قبل أسابيع قليلة اجتمع كريستيانو رونالدو بليونيل ميسي بحفل توزيع جوائز الأفضل في أوروبا. كان ذلك هو لقاءهما الأول منذ رحل البرتغالي عن إسبانيا، ولم يكن لقاءً عاديًّا بأي مقياس. ليس فقط لأن أحدًا من الثنائي لم يفز بجائزة لاعب العام كما هي العادة، ولكن أيضًا بسبب الأحاديث الودية التي دارت بينهما، وعبر عنها رونالدو علانية. 

قال الدون إنه يحظى بعلاقة جيدة مع ميسي، ويفتقد منافسته في الليجا، وقد تمنى أن يتناول العشاء قريبًا مع ليو. ضحك الملك الأرجنتيني، قبل أن يبدي موافقته على دعوة كريستيانو، ومن ثم يؤكد احترامه بالرغم أنهما لم يتشاركا اللعب، سواء مع المنتخب أو النادي.

بصراحة يصعب تخيل ميسي ورونالدو في فريق واحد. تبدو فكرة خرافية ومجنونة للغاية. لكن ماذا لو أخبرتك أن أحدهم في نادي برشلونة سعى نحو تحويل هذا الجنون إلى حقيقة واقعة؟ نعم، كان كريستيانو قريبًا جدًّا من مزاملة ميسي، والدفاع عن ألوان النادي الكتالوني بدلًا من العاصمي، فكيف سيكون العالم لو تمت صفقة انتقال رونالدو للبلوجرانا؟

تذكر تذكر خوان لابورتا

طبعًا كلنا يحب البلايستيشن، والسبب أن هذا الاختراع العجيب يطلق لخيالنا العنان، فيجعلك في لحظة واحدة محاربًا في الغابات، أو متسابقًا في فورملا وان، أو ربما مدربًا يصنع تشكيلة فريقه كيفما شاء، فتضع رونالدو إلى جانب ميسي، وربما أيضًا صلاح ومبابي ضمن فريق واحد دون أن يتهمك أحد باختراق قانون اللعب المالي النظيف.

في عام 2003 كان خوان لابورتا يخوض انتخابات رئاسة نادي برشلونة، وكان المحامي الكتالوني منشغلًا للغاية، وطبعًا لا يمتلك وقتًا للعب البلايستيشن، إذ كان ناديه يمر بظروف صعبة بعد خروجه خالي الوفاض دون أي بطولة خلال المواسم الثلاثة الأخيرة، إلا أنه أطلق وعودًا بانتداب أكبر نجوم كرة القدم وأهم مواهبها بمجرد انتخابه رئيسًا. 

يقول خوان إن قائمة أهدافه ضمت كلًّا من: ديفيد بيكهام، ريكاردو كواريسما، إيدجار ديفيدز، رافاييل ماركيز، وديكو. فشل الرئيس الجديد في انتداب الأول بعدما خطفه فلورنتينو بيريز، فحل مكانه رونالدينهو. وفشل أيضًا في الوصول لاتفاق بشأن الأخير، فعرض عليه وكيل ديكو شابًّا كان يخطو أولى خطواته اسمه: كريستيانو رونالدو.

مليونا يورو فقط لا غير

كان وكيل ديكو هو السيد خورخي مينديز، وقد نجح قبل شهور في الحصول على توقيع ناشئ سبورتنج لشبونة الصاعد بقوة، ورأى فيه نجمًا قادرًا على التألق في أكبر أندية العالم، لذا فتح خطوط اتصال بشأنه مع مانشستر يونايتد وعرضه على برشلونة، حيث أعجب لابورتا بإمكانياته وأحب أن يضمه. 

المشكلة أن لشبونة لم يكن مستعدًّا لترك رونالدو دون الحصول على أعلى سعر، وقد عرض برشلونة 17 مليون يورو فقط، بينما وصل عرض مانشستر يونايتد لـ 19 مليون يورو بعدما أصر السير أليكس فيرجسون أن يحصل على خدماته، فكان له ما أراد، لأن خزينة برشلونة كانت قد استُنزفت حينئذٍ، وأجبرت رئيس النادي على التراجع عن الصفقة. 

بالطبع لم يكن يعرف حينها لابورتا ما يخبئه المستقبل، حيث كان كريستيانو رونالدو لا يزال صغيرًا أما ليونيل ميسي، فكان أصغر، وقد أتم عامه السادس عشر فقط، وبالتالي لم يكن يتخيل أحد أن هذين الولدين سينفجران بتلك الصورة الرهيبة في غضون سنوات معدودة، ومن ثَم يتنازعان على عرش كرة القدم عالميًّا. 

