يطلق مصطلح الأتمتة (Automation) على تطبيق الآلات للمهام التي يتم تنفيذها مرة واحدة أو على نحو متزايد من قبل البشر، إلى المهام التي كانت مستحيلة لولا ظهورها.

على الرغم من أن مصطلح المكننة (Mechanization) غالبًا ما يستخدم للإشارة إلى الاستبدال البسيط للعمل البشري بواسطة الآلات، إلا أن الأتمتة تعني عمومًا دمج الآلات في نظام التحكم الذاتي، فقد أحدثت الأتمتة ثورة كبيرة في جميع المجالات التي أدخلت فيها، فلا يكاد يوجد جانب من جوانب الحياة الحديثة لم تتأثر بها.


مصطلح الأتمتة

تمت صياغة مصطلح الأتمتة عام 1946 في صناعة السيارات لوصف الاستخدام المتزايد للأجهزة والمتحكمات الآلية في خطوط الإنتاج الميكانيكي. وينسب أصل الكلمة (Automation) إلى «دي. إس. هاردر» والذي كان مديرًا للهندسة في شركة فورد للسيارات في ذلك الوقت.

يستخدم هذا المصطلح على نطاق واسع في سياق التصنيع، ولكن تم تطبيقه أيضًا خارج التصنيع ضمن ما يتعلق بمجموعة متنوعة من الأنظمة التي يوجد فيها استبدال كبير للعمل الميكانيكي أو الكهربائي أو المحوسب عن طريق الجهد والذكاء البشري.

عمومًا يمكن تعريف الأتمتة بأنها تقنية تهتم بتنفيذ عملية ما من خلال الأوامر المبرمجة مع التحكم التلقائي في التغذية الراجعة، لضمان التنفيذ الصحيح للتعليمات، ويكون النظام الناتج قادر على العمل دون التدخل البشري.

أصبح تطوير هذه التقنية يعتمد بشكلٍ متزايد على استخدام أجهزة الحاسوب والتقنيات المرتبطة بالحاسوب، وبالتالي صارت الأنظمة الآلية معقدة بشكلٍ متزايد، لكن هذه الأنظمة المتقدمة تمثل مستوى عاليًا من القدرة والأداء يفوق في العديد من النواحي قدرات البشر على إنجاز نفس النشاطات.

في الفترة الأخيرة نضجت تقنية الأتمتة إلى درجة تطور فيها عدد من التقنيات الأخرى، تمثل الروبوتات (Robotics) واحدةً من أهم هذه التقنيات، وهو فرع متخصص من الأتمتة تمتلك فيها الآلة الأوتوماتيكية خصائص وميزات مجسمة أو بشرية. السمة البشرية الأكثر شيوعًا للروبوت الصناعي الحديث هي ذراعه الآلية، حيث يمكن برمجة ذراع الروبوت للتنقل من خلال سلسلة من الحركات للقيام بالمهام المطلوبة، مثل تحميل وتفريغ أجزاء من آلة الإنتاج، أو عمل سلسلة من بقع اللحام على الأجزاء المعدنية من جسم السيارة أثناء عملية التجميع، مما يجعلها تستخدم عادةً لتحل محل العمالة البشرية في عمليات المصانع.


التطور التاريخي للأتمتة

تطورت تقنية الأتمتة من مجال المكننة ذي الصلة بها، والذي كانت بداياته في الثورة الصناعية، ويشير مصطلح المكننة إلى استبدال طاقة البشر (أو الحيوان) لشكل آخر من الطاقة الميكانيكية، حيث كان الدافع من وراء المكننة هو ميل البشرية لابتكار أدوات وأجهزة ميكانيكية لتسهيل سبل المعيشة والأعمال الصناعية، وفيما يلي نبرز بعض التطورات التاريخية المهمة في مجالي المكننة والأتمتة والتي أدت إلى ظهور الأنظمة الآلية الحديثة.

التطورات المبكرة

تمثل الأدوات المصنوعة من الحجر أولى محاولات الرجل البدائي ما قبل التاريخ لتوجيه قوّته البدنية تحت سيطرة ذكائه البشري. كانت آلاف السنين من التجارب والمحاولات البشرية كافية بلا شك لتطوير أجهزة وآلات ميكانيكية بسيطة مثل العجلة، الرافعة، والبكرة، والتي يمكن من خلالها تكبير قوة العضلة البشرية. أصبح الامتداد التالي لهذه الآلات البسيطة هو تطوير الآلات التي تعمل بالطاقة ولا تتطلب قوة بشرية للعمل، وتشمل أمثلة هذه الآلات الساقية، الطواحين الهوائية، والأجهزة البسيطة التي تعمل بالبخار.

طور الصينيون منذ أكثر من ألفي عام مطارق الرحلات التي تعمل بالساقية والمياه، بينما جرب اليونانيون في وقت مبكر محركات رد فعل بسيط تعمل بالبخار، وفي أوروبا عام 1335 تم ابتكار الساعة الميكانيكية التي تمثل مجموعة معقّدة نوعًا، ما مع مصدر طاقة خاص بها (الوزن). وخلال العصور الوسطى في أوروبا والشرق الأوسط طورت طواحين الهواء مدعمة بآليات جديدة تعمل على توجيه الأشرعة تلقائيًّا.

التطور في عصر الثورة الصناعية

لقد مثل المحرك البخاري تقدمًا كبيرًا في تطور الماكينات كما شهد بداية الثورة الصناعية، فمنذ إدخال محرك «وات» البخاري خلال القرنين الماضيين، تم تصميم المحركات والآلات التي تعمل بالطاقة، والتي تحصل على طاقتها من البخار والكهرباء والمصادر الكيميائية والميكانيكية والنووية.

مع كل تطور جديد في تاريخ الآلات التي تعمل بالطاقة جلب معها أيضًا متطلبات متزايدة لأجهزة التحكم لتسخير قدرة الجهاز، فالمحركات البخارية الأقدم تتطلب من الشخص فتح الصمامات وإغلاقها لإدخال البخار في غرفة المكبس ومن ثم استنفادها. بينما في فترة لاحقة تم وضع آلية صمّام الشريحة لتعمل على تحقيق هذه الوظائف تلقائيًّا، بينما كانت الحاجة الوحيدة للمشغّل البشري هي تنظيم مقدار البخار الذي يتحكم في سرعة المحرك وقوته، ومن ثم تلاشت هذه الحاجة أيضًا بعد ابتكار الحاكمات (Governors) بواسطة المخترع الإنجليزي «جيمس وات».

تتألف الحاكمة من كرة متأرحجة على ذراع مفصل مقترنة ميكانيكيًّا بعمود خرج المحرك، فعند زيادة سرعة دوران العمود تتسبب قوة الطرد المركزية في تحويل الكرة المتأرجحة إلى الخارج، حيث تتحكم هذه الحركة في صمام يقلّل من البخار الذي يتم تغذيته للمحرك مما يؤدي إلى تباطؤ المحرك، لذلك تمثل هذه الحاكمات مثالًا مبكرًا أنيقًا لنظام مراقبة ردود الأفعال السلبية، حيث يتم استخدام الخرج المتزايد للنظام للتقليل من نشاط النظام.

تستخدم التغذية الراجعة العكسية (Negative feedback) على نطاق واسع كوسيلة في التحكم الآلي لتحقيق مستوى تشغيل ثابت لنظام ما، من الأمثلة الشائعة لنظام التحكم في التغذية الراجعة «الثرموستات – Thermostat» المستخدم في المباني الحديثة للتحكم في درجة حرارة الغرفة، ففي هذا الجهاز يؤدي انخفاض درجة حرارة الغرفة إلى إغلاق مفتاح كهربائي، وبالتالي تشغيل وحدة التسخين، بينما مع ارتفاع درجة حرارة الغرفة يحدث العكس، حيث يتم فتح المفتاح وإيقاف تشغيل الإمداد الحراري، ويمكن ضبط منظم الحرارة على تشغيل وحدة التسخين عند أي نقطة محددة.

أيضًا كان هناك تطور آخر مهم في تاربخ الأتمتة أطلق عليه «منسج جاكارد» (Jacquard loom)، والذي أظهر من خلاله مفهوم الآلة القابلة للبرمجة.

ففي عام 1801 ابتكر المخترع الفرنسي «جوزيف ماري» «منسج جاكارد» الأوتوماتيكي، والذي كان قادرًا على إنتاج أنماط معقدة من المنسوجات من خلال التحكم في حركات العديد من المكوكات (Shuttles) ذات الخيوط الملوّنة المختلفة، حيث يتم تحديد اختيار الأنماط المختلفة من خلال برنامج يحتوي على بطاقات فولاذية مثقبة، وقد مثلت هذه البطاقات أسلافًا للبطاقات الورقية والأشرطة التي تتحكم في الآلات الأوتوماتيكية الحديثة.

بينما في القرن التاسع عشر تم تطوير مفهوم الآلة القابلة للبرمجة عندما اقترح عالم الرياضيات الإنجليزي «تشارلز باباج»، محرّكًا تحليليًا معقّدًا يمكنه إجراء العمليات الحسابية ومعالجة البيانات على الرغم من أن« باباج» لم يستطع إكماله، إلا أنّ هذا الجهاز كان بمثابة المقدمة للحاسوب الرقمي الحديث.

في الجزء القادم سنتحدث عن أهم التقنيات الحديثة المعاصرة في مجال الأتمتة، بالإضافة إلى إيجابيات وسلبيات هذه التقنية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.