محتوى مترجم
المصدر
The Jerusalem Post
التاريخ
2016/10/25
الكاتب
أبراهام رابينوفيتش

بعد 43 عامًا من حرب أكتوبر، من المثير أن نفكر فيما كان سيحدث لو استعدت إسرائيل بشكل مختلف لأحد أكثر الحروب الشهيرة التي خاضتها.


إن حرب الغفران لم تترك مزيدًا من التكهنات حول الكيفية التي كانت الأمور ستختلف بها، فالكم الكبير من الأخطاء الذي ارتكبته القيادة العليا للجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت – وهي الأخطاء التي جاءت جميعها استنادا لعدم إيلاء العرب الاهتمام الجديرين به كخصوم – يجعل أي سيناريو بديل يبدو تافها.

لقد تحدث قائد كبير بالجيش الإسرائيلي عن الموقف المتعجرف تجاه العدو وتوفير الجهد والمال من قبل إسرائيل حيال إيقافه، حيث قال: «اعتقدنا أننا كنا نحارب العرب وليس الألمان».

وعلى الرغم من ذلك، وبعد 43 عامًا ربما يجدر بنا التفكير فيما كان سيحدث لو فكر أحد في الأمور بشكل أكثر جدية. فعلى سبيال المثال ماذا لو تصرف جهاز الاستخبارات العسكرية بشكل أكثر ذكاء وبعقل متفتح ودون التمسك بمعلومات بعينها؟.

يُعد ذلك جزءًا من تاريخ حرب يوم الغفران التي ربما كان من الأفضل أن تكون معروفة للجمهور: كيف أصر إيلي زعيرا رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية وبعض من كبار مساعديه حتى اللحظة الأخيرة على أن مصر وسوريا لا يمكنهما شن هجوم على إسرائيل، على الرغم من وجود علامات تحذيرية تشبه في كبرها لوحات الإعلانات الضخمة في ميدان التايمز الأمريكي؟.

تحدث قائد كبير بالجيش الإسرائيلي عن الموقف المتعجرف تجاه «العدو» وتوفير الجهد والمال من قبل إسرائيل حيال إيقافه.

لقد ركز هؤلاء على المعلومات التي تلقوها من الموساد عن طريق مصدر رفيع المستوى في القاهرة، والذي كان يعتقد أن مصر لن تخوض حربا قبل أن تحصل على طائرات وصواريخ سكود متطورة من الاتحاد السوفييتي آنذاك.

من الأشياء غير المعروفة أيضًا هي ما كشف عنه رئيس جهاز الموساد آنذاك تسفي زامير وهو أن «المصدر المصري» نفسه، الذي كان يلتقيه بشكل دوري، أعلمه في وقت مبكر من عام 1973 أن الرئيس المصري محمد أنور السادات قد غير رأيه؛ بمعنى أنه لن ينتظر حتى قدوم أسلحة جديدة وسيذهب إلى الحرب بما يملكه من أسلحة.

لكن الاستخبارات الحربية الإسرائيلية تجاهلت ما قاله زامير واستمرت في إصدار تقديراتها حتى اللحظات الأخيرة بناءً على مفاهيم قديمة: وهي أن عدم وجود أسلحة جديدة لدى مصر وسوريا يعني احتمالية ضعيفة في اندلاع حرب.

وفي ظروف مماثلة عشية حرب الأيام الستة عام 1967، عندما بدأ الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر تحريك القوات إلى سيناء، استبعد جهاز الاستخبارات الحربية الذي كان يقوده آنذاك أهارون ياريف، أن يكون ذلك استعراضا سياسيًا للقوى. وعلى الرغم من ذلك، ففي غضون أيام قليلة، أعلن ياريف أن ناصر كان ينوي خوض الحرب؛ ما دفع القوات الإسرائيلية آنذاك لتهيئة نفسها وفقًا لتلك الظروف، لذا كانت النتائج مذهلة.

فعلى خط بارليف على سبيل المثال:

ماذا لو أعاد الجنرال ديفيد أليعازر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي التفكير في نشر القوات الإسرائيلية على طول قناة السويس للتحضير لأسوأ السيناريوهات؟

في يناير/كانون الثاني عام 1971، وضع أليعازر خط بارليف على أجندة الأعمال، لم يكن ذلك الخط مبنيا ليكون دفاعيا، لكن لتوفير مزيد من الحماية ضد المدفعية المصرية خلال حرب الاستنزاف.

اثنان من جنرالات الجيش الإسرائيلي البارزين وهما «آرييل شارون» و«يسرائيل طال» كانا يعتقدان أن خط باريف بمثابة مصيدة الموت حيث كان رقيقا للغاية ليكون حاجزاً، لكن يوجد عليه عدد كبير من القوات ما يصعب التخلص منه.

شارون، والذي كان آنذاك قائدا للجبهة الجنوبية، طالب بإغلاق الحصون على الخط، والحفاظ على وجود إسرائيل في منطقة القناة من خلال وجود دوريات متنقلة ومراكز مراقبة للقناة، أما طال قد طالب بإخلاء المواقع العسكرية على الخط في حالة اندلاع الحرب.

لكن أليعازر لم يلتفت إلى ما طالب به الاثنان، حيث قال إنه مع وجود تلك الحصون فعليا وإمكانية تعارضها مع أي معبر في محيطها، فلا يوجد فائدة من تفكيكها، بالإضافة إلى أن رفع العلم الإسرائيلي على القناة كان أمرًا له اعتبارات سياسية مهمة. وأوضح أليعازر «حتى وإن كنت أعتقد أن الحصون كانت أقل أهمية من وجهة النظر العسكرية، سأكون في مأزق حول ما إذا كان التخلي عن تلك الحصون سيتم لأبعاد سياسية».

لكن ماذا كان سيحدث لتلك الحصون إذا عبر المصريون القناة بأعداد كبيرة؟

لقد طمأن جهاز الاستخبارات الحربية الإسرائيلية أليعازر بأنه سيقدم ما هو أكثر من التحذير حتى يمكن نشر قوات الاحتياط لمواجهة مثل ذلك الهجوم، لكن تلك التطمينات أثبتت عدم جدواها.

بعد ظهيرة السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1937، شاهد 450 جنديا إسرائيليا كانوا يتمركزون على خط بارليف ما يقرب من 100 ألف جندي مصري، وقد بدأوا في عبور قناة السويس، بينما كان نشر القوات داخل إسرائيل قد بدأ للتو. ذلك الأمر أثبت أن خط بارليف سيكون بمثابة مصيدة موت، ليس بسبب الحصون الموجودة عليه، بل أيضًا لعدد أفراد طواقم الدبابات الذين هرعوا لإنقاذ الجنود الإسرائيليين.

أما المصريون، الذين راقبوا الأنشطة الإسرائيلية طيلة أعوام، كانوا يدركون أن الدبابات ستحاول الوصول إلى الحصون؛ ما جعل مئات من فرق صيد الدبابات المصرية تتحصن في حفر انتظارا لتلك الدبابات وهم مجهزون بصواريخ مضادة للدروع من طراز «ساجر».

ولم يكن سلاح المدرعات الإسرائيلي قد أوجد حلاً تكتيكيا لصواريخ ساجر أو حتى أعلم طواقم الدبابات بوجودها، وبحلول الثانية ظهرا يوم السابع من أكتوبر، وبعد 12 ساعة من بدء الحرب، كان ثلثا الفرقة المدرعة في سيناء، والتي تشمل 180 دبابة، قد تم تدميرها، فضلاً عن مقتل وإصابة وأسر المئات من الجنود الموجودين داخل الحصون بينهم طواقم دبابات، ليثبت خط بارليف أنه كان بمثابة اللعنة الإستراتيجية.

ماذا لو لم يقم أليعازر بتعيين الجنرال شمويل جونين الملقب بـ «الاستيطاني»، قائدا للجبهة الجنوبية قبل اندلاع الحرب بأشهر قليلة، على الرغم من التحذيرات حول شخصيته غير المتزنة؟

اثنان من جنرالات الجيش الإسرائيلي، من بينهما شارون، كانا يعتقدان أن خط بارليف بمثابة مصيدة الموت حيث كان رقيقا للغاية ليكون حاجزا.

إبان حرب الأيام الستة، اخترقت دبابة جونين الخطوط المصرية وكانت أولى الدبابات التي تصل إلى قناة السويس. على الرغم من ذلك، فسلوكه الشخصي الفظ كان يجب أن يثير التساؤل حول مدى أهليته للقيادة العليا. لقد صرح ضابط كبير – كان يراقب تصرفات جونين التي كان يقوم خلالها بترهيب أتباعه خلال التدريبات الميدانية – بأنه أخبر أليعازر أنه لا مكان للاستيطاني داخل القوات الإسرائيلية، وعلى الرغم من ذلك تم تعيينه.

في اليوم الثالث من الحرب، وبعد أن تلقى «الاستيطاني» تعليمات صريحة من أليعازر بشن هجوم مضاد محدود، خالف كل ما قيل له وأصدر سلسلة من الأوامر الغريبة والمتعارضة والمتغيرة باستمرار، الأمر الذي ترك قادته العسكريين في حالة من اليأس. وبدلاً من أن تنحسب القيادة الجنوبية من الثغرة التي أعدتها القوات المصرية، أغرق الاستيطاني وحداته بها بشكل أكبر.

الجمعة التي سبقت بداية الحرب، بدأ قلق أليعازر يتزايد إزاء التراكم الهائل للقوات المصرية والسورية على طول الحدود، على الرغم من تطمينات جهاز الاستخبارات العسكرية بأن المصريين كانوا يجرون تدريبا، وأن السوريين كانوا يستعدون لهجوم إسرائيلي. لقد انتاب أليعازر القلق حيال السبب الذي قام من أجله السوفييت فجأة بإجلاء عائلات آلاف من المستشارين العسكريين في سوريا ومصر، ولم يقوموا بإجلاء المستشارين أنفسهم.

عشية حرب أكتوبر، وقبيل ساعة من صلاة «كول نيدر»، أعلِم ضابط الاستخبارات المناوب في مقر قيادة الجيش في تل أبيب برسالة من مصدر عربي موثوق به، أن قرار موسكو بإجلاء عائلات المستشارين العسكريين جاء بسبب أن العرب على وشك شن هجوم على إسرائيل.

كان أليعازر لا يزال في مكتبه في انتظار تقرير مثل ذلك، وهو التقرير الذي سيكون منطقيا للبدء في تحركات عسكرية على طول الحدود. وبدلاً من تمرير تلك الرسالة التي تم اعتراضها إلى أليعازر، تواصل الضابط المناوب مع رؤسائه في جهاز الاستخبارات العسكرية، وأخبره رئيس الجهاز إلياهو زاعيرا بألا يقوم بنشر تلك المعلومات. كان يريد زاعيرا أولاً الاستماع لرئيس الموساد زامير، الذي توجه إلى لندن هذا اليوم للقاء المصدر المصري.

كان لدى سلاح الجو الإسرائيلي خطة لتدمير سلاح الدفاع الجوي المصري، ولكن سوء الأوضاع على جبهة الجولان حال دون تنفيذها.

ويقول أليعازر إنه لو كان قد تلقى تلك الرسالة لبدأ في عملية نشر القوات فورًا؛ الأمر الذي كان يتطلب موافقة وزير الدفاع موشيه ديان ورئيسة الوزراء جولدا مائير. وإذا نظرنا إلى التصرف اللاحق لديان، فمن المرجح أنه سيعارض نشرا على نطاق واسع للقوات، لكن من غير المرجح أنه سيرفض بشكل كامل طلب رئيس أركان الجيش أليعازر. إن استدعاء الحد الأدنى من القوات ربما كان سيتضمن لواء مدرعات يتم إرساله إلى الجولان، الجبهة الأكثر ضعفا. لكن السوريين اخترقوا في الليلة التالية جنوب الجولان وسيطروا على 40% من المرتفعات.

وسيدلي قائد الجبهة الشمالية وأليعازر بشهادتهما لاحقاً أنه لو كان هناك لواء إضافي لما تمكن السوريون من اختراق جنوب الجولان، وربما أثّرت تداعيات ذلك الاختراق لاحقا على الحرب بأكملها، وليس الموقف في الجولان فحسب. ثم وجد أليعازر نفسه مجبرا على الاستقالة بعد الحرب عندما خلصت لجنة أجرانات إلى أنه لم يقم بإعداد القوات المسلحة بشكل جيد، وارتكب أخطاء في تقييم الموقف عشية الحرب. على الرغم من ذلك، هناك إجماع على أن أليعازر كان زعيم حرب متمكن يمكنه أن يدلو بدلوه في أكثر الظروف خطورة، وأن يتخذ القرارات الإستراتيجية السلمية أيضًا.

قبل 5 أشهر من الحرب، التقى قائد القوات الجوية الجنرال بيني بيليد بعد تعيينه مع ديان وهيئة الأركان العامة للجيش، وأخبرهم أن سلاح الجو ليس لديه حل إلكتروني للنسخة الأحدث من صواريخ أرض – جو السوفيتية سام 6، ولا يوجد لدى الأمريكيين حل أيضًا حيث سبق وأن واجهوها في حرب فيتنام وخسروا بسببها آلاف الطائرات الحربية.

على الرغم من ذلك، أعلن سلاح الجو أنه توصل إلى خطة «تاجار» والتي تتضمن مشاركة جميع طائرات سلاح الجو لتقوم بشن 4 موجات هجومية على مدار اليوم لتدمير منظومات الدفاع الجوية المصرية عن طريق إلقاء قنابل من ارتفاعات متوسطة.

انتاب القادة العسكريين بالقوات البرية شعور بالسعادة عند سماعهم بأن سلاح الجو لديه خطة سيعلن عنها بيليد خلال إحدى المقابلات. لكن قبل أن ينتهي الاجتماع أخبرهم بيليد: «يجب أن تعلموا أن تلك الخطط ليست لها أية قيمة ما لم نبادر بالهجوم»، مُضيفا أن سلاح الجو يحتاج 36 ساعة من الإعداد قبل الهجوم، لكن العرب هم من بادروا بالهجوم.

على الرغم من ذلك، قرر بيليد وقادته تنفيذ خطة «تاجار» في اليوم الثاني من الحرب، على الرغم من عدم الاستعداد بالشكل المناسب، والافتقار لعنصر المفاجأة أيضًا، وكانت «تاجار» هي أملهم الوحيد للسيطرة على صواريخ سام وتمكين سلاح الجو من تقديم دعم للقوات البرية المقاتلة. لكن بحسب قادة كبار في سلاح الجو، فإن الثمن قد يكون باهظا للغاية، فمن الممكن أن نفقد عشرات الطائرات والطيارين، لكن الجميع أصر على أنه سيتم تدمير صواريخ سام في سيناء أولاً وفي الجولان لاحقًا.

إن نشر القوات البرية الإسرائيلية تم بناءً على افتراض أن الصعوبات الجمة التي ستواجهها وحدات الدبابات سيتم تعويضها من جانب الدعم الذي يقدمه سلاح الجو. وفي صباح الأحد بدأت أول موجة هجومية من خطة «تاجار» بعد الفجر. في غضون ذلك، كان ديان متجها في طائرة هيلكوبتر إلى القيادة الشمالية لتقييم الموقف هناك، وأصيب بصدمة لدى علمه بأن القوات السورية اخترقت الجبهة، وأن قادة عسكريين كبار يعتقدون أن الجولان قد سقطت. ذلك الأمر دعا ديان لمطالبة بيليد بإلغاء «تاجار» وإرسال سلاح الطيران بالكامل شمالاً، ولن تكون هناك فرصة أخرى لتنفيذ العملية.

وخلال مقابلة، اعترف بيليد بأن سلاح الجو لم يستطع السيطرة على الأجواء الممتلئة بصواريخ سام في ساحات القتال بسيناء والجولان. وفي حال نُفذت خطة «تاجار» بنجاح، بالنظر إلى سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي على ساحة المعركة، لاتخذت الحرب مسارا مختلفًا بالكامل.