لو أن خوان عرف ما يخبئه المستقبل، ربما كان سيراجع نفسه ويصمم على جمعهما في فريقه حتى لو أقدم على دفع الفارق بين عرض برشلونة وعرض اليونايتد من جيبه الخاص، لأنه كان سيجني بالتأكيد مستقبلًا أضعاف ما يدفعه الآن .

لنحاول مرة أخرى

بالرغم أن لابورتا لم ينجح في ضم كريستيانو، فإنه بدأ يجني ثمار انتداباته بمرور الوقت. إذ تُوِّجت كتيبة البلوجرانا بدرع الليجا موسم 2004/2005، ثم فازت بلقب دوري أبطال أوروبا الذي طال انتظاره في الموسم التالي. شيء واحد كان يعكر صفو أيام خوان، وهو الخلافات التي اشتعلت مع نائبه ساندرو روسيل، وانتهت باستقالة الأخير. 

وبمجرد أن استقال روسيل، شرع في الهجوم على مجلس الإدارة واتهامه بالتحوُّل عن الخطة المتفق عليها، حتى إن ساندرو نشر كتابًا يكشف فيه أسرارًا من داخل مطبخ صناعة القرار في برشلونة. وفي صيف عام 2008، خرجت أنباء تفيد بأن روسيل يخطط لخوض الانتخابات وإزاحة لابورتا من كرسي الرئيس، لكنه كان بحاجة لنجم كبير يبني عليه حملته الرئاسية، وكان ذلك هو رونالدو. 

ساندرو روسيل كان إداريًّا سابقًا في شركة نايكي ذائعة الصيت، ويمتلك داخلها علاقات قوية جعلته يحسم صفقة رونالدينهو، ولاحقًا نيمار، وحينها فكر في استغلال علاقاته مع الشركة الأمريكية التي ترعى كريستيانو بهدف الضغط عليه وتوجيه دفته نحو برشلونة. ويؤكد ريتشارد مورجان محرر جريدة التليجراف أن نايكي رحبت بالفكرة، وفضلت انتقال رونالدو للبلوجرانا بدلًا من ريال مدريد الذي يمتلك عقدًا مع الشركة المنافسة: أديداس. 

جاءت تلك الأخبار بعد موسم صفري لبرشلونة، تراجع خلاله مستوى نجم الفريق الأول رونالدينهو، وبدا المدرب فرانك ريكارد غير قادر على إعادة كتيبته للطريق الصحيح، فكانت خطة روسيل هي استقدام رونالدو وصناعة خط هجوم مكوَّن من البرتغالي رفقة صامويل إيتو وميسي الذي بدأ ينثر سحره على المستطيل الأخضر. ما منح تلك الخطة دفعة هو تعثر المفاوضات بين مانشستر يونايتد وريال مدريد بسبب صدام فيرجسون مع رئيس الميرينجي رامون كالديرون. 

في نهاية المطاف لم ينجح روسيل في الإطاحة بلابورتا، وفضل رونالدو البقاء لمدة موسم جديد في إنجلترا على وعد بالسماح له بتحقيق حلمه والرحيل لملعب سانتياجو برنابيو الموسم التالي، خصوصًا بعد استقالة كالديرون وانتخاب بيريز مرة أخرى في قلعة مدريد.

فكرة الشيطان

يقال إن استخدام «لو» من فعل الشيطان، وفي كرة القدم لا توجد فكرة شيطانية بقدر تصور ثنائي بحجم ميسي ورونالدو يتزاملان لسنوات طويلة في خط هجوم واحد.

بالطبع كان من المحتمل ألا ينسجما سويًّا، أو أن يطغى حضور لاعب على الآخر، أو حتى أن يعجز أي مدرب عن إدارتهما معًا في نفس التشكيلة. لكن حاول أن تتجاوز كل تلك الاحتمالات، وأطلق العنان في ذهنك لـ «لو»؛ لو أن رونالدو وميسي يتواجدان بحالتهما التي نعرفها في فريق واحد، ماذا كان سيحقق برشلونة؟ 

دعنا نبدأ بعدد الأهداف، إذ يمتلك الدون ما يزيد عن 450 هدفًا بقميص الملكي، أما البولجا فقد سجل أكثر من 600 هدف، وهو ما يعني أن أهداف البلوجرانا كانت لتتجاوز على الأقل حاجز الألف هدف خلال تسعة مواسم فقط، وهذا دون حساب أهداف أي لاعبين آخرين. أما إذا أضفنا لذلك عدد الأهداف التي صنعها الثنائي، فسنكون أمام حصيلة تصل لـ 1500 هدف، وكانت أغلب المباريات ستنتهي بنتيجة تشبه تلك التي لا تحدث إلا في البلايستيشن. 

