هل يعاني طفلك من صعوبة التفكير أو الخمول والتعب؟ ما قد يدفعه للتغيب عن المدرسة؛ بسبب افتقاره للجهد اللازم للحضور، والمواظبة، والتركيز المطلوب لاستيعاب المعلومات الجديدة.

طفلك ليس وحده، فقد يكون واحدًا من كل أربعة يعانون من نقص في هذا الفيتامين؛ فنحو 25% من الأشخاص يعانون من نقص فيتامين ب12. 

قد يؤدي نقص هذا الفيتامين المهم إلى تعثر الأطفال في الدراسة؛ فالأطفال الذين يعانون من انخفاض مستويات هذا الفيتامين، كانوا أكثر عرضة بمقدار الضعف لإعادة سنة دراسية، وتغيبهم عن المدرسة.

وتشير البحوث إلى أن صعوبات التفكير والذاكرة يمكن أن تكون من أعراض نقص فيتامين ب12. مثلما قد يسهم انخفاض مستويات هذا الفيتامين في تقلص الدماغ، والإصابة بالاكتئاب. 

أهميته لجهازك العصبي

يعد فيتامين ب12 ضروريًا لإنتاج خلايا الدم الحمراء بالجسم، وللحفاظ على صحة جهازنا العصبي. 

قالت مروة سامي، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، لـ«إضاءات»، إن لهذا الفيتامين دورًا أساسيًا في صحة الجسم على مختلف المستويات، بالأخص الصحة العقلية؛ فهو يسهم في تعديل المزاج وتحسين الصحة النفسية. مثلما يساعد في نمو العظام والوقاية من هشاشتها، كما يعزز من صحة الشعر والأظافر والجلد. وهو يزيد من الطاقة، ويقلل من أعراض التعب والإرهاق. بجانب أنه يخفف ألم الأطراف، أو الشعور بالخدر والتنميل؛ لدوره في تغذية الأعصاب.

أبرز أعراض التدهور

يحدث النقص عادة عندما لا يحصل جسمنا على ما يكفي من فيتامين ب12، أو لا يمتصه من الطعام الذي نتناوله.

أوضحت لميس البن، استشاري التغذية الإكلينيكية والسمنة والنحافة، لـ«إضاءات» أن نقص أي فيتامين يحدث نتيجة لثلاثة أسباب:

فإما أن الشخص لا يتناوله، أو يتناوله لكن لا يمتص داخل الجسم؛ أي لا يخرج من الجهاز الهضمي إلى الدم، أو قد تكون مشكلة في التخزين؛ أي أن الزيادة من الفيتامين لا يتم تخزينها. فالتخزين نعمة من الله خلقنا بها؛ حتى إذا تعرضنا لفترة من المجاعات، أو نقص في الفيتامينات، لا يحدث هبوط مفاجئ في مستويات العنصر الذي لا نتناوله.

ويمكن أن يسبب نقص فيتامين ب12 أعراضًا جسدية وعصبية ونفسية إذا لم يعالج، وعادة ما تتطور أعراض نقص فيتامين ب12 ببطء. مع العلم أنه إذا ظهرت مشكلات عصبية من نقص فيتامين ب12، فقد لا يمكن عكسها.

وتشمل الأعراض الجسدية:

  1. التعب أو الضعف الشديد ونقص الطاقة.
  2. الغثيان والقيء أو الإسهال.
  3. فقدان الشهية.
  4. فقدان الوزن.
  5. التهابات وقرح بالفم أو الأسنان.
  6. اصفرار الجلد.
  7. رؤية مضطربة.
  8. العقم المؤقت لدى النساء.

وتشمل الأعراض العصبية:

  1. خدر أو وخز في اليدين والقدمين. 
  2. مشكلات في الرؤية. 
  3. صعوبة في تذكر الأشياء.
  4. الشعور بالارتباك بسهولة. 
  5. صعوبة في المشي أو التحدث كالمعتاد.
  6. ضعف العضلات.

أما عن الأعراض النفسية فتتضمن:

  1. الاكتئاب.
  2. التهيج.
  3. اللامبالاة.
  4. الهذيان والهلوسة.
  5. الضيق.
  6. تغيرات في الشخصية.
  7. الارتباك والخرف.

الوفاة خطر محتمل

وتستكمل «سامي» حديثها مع «إضاءات» حول المشاكل التي ينتج عنها نقص الفيتامين، فهو يؤدي إلى تأخر النمو، وزيادة العصبية، وضعف التركيز، وانخفاض في قوة العضلات، وضعف المهارات الحركية. إلى جانب الضعف العام، وصدور حركات لا إرادية، واضطرابات في الأكل، ما قد يؤدي إلى زيادة الوزن. 

