يجلس أحدهم بثقة ملك خاض لتوه حربه المائة دون خسارة، واضعًا ساقًا فوق أخرى ومتحدثًا بطلاقة دون أن ينظر في وجه محدثه: سنستقبل هدفًا الآن، لقد أضعنا الكثير من الأهداف ومن يضيع حتمًا سيستقبل. قبل أن تكتمل تلك الجملة المفعمة بالثقة يحرز فريقه هدفًا بدلاً من أن يستقبل كما توقع. تلك هي عظمة كرة القدم والمقود الأساسي لتربعها على عرش كل الألعاب التنافسية كل تلك السنين، أنها لا تندرج تحت أي كليشيه.تكره كرة القدم هؤلاء العالمين ببواطن الأمور وتعاقبهم دومًا بسيناريوهات صادمة تمامًا. بينما على الجانب الآخر يتلقى الشغوفون بكرة القدم كل تلك السيناريوهات باستعداد تام للمتعة أو الانهيار.تلك الكليشيهات لا تظهر على السطح من تلقاء نفسها بالطبع. فعندما يضيع فريق ما أكثر من فرصة للتهديف فربما يشعر اللاعبون باليأس أو بالندم وعلى المقابل يشعر الفريق الغريم بأن ما زالت الفرصة سانحة لكي يعود لمجريات المباراة مما يخلق له حافزًا. كل ذلك ربما يجعل تلقي هدف بعد إضاعة عدد من الفرص أمرًا ممكنًا ويحدث بشكل مكرر، لكنه لن يكون قاعدة أبدًا، لا توجد قاعدة يتم شرحها بكل تلك ال «ربما».هل يعني ذلك أن كرة القدم لا تتبع أي قواعد، ربما تحتاج الإجابة لقليل من التوضيح. كرة القدم لعبة تعتمد على الكثير من التفاصيل، سواء فردية من اللاعبين أو تكتيكية يتم تنفيذها بشكل جماعي مما يجعل الحكم المسبق بنجاح قاعدة ما شيئًا صعبًا. إلا أن هناك بالطبع معطيات تؤدي إلى نتائج بالضرورة، لكن تلك المعطيات لا تتسم بالثبات من الأساس كي تصاغ على هيئة قاعدة.واحدة من أكثر الأشياء التي تتأرجح بين كونها مرجعًا أو قاعدة في كرة القدم وبين كونها كليشيه يردده الجميع دون تحليل هي الأرقام في كرة القدم؛ الإحصائيات والتحليلات الرقمية. على سبيل المثال فكرة أنه ليس من الضروري أن من يضيع يستقبل، أقدم لك إحصائيات رقمية عن معدل استقبال الأهداف بعد إضاعة الفرص. ماذا لو أثبتت لك الأرقام أنه لا يوجد ثمة قاعدة تشرح كرة القدم. في منتصف عام 2013 تم إصدار كتاب بعنوان «لعبة الأرقام: لماذا كل ما تعرفه عن كرة القدم خاطئ تمامًا». دعنا نحاول من خلال الاستعانة بهذا الكتاب أن نتحدث عن فكرة عشوائية كرة القدم وكيف تؤكد الأرقام نفسها على وجود خرافات يعتنقها مشاهدو كرة القدم.


كرة القدم، تلك اللعبة العشوائية

انتشر فيديو على شبكة الإنترنت لهدف نادر الحدوث سجله لاعب بولندي غير معروف على الإطلاق يدعى آدم تشيركز. استطاع أن يسجل الهدف بعد الضغط على المدافع، حيث ارتطمت الكرة في ظهر آدم لكي تعلو من فوق رأس الحارس بشكل مثالي وتسكن الشباك من على بعد حوالي 25 ياردة.هناك مثال أكثر شهرة؛ الهدف الكرواتي الثاني في شباك إنجلترا والذي قضى على أحلام إنجلترا تمامًا في التأهل لبطولة أمم أوروبا 2008. جاري نيفيل أعاد الكرة إلى حارس المرمى الذي قرر أن يركلها بعيدًا، لكن في لحظة التقاء الكرة بقدم الحارس تسبب سوء أرضية الملعب في أن ترتفع الكرة لأعلى سنتيمترات قليلة ليتخطاها الحارس وتدخل مرماه كهدف عكسي.تلك الأمثلة التي يصنفها الجماهير على أنها من قبيل الحظ السيئ يصفها جماهير الفرق المنافسة على أنها معجزات كرة القدم.

ربما تلك العشوائية هي التي جعلت البعض يتجه للأرقام كمؤشر دقيق حول ما إذا كانت تلك اللعبة تتحكم بها الأرقام أم الحظ والتوفيق. فإذا كانت تلك اللعبة تدور حول المهارة فإنه من المنطق أن يفوز دومًا الفريق الأفضل، وإذا كانت تدور حول التوفيق فما جدوى كل تلك التكتيكات والملايين والهتافات؟

يتحدث مؤلفو كتاب «لعبة الأرقام: لماذا كل ما تعرفه عن كرة القدم هي أمور خاطئة» عن تلك المسألة بعد أن قاموا بتحليل عشرات الآلاف من المباريات الأوروبية والتي لعبت على مدار مئة عام. والنتيجة التي توصلوا إليها هي أن كرة القدم لعبة نصفها يتحكم به المهارة والنصف الآخر التوفيق، كرة القدم 50% مهارة و50% توفيق.


