدم يعاني من خلل نفسي باختلاف أوصافه.

تتفق الفيفا في هذا الشأن وتؤكد في تقرير ضخم عن صحة اللاعبين النفسية، أنه نادرًا ما يتم الإبلاغ عن الاضطرابات النفسية لدى نخبة لاعبي كرة القدم خاصة أصحاب المستوى الرفيع. بل وتزيد صعوبة الوصف لتؤكد أن الوصمة المرتبطة بقضايا الصحة العقلية تجعلها منطقة لا تخضع للتحقيق الكافي ولا يتم الإبلاغ عنها بشكل كافٍ في كرة القدم.

نجوم كرة قدم وليسوا ملائكة

إن أصعب ما يمكن أن يفعله المتابع العادي في لاعب من فريقه هو وضعه دائمًا في صورة الكمال. الكمال الأخلاقي والفني والفكري وكل شيء، بالرغم من أن عدد اللاعبين الذين أثبتوا أنهم يستطيعون تقديم أي شيء غير التلاعب بالكرة بين أقدامه، يكاد يُحصى على صوابع اليد الواحدة.

يقع أغلب لاعبي كرة القدم في جرائم عدة حسب نوع الضغط والنشأة التي كونت شخصية اللاعب في أوقات معينة. فبين جرائم قتل، وبين جرائم مخدرات وفساد مالي وأخلاقي، أتعجب من عدم تغير صورة لاعبي الكرة في عيون متابعيهم حتى الآن.

تصعب مهمة أي قضية أمام الضغط الإعلامي، وإن كنا نصعب الوضع -كجماهير- على لاعبينا المفضلين بأن نضعهم في صورة ملائكة بأجنحة، وننتظر منهم دائمًا التصرف الأسلم والأصح، ونعتقد أن ما يلفظ من أفواههم إنما هي حكم يجب السير عليها، فإننا نزيد صعوبة الوضع اجتماعيًا بتبرئة أي لاعب تحت الاتهام في أي قضية لمجرد مكانته وقيمته كلاعب.

وإن كنا سنستفيد من طفو مشكلة الاغتصاب على سطح كرة القدم، باعتبارها اللعبة الأشهر والتي تجمع أغلبية شباب ورجال العالم، فعلينا أن نبدأ بها كطريقة لحل معضلة مجتمعية عالمية، من خلال قتل أول أسباب الاغتصاب الحقيقية، وهو تبرئة الرجل المسبقة قبل أي شيء.