وتشير إلى أنه قد يتسبب في حدوث مشكلات في الكلام، وانخفاض لمعدل الذكاء، أو الإعاقة الذهنية؛ ما يؤثر بشكل مباشر في التحصيل الدراسي، والقدرات الذهنية للأطفال. 

وتستطرد موضحة أنه مع وجود أنواع عديدة من الأنيميا، أشهرها والمتعارف عليها «أنيميا نقص الحديد»، لكن نقص فيتامين ب12 يسبب أعراضًا تشبه أعراض الأنيميا الطبيعية وهي «الأنيميا الخبيثة أو المنجلية – Macrocytic Anemia»، من تعب وإرهاق ودوخة وزيادة في ضربات القلب.

ونظرًا لدور فيتامين ب12 في الخلايا العصبية، فمن الممكن أن يتسبب في أعراض مثل الرعشة والوخز في الرجلين واليدين،  وإذا لم يتم علاج الأنيميا تتفاقم الأعراض، وتبدأ في التأثير على الخلايا العصبية في المخ، وتظهر أعراض مثل النسيان والتوهان؛ بالتالي يتعثر الطفل في الدراسة نتيجة لافتقاره الجهد الكافي للمذاكرة، وشعوره بالهبوط والتعب، مثل مرضى أنيميا الحديد، لكن يضاف إليها أنه يبدأ في النسيان والتشوش، ونجده يعاني من قلة التركيز.

وقد يعرض نقص فيتامين ب12 غير المعالج المرء لخطر الوفاة؛ لحدوث تلف عصبي شديد نتيجة لفقر الدم الخبيث، الذي يسبب نقصًا في كريات الدم الحمراء، ما قد ينتج عنه أيضًا فشل قلبي حاد.

وعلى جانب موازٍ، فإذا لم يعالج نقص فيتامين ب12، فقد يتسبب في آثار جانبية خطيرة دائمة تؤثر على الجهاز العصبي والدماغ. من هذه الآثار الاعتلال العصبي المحيطي، وتنكس الحبل الشوكي، وشلل، وسلس الأمعاء وسلس البول، بجانب الضعف الجنسي لدى الرجال، وجنون العظمة والأوهام، وفقدان الذاكرة.

فئات معرضة لنقص فيتامين «ب12»

يصعب أحيانًا تشخيص النقص في فيتامين ب12؛ فقد لا تظهر الأعراض دائمًا، أو تكون مشابهة لعلامات أخرى لسوء التغذية. لكن هناك فئات معينة أكثر عرضة من غيرها بالإصابة بنقص شديد في مستويات هذا الفيتامين، مثل مرضى السمنة، والتهاب المعدة والأمعاء كالتهاب القولون التقرحي أو داء كرون أو مرضى السيلياك.

ويمكن للأشخاص الذين خضعوا لجراحات في المعدة كجراحات إنقاص الوزن، أو لديهم تاريخ عائلي من الأمراض الوراثية، مثل مرض فقر الدم الخبيث، أو عمرهم أكبر من 50 عامًا أن يكونوا أكثر عرضة لنقص هذا الفيتامين.

وتشير سامي إلى أن وجود الديدان في الأطفال، خصوصًا الدودة الشريطية، التي قد تُبتلع في حالة تناول أسماك ملوثة يؤدي إلى انخفاض مستويات هذا الفيتامين، كما أن نقص حمض الفوليك يؤثر على امتصاص فيتامين ب12؛ فحمض الفوليك، المعروف أيضًا بفيتامين ب9، هو عنصر غذائي يوجد بصفة أساسية في الخضراوات الورقية ذات اللون الأخضر الداكن والكبدة. 

وقد يحدث نقص حمض الفوليك في حالة عدم تناول الأطعمة المحتوية على حمض الفوليك، أو إذا كان الجسم غير قادر على امتصاصه من الطعام. 

تضيف البن كذلك قد يعاني الطفل من مشكلة في التخزين إذا كان يعاني من مرض بالكبد؛ حيث إن فيتامين ب12 يخزن في الكبد، لكنها من المشكلات غير الشائعة.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن تتسبب بعض الأدوية في انخفاض مستويات فيتامين ب12، بما في ذلك الميتفورمين (أحد أدوية مرض السكري)، وحبوب منع الحمل الفموية، والمضادات الحيوية، والميثوتريكسات (المستخدم في العلاج الكيميائي)، والكولشيسين (المستخدم لعلاج النقرس)، والأدوية المضادة للتشنج (مثل الفينيتوين، والبيريميدون)، إلى جانب مجموعة من الأدوية الخافضة للكوليسترول (مثل كوليستيرامين)، ومكملات فيتامين ج «حمض الأسكوربيك» التي يفضل أخذها بعد تناول فيتامين ب12 بساعتين أو أكثر لتجنب التداخلات الدوائية وسوء الامتصاص.

