تتوالى الفضائح في عاصمة الضباب وكرة القدم. بدأ الأمر بتقرير صحفي تم نشره بجريدة الجارديان حول انتماءات الأشخاص المسئولين عن إدارة اللعبة في إنجلترا. لا أحد يعلم مدى دقة تلك المعلومات، لكن هناك حديثًا عن محادثات مسجلة وصور تم التقاطها مع رؤساء أندية معينة.

كل ذلك من أجل وضع جدول الدوري الإنجليزي الممتاز في الموسم الجديد بما يتناسب مع مصالح تلك الأندية. كان قرار الاتحاد الإنجليزي صارمًا وسريعًا دون انتظار نتيجة التحقيقات، سيتولى إدارة المسابقة بدءًا من الموسم القادم شخص غير إنجليزي بالمرة. ومن هنا بدأت الترشيحات والتي شملت اسمًا مصريًا لامعًا في مجال تنظيم مسابقات كرة القدم؛ إنه الحاج عامر حسين.

بينما على الجانب الآخر يجلس الحاج عامر مرتديًا سترته الرياضية السوداء على شاطئ الأنفوشي، منتظرًا طلبية سمك قد أوصى بها من مطعم أسماك عروس البحر في منطقة بحري. يرن هاتفه برقم غريب، المكالمة من خارج مصر. يفكر الحاج عامر: هل قرر رئيس الاتحاد المصري هاني أبو ريدة أن يحدد موعدًا سادسًا للسوبر المصري السعودي ويطالبه بإقحام هذا الموعد ضمن جدول الدوري المزدحم؟

إلا أن الصوت القادم عبر الهاتف كان مفاجئًا للحاج عامر، انطلقت سيدة تتحدث بلغة عربية غير سليمة وهي تخرج كل ما تم تلقينها به دفعة واحدة. تحدثت عن قرار الاتحاد الإنجليزي باستقدام أجنبي لإدارة مسابقة الدوري. تحدثت أيضًا عن كيفية ترشيحه وذكرت اسم أبو ريدة بالطبع، ثم أخيرًا أوضحت أنها تريد بعض الإجابات لعدة أسئلة يتم طرحها على كل المرشحين.

استمع الحاج عامر لحديث الفتاة جيدًا ثم أغلق الهاتف ببساطة، اعتقد الرجل أن أحدهم يمزح معه، كان هذا هو قراره بمجرد أن سمع السيدة تقول: مساء الخير حاج عامر. لقد ذكّره هذا بالفنانة إيناس مكي وهي تتحدث مع الفنان نور الشريف في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي قائلة: «جود مورنينج هاج ابد الغفور». ابتسم الحاج عامر وسعد بفطنته إلا أن الهاتف رن مرة أخرى. الأمر جديّ إذن.

اعتذر الحاج عامر حسين عما سبق وأجاب بسعادته بالأمر وأنه على استعداد تام للإجابة على أي سؤال، وكانت الأسئلة تدور حول التالي.


البوكسينج داي: جوايز للشطار

كان السؤال الأول خاصًا بما يسمى بالبوكسينج داي، وهو تقليد إنجليزي خاص بأن تلعب مباريات إحدى جولات الدوري الإنجليزي الممتاز جميعها يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول؛ أي اليوم التالي لعيد الميلاد. حيث يستمتع الجميع بقضاء الإجازة من خلال الذهاب للملاعب المختلفة ومشاهدة المباريات، على أن تقام الجولة التالية خلال يوم الكريسماس وما يليه من أيام بصورة طبيعية.

وأهم ما يميز هذه الجولة ألا تسافر الفرق لمسافة بعيدة؛ حتى يتسنى لمشجعي كل الفرق متابعة المباريات دون عناء السفر في الإجازة. تفهم الحاج عامر الحديث بإيماءات العارفين وهمهمات الخبراء ثم أجاب:

ماذا لو أقامت الحكومة الإنجليزية احتفالًا ضخمًا بمناسبة عيد الميلاد على ملعبين متجاورين مثل ملعبي الآنفيلد وجوديسون بارك؟ ثم ما إن ينتهي هذا الحفل تبدأ المباريات الواحدة تلو الأخرى من الثانية عشرة ظهرًا للثانية عشرة مساءً. بواقع خمس مباريات على كل ملعب؛ أي عشر مباريات وتنتهي الجولة.

فائدة ذلك الاقتراح أنه سيجبر جماهير الأندية المختلفة أن تشاهد المباريات سويًا وهو ما يعزز روح الوطنية الإنجليزية في الجميع، لا يهم إن كنت مشجعًا للأرسنال أو مانشستر أو سيلتيك، المهم أن تكون إنجليزيًا. أحدهم بجواري أوضح لي أن سيلتيك ليس ناديًا إنجليزيًا، لا يهم بل المهم هو تعزيز روح الانتماء كما قلت.

ثم يستمر الحفل حتى الأيام الأولى من العام الجديد، حيث تتم إقامة سحب على هدايا عيد الميلاد للمواطنين. سيكون ذلك بمثابة كرنفال كروي متكامل حيث تلعب الجولة التالية ولكن ستتغير مواعيد وملعب المباراة لكل فريق. الفريق الذي لعب صباحًا في جولة البوكسينج داي سيلعب مساءً، الفريق الذي لعب على الآنفيلد سيلعب على الجوديسون بارك؛ وذلك لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. هذا المبدأ مهم للغاية في عالم كرة القدم.