عشوائية كرة القدم تزيد متعتك

تلك العشوائية التي تسيطر على كرة القدم هي مكمن جمالها أيضًا. تبدو تلك الجملة غير دقيقة على الأرجح، فالجمال في نهاية المطاف أمر ذاتي. فهناك من يرى أن الأهداف هي جمال كرة القدم، وهناك من يؤمن بأن الاستمتاع مكانه السيرك بالفعل. لكن من ينكر أن الأداء غير المتوج بالأرقام قد وجد في قلوب الجماهير الكثير من التقدير؟

الكرة الشاملة الهولندية وبرازيل سقراط لم تتوج ببطولات ولم يكتب لهم النجاح النهائي بالأرقام لكنهم لا زالوا حديث الناس. عندما تسأل الجماهير المصرية عن أفضل الذكريات مع المنتخب المصري فلابد أن تسمع إجابة حول مباراة البرازيل في كأس القارات، على الرغم من خسارة المنتخب وعدم تأهله إلا أن الأداء كان ممتعًا.

ما نؤكد عليه أن عشوائية كرة القدم ووجود جانب التوفيق والحظ بشكل يصل لأن يتحكم في نصف مجريات اللعبة ضمن للجميع المتعة. محبو الأرقام والواقعية على جانب والحالمون المؤمنون بالمعجزات على الجانب الآخر.هل لا زال التسليم بأن كرة القدم لعبة عشوائية يبدو أمرًا صعبًا؟ هل ما زلت تؤمن بأن الأرقام تمكنك من التنبؤ بحدث ما في عالم كرة القدم؟ دعنا نتحدث بنفس اللغة ونثبت بالأرقام نفسها أن الكثير من القواعد التي يرددها البعض هي محض خيال.


بالأرقام: وداعًا للكليشيهات

استطاع كريس أندرسون ودافيد سالي مؤلفا الكتاب أن يؤكدا بالأرقام وهم الكثير من الكليشيهات التي تعج بها كرة القدم. هل تؤمن أن الفريق الذي يسدد أكثر على المرمى يمتلك أفضلية الفوز في المباراة؟ حسنًا طبقًا للكتاب وبعد مراجعة بيانات 8232 مباراة الدوريات الأربع الكبرى من عام 2005 وحتى عام 2011 توصلوا إلى أن نسبة فوز الفريق صاحب التسديدات الأكثر تتراوح بين 50% و58% فقط.هل امتلاك الكرة يضمن لك تسجيل الأهداف؟ حسنًا تؤكد الأرقام أن الأندية التي تستحوذ على الكرة تبقى في مقدمة جداول الدوري بينما تحارب الأندية صاحبة الاستحواذ الأقل على مقاعد البقاء. تبدو فكرة الاستحواذ مغرية للجميع لكنها لا تضمن لك شيئًا. طبقًا لمنظمة أوبتا الإحصائية خلال موسم 2010/2011 استطاع لاعبو أرسنال أن يستحوذوا على الكرة بنسبة 60% كمتوسط خلال الموسم حيث لم يسجل أرسنال نسبة أقل من 46% من الاستحواذ في المباراة.على الجانب الآخر سجل فريق ستوك سيتي النسبة الأقل في الدوري بمتوسط 39%، وهو ما تم ترجمته خلال مباراة الفريقين في إستاد بريطانيا حيث استطاع أرسنال أن يستحوذ على نسبة 75% من امتلاك الكرة، لكن النتيجة النهائية أشارت إلى فوز ستوك بثلاثة أهداف مقابل هدف. إذن حيازة الكرة هي وسيلة وليست غاية على الإطلاق.انتهينا إذن من أسطورة التسديد والاستحواذ، لنتجه الآن إلى كليشيه ثالث وهو أن المدرب يبقي على بعض اللاعبين الجاهزين بجواره على مقاعد البدلاء لكي يقلب بهم نتيجة المباراة في الدقائق الأخيرة. توضح الأرقام عكس هذا الاعتقاد، حيث يقول الكتاب إن 40% من التغييرات تتضمن تغيرات لاعبي خط وسط بلاعبي وسط لتأمين النتيجة ثم 15% من التغيرات تشمل تغيير مهاجمين بلاعبي وسط أيضًا.ففي الدوريات الثلاث الكبرى، يتم إجراء التغيير الأول على الأغلب بين الدقيقة 56 والدقيقة 65، ثم التغيير الثاني بين الدقيقة 66 والدقيقة 80 ثم التغيير الثالث في العشرة دقائق المتبقية في المباراة. طبقًا للتأثير الذي يحدثه اللاعب البديل والوقت الذي يحتاجه ليقدم الأداء الأفضل له فتلك المواقيت غير مناسبة تمامًا، حيث توصل أحد الباحثين ويدعى مايرز لتوقيتات من المفترض أن تعطي للبدلاء الحد الأقصى من الأداء.ينزل البديل الأول إلى أرض الملعب قبل الدقيقة الخمسين، والثاني قبل الدقيقة 73، والثالث قبل الدقيقة 79. بافتراض أن المدير الفني يريد علاج قصور ما في الملعب لا تغييرات اضطرارية، فقاعدة مايرز تبدو أكثر نفعًا.بالطبع هذا الحديث لا يفترض أن كرة القدم مجرد ضربة حظ لا تتبع أي قواعد، فكما يقول كرويف عن كرة القدم: «حتى الصدف تحدث بشيء من المنطق»، لكنه ردًا على هؤلاء الذين يعتمدون على الأرقام فقط عندما يتطرق الحديث عن كرة القدم. هذا الحديث موجه لهؤلاء الذين تلمع عيونهم بمجرد ذكر الإحصائيات والأرقام الموضحة بعد كل مباراة. كل ما تتحدثون عنه لا يزيد عن 50% فقط من كرة القدم والـ 50% الأخرى هي محض جنون.