محتوى مترجم
المصدر
مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية
التاريخ
2015/12/27
الكاتب
اللواء احتياط يعقوف أميدرور والعقيد احتياط إران ليرمان
ملخص: تمتلك إسرائيل مصلحة إستراتيجية، والتزامًا قديم الأمد، بسلامة، وأمن، واستقرار، وازدهار المملكة الأردنية الهاشمية. وحاليًا، تبدو العلاقة بين البلدين مدعومة بسلسلة واسعة من المشروعات التعاونية في مجالات إستراتيجية، وأمنية، ودبلوماسية، واقتصادية، إلى جانب مجالات الطاقة.

هناك خيط مشترك – قد يكون خفيًّا أحيانًا – يربط عددًا من الأفعال والقرارات السياسية الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، والتي قد تبدو غير متصلة، إلا أن جميعها يصب في مصلحة إسرائيل الإستراتيجية، والتزامها قديم الأمد، بسلامة، وأمن، واستقرار، وازدهار المملكة الأردنية الهاشمية.وسط القرارات والأفعال التي تندرج تحت هذا العنوان، توجد التفاهمات التي توصّل إليها الطرفان فيما يتعلق بالحفاظ على الوضع القائم: سواء المتعلق بمجمع الحرم الشريف، أو التأييد الإستراتيجي لأصدقاء واشنطن فيما يتصل بالشئون الإقليمية، أو الموقف الذي تتبناه إسرائيل تجاه التحدّيات التي يمثلها تنظيم الدولة الإسلامية، أو الخطوات المتّخذة لمنع إيران وحزب الله من الظفر بموطئ قدم ثابت في الجولان، بشكل مباشر أو عبر وكلاء، خصوصًا في الأجزاء الجنوبية أو بناء جدار بطول الحدود الإسرائيلية مع الأردن.

مثّل استقرار وازدهار الأردن عنصرًا أساسيًا في سياسة الأمن القومي الإسرائيلي لثلاثة أجيال من القادة الإسرائيليين.

كما يشمل ذلك السياسات الاقتصادية، مثل: الصراع السياسي المرير الذي تخوضه حكومة نتنياهو (في مواجهة موجة عاتية من المقاومة الشعبية) لضمان استمرارية قدرة إسرائيل على استيراد الغاز من الحقول خارج أراضيها، واتفاقيات التجارة البحرية مع تركيا والأحكام الجديدة للمرور عبر المعابر الحدودية، بالإضافة إلى السياسات الإسرائيلية للطيران والسياسات الجارية المتعلقة بتخصيصات المياه للأردن، وهو ما يتجاوز شروط معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية والتحرك لتنفيذ خطة نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، بما في ذلك محطة تحلية المياه الكبرى المخطط إقامتها في العقبة (التي ستسهل تبادل إمدادات المياه).مثّل استقرار وازدهار الأردن عنصرًا أساسيًّا في سياسة الأمن القومي الإسرائيلي لثلاثة أجيال من القادة الإسرائيليين، رغم حربي 1948 و1967، وفترات التوترات الأخرى.في عام 1958، سهّل ديفيد بن جوريون الخطوات التي اتخذها الغرب لمساعدة المملكة في مقاومة ضغوط الناصريين المتطرفين. وفي عام 1970، كانت جولدا مائير مستعدة – بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة – للمخاطرة بخوض حرب لإخضاع القوات السورية المدعومة من الاتحاد السوفييتي لوقف اجتياحها للأردن، وقد نجح ذلك التحرك من قبلها.وعلى غرار ذلك، توصل إسحاق شامير إلى تفاهمات مع الملك حسين خلال أزمة عاصفة الصحراء عامي 1990-1991، رغم الموقف الأردني المتناقض تجاه العراق في تلك الفترة. كذلك سلّطت معاهدة السلام عام 1994، تحت قيادة إسحاق رابين، الضوء بشكل أكبر على ما كان بالفعل من علاقة مستمرة بين البلدين.

رغم التوترات الأردنية الإسرائيلية خلال صيف 2015 المضطرب، توصل البلدان إلى تفاهمات جديدة على أعلى المستويات السياسية.

