قبل عدة أسابيع، أثار إعلان العدّاء الجاميكي «يوسين بولت» انضمامه لفريق كرة القدم جدلًا كبيرًا. فقد انقسمت آراء المتابعين حول الإعلان؛ فرأى قطاع منهم أن الأمر لا يعدو كونه حملة تسويقية لأحد الأندية العالمية يكون العدّاء الأشهر جزءًا منها، بينما اعتقد آخرون أن «بولت» سيخوض تجربة جديدة ومختلفة من نوعها ويحترف كرة القدم بالفعل!

لطالما عبّر يوسين عن محبته لكرة القدم، و تشجيعه لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، بل ورغبته في اللحاق بإحدي الحصص التدريبية للشياطين الحُمر، لكن ظلّت فكرة تحوّل «بولت» من كونه الرجل الأسرع في العالم، والبطل الأوليمبي الذي فاز بثماني ميداليات ذهبية، إلى لاعب كرة قدم يرتدي قميص أحد الأندية، ويركض على عُشب أخضر مطاردًا الكرة، ظلت هذه الفكرة أمرًا مستبعدًا تمامًا لا يخطر ببالي أحد ولو على سبيل المزح.

لكن إعلان الجاميكي يوم الإثنين الماضي، ثم تأكيد نادي صن داونز الجنوب أفريقي إتمامه التعاقد مع «بولت»، بالإضافة إلى إدراج اسمه كمشارك بالمباراة الخيرية التي ستقيمها منظمة اليونيسيف علي ملعب أولد ترافورد شهر يونيو/حزيران المقبل؛ كل تلك الشواهد قلبت الأمور رأسًا على عقب.

ما أقدم عليه «يوسين» ذكرنا بما فعله المدافع الإنجليزي السابق «ريو فيرديناند» عندما أعلن العام الماضي رغبته بممارسة

الملاكمة، ودفعنا أيضًا لتأمل مصير لاعبي كرة قدم آخرين إذا ما قرروا السير علي نهج «ريو» و«بولت» والدخول إلى عالم رياضي جديد.

في هذا التقرير، سنصحبك، عزيزي القارئ، في رحلة تستكشف أنواع الرياضات الأخرى التي قد يميل إليها بعض لاعبي كرة القدم بما يتناسب مع شخصياتهم وأساليب لعبهم. يدور التقرير في إطار من الخيال والفانتازيا ولا يستهدف التقليل من شأن لاعب على حساب آخر.


دييجو كوستا: مصارع WWE

أنا لست ملاكًا، يمكنك بالطبع أن ترى ذلك!

تصريح سابق لـ«دييجو كوستا».

بالطبع لم يكن «كوستا» يومًا ملاكًا، بل ربما نراه أقرب لنقيض هذه الصفة. فالبرازيلي، الذي اختار أن يكون إسبانيًا، لم يكف أبدًا عن الاشتباك، والعراك، والالتحام العنيف مع الخصوم. لا يكره دييجو شيئًا بقدر خسارة كرة ثنائية مع أحد المدافعين. عندها يبدأ مهاجم الأتليتي بالشجار مباشرةً مع خصمه، مهما كان اسم أو تاريخ هذا الخصم، ومهما كانت عواقب هذا الشجار ولو امتدت للحصول على عدد مهول من الكروت الصفراء والحمراء.

طبيعة كوستا هي أنه شخص شرس للغاية، لذلك لن يكون سعيدًا في أي نادٍ كما في أتليتيكو مدريد، لكن ماذا لو وجد بيئة أخرى تتقبل أفعاله أكثر من الأتليتي؟ عندها ربما قد يفكر في الافتراق عن «دييجو سميوني»، المدرب الذي صنع منه أحد أفضل مهاجمي العالم!

جنّة «كوستا» في التحرر من أي قيود، ممارسة رياضة تخلو من الرقابة والقوانين وتعاقبه دومًا على وقاحته، لهذا السبب فإنه يمتدح كرة الشوارع كثيرًا ويُرجِع إليها الفضل في تكوينه كلاعب كبير، ولهذا السبب أيضًا قد يحب أن يوقع عقدًا مع اتحاد مصارعة المحترفين WWE عندما يقرر اعتزال الكرة.

