مرت رحلة متابعة المصريين لمحمد صلاح بعدة مراحل، ثم تصاعد نسق هذا الاهتمام كثيرًا بعد انتقال صلاح إلى دوريات أكبر وصولًا لمو صلاح نجم ليفربول وثالث أفضل لاعب في العالم. هذا الاهتمام استلزم من المصريين بالضرورة تشجيع مختلف الفرق التي لعب بها محمد صلاح.

لم يخذل محمد صلاح الجماهير المصرية خلال تلك الرحلة أبدًا، بل على العكس كان أداء صلاح يفوق طموح متابعيه من المصريين في كثير من الأحيان. لكن ملامح الرحلة أخذت في التطور أثناء مرحلة ليفربول تحديدًا، ذلك لأن فريق ليفربول ببساطة لم يستطع تحقيق أي لقب بينما استطاع محمد صلاح تحقيق الكثير من الألقاب الفردية. فطن المصريون لسر سعادتهم في النهاية، لا ضرر ألا يفوز ليفربول بأي لقب طالما يحقق صلاح كل تلك الألقاب.

اتخذت رحلة تشجيع المصريين لمحمد صلاح منحى خطيرًا خلال الموسم الحالي، إذ ظهر منافس لصلاح على تلك الألقاب الفردية، منافس من داخل الفريق وهو السنغالي ساديو ماني. ولأن المصريين في حقيقة الأمر لا يهتمون سوى بصلاح في تلك اللعبة، فكانت النتيجة أنهم صبوا جام غضبهم على السنغالي.

إذا صادفك الحظ وشاهدت في أحد المقاهي المصرية مباراة ليفربول أمام هدرسفيلد خلال الجولة السادسة والثلاثين والتي انتهت بفوز ليفربول بخمسة أهداف مقابل لا شيء، فبالطبع لن تغفل هذا المشهد.

كانت النتيجة تشير لأربعة أهداف أحرز منها ساديو ماني هدفين وصلاح هدفًا. ومن خلال كرة عرضية وجهها ماني نحو المرمى لكنها ارتطمت بالعارضة كان المشهد.

لقد هلل جميع من في المقهى فرحًا لأن ماني لم يحرز هدفه الثالث والذي كان سيجعله مزاحم صلاح على لقب الدوري، ناهيك عن المشاكل التي ظهر بعضها للسطح في مسألة تعاون صلاح وماني. لقد أصبح ماني بين ليلة وضحاها غريم صلاح رغم أنه كان محبوبًا من المصريين خلال الموسم الماضي.

لا مجال لكي يتعامل المصريون بشكل منصف مع ماني وذلك ببساطة لأنهم يتعاملون معه من واقع العاطفة الشديدة التي تسيطر عليهم تجاه ابنهم المحبوب محمد صلاح؛ لذا فربما الطريقة الوحيدة لإنصاف ذلك السنغالي المجتهد هو أن يعامله المصريون وكأنه مصري. دعنا نتحدث بالعاطفة لكي نصل للمنطق، دعنا نجيب عن سؤال افتراضي ستحدد إجابته العديد من التفاصيل.

ماذا لو كان ساديو ماني مصريًا؟ أرجوك لا تنسَ، كل ما ستقرؤه في السطور التالية من واقع أن ساديو ماني مصري ومحمد صلاح من مواليد داكار بالسنغال. دعنا لا ننسى أيضًا أن مقر الكاف أصبح في السنغال، والسنغال هي البلد الأكثر تعدادًا في أفريقيا. ببساطة، نحن على وشك قلب الآية برمتها.


كل ما يحدث بفضل ماني بالطبع

هكذا تدور الأمور إذن، إنهم مصرون على وضع ابننا ماني في خانة الظل دائمًا. هذا لأنهم يريدون أن تدار كرة القدم على هواهم أو بالشكل الذي يجعل السنغالي صلاح هو البطل دائمًا. خلال الموسم الماضي كان ماني هو سر تألق صلاح. كان اللاعب الأكثر صناعة للفرص وهو الدور الأهم في لعبة كرة القدم. وعندما قرر ماني أن يصبح أكثر وصولًا للمرمى، اتهمه الجميع أنه أناني ويغار من صلاح. كيف له أن يغار وهو من صنع مجد صلاح؟ دعونا نتحدث بالأرقام، الأرقام لا تكذب أبدًا.

الموسم الماضي «باللون الأصفر» كان ماني لديه أولوية واضحة لصناعة الفرص وهو الأمر الذي استغله صلاح، بينما هذا الموسم «باللون الأزرق» قرر ماني أن يصبح تسجيل الأهداف أولوية له وهو ما برز به أيضًا. فوفقًا لموقع «Footballwhispers» فإن معدل صناعة الأهداف قل، وفي المقابل زادت الأهداف والتسديدات على المرمى والرغبة في المراوغات.

الأمور أصبحت أوضح الآن. إن كان صلاح هو الأفضل في الموسم الماضي لأنه أحرز الكثير من الأهداف فالفضل لماني، وإن كانت الأهداف هي المعيار لكم فماني الموسم الحالي لا يقل عن صلاح في شيء. كل ما يحدث في ليفربول هو بفضل ماني، ابننا الذي يصنع عندما يريد ويحرز كيفما يشاء.