اليوم، يتخذ صناع القرار الإسرائيليون موقعًا أفضل من أي وقت سبق لترجمة هذا المحور للسياسة الوطنية إلى إجراءات عملية وإيجابية، مثلما أفردناها آنفاً.رغم العلامات الواضحة للتوترات الأردنية الإسرائيلية خلال صيف 2015 المضطرب، توصل البلدان إلى تفاهمات جديدة وملموسة مؤخرًا، والتي تم الوصول إليها على أعلى المستويات السياسية (بمشاركة وزارة الخارجية الأمريكية). يشمل ذلك تفاهمًا لدعم الوضع الراهن لمجمع الحرم الشريف، ولكبح تأثير المُحرِّضين. ورغم جهود عناصر السلطة الفلسطينية لتخريب تلك الترتيبات، أدى التعاون الإسرائيلي الأردني إلى خفض التوترات المحيطة بالمجمع، حتى مع استمرار العنف الفلسطيني (وتحريض السلطة الفلسطينية).لا يبدو ذلك مفاجئًا، فقد أدى الإدراك المستمر والعميق للمصالح المشتركة (والأعداء المشتركين) للبلدين – بغض النظر عن هوية القيادة الإسرائيلية في أي فترة – إلى السعي للتوصل إلى تفاهمات إستراتيجية ومعالجة أسباب التوترات.علاوة على ذلك، تُرجم ذلك على مر السنين إلى التزام منهجي من قبل إسرائيل – ومن قبل أصدقاء إسرائيل، في واشنطن (خصوصًا في الكونجرس) وفي العواصم الغربية الأخرى – بمناصرة تعزيز القدرات العسكرية الأردنية، واستقرارها الاجتماعي، وازدهارها الاقتصادي.على الرغم أن اتفاقية الكويز الإسرائيلية الأردنية أصبحت غير ملائمة في أغلبها، منذ أن وقّعت الأردن اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. تظل هناك صور أخرى من المساعدات الإسرائيلية للأردن، أهمها: مساعدة الأردن في مواجهة التدفق الهائل للاجئين السوريين خلال السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس في مخصصات الأردن في الميزانية الأمريكية لهذا الشأن.وتدرك قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي هذا التحدي، وتشارك في مجابهته. حيث تلعب العديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والحركات الشبابية دورًا – غير علني بالمرة، ولكنه هامٌ ورمزي – في تقديم الدعم الأولي للاجئين السوريين في الأردن.وتستحق الإنجازات الرائعة للأردن في مجال رعاية اللاجئين – رغم المعوقات الشديدة – الدعم العالمي، وتُشدّد الاستجابة الإسرائيلية على هذه النقطة. جدير بالذكر أن الأردن ترعى عددًا من اللاجئين يتجاوز المليون سوري بشكل أفضل من الدول الأوروبية التي ترعى عددًا أقل كثيرًا من اللاجئين.وسط تلك الأوضاع، تمكنت الأردن من لعب دور بارز، كدولة مشاركة ومستضيفة، في جهود التحالف ضد ما يطلق عليه” تنظيم الدولة الإسلامية”. فلم يؤدّ الإعدام الوحشي للطيار الأردني المختطف، معاذ كساسبة، وهو أحد المظاهر الأبشع لنبذ التنظيم للقيم الإنسانية المشتركة، إلى ردع ملك الأردن أو شعبها.لا تلعب إسرائيل، لأسباب واضحة، أي دور مباشر في تلك الجهود الجارية، إلا أنه يمكن القول أن منافع التعاون، تحت مظلة معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية، تعزز قدرة الأردن على تقديم هذه المساهمة الحيوية ضمن الجهود العالمية ضد التنظيم.إلا أن “خلافة” الرجل الذي يُطلق على نفسه أبو بكر البغدادي ليست هي العدو المشترك الوحيد، فتطلعات إيران نحو الهيمنة التمردية (والشيعية) تشمل توجيهات من المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بتحويل الضفة الغربية إلى “غزة أخرى”، أي، معسكر للإرهاب، في إطار سعي متواصل لتدمير إسرائيل.

يمكن القول أن العلاقات الإسرائيلية الأردنية ستستمر في ازدهارها، رغم ضغوط المنظمات المناهضة للتطبيع.

حتى يحدث ذلك، لابد من اختراق الأردن أولًا وتحويل أراضيها إلى “سيناء جديدة”؛ أي، قناة مفتوحة لإمدادات الأسلحة، والمتفجرات، والذخائر (مثلما كان الحال في سيناء حتى أقدمت مصر على خطواتها الأخيرة). وبالتالي فإن المصلحة المشتركة تستوجب فعل كل ما يمكن لضمان عدم كسب إيران ووكلائها موطئ قدم ثابت في الجانب السوري من الجولان.ويتعين استكمال التعاون السياسي والأمني الواسع بعلاقات إسرائيلية أردنية أوثق في مجالات أخرى. فخلال العقد الأخير تحديدًا، أصبحت مكاسب معاهدة السلام (ثمار السلام) أكثر وضوحًا. حيث تتطلب الاحتياجات المتنامية للمجتمع الأردني (والموجة المتصاعدة من اللاجئين السوريين) بنية تحتية أفضل، خصوصًا فيما يتعلق بإمدادات الطاقة والمياه.تُقدم إسرائيل إمدادات المياه بمقادير تتجاوز كثيرًا المنصوص عليها بمعاهدة سلام وادي عربة. وبمجرد إتمام تنفيذ خطة “الأحمر-الميت” التي وُقعت في فبراير 2015، ستصل الإمدادات إلى حوالي 100 مليون متر مكعب من المياه من المصادر الإسرائيلي في الشمال، وهو ما يمثل ضعف المقدار الحالي، وقدرًا كبيرًا من الاستهلاك الأردني. يُقدم نصف ذلك المقدار مقابل إمداد المياه لمنطقة إيلات الإسرائيلية، والتي ستقدم من محطة تحلية المياه المخطط إقامتها في العقبة، بقدر يتراوح بين 65 إلى 80 مليون متر مكعب.بالفعل، قادت رؤى التعاون بين القيادتين (ويرجع الفضل في ذلك إلى نائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم) إلى إتمام الخطط اللازمة لوصل البحر الأحمر بالبحر الميت عبر ناقل للمياه المالحة. وسيساهم ذلك في إنقاذ البحر الميت من انحسار مياهه. وتشتمل الخطة على بناء محطة رئيسية لتحلية المياه في جنوبي الأردن، لتخدم السكان على جانبي الحدود، وخدمتهم أيضًا عبر تقديم إمدادات المياه في الشمال، ما يسمح لإسرائيل بتوفير المياه للاحتياجات الفلسطينية.حتى الآن، تعتبر إمدادات الغاز مضمونة أيضًا، حيث يتم إكمال بناء خط إمداد إسرائيلي صغير إلى إنشاءات البحر الميت الأردنية، وسيتبعه بناء خط إمداد رئيسي للاستهلاك العام. تضمنت المناقشات الإسرائيلية المحتدمة حول “الخطوط العريضة” لاستخدام إسرائيل لحقوق الغاز الخارجية موقفًا قويًّا من جانب الحكومة يؤيد تصدير الغاز إلى الدول المجاورة وشركاء السلام، مع حلول الأردن على رأس تلك القائمة.هناك ترتيبات إضافية يجري بحثها لتحسين استقرار وازدهار الأردن. فقد جعل الصراع السوري المرور البري من الأردن عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا مستحيلًا. ومر النمو التجاري والاقتصادي الأردني بمعاناة شديدة. لذلك تستثمر إسرائيل على نطاق واسع في طريق التجارة الواصل بين تركيا والأردن (وما أبعد من ذلك) عبر ميناء حيفا الإسرائيلي.وبينما تصمد بعض الصعوبات الفنية، فقد تجاوزت المبادرة بالاستثمار في طريق تركيا-الأردن عدة حواجز بيروقراطية وتشغيلية، تماشيًا مع إدراك أن ذلك يمثل مصلحة أردنية هامة، ورغم التوترات الخطيرة في العلاقات الإسرائيلية التركية. وعلى غرار ذلك، أصدرت الخطوط الجوية الأردنية، وشركات طيران أخرى، تعليمات باستخدام المجال الجوي الإسرائيلي، ما يساهم بشكل كبير في تسهيل حركة المرور إلى عَمّان.تفترض قراءة وتفسير القرار الإسرائيلي ببناء جدار (بطريقة الوحدات) بطول الحدود مع الأردن أن القرار لا يصب في مصلحة تلك الخلفية من التعاون والالتزام. ولكن إسرائيل لا تولي ظهرها إلى جيرانها، ولا يمثل ذلك مؤشرًا على أن الأردن واقعة تحت خطر الانهيار، بل يمثل الجدار وسيلة أخرى مُصمَّمة لتعزيز الأمن المشترك.فعبر الخفض الشديد لإغراء استخدام الأراضي الأردنية كمسار للتسلل – في ضوء أن الطريق المباشر من سيناء قد أغلق بإحكام – سيساعد هذا الحاجز الجديد الأردن في التغلب بشكل أكثر فاعلية على مشكلات العاملين الأفارقة المهاجرين، مهربي المخدرات، والآخرين الذين يسيئون استغلال الظروف الحالية. حيث تشير التجربة الإسرائيلية بطول حاجزها الجديد نسبيًّا على حدودها مع مصر، إلى أن التعاون قد تحسن بالفعل مع المصريين ولم يتراجع منذ بناء الحاجز.بشكل عام، يمكن القول أن العلاقات الإسرائيلية الأردنية ستستمر في ازدهارها، رغم وجود بعض نقاط الخلاف وضغوط المنظمات “المناهضة للتطبيع”، وستستمر ترجمة المصالح المشتركة إلى جوانب عملية من التعاون. نأمل أنه بمرور الوقت – وبالتأكيد، عندما يجعل الموقف الفلسطيني مفاوضات السلام ممكنة – سيمكن لذلك البناء الإستراتيجي أن يجد موضعه الأنسب ضمن هيكل أوسع للأمن الإقليمي.