في 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، أدلى الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك بشهادة مليئة بالمغالطات الكبيرة والافتراء تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل عام، وتجاه حركة حماس بشكل خاص؛ حيث زعم أن 800 مقاتل دخلوا إلى مصر يوم 25 يناير/كانون ثاني 2011، وأنهم عاثوا في الأراضي المصرية فسادًا بإطلاق النار على قوات الأمن والشرطة وفتح السجون.

حملت شهادة مبارك تغييرًا للوقائع على الأرض، وهنا نستعرض مجموعة من الوثائق والصور التي تؤكد زيف كل هذه الادعاءات المغلوطة، حيث إنه وقبيل ثورة يناير كانت الحكومة المصرية بإشراف أجنبي، قد أتمت بناء الجدار الفولاذي تحت الأرض فعليًا، ونشرت كاميرات مراقبة على طول الحدود مع غزة.

فالوثيقة الصادرة من «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في بريطانيا في 25 يناير/كانون أول 2009، والموجهة إلى السيد إبراهيم محلب، رئيس مجلس إدارة شركة «المقاولون العرب» آنذاك، تطالبه بضرورة وقف بناء الجدار الفولاذي على الحدود مع قطاع غزة بشكل فوري وعاجل.

الخطاب الموجه إلى السيد محلب طالبه بضرورة سحب المعدات والآليات الموجودة على الحدود المصرية، وإيقاف العمل في بناء الجدار بشكل فوري وإلا سيتم التحرك بشكل قانوني ضد الشركة في الساحة الأوروبية. لكن الشركة لم توقف بناء الجدار بل استمر بناء الجدار على الحدود مع القطاع. حينها، تحركت الجماهير الفلسطينية لمطالبة الجانب المصري بوقف بناء الجدار لما يسببه هذا الجدار من قطع لشريان الحياة الذي يغذي القطاع بالطعام والأدوية كما أكد مبارك نفسه خلال شهادته.

كل التحركات المدنية على الحدود لم توقف الشركة المصرية عن بناء الجدار الفولاذي خلال عام 2010، بل تم الإسراع في عملية البناء، وأشرف على بناء المشروع عديد من المسؤولين الأجانب كما تُظهر الصور المسربة في ذلك الوقت، حيث واظبت وفود أجنبية (يعتقد أنها أمريكية) على زيارة منطقة الجدار إلى أن تم استكمال البناء في نهاية 2010 كما هو موضح في الصور المسربة.

وقد برر حسام زكي، الناطق باسم الخارجية المصرية في ذلك الوقت، الإجراءات التي تقوم بها مصر بأنها «تتم داخل الأراضي المصرية، سواء كانت بنايات أو أعمال بناء على طول الحدود مع قطاع غزة»، فيما علقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك بالقول «إن الهدف هو منع وصول الأسلحة والذخائر إلى حماس والجماعات المسلحة في قطاع غزة وتستخدم لمهاجمة إسرائيل، وأن هذه الأنفاق تستخدم لتهريب تلك المواد التي تستعمل في صناعة الصواريخ التي تهاجَم بها المدن الإسرائيلية القريبة إلى القطاع».

ليس ذلك فحسب، بل إن تعليمات من أعلى الهرم الأمني في قطاع غزة جاءت، ووفقًا لرواية أحد ضباط الأمن الوطني الفلسطيني (الجهاز المكلف بحماية الحدود)، في صباح 25 يناير/كانون الثاني 2011، بضرورة إغلاق منطقة الحدود وعدم السماح للأفراد بالاقتراب منها خوفًا من تسلل مهرَّبين من مصر في تلك الفترة إلى داخل قطاع غزة من فوق الأرض، بعد أن أغلقت مصر الأنفاق تحت الأرض.

يستذكر ذلك الضابط الفلسطيني، الذي رفض ذكر اسمه، تلك الأيام حين كان مناوبًا في المنطقة القريبة من معبر رفح البري في يوم 26 يناير/كانون الثاني 2012: «كنا في حالة استنفار على الحدود ونعمل بشكل دائم. توجه إلينا أحد الضباط المصريين بالسؤال عن ماء لأن المسؤول عن توريد الماء والغذاء لم يأتِ اليوم، وهنا تواصل الضابط الفلسطيني مع مسؤوله في جهاز الأمن الوطني الفلسطيني الذي رد بالأمر بتوفير كل ما يحتاجه الجنود المصريون من غذاء وماء حتى يتم استئناف تموينهم. وقبل حلول مساء 26 يناير/كانون الثاني 2011، كانت إمدادات الغذاء والماء تدخل للجنود المصريين، وظل ذلك قائمًا حتى مطلع شهر فبراير/شباط حين تنحى مبارك وكلف المجلس العسكري بإدارة البلاد.

إذن، كيف لأكثر من 800 مقاتل الدخول لمصر في ظل إغلاق مصر للأنفاق والحصار الإسرائيلي الخانق على القطاع، لدرجة أن سكان غزة في تلك الفترة كانوا يشغّلون المركبات «السيارات» على زيوت القلي بعد نفاد المحروقات ونفاد المخزون الاحتياطي في القطاع؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.