ليس ذنب «بول بوجبا» أنه أغلى لاعب في تاريخ اليونايتد وأنه صنع أموالًا أكثر من «بول سكولز». هذه هي كرة القدم، وعلى «سكولز» ألا يغار من ذلك. «سكولز» لاعب عظيم، ولكنه كمحلل لا يفعل شيئًا سوى الانتقاد، أتمنى أن يحقق 25% مما حققته كمدرب إذا سلك الطريق يومًا ما.

هكذا صرح البرتغالي «جوزيه مورينيو» لصحيفة التليجراف البريطانية في الأول من يناير/كانون الثاني عقب فوز فريقه على إيفرتون بهدفين دون مقابل في الجولة الـ 22 من الدوري الإنجليزي الممتاز. عقب تلك المباراة وفي الإستوديو التحليلي الذي يشارك فيه على قناة «BT sport»، قال «بول سكولز» أسطورة المانيو السابقة إن أداء «بوجبا» لا يلائم أداء الشياطين الحمر، وأن مستوى اللاعب الفرنسي لا يرتقي لمستوى لاعب قد وصل سعره إلى 90 مليون يورو!

تصريحات بول لم تعجب الاستثنائي فخرج بعدها بيوم واحد فقط ليهاجم «سكولز» على تصريحاته بطريقة رآها الكثير قاسية ضد لاعب الوسط السابق لفريق مانشستريونايتد. «مورينيو» لم يتحمل هذا الانتقاد الذي لم يكن شديدًا على لاعبه، فدافع عنه بكل ما يملك من خبرات في المشاكسات الإعلامية والصحفية.

لكن «مورينيو» وبعد شهر واحد فقط وتحديدًا بعد مباراة توتنهام خرج ليلمح أن أداء خط الوسط لم يكن على المستوى المطلوب، ثم يبدأ بعدها في توجيه اللوم إعلاميًا إلى «بول بوجبا» بشكل مباشر واستبعاده من المباريات وهو الذي كان يدافع عنه بكل ما يملك منذ شهر واحد فقط، فما الذي حدث خلال هذا الشهر؟


هدوء ما قبل العاصفة

لقد قدم مردودًا رائعًا، تناول الكرة مع لاعبي الفريق بشكل جيد للغاية وأبهرنا بتمريراته الطولية التي تشكل دائمًا مشاكل للخصوم. هو سعيد مع الفريق؛ لأن الفريق ينفذ إستراتيجية جديدة وهو جزء من هذه الإستراتيجية.

تصريحات «مورينيو» عقب مباراة ستوك سيتي في 16 يناير/كانون الثاني.

استمر الوضع الهادئ في معقل الأولد ترافورد في شهر يناير/كانون الثاني كما هو، فانتصر المانيو على ستوك سيتي بثلاثة أهداف دون مقابل. انتقادات تُوجه من «روي كين وهارجريفز وريان جيجز» لاعبي اليونايتد السابقين لأداء المانيو الذي لا يلائم أسلوب لعب «بول بوجبا» والذي لا يبدو أنه سعيد داخل الملعب.

يخرج بعدها «مورينيو»ليؤكد أن طريقة لعب مانشستر الحالية تلائم اللاعب الفرنسي وأنه سعيد مع زملائه في الفريق، ثم يخرج «بوجبا» ذاته بعد المباراة ليكتفي بالحديث مع شبكة سكاي سبورت الإخبارية عن عدم فقدان الأمل في الصراع على اللقب مع السيتي وأنهم يبذلون أقصى ما في وسعهم لتضييق الفارق مع منافسهم المباشر في مدينة مانشستر.

يفوز المانيو بعد ذلك على فريق بيرنلي بهدف دون مقابل يوم 20 يناير/كانون الثاني. الانتقادات ما زالت مستمرة لأسلوب لعب المدرب البرتغالي وعدم استفادته من أدواته ولاعبيه بالشكل الأمثل، ولكن لا ضرر طالما أن الفريق لا يفقد نقاطًا، حتى جاء يوم 31 يناير/كانون الثاني والذي انقلبت فيه الأمور رأسًا على عقب في معقل الأولد ترافورد بين السبيشال وان و«بول بوجبا».