وكذلك قد يؤدي الاستهلاك المتكرر للكحول إلى تلف الجهاز الهضمي، بالتالي صعوبة في امتصاص فيتامين ب12، كما يمكن للكافيين والأطعمة المصنعة أن تتداخل مع امتصاص فيتامين ب12؛ لذلك ينصح إذا كنت تندرج تحت إحدى هذه الفئات بأن تطلب من طبيبك إجراء فحص لمستوى هذا الفيتامين.

تناول المصادر الحيوانية أبرز الحلول

جسمنا لا يصنع هذا الفيتامين من تلقاء نفسه، لذلك قد تحتاج إلى تعديل نظامك الغذائي في حالة كان السبب سوء التغذية أو اتباع حمية نباتية. لذا، ينبغي تناول الأطعمة والمشروبات الغنية بهذا الفيتامين، مثل منتجات الأغذية الحيوانية كاللحوم والمأكولات البحرية والدواجن ومنتجات الألبان والبيض، وكذلك الأطعمة المدعمة (المحتوية على فيتامينات وعناصر غذائية معينة مضافة إليها لا توجد فيها بشكل طبيعي) مثل الحبوب والخبز والخميرة الغذائية والحليب النباتي، لذلك ينصح برؤية الحقائق التغذوية على عبوات الأطعمة؛ للتأكد مما إذا كانت مدعمة بفيتامين ب12. 

وتؤكد سامي ضرورة تناول الأغذية الغنية بحمض الفوليك وتشمل البروكلي، والسبانخ،  والفاصوليا البيضاء، والبرتقال، والليمون، والموز، والفراولة، والبطيخ، ومنتجات الحبوب المعززة مثل المعكرونة، والأرز، والكبد، والكلى، والفطر، والفستق.

علاوة على ذلك، ينبغي تجنب الكحول، واتباع تعليمات مقدم الرعاية الصحية في حالة الإصابة بأحد اضطرابات الجهاز الهضمي.

وتنصح البن بملاحظة الأعراض فظهور أي من الأعراض السابق ذكرها تجعلنا نشك في معاناة الطفل من نقص في مستويات هذا الفيتامين؛ فإذا قل مجهود الطفل، أو تناقص تركيزه، أو شحب وجهه علينا إجراء الفحص اللازم. وتنوه البن بأنه عادة ما تقوم الأمهات بإجراء تحليل صورة دم كاملة، وقد تجدها طبيعية، لكن لا توضح النتيجة أن الأنيميا ليست أنيميا نقص حديد، إنما أنيميا نتيجة نقص فيتامين ب12.

وتؤكد البن أنه ليس من الشائع وصول نقص فيتامين ب12 لدى الطفل لدرجة ظهور أعراض عصبية، وإنما هذا يكون لدى الطفل مريض الكبد، مثلما ذكرنا سابقًا، أو لديه مشكلة في الجهاز الهضمي، أو مشكلات مناعية أو قرحة في المعدة، وتبشر المهتمين بأن نقص فتامين ب12 من السهل علاجه بمجرد إعطاء الجرعة المناسبة لاحتياجات الطفل اليومية.

وتشير إلى أن الخطة العلاجية تبدأ بعلاج السبب أولًا، فلو كان سوء تغذية يذهب لطبيب أو اختصاصي تغذية، أما لو كانت المشكلة في الجهاز الهضمي أو الكبد فيذهب للطبيب المختص.

وعلى حسب الحالة يكون العلاج المناسب؛ ففي حالة سوء التغذية، يكون العلاج المناسب للمريض هو نظام غذائي متوازن يوفر للطفل كل احتياجاته الغذائية، وقد يحتاج لمكملات غذائية، وهنا تعطى حسب RDA أو النسبة التي يحتاجها، وفقًا للمرحلة العمرية للطفل.

في النهاية، مع أن ب12 هو فيتامين مهم يحتاجه جسمك ليكون بصحة جيدة. إلا أن الزيادة في هذا الفيتامين قد تسبب سمية؛ لذلك نحن لا ننصح بأخذ مكملات غذائية دون استشارة الطبيب. 

وعادة، يمكن لمعظم الناس منع نقص فيتامين ب12 عن طريق تناول الأطعمة المحتوية عليه في نظام غذائي متوازن. وإذا كانت لديك عوامل خطر للإصابة بنقص فيتامين ب12، أو كنت تعاني من أعراض، فتأكد من الاتصال بطبيبك؛ لإجراء فحص دم للتحقق من مستوياته لديك.