أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطابه عصر يوم الجمعة، أن كل الاحتمالات في الجبهة اللبنانية مفتوحة، وكل الخيارات مطروحة ويمكن الذهاب إليها في أي وقت، وأن المقاومة تنتصر بالنقاط وليس بالضربة القاضية، وأن الحل هو الصمود والصبر والتحمل وتراكم الإنجازات، واصفًا سلوك الحزب بأنه «مغامرة ضمن حسابات مفيدة وصحيحة».

وأكد أن التصعيد في الجبهة اللبنانية مرهون بأمرين: تطور الأحداث في غزة، وسلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان، مبقيًا على حالة «الغموض البنَّاء»، وأن على واشنطن وقف العدوان على غزة لمنع قيام حرب إقليمية، ووجه حديثه للأمريكيين قائلًا إن التهديد لا يجدي نفعًا، وإن الحزب أعد عدته للأساطيل في البحر المتوسط.

وردًّا على توقعات إعلانه الحرب الشاملة، أكد نصر الله أنه دخل بالفعل إلى المعركة من الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، في اليوم التالي لطوفان الأقصى، بداية من مزارع شبعا وامتدت إلى كامل الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، مبينًا أن ما يجري على الحدود قد يبدو متواضعًا، لكنه مهم وكبير ومؤثر جدًّا، ولم يحدث مواجهة بهذا النطاق حتى في حرب 2006، لأن جميع مواقع الإسرائيليين تم استهدافها، كما أن المقاومة قدمت 57 شهيدًا.

وشدد نصر الله على أن العدو سحب قواته من حدود لبنان في السابع من أكتوبر ليستعيض عنهم بقوات احتياط، لكن تدخل حزب الله أجبر الاحتلال على تعطيل جزء كبير من قواته، خاصة قوات النخبة بدلًا من إرسالها إلى غزة، وأن جبهة لبنان جذبت ثلث الجيش الإسرائيلي إلى الحدود اللبنانية، وكذلك نصف القوات البحرية، وربع القوات الجوية، ونصف الدفاع الصاروخي، ونحو ثلث القدرات اللوجستية، بالإضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين، وإخلاء 43 مستعمرة، وأن الاشتباكات الحدودية تردع العدو الذي لو اعتدى على لبنان فسيرتكب أقصى حماقة في تاريخه.

وقال إن الهدف الأول وقف العدوان على غزة، والثاني أن تنتصر حماس والمقاومة، وأن انتصار غزة مصلحة عربية ولبنانية، ودعا الدول العربية والإسلامية للعمل لوقف العدوان، وقطع العلاقات مع إسرائيل ووقف تزويدها بالغذاء والطاقة، وفتح معبر رفح، وطالب بالاعتصام عند المعبر حتى يتم فتحه.

وأثنى نصر الله على عملية طوفان الأقصى، معتبرًا أنها انطلقت على خلفية أربعة ملفات ضاغطة على الفلسطينيين لا تحتل أهمية لدى العالم؛ هي ملف الأسرى، وملف القدس والمسجد الأقصى الذي شهد عدوانًا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، وملف الحصار على غزة، ورابعًا مشاريع الاستيطان وأعمال القتل اليومي في الضفة الغربية، مبينًا أن إنجازات طوفان الاقصى تستحق كل التضحيات.

وأضاف أن عملية طوفان الأقصى كانت قرارًا فلسطينيًّا مستقلًّا لم يعلم به أي طرف آخر داخل غزة أو خارجها، بل قامت بها كتائب عز الدين القسام، مبينًا أن سرية التحضير للعملية طبيعية ومنطقية ومتفهمة، وأن المعركة فلسطينية مستقلة بالكامل وليس لها علاقة بالملف النووي أو خدمة مصالح الجمهورية الإيرانية، وأن طهران لا تمارس وصاية على المقاومة الفلسطينية.

وتابع الأمين العام لحزب الله أن واشنطن هي المسئولة عما يجري في غزة، وحيَّا الفصائل العراقية التي تستهدف القواعد الأمريكية، وقال إن الصواريخ والمُسيرات التي أطلقها الحوثي من اليمن ستستمر، وسيكون لها تأثير في المعركة.