تعليمات لا تُنفذ

من خلائل الخرائط الحرارية لأي مباراة لمانشستر يونايتد، تستطيع بسهولة عزيزي القارئ أن تلاحظ ميل «بول بوجبا» إلى نصف ملعب الفريق الخصم بمعدلات أكبر من «نيمانيا ماتيتش» الذي يلعب بجانبه عندما يقرر «مورينيو» اللعب بطريقة 4-2-3-1، وكذلك بمعدلات أكبر بكثير من لاعبي خط الوسط اللذين يلعبان بجانبه عندما يقرر «مورينيو» اللجوء إلى طريقة 4-3-3 بشكلها الكلاسيكي.

ففي مباراة بيرنلي على سبيل المثال، قرر المدرب البرتغالي اللعب بطريقة 4-3-3 وكان «لينجارد» هو لاعب خط الوسط المائل ناحية اليمين. «لينجارد» اعتاد اللعب كجناح صريح سواء ناحية اليمين أو اليسار في أغلب مباراياته مع المان يونايتد؛ لذا كان من المفترض أن يكون له نصيب الأسد من المشاركات الهجومية في نصف ملعب الفريق الخصم، خاصة أمام فريق مثل بيرنلي، ولكن ما حدث كان غير ذلك.

خريطة حرارية, جيسي لينجارد, بول بوجبا, كرة القدم العالمية
الخريطة الحرارية لجيسي لينجارد (يمين) وبول بوجبا والتي توضح عدم تقدم لينجارد إلى نصف ملعب الخصم بنفس معدل تقدم لاعب خط الوسط الفرنسي.

إذا نظرت إلى الخرائط الحرارية الموضحة بالشكل ستجد أن «لينجارد» التزم بالتواجد في مناطق الدفاع بشكل أكبر من لاعب الوسط الفرنسي «بول بوجبا». إذن الأمر واضح الآن، التعليمات تكون واضحة للاعبي منتصف الملعب بالالتزام بأدوارهم الدفاعية، ولكن «بول بوجبا» لا يميل إلى تنفيذ تعليمات «مورينيو» بحذافيرها.


مباراة توتنهام وبداية الحرب

سارت الأمور كما هي حتى جاءت مباراة توتنهام على ملعب ويمبلي، الدقيقة الأولى من المباراة ومانشستر يونايتد يستقبل هدفًا بتوقيع كريستيان إريكسين. أين بول بوجبا في لقطة الهدف الأول؟ إنه في دائرة المنتصف مع الثلاثي القابع خلف روميلو لوكاكو.

بول بوجبا من أفضل لاعبي منتصف الملعب هجوميُا حول العالم، ولكن أدواره الدفاعية التي لا يقوم بها تمثل عبئًا شديدًا على لاعبي اليونايتد، هو دائمًا رد فعل للاعبي الخصم لا يسبقهم أبدًا إلا الكرة في الحالة الدفاعية.

تصريحات «داني ميرفي» لاعب ليفربول السابق عقب قمة المانيو وتوتنهام.

استمر «بول بوجبا» خلال المباراة على نفس النسق، مساندة دفاعية ضعيفة للغاية جعلت من «نيمانيا ماتيتش» صيدًا سهلًا للاعبي السبيرز و كشفت رباعي خط الدفاع للشياطين الحمر بشكل كبير فاستقبلوا الهدف الثاني في الدقيقة 28.

الكاميرات تلتقط مناقشة حادة بين «جوزيه مورينيو» ولاعب الوسط الفرنسي على الخطوط، بعدها بعدة دقائق يدخل «مروان فيلايني» بديلًا لـ«لينجارد» و يُستبدل «بول بوجبا» بالإسباني «خوان ماتا» لأسباب تكتيكية لأول مرة منذ تولي السبيشال وان زمام الأمور في الفريق.

