*تنبيه: هذه الرسائل المذكورة بالمقال تأتي بشكل سيناريو تخيلي، ولا تمس الواقع أو الحقيقة بأي صلة، فتلك ليست تصريحات لـرونالدينهو أو نيمار، وإنما هي من وحي خيال الكاتب.


المشهد الأول

بعد تعرضه للإصابة بإحدى فقرات العمود الفقري خلال مباراة ربع نهائي مونديال 2014، يجلس نيمار بحجرته بأحد مستشفيات العاصمة البرازيلية ويبدأ بكتابة رسالته الأول.

عزيزي رونالدينهو،

لم يهوّن عليّ مرارة تلك الإصابة أي شيء سوى كون رسالتك هي أول ما قرأت بعد الإفاقة.

كل شيء كان مثاليًا، السماء والبحر والشوارع المكتظّة بالقمصان الصفراء، حتى الشمس انضمت لأمواج من الجماهير تطوف البلد ولا تحلم سوى بـ2002 جديدة!

دائمًا ما يقول لنا « سكولاري» إنه لا يشعر بحريته الكاملة وتخلصه من أغلال الضغوطات العصبية بقدر ما يفعل عند التواجد هنا، كان يتطلع بوجوه الجماهير بالتدريب وقبل بداية المباريات بل وحتى أمام شاشات التلفاز أو خلف زجاج الأتوبيس الذي يقلنا، كنت أتعجب من انبهاره بكل تلك المشاهد وكأن الرجل الستيني الذي قضي سنوات حياته هنا يراها للمرة الأولى، تجرأت ذات مرة وسألته، لكنه ابتسم ومضى.

لم أتفهم إجابته إلا قبيل المونديال بنحو أسابيع، عشت حياتي أحلم باليوم الذي أشارككم فيه الملعب وغرف تبديلات الملابس، العزف على الطبول والغناء والاستعراض، ولكني صحوت على الجديد، والجديد هو أنني أحمل رقمك ورقم ريفالدو كما روماريو بعد أن أتممت الثانية والعشرين بشهور فقط!

يحدثني أبي عن هؤلاء الذي يقابلهم أثناء يومه، الصغار والشيوخ والجيران وحتى السياح لا يريدون أي أخبار سوى تلك التي تخص « نيمار»: هل سأعود قبل مواجهة ألمانيا؟ بل إن البعض ينتظر من الآن عودتي بنهائي 13 يوليو!

مسئولية الحلم ثقيلة، أضفى عليها استضافة المونديال طابع المهمة الوطنية وكأن العوامل كلها سامحة لأتحوّل لفارس خارق يبحث عن مجد مفقود.

العجز عن تلبية نداء الناس جعلني أحنّ لسنوات قريبة كانت الحياة فيها أسهل، لكن بعد أربع مباريات فقط بالمونديال والإصابة بدت تلك السنوات بعيدة جدًا؛ أرجو ألا يكون سكولاري خاطئًا!

«ديفيد لويز» زارني صباح اليوم، لقد كان حزينًا بعض الشيء على اللاعب الواعد «خيمس رودريجز»، قال لي إنه يعرف جيدًا معنى أن يكون شابًا صغيرًا نجمًا لمنتخب، بطلاً للناس، وأملاً لكل الصغار، ثم ينكسر حلمه أو يتحوّل بالأحرى لمجرد سراب، عندها فقط يتوه الهدف الذي أتى من أجله وسط زحام من المشاعر لا تترك مساحة للهواء أن يدخل صدر مطمأن، لويز سيفتقد تياجو سيلفا أمام مولر؛ نعم لقد رأيت الحيرة بوجه صديقي مهما بدا متماسكًا!

أشكرك على رسالتك، وأعرف أنك منشغل هذه الأيام، سأكون سعيدًا لو أرسلت لي مجددًا بعض ملاحظاتك عن أدائي

تحياتي

4 يوليو 2014.

نيمار.


المشهد الثاني

البرازيل تتلقي هزيمة قاسية من ألمانيا، « رونالدينهو » لم يرد على رسالة « نيمار ».


المشهد الثالث

يوليو 2015، رونالدينهو يعود من أحد تدريبات «فلومينينزي»، يطلب من الإدارة الاجتماع لفسخ العقد، ثم يبدأ بكتابة رسالة جديدة لـنيمار

عزيزي نيمار،

وددت أن أرد على رسالتك الأولى، لكن الوقت والموقف لم يسعفاني.. لقد كنت هناك بمباراة ألمانيا، لم أحب إخبار أحد بتواجدي، وفضّلت المقاعد القريبة من الجماهير!

طوفان المشاعر العاصف الذي حاوط المباراة قبل بدايتها وبعد النهاية جعلني غارقًا ببحر من الذكريات، رؤية «بيرنارد» أصغر لاعبي التشكيل الأساسي مكلفًا بأدوار الجناح الأيسر أعادني لمباراة إنجلترا، أحببت فكرة مناطحة أسماء كبيرة كـ« سكولز » و«ديفيد بيكهام»، فلم أكتف بصناعة الهدف الأول لـريفالدو!