الآن دعك من الليجا؛ لأن برشلونة كان سيحسمها على طول الخط ودون عناء، وحاول تخيل الوضع في التشامبيونزليج. هل كان أي فريق يقدر على الإطاحة بالكتلان؟ بصراحة نادر جدًّا، وربما يتمكن برشلونة من الفوز بسبع نسخ من أصل تسع، بعضها بعدد مرات متتالية تتجاوز ما حققه زيدان رفقة الميرينجي.

ولعل الأمر يتحول لشيء كوميدي، كأن تطلب بعض الأندية إقصاء برشلونة من البطولة المحلية أو الأوروبية، وتساند بعض الجماهير المنافسة مطالب كتالونيا السياسية بالانفصال عن إسبانيا ليستريحوا من شرهم بالليجا، وتشكك جماهير أخرى في أصلهم الأوروبي تمهيدًا للتخلص منهم على صعيد دوري الأبطال، وربما تصادف أحدهم يتهم برشلونة باستخدام السحر الأسود أو الجن أو حتى الانتماء للعقيدة الماسونية لتفسير كل ذلك الخبل الذي يراه.

لحظة واحدة: ماذا سيفعل ريال مدريد؟

بدون شك، سيكون حينها فلورنتينو بيريز في ورطة. فأولًا خسر ناديه صفقة كان يعول عليها، وثانيًا يمتلك خصمه اللدود الآن عاملي حسم خارقين، وهو ما يضمن لبرشلونة تفوقًا محليًّا وأوروبيًّا، وثالثًا سيكون رجل الأعمال الإسباني تحت ضغط مستمر من جماهيره وأعضاء ناديه لإيجاد أي حل.

طبعًا سيدخل بيريز بثقله لحسم صفقة لويس سواريز، ولا أعرف كيف سيتحمل العالم فريقًا واحدًا يلعب فيه لويس سواريز وسيرجيو راموس سويًّا، هذا الثنائي سيتعارك مع الخصوم ومع الحكام ومع الجماهير، إن لم يشتبكا بعضهما مع بعض في أحد الأيام. المهم أن المهاجم الأوروجوياني سيكون هو رأس حربة النادي الملكي. 

لكن سواريز سيحتاج من يموله بالفرص، ترى ماذا سيفعل بيريز؟ على الأرجح سيحسم صفقة نيمار تلك المرة، ولن يتنازل عنها لبرشلونة بسبب كثرة طلبات والد صانع الألعاب البرازيلي، بل قد يعرض عليه بيريز منصبي نائب رئيس الريال وأمين الخزينة كي يوافق على انتقال ابنه نحو العاصمة الإسبانية. 

هل سيكتفي فلورنتينو؟ طبعًا لا، بل سيضم أيضًا إيدين هازارد سريعًا، ولن يحتاج البلجيكي المسكين كل تلك السنوات التي ظل يتودد فيها سرًّا وعلانية للريال، حتى ظننا أنه سيحتفل ذات مرة بهدف له مع تشيلسي رافعًا قميصه لنجد جملة: «أنا أحب ريال مدريد، أنا أعشق فلورنتينو بيريز».

ماذا عن الدفاع؟ هذا هو السؤال الأصعب، لكن من المرجح أن يستمر المدافع البرتغالي بيبي فترة أطول بين جدران النادي، وذلك حتى يستفيد الريال من تدخلاته العنيفة في محاولة عرقلة تقدم رونالدو مع ميسي. طبعًا سيتسبب بيبي ذات مرة في إصابة خطيرة لرونالدو، وهو ما سيجعل الأخير مصممًا على استبعاده من أي معسكر دولي للمنتخب البرتغالي، ثم إسقاط الجنسية عنه تمامًا. 

لكن أغلب الظن أن فلورنتينو كان سيصاب بإحباط حاد؛ لأن نتيجة تلك المحاولات ستكون فقط الخسارة بعدد أهداف أقل!