سواء كنت ترى أن عروض المصارعة الحرّة حقيقية، أو هي محض تمثيل ولا علاقة له بالقتال، فإن كوستا يمتلك بالفعل كل ما يؤهله ليكون مصارعًا ناجحًا. ناهيك عن أنه يمتلك شخصية قوية للغاية، ويجيد استفزاز الخصم والسخرية منه، ويعرف متى يبدأ الشجار ومتى ينسحب منه، إلا أنه يمتلك إحدى أهم الوسائل التي تجعل المصارعة الحرة لعبة مثيرة، وهي أنه أتقن عبر السنوات كيف يضرب الخصم بعيدًا عن أنظار الحكم، كيف يتسلل خلال الاشتباكات الكبيرة ليصطاد لاعبًا بعينه، كيف يتحايل ليتفادى أكبر قدر من الخسائر.

المثيرا أن المصارعة الحرة ستمنح كوستا أدوات أكبر وأعنف للتعبير عما يدور بنفسه؛ لذلك فإنه لن يتوانى عن استخدام الكراسي المعدنية والعصا الخشبية في مواجهة خصومه، كما سيتمكن من تدبير المكائد وسينقلب أحيانًا على حلفائه، وبالتأكيد سيحظى بمشاهد كثيرة خلف الكواليس وبعيدًا عن الحلبة.


أندريا بيرلو: لاعب شطرنج

«أنا أفكر، إذن أنا ألعب!»، كان ذلك العنوان الذي اختاره الأسطورة الإيطالية «أندريا بيرلو» لكتاب سيرته الذاتية. هذا الربط بين اللعب والتفكير ليس غريبًا في حالة المايسترو بلا شك، بل على العكس فإنه يختصر مسيرة حافلة بالتمريرات والتسديدات والمراوغات، التي تشكلت كلها داخل رأسه، قبل أن تنسجها أقدامه في أروع وأرقى صورة.

«بيرلو»، صاحب الـ38 عامًا، كان قد أنهى مسيرته الكروية العام الماضي في نادي نيويورك سيتي الأمريكي، وبدا حينها الإيطالي راضيًا عما قدمه عبر سنواته المدهشة مع كبار الكالتشيو ورفقة منتخب الأتزوري. لكن هذا لا يعني أبدًا أن «بيرلو» لن يمكنه احتراف رياضة أخرى، بل ما زالت بعض الخيارات مفتوحة أمامه، على قمتها ستبدو ممارسة الشطرنج رياضة مناسبة للغاية!

إذ

يقول «روبيرتو باجيو» إن زميله السابق أندريا يمتاز بشيء فريد، وهي قدرته على توقع حركات زملائه والخصوم بسرعة كبيرة، وبناء على ذلك فإنه يتخذ قراراته، وهو ما يمنحه أفضلية في الكثير من الأحيان. الأمر الآخر الذي يبدو واضحًا عبر مسيرة بيرلو هو هدوؤه داخل وخارج الملعب، وتغلبه علي الضغوط في كل الأحيان، يعترف بأنه قضى نهاره يوم نهائي مونديال 2006 بين النوم ولعب البلايستيشن بينما كان الآخرون متوترين للغاية!

هاتان الميزتان: القدرة على التوقع الصحيح، والهدوء الشديد، تؤهلان أندريا لاحتراف الشطرنج أكثر من أي رياضة أخرى، خصوصًا عندما يدرك أن الشطرنج يكفل الفوز كثيرًا للطرف الذي يفرض قبضته على المربعات في وسط وعمق الرقعة الخشبية.


رونالدينهو: عارض برازيلي في سيرك روسي

لعلك، عزيزي القارئ، تتذكر حملة شركة نايكي الشهيرة «جوجا بونيتو»، الحملة التي ظهر فيها نخبة من أمهر لاعبي البرازيل يستعرضون أصعب الحركات في خفة وتمكن استثنائي، يروضون الكرة كيفما شاءوا ويعزفون على الطبول وبالطبع يرقصون السامبا. كان من البديهي أن يكون بطل تلك الحملة الأول هو «رونالدينهو»، ليس فقط لأنه كان حينها أفضل لاعبي العالم وأكثرهم موهبة وتألقًا، ولكن لأن البرازيلي كان أفضل من يعبر عن مضمون الحملة.