الألقاب الفردية وخدعة ليفربول

إنه الاضطهاد الذي يتجرعه المصريون منذ عصور. هذا هو السبب المنطقي في عدم حصول ماني على لقب أفضل لاعب في أفريقيا لموسمين متتالين. دعونا لا ننسى أن مقر الكاف في السنغال بلد محمد صلاح، كما أن السنغال بلد يتميز بتعداد السكان الهائل، إنهم حوالي مائة مليون نسمة. ولذا فكل تلك الألقاب التي تمنح بفضل تصويت الجماهير لا يعول عليها أبدًا.

ابننا ماني هو الأفضل لكنه لا يتوافر له الدعم الكافي الذي يتوفر لمحمد صلاح. هذا الدعم يحصل عليه من النادي أيضًا. دعونا نحلل الأمر ببساطة؛ حصل صلاح على لقب الأفضل في فريق ليفربول الموسم الماضي وهو الصفقة الأغلى التي أبرمها النادي خلال ذلك الموسم. أما الموسم الحالي اللاعب الأبرز لتحقيق ذلك اللقب خاصة بعد حصوله على لقب الأفضل في الدوري الإنجليزي ذاته هو فان دايك بالطبع وللمصادفة البحتة هو أيضًا الصفقة الأغلى للفريق خلال الموسم الحالي.

أفيقوا يا مصريين، إنها لعبة الأموال والدعاية. لأن فريق ليفربول ينفق الملايين على هؤلاء اللاعبين فهو يريد أن يجني من ورائهم الملايين. أما ابننا ماني والذي أتى من ساوثهامبتون بمبلغ قليل هو ليس ضمن تلك الطبخات التي تطبخ على نار هادئة وراء الكواليس. إلى متى سنظل عرضة للخديعة؟ إلى متى يا مصر؟


ابننا مطلب كل الأندية

إذا كان صلاح هو الأفضل فلماذا يتردد اسم ماني كصفقة محتملة لكل الأندية؟ بالطبع نحن لا نملك مصادر موثوقة لكن كل المواقع المصرية تؤكد ذلك. زيدان يضعه على أولوية اختياراته، كما أن هناك أخبارًا مؤكدة أن ميسي يريده في فريقه. نحن نملك لاعبين هما المطلب الرئيسي لكل الأندية: ساديو ماني ومحمود تريزيجيه.

هناك حديث مسرب اطلعت عليه جريدة العصر المصرية بأن ماني هو حجر الزاوية في مشروع باريس سان جيرمان الجديد. لقد استطاع ماني أخيرًا أن ينتزع بقعة الضوء هذا الموسم وهو ما أتى بثماره في النهاية وأصبح مطلب كل الأندية.


هل الأمور أصبحت أوضح الآن؟

دعنا نعود إلى الواقع لربما اتضحت الصورة الآن لدى البعض. تستوعب كرة القدم قدرًا كبيرًا من العاطفة، لكنها أيضًا تصبح مع الوقت بيئة خصبة للكثير من المبررات والمسكنات والأكاذيب.

الطفرة التي حققها محمد صلاح هي نتاج مجهوده الوفير وعمله الجاد بالطبع، لكن هناك أمر ما لا يمكن أن يغفله أحد في لعبة كرة القدم. هذا الأمر ببساطة هو الجانب المعنوي، لم يكن ليلمع نجم صلاح بهذا الشكل إلا في بيئة توفر له القدرة على التألق. أهم عوامل تلك البيئة هو تكامل اللاعبين في لعبة هي جماعية بشكل أساسي، ومن أهم عناصر هذا التكامل هو ساديو ماني.

محمد صلاح متنفس هجومي فذ لفريق ليفربول، بينما على الجانب الآخر ساديو ماني لديه القدرة على إعادة ترتيب الخط الهجومي ومنح ذلك المتنفس القدرة على التقاط أنفاسه والتألق من جديد. صلاح وماني ثنائي ممتاز، إذا رحل أحدهما حتمًا سيتأثر الآخر.

أما عن القياس بالألقاب الفردية فهو ببساطة لا يصلح في منظومة تتسم بالجماعية الشديدة. له دلالات على تطور اللاعب بالطبع، ولكنه ليس غاية أبدًا. لم ينجح فريق لاعبه الأبرز غايته الألقاب الفردية على مر التاريخ، ولذا فمن الصعب أن يقرر المصريون تشجيع محمد صلاح لكي يحرز ألقابه الفردية الواحد تلو الآخر على حساب الفريق، ومن الصعب الإيمان بفكرة أن انفراد صلاح بتلك الألقاب هو بطولة تستلزم فشل كل لاعبي الفريق وأهمهم ساديو ماني.

أما عن المواقع والصحف المصرية فيجب هنا أن يكون المتلقي أكثر وعيًا. تتحدث المواقع بما يريد أن يسمعه المتلقي لأمور تتعلق بالمشاهدات على الأغلب، ولذا فبعض المواقع تتخصص في عرض ملخص لمسات محمد صلاح. ويتم تقديم فريق ليفربول تحت اسم رفاق صلاح. صلاح يصنع ويسجل ويشاهد من على مقاعد البدلاء، لكن بدون صلاح لن يكون العرض.

في النهاية تبقى كرة القدم أكبر من تلك المقارنات والاستمتاع بها أبسط من تلك الرؤى الجانبية. فقط أرجو ألا نضطر الموسم القادم أن نتناقش حول فرضية جديدة تمامًا: ماذا لو كان روبيرتو فيرمينو مصريًا.