يخرج «مورينيو» بعد المباراة ليقول إنه لم يكن راضيًا عن أداء لاعبي وسط الملعب لذا أراد أن يجرب لاعبين آخرين بجودة أعلى من الموجودين، في إشارة واضحة لـ«بول بوجبا». بالطبع لم يكن الحديث موجهًا لـ«ماتيتش» الذي تقول الإحصائيات إنه قام بدوره الدفاعي على أكمل وجه على عكس الفرنسي صاحب الـ 25 عامًا.

الخريطة الحرارية لكل من نيمانيا ماتيتش (يمين) وبول بوجبا في مباراة مانشستر يونايتد ضد توتنهام، توضح الخريطة الدور الدفاعي الكبير الذي قام به ماتيتش على عكس الفرنسي بول بوجبا.


ماذا بعد؟

سكوت ماكتومناي لاعب واعد للغاية، وصل لأكاديمية مانشستر عندما كان بالتاسعة من عمره وقضى بها سنين منتظرًا لفرصة، وها أنا أمنحها إياه فليحسن استغلالها.

رد «جوزيه مورينيو» عند سؤاله عن سبب غياب «بوجبا» عن مباراة هادرسفيلد.

بعد موقعة ويمبلي تغيرت الأمور بين اللاعب الشاب ومدربه البرتغالي المخضرم. ثلاثة أيام فقط وحان موعد مباراة المان يونايتد ضد هادرسفيلد على ملعب الأولدترافورد. «بوجبا» خارج التشكيل الأساسي للمباراة لصالح اللاعب الصغير «ماكتومناي» وكأن «مورينيو» قد قرر رفع شعار «إذا ضربت فأوجع فإن الملامة واحدة». بالطبع لم يقتنع أحد بتصريح «مورينيو» بأنه أراد إعطاء الفرصة لماكتومناي فحسب.

مورينيو أراد إعطاء درس لبول بوجبا وجميع لاعبي المان يونايتد بهذا التصرف
تصريحات «جاري نيفيل» لشبكة سكاي سبورت بعد مباراة هادرسفيلد.

انتظرت الصحافة رد فعل صدامي من «بول بوجبا» ولكن اللاعب الفرنسي تعامل مع الأمر باحترافية تامة، يذهب إلى التمرين، يتدرب بنفس الحماس دون إبداء أي امتعاض أو تصرف غير مألوف كما صرح «مورينيو» نفسه لصحيفة الجارديان.

تأتي بعد ذلك مباراة نيوكاسل على ملعب سانت جيمس بارك ليخسر اليونايتد بهدف دون مقابل في مباراة بدأها «بوجبا من بدايتها». بول ما زال يعاني من حالة من التوهان إن صح التعبير بسبب عدم قدرته على التأقلم بجانب ماتيتش في طريقة 4-2-3-1 على النحو الذي يريده المدرب البرتغالي. خرجت عدة تقارير بصحيفة ذا صن وصحيفة مترو بعد ذلك تشير إلى اجتماع تم بين اللاعب الفرنسي والمدرب البرتغالي في مكتبه لم يخرج منه «بوجبا» راضيًا بعد أن أشار له «جوزيه مورينيو» إلى لافتة معلقة على باب غرفته ليقرأ عبارة «المدير الفني للفريق» في إشارة واضحة منه أنه صاحب القرار الأول والأخير بالفريق.

«ماكتومناي» يلعب ويؤدي بشكل ممتاز ثم تسألونني عن «بوجبا». أنا أحترم دوركم كصحفيين، ولكن عليكم أيضًا أن تحترموا دوري كمدرب. أظهروا الاحترام لاختياراتي كصاحب القرار الأول في هذا الفريق.
تصريحات «جوزيه مورينيو» بعد مباراة إشبيلية.

«مورينيو» يقرر استبعاد «بوجبا» من مباراة الذهاب أمام إشبيلية في دور الـ 16 لصالح «ماكتومناي وأندريا هيريرا» مرة أخرى، ثم يضطر لإقحامه مبكرًا بسبب إصابة «هيريرا»، ثم يعيده إلى التشكيل الأساسي أمام تشيلسي في المباراة التي فاز فيها أبناء الأولد ترافورد على البلوز بهدفين مقابل هدف واحد.