«لوسيو» يتقدم، والثنائي «كامبل وفيرديناند» يتخذان مواقع مراقبة الظاهرة وريفالدو بتعليمات من «ديفيد سيمان»، الكاميرا تهبط ببطء على وجهي، لكني كنت بعالم آخر.

كثيرًا ما مزح معي سكولاري قائلًا إنها المرة الأولى التي يعرف فيها معنى أن يراوغ لاعب الجميع، الخصم والزميل والمشاهد وحتى كاميرا المباراة!

مواجهة الألمان وحدها جرعة من النوستالجيا عن يوم التتويج واعتلاء رونالدو عرش الهدافين، صحيح أن تشكيلتهم الحالية لم تبق إلا على كلوزة من تلك التي واجهتنا، لكن الأكيد أنه لم ينسَ نهائي 2002.

لا يوجد تفسير لما حدث بعد الهدف الثالث، أنا أتعجب يا نيمار من قدرة البعض على تحليل أداء مثل تلك المباريات، والسبب: أنها ببساطة لم تعد مباراة! غادرت قبل هدفهم الرابع لأني كنت أعلم أن الصدمة التي ترسم الوجوه ستتحول لغضب ساطع ثم انهيار فادح، رفضت كل فرص التعليق لأني لم أجد كلامًا.

الاستعراض، كما تعلم، لاتيني المنشأ، وهي الخاصية التي امتزنا بها عبر السنوات: الانحياز لامتاع المشاهد، نحن لا نرى ملعب الكرة يختلف كثيرًا عن صالة المسرح أو قاعة السيرك الكبرى، المشجع لا يأتي إلا لرؤية مهارات لا يتقنها إلا العارض، بعضها خطير والآخر مبتكر لدرجة وقوعه خارج نطاق التصور. الألمان لم يكتفوا بنصب السيرك بدلًا عنا بملعبنا، بل المذّل أنهم استخدموا لاعبينا كأدوات لعرضهم.

أنا أتفهم أنك ما زلت تفكر عن تأثير غيابك يومها، حسنًا كلنا مررنا بتلك التجارب، لكن الأكيد أن الأيام لن تعود ولذلك فقط لا ينبغي عليك سوى التطلع للأمام، إياك وجلد الذات.

اسمع! لا أريد أن أنهي جوابي بذلك الحزن، ستصنعون مجد السليساو بالمستقبل لا محالة، أنا متأكد!

وددت أن أهنئك على الفوز ببطولتك الأوروبية الأولى مع برشلونة، شرف كبير لأي لاعب التسجيل بمرمى بوفون، لقد فعلتها بالنهائي يا نيما!

تعرف..أحيانًا أتذكر احتفال هدفي الأول مع البلوجرانا، تملكتني حماسة منقطعة النظير، قفزت بكل قوة ناحية الجمهور وكأني أعدهم بشيء ما.. أعتقد أني حققته بدوري الأبطال عام 2006.

كل التوفيق

يوليو 2015

دينهو


المشهد الرابع

20 أغسطس 2016، نيمار يجلس متأملًا بغرفة الملابس قبيل نهائي أولمبياد ريو أمام ألمانيا ثم يقرر كتابة رسالة جديد لـرونالدينهو فور انتهاء المباراة.

عزيزي جاوتشو،

ربما يكون هذا أجمل صباح يمر بحياتي، تلقيت به تهاني ميسي وسواريز ثم اتصل بي السيد إنريكي سعيدًا، لم أنه مكالمته قبل أن أذكره بهدفك الأول مع برشلونة، لقد ضحك وظل يتحدث لأكثر من عشر دقائق!

قال لي إنك كنت تفضل الموسيقى لو لم تلعب الكرة، لأنهما يمنحانك الشعور ذاته، وإنك طالما عزفت الإيقاع والطبول، بل وأن الظاهرة سبق وعلمهم السامبا أحيانًا بدل مناقشة تحركات الملعب، هل هذا صحيح؟

ربما لن تصدق أني تذكرت كلماتك عن هدفك بإنجلترا عند تسديد الضربة الثابتة ليلة أمس بألمانيا، بل الأكثر من ذلك أن المشهد أعيد تدويره برأسي مرات. قبل المباراة شعرت أنها تساوي عندي كل شيء: استعادة الثقة ورد بعض الاعتبار، إضافة ميدالية أوليمبية أولى، وأخيرًا متنفس لجيل من اللاعبين لملاعب أوروبا.

اليوم فقط رفقة الميدالية الذهبية أشعر أني فعلت شيئًا لبلدي، هذا بالتأكيد سيزيد من توقعات وآمال الناس علينا، وبناء عليه ينبغي علينا التحضير لما هو قادم بقوة.

دعنا نلتقي قريبًا وقبل بداية الموسم، ربما نتشارك بعض مباريات Fifa Street، نسختنا المفضلة لأنها تقوم على الاستعراض بالطبع.

المُخلص: نيمار

تصل الرسالة لرونالدينهو فيقرر الرد سريعًا.