وأشار نصر الله إلى أن طوفان الأقصى كشفت مدى هشاشة ووهن الكيان الصهيوني الذي لا يستطيع حتى الآن امتلاك زمام الأمور، وأن الدعم الأمريكي الكبير يؤكد ذلك، وأن الإسرائيليين تصرفوا بجنون وغضب في السابع من أكتوبر، وأن معظم المدنيين الإسرائيليين قتلهم جيشهم وليس حماس، وأنهم وضعوا أهدافًا غير واقعية ما لبثوا أن تراجعوا عنها؛ مثل هدف القضاء على حماس ثم القضاء على حكمها فقط، ثم أخيرًا استعادة الأسرى بلا شرط، ولم يستطيعوا تحقيق إنجاز عسكري واحد، مشبهًا الوضع بحرب تموز عام 2006 في لبنان.

ما قبل الخطاب

قبل الخطاب، هدد إسرائيل وجيش الاحتلال، الخميس، أنه «سيرد بالأفعال، وليس بالأقوال»، على أي تصعيد من الحزب، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، الخميس أيضًا:

رسالتنا إليه أو أي شخص يفكر في توسيع الصراع: لا ينبغي أن تفعل ذلك.

وإلى جانب التحذيرات والتهديدات العلنية من واشنطن وتل أبيب، أرسلت الولايات المتحدة عدة رسائل منفصلة خلال الأيام الأخيرة تطلب من الحزب عدم الدخول في الحرب.

وتسربت أنباء عن إرسال الحزب رسالة تحذيرية للأمريكيين يطالب فيها بوقف هجمات إسرائيل على غزة ولبنان، وأعطاهم مهلة حتى مساء الخميس، وإلا فسيعلن نصر الله النفير العام ضد الاحتلال، وستبدأ الهجمات ضدها من كل الاتجاهات.

وأعلن الحزب، مساء الخميس، استهداف 19 موقعًا عسكريًّا للاحتلال بالصواريخ والقذائف، واستعمال الطائرات المسيرة للمرة الأولى، ورد الإسرائيليون بأعنف قصف مدفعي حتى الآن منذ اشتعال الجبهة الشهر الماضي.

ورغم استمرار الاشتباكات بين الحزب وإسرائيل طوال الأسابيع الماضية كان نصر الله أبرز الغائبين، فعدم ظهوره إعلاميًّا خلال الأسابيع الأربعة الماضية كثَّف التساؤلات عنه وعن موقفه من الأحداث الملتهبة في غزة بعد وقوع آلاف القتلى، وتطلعت الأبصار إلى الرجل الذي أعلن مرارًا قدرته وجاهزية حزبه لدك الصهاينة دكًّا في حيفا وما بعد حيفا «وما بعد بعد حيفا»، كما هدد من قبل، فالغريق يتعلق بقشة، فما بالنا بقوة مسلحة ومدربة بحجم حزب الله الذي يعد الجهة الوحيدة المتوقع منها نصرة غزة ووقف مجازرها.

ونشر الحزب يوم 25 أكتوبر صورًا جمعت قائده بالأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري.

ومع الإعلان، الأحد 29 أكتوبر، عن موعد الخطاب، استبق الجهاز الدعائي للحزب كلمة أمينه العام بنشر فيديوهات قصيرة تروج للخطاب، نُشر أولها الأحد قبل الخطاب بخمسة أيام، ظهر فيه نصر الله لثوانٍ معدودة وهو يمر من أمام لافتة عليها شعار الحزب، وفيديو آخر يظهره وهو يمسك بأوراق وكأنه يعد خطة أو يحدد موقعًا للاستهداف.

ومع تكثيف الدعاية وتأجيل التعليق على موقف الحزب من جانب مؤيديه إلى حين الخطاب، بدأت جميع الأطراف تترقب ظهوره خاصة مع تأكيد مؤيدي الحزب على أن ما قبل كلمة نصر الله لن تكون كما بعدها أبدًا، وأن هذه الكلمة ستحدث فارقًا كبيرًا في المشهد.