متغيرات عديدة شهدها هذا الشهر في علاقة اللاعب الفرنسي بمدربه، ويبقى الشيء الثابت الوحيد هو أن العلاقة ليست على ما يرام إطلاقًا مهما حاول الطرفان نفي ذلك أمام الإعلام.


ما الحل إذن؟

نيمانيا ماتيتش, بول بوجبا, مانشستر يونايتد, توتنهام, كرة القدم العالمية
نيمانيا ماتيتش, بول بوجبا, مانشستر يونايتد, توتنهام, كرة القدم العالمية
هناك خط محدد مع «جوزيه» لا يمكن تجاوزه. يمكنك مناقشته في أي وقت عن شعورك وطلباتك داخل الملعب وآراء الناس بك ولكن يظل هذا الخط قائمًا. بمجرد عبور ذلك الخط فإنه من الصعب أن تحظى بثقته أو مناقشة أُخرى هادئة كتلك.

«جون تيري» في لقاء صحفي له في عام 2005 نقلته صحيفة التليجراف.

الخلاف بين «بوجبا» و«جوزيه مورينيو» له بُعدان؛ أحدهما فني والآخر إنساني. البُعد الفني كما هو واضح أن «بول بوجبا» لا يريد القيام بواجبات دفاعية ثقيلة كالتي يطلبها السبيشال وان. «واين روني» نجم الشياطين الحُمر السابق يدعم رأي «بول بوجبا»، حيث قال في تصريح سابق لصحيفة الجارديان إن التوظيف المثالي لمتوسط الميدان الفرنسي هو اللعب كلاعب «Box to box» منوط بواجبات هجومية ضد الخصم طوال اللقاء.

مورينيو عقّب على ذلك الرأي ضاحكًا حيث قال: «أريد أن اسأل «واين روني» عن واجبات اللاعب الذي يتم توظيفه كـ «Box to box»، ما أعرفه عن هذا المركز من خلال خبرتي كمدرب أنه يحتاج إلى قوة بدنية هائلة وعزيمة ورغبة طوال التسعين دقيقة، يحتاج أيضًا إلى واجبات دفاعية ثقيلة كزميلك الذي يشاركك المهام في منتصف الملعب حتى تكون من لاعبي الصف الأول حول العالم».

حسنًا، يبدو أن الجانب الفني لن يُحل إلا من خلال التزام بول بتعليمات المدرب البرتغالي، فماذا عن الجانب الإنساني؟

«ستيف مكلارين» هو أحد مساعدي «السير أليكس فيرجسون» في قيادة الشياطين الحُمر في الفترة ما بين 1999-2001.يقول «مكلارين» إن فيرجسون كان دائمًا ما يقول لمساعديه: «لاعبو الفريق يأتون للتدريبات ويلعبون ليجعلونا جميعًا سعداء لا لنجعلهم نحن سعداء، لذا فنحن في حاجة دائمة لهم».

منهج «السير أليكس فيرجسون» في التعامل النفسي مع اللاعبين واضح، لا تخسر لاعبك بسهولة. أما «مورينيو» فتاريخه مع اللاعبين خير شاهد على منهجه الصدامي مع اللاعبين الذين لا ينفذون أوامره على النحو الذي يريده. لذا لن تجد ضحايا للسير أليكس خلال مسيرته سوى «ديفيد بيكهام» إن اعتبرنا مجازًا أن اللاعب الإنجليزي كان ضحية بالفعل. أما جوزيه فحدّث ولا حرج، إيكر كاسياس، سيرجيو راموس، بيبي، بيدرو ليون، ديفيد لويز، ريكاردو كاكا، ويليام جالاس، صامويل إيتو، أندريا شورليه … إلخ.

الشاهد في الأمر أن حل المشكلة يكمن بالأساس في البعد الفني للأمر، وهو التزام «بول بوجبا» بتعليمات «جوزيه مورينيو» بشكل واضح، وأن أي تصرف دون ذلك يعني خروج «بوجبا» من الأولد ترافورد في الانتقالات الصيفية القادمة أو بقاءه وانضمامه لكتيبة ضحايا السبيشال وان.

فأي من السيناريوهين تتوقع أن يحدث عزيزي القارئ؟