«جوجا بونيتو» تعني الكرة الجميلة، الكرة التي ترتبط في ذهن المشجع بالمتعة والفرحة والخروج عن المألوف، ومسيرة «روناليدنهو» كانت أحد أمتع فصول ذلك النوع من الكرة، فالبرازيلي كان قادرًا على إبهار الجماهير مع كل مباراة، واستحداث مراوغات خاصة به لم يعرفها العالم قبله، وترويض الكرة في أشكال وصور بهلوانية غريبة؛ حتى بدا للبعض أن «رونالدينهو» لا يمارس كرة القدم بل يقدم عرضًا سنيمائيًا لجمهوره، وهذا ما أضفى مساحة سحرية على مسيرة «جاوتشو»!

عوامل السن واللياقة هي ما حالت بين «رونالدينهو» وبين استمرار عروضه علي ملاعب أوروبا، لكن شغف الاستعراض تحت أنظار الجماهير لا يزال يسكن قلبه وعقله، لذلك فإن «جاوتشو» يظهر كثيرًا علي شواطئ العاصمة ريو وفي ملاعب الكرة الخماسية يقوم بترويض الكرة وسط تشجيع الحضور بينما تعلو وجهه الابتسامة التي لا تفارقه أبدًا، ولذلك السبب أيضًا قد يقبل دعوة أحد المستثمرين للانضمام لعروض السيرك الروسية، ويصبح بذلك أول لاعب كرة قدم يظهر على حلبة السيرك.

لن يستنزف البرازيلي أي وقت ليبتكر عرضه الخاص، سيدخل العرض مصطحبًا 5 أو 6 كرات، يقوم بترويضهم جميعًا في وقت واحد بينما يستلقي فوق ظهر حصان يهرول حول الحلبة في سرعة فائقة، ثم ينزل ليبدأ في مراوغة أقماع تدريبية مستعينًا بكرة مشتعلة، وقد ينهي عرضه بلمحة فنية أخرى من لمحاته وهو يرقص على أنغام السامبا؛ هكذا علم «رونالدينهو» العالم رقصة البرازيل الأولى من خلال كرة القدم!


لويس سواريز: غطاس أوروجواي الأول

لا أحد يعلم، علي وجه الدقة، ماذا يصيب المهاجم الأوروجواياني «لويس سواريز» داخل منطقة الجزاء، فبمجرد اقتراب مدافعي الخصوم يهم «سواريز» أحيانًا بالسقوط وكأنه تلقى لتوه رصاصة قناص يجلس في مدرجات الملعب، فتارة يصرخ ممسكًا رقبته وكأنه يتعرض لاختناق، وتارة أخرى، يسقط بشكل بهلواني حتى نشك أنه أصابه إغماء، وتارة ثالثة، يدعي الإصابة لمجرد أن لاعب الخصم لمسه؛ وهذا كله في سبيل التحايل والحصول على ضربات جزاء.

هذه الصفة، التي باتت تقترن كثيرًا باسم «لويزيتو»، تسمى بين الأوساط الجماهيرية بالغطس، ولا يبدو أن اللاعب الأوروجواياني الفذ ينوي التخلي عنها في القريب العاجل، بل سبق أن احتفل بهدفه في مرمى إيفرتون إبان فترته مع ليفربول غاطسًا أمام أنظار مدرب التوفيز

«ديفيد مويس» الذي اتهمه قبل ذلك بالتمثيل أمام الحكام.

لذلك قد يتفتق ذهن أحدهم ذات يوم لدعوة «سواريز» لممارسة رياضة الغطس، ضمن حملة دعائية تستهدف الترويج للرياضة على ساحل الأوروجواي، حملة ربما يكون شعارها: شارك سواريز غطسته الحقيقية الأولى.