عزيزي نيمار،

كان ذلك أسعد شيء يمر علينا منذ فترة، أهنئك علي كل شيء، الروح، الأداء، التسديدة وركلة الجزاء، الجماعية، كل شيء كان جميلًا وبالأخص أنه كان أمام الألمان!

نعم، البرازيل كلها اليوم فخورة ومتطلعة للعودة من جديد مع « كوتينهو، جابريال خيسوس، ماركينيوس، وبالتأكيد نيمار ».

اسمع، لقد كان موسمًا صعبًا بـبرشلونة، أعرف أن تكليفك بأدوار صناعة اللعب بدأت تزداد، عليك التعامل بصبر وعزيمة، عند انتقالي لـبرشلونة لم يكن هناك سوى بويول وإيتو، حتى إنيستا وتشافي لم يكونا بمستوياتهما المبهرة، عليك الاستفادة من اللعب بجانب ميسي وسواريز!

ما يجب أن تعمل عليه هو التطور بالتمرير القطري والعرضي، أنت رائع بالارتداد السريع، وتجيد الاختراق الدفاعات المتكتلة، لكن تمريراتك تبدو مكشوفة وسهلة التوقعة خصوصًا أمام تلك الدفاعات.

دعنا نتأكد من قدرتك على مجاراتي بـFifa street نهاية هذا الأسبوع، سأهاتفك قريبًا.

عاشت البرازيل

جاوتشو


المشهد الخامس

نيمار يعود من إحدى الحصص التدريبية ليجد أن بريده الهاتفي والإلكتروني مكتظان بعشرات الرسائل، كان اليوم 28 نوفمبر 2016، حادث طائرة «شابيكوينسي».

عزيزي جاوتشو..

تألمت كثيرًا عند سماعي كلمات «جابريال باوليستا» ناعيًا صديقه الذي لقي مصرعه مع ركاب الطائرة، كلماته كانت تدين مباغتة الموت ولكن بلا أي طائل، كل ما أراده أن يتحدث قليلًا لصديقه والآن مهما فعل لن يتغير شيء.

أعرف جيدًا أننا شعب متطرف بمشاعره، يفرح وكأنه يلامس القمر، ويحزن كالثكالى، إن الأمر يتضاعف في حضور كرة القدم.

لكن الشرخ النفسي وجد مكانه بالمساحة الزمنية الفاصلة بين صعود «شابيكوينسي» للنهائي وبين الحادثة البشعة، في الواقع لا يوجد فاصل زمني، مما يعني أن كثيرًا من جمهور ورواد النادي كانوا قد مرّوا بأسعد لحظة بحياتهم قبل الدخول بأكثر تجاربهم إيلامًا: فقدان أبطالهم..

عقلي وقلبي مع البرازيل.. أعرف أنك بعالم آخر الآن.

نيمار

رونالدينهو يقرأ رسالة نيمار مساء يوم الحادثة ويقرر كتابة الرد صباح اليوم التالي.

عزيزي نيمار..

إن الغربة، لا الموت، أصعب ما يمر بالإنسان، فمهما كانت ظروف تلك الغربة فإن الأمر بالنهاية شديد المأساوية، حتي لو كنت ملكًا تأمر فتطاع فإنك ستشعر أنك سجين مغلغل إذا لم تشعر بأنس من حولك وبمكانك.

الأكثر من ذلك أننا قوم اعتدنا حب الحياة والتجارب الحالمة، الكنرفالات الملونة بالبهجة وفرق الشواطئ والغناء الذي لا يتوقف يؤكد ذلك، الحزن يمر كالسحابة التي تغطي كل ذلك.

اسمع لا أحب أن أكون فيلسوفًا، لكن الحياة شديدة التعقيد، لا يخفف تلك الحقيقة إلا درايتنا بها.

بأوقات كتلك، يأتي دور هؤلاء الذين يتخذهم الناس أبطالًا، وفي بلدنا البطل الأول هو لاعب كرة القدم، ليس مهمًا إن كان سابقًا أو حاليًا، لكن المهم حضوره وسط الناس. هاتفني صباح اليوم «ويليان»، أخبرني بأسفه وبنيته الحضور رفقة «لويز» لزيارة أهالي الضحايا، سيهدي مباراتهما المقبلة لأهالي الضحايا، أشجعك على القيام بأمر مشابه.

رونالدينهو


المشهد السادس والأخير

نيمار يقود برشلونة لفوز تاريخي أمام باريس بنتيجة 6/1 يقرر كتابة رسالته الأخيرة لـرونالدينهو.

صديقي العزيز: دينيو..

«يمكنك أن تكون فنانًا مبدعًا،

تغني تمامًا كالكناري..

لكن صدقني،

يمكنك صناعة موسيقى أجمل،

لو تعلمت العزف بأوركسترا».

لم تكن تلك الجمل سوى تقديم «إريك كانتونا» لواحد من فيديوهات «جوجا بونيتو» الذي جمعك بـروبينيو وكارلوس، حملة شركة «Nike» ذائعة الصيت التي تعلقنا بها كشبان ومراهقين بمطلع الألفية كانت المفضلة بالنسبة لي