وأقفلت المدارس أبوابها في ضاحية بيروت الجنوبية ومحيطها، وانخفضت حركة الناس إلى أدنى مستوياتها في بيروت، قبل إلقاء نصر الله خطابه في احتفال بالضاحية الجنوبية لبيروت، وسط إجراءات أمنية مشددة، تكريمًا لأرواح مقاتليه الذين قتلوا في الاشتباكات.

حسابات حزب الله ورسائل النار

خلال الأسابيع الماضية وقعت مواجهات عسكرية حدودية بين الطرفين اتسمت بكونها لا تتجاوز قواعد الاشتباك التي تم إرساؤها بين الحزب وإسرائيل وتم الاتفاق عليها ضمنيًّا، منذ عام 2006.

ومع استمرار الاشتباكات نزح حوالي 29 ألف شخص من قرى جنوب لبنان إلى مدن ومناطق أكثر أمانًا، مثل بيروت وصور، وأكدت منظمة العفو الدولية، اليوم، استخدام الاحتلال الإسرائيلي لذخائر الفسفور الأبيض في لبنان.

وأخلت إسرائيل التجمعات السكانية في المنطقة الحدودية، ووصل عدد من تم نقلهم 61 ألف إسرائيلي من مستوطنات شمال الأراضي المحتلة.

وحاول الحزب تلافي تكرار تجربة حرب تموز 2006 مع إسرائيل التي تسببت بمئات القتلى ودمار البنية التحتية اللبنانية، وقال أمين الحزب بعدها إنه لو كان يتوقع ذلك لما أطلق تلك المواجهة.

ويعمل رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، على «تجنيب لبنان دخول الحرب»، وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول قال: «حتى اليوم، أرى أن (حزب الله) يقوم بعقلانية وحكمة بإدارة هذه المواضيع، وشروط اللعبة لا تزال محدودة»، لكنه استدرك قائلًا: «لا أستطيع طمأنة اللبنانيين لأن الأمور مرهونة بأوقاتها».

وحتى اليوم تجري المواجهات بإيقاع مضبوط لأن حركتي حماس والجهاد وغيرهما من الحركات في الجنوب اللبناني تنسق مع حزب الله ضمن غرفة عمليات واحدة يديرها الحزب الذي استطاع إدارة المعركة دون توسيع الجبهة.

وينذر تدخل الحزب بشكل واسع بتوسيع نطاق الحرب وتحويلها إلى صراع إقليمي عابر للحدود، فالحزب يمتلك ترسانة أضخم وأقوى من حركة حماس، فقدرات الحزب اليوم تطورت عما كانت عليه في 2006، وهناك تقارير استخباراتية أمريكية أفادت أن قوات فاجنر الروسية تدرس تزويد الحزب اللبناني بأنظمة الدفاع الجوي SA-22، لكن لا توجد مؤشرات قوية على احتمال توسع الحرب.

ومن قبل عملية طوفان الأقصى اجتهدت إسرائيل في التعمق في دراسة قوات النخبة التابعة للحزب، المسماة بـ «وحدة الرضوان» ومتابعة مناورتها وتحركاتها بجنوب لبنان، وبحث كيفية التعامل مع سيناريوهات وقوع اشتباكات حدودية مع الحزب. 

ومن المرجح أن تستمر وتيرة الاشتباكات بين الحزب وإسرائيل كما هي وفق قواعد الاشتباك مع إبقاء السيناريوهات الأخرى مفتوحة، سواء بقرار من أحد الجانبين أو بخطأ غير مقصود يقود الأمور إلى التصعيد، خاصة بعد أن هدد نصر الله باستهداف المدنيين الإسرائيليين ردًّا على استهداف المدنيين اللبنانيين بما يخالف قواعد الاشتباك المتعارف عليها، والتي تتضمن إبقاء المواجهات على الحدود وعدم استهداف المدنيين، والاكتفاء بالرد على الهجمات دون تحويلها لحرب شاملة.