المشاركات الأوروبية للفرق الإنجليزية

كان السؤال الآخر حول وضع الفرق التي تشارك في بطولات أوروبا للأندية والبالغ عددها خمس فرق. وكانت إجابة الحاج عامر جديدة على أذن الإنجليز. تحدث الحاج عامر بأهمية المشاركات الأوروبية ثم استطرد:

تلك الفرق تلعب باسم إنجلترا، ويجب علينا أن نوفر لها المناخ المناسب لتحقيق الانتصارات. سيتم تأجيل كل مباريات الفريق الذي ينجح في الوصول لدور الثمانية في البطولة المشارك بها. على أن يلعب كل فريق مباراة واحدة في الأسبوع حتى يحصل اللاعبون على الراحة اللازمة. أثناء هذا التأجيل ستلعب مباريات الفرق الأخرى بصورة طبيعية.

وتحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص لن يتم لعب أي مباراة مهمة لأي فريق منافس إلا بعد أن يتساوى عدد المباريات لكل فريق. سأعطي مثالاً على ذلك؛ مانشستر سيتي وصل لدور الأربعة في بطولة دوري أبطال أوروبا، إذن سيتم تأجيل مبارياته على الفور لكي يستريح لاعبوه فهم يلعبون باسم إنجلترا. على الجانب الآخر فريق ليفربول أخفق في الوصول لهذا الدور ولكن سيتم تأجيل مبارياته أيضًا، لماذا؟ لأنه نادٍ منافس على لقب الدوري الإنجليزي مع السيتي ولا يصح أن يلعب مباريات أكثر. ألسنا نؤجل من أجل مصلحة البلد؟ إذن فلنؤجل للجميع.


ماذا عن استضافة إنجلترا لبطولة الأمم الأوروبية؟

كان ذلك هو السؤال الأخير وكان جواب الحاج عامر: الأمر بسيط، ستلعب مباريات الدوري بمحاذاة مباريات بطولة أمم أوروبا. ما إن تنتهي مباراة إنجلترا وأوكرانيا على سبيل المثال ستبدأ مباراة تشيلسي وكريستال بالاس وهكذا.

هذا بالطبع سيجعل المسئولين عن الملاعب في وضع صعب. وربما يشكوني رئيس هيئة إستاد ويمبلي. ولكن ماذا أفعل؟ من يريد لعب كرة القدم عليه أن يتحمل. لست أنا من قرر استضافة بطولة كبيرة بحجم بطولة أوروبا وإلا فلتلغوا الدوري. هل نسي الجميع كيف عانى اللاعبون وجميع العاملين بالرياضة عندما تم إلغاء الدوري؟

كل المسئولين عن الفرق صرحوا بأنهم على استعداد لأن يلعبوا الدوري تحت أي ظرف والآن يتحدثون عن ضغط المباريات. ماذا؟ لم يلغَ الدوري من قبل في إنجلترا! عذرًا لقد اختلطت علي بعض الأمور. الأمر المهم هنا أنه على الجميع أن يتحمل.


ملاحظات الحاج عامر

قبل أي شيء أحب أن أؤكد أهمية الموافقات الأمنية، قبل أن أشرع في حل ذلك المأزق يا عزيزتي فلا بد من توافر الموافقات الأمنية. نحن نتحدث هنا عن مباريات في أيام الإجازات الرسمية، هذا حدث عظيم للغاية وأنا أملك اقتراحًا يناسب عظمة الحدث.

أنهت السيدة حديثها وأسئلتها، إلا أن الحاج عامر تطوع لإبداء بعض الملاحظات.

لماذا لا نجعل مباراة السيتي وليفربول هي المباراة الأخيرة في الدوري؟ حيث يحتدم الصراع بين الطرفين وتكون تلك هي المباراة الفاصلة. وإذا استطاع أحدهما أن يحسم الدوري قبل تلك الجولة الأخيرة، سنوفر على الجميع كمًا كبيرًا من التوتر ونوفر على الأمن صعوبة الموقف، أنا يهمني كثيرًا موقف الأمن.

ماذا؟ لا يوجد فريقان بعينهما يتصارعان على لقب الدوري كل عام! هذا غريب إذن.

لكن هناك ملاحظة أخرى؛ أقترح تقليل المحترفين إلى ثلاثة فقط على ألا يكون بينهم حارس مرمى. هذا سيفيد كثيرًا في رفع مستوى المنتخب الإنجليزي. هلا لاحظتِ أن المنتخب الإنجليزي لا يحقق أي بطولات دولية؟ هذا هو السبب ببساطة. فهل مصلحة الأندية فوق مصلحة المنتخب؟ بالطبع لا.

أنهت السيدة الحديث على عجالة معتذرة للحاج عامر نيابة عن الاتحاد الإنجليزي عن هذه المكالمة برمتها. ابتسم الحاج عامر بعد تلك المكالمة الرائعة والتي لم يعكرها سوى أن السمك الذي طلبه أصبح باردًا تمامًا.

تلقى الحاج عامر مكالمة تليفونية من الكابتن أحمد شوبير أثناء عودته بالسمك لمنزله. لوح الحاج عامر بالاستقالة ما لم تستجب الأندية للضغوط التي تقع على كاهل الجميع. ثم تحدث بأنه تلقى لتوه دعوة من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لتنظيم مسابقة الدوري الممتاز، إلا أنه اعتذر عنها نظرًا لأنه لا يستطيع أن يترك الدوري المصري في منتصف الطريق هكذا ويرحل.

فسأله كابتن شوبير راجيًا:

يعني رجعت في الاستقالة يا حاج عامر؟
فأجاب:
مقدرش أسيب المركب وأنط. هذا لا يليق بمصر ولا بالموافقات الأمنية ولا تكافؤ الفرص ولا حتى يليق بالمهندس هاني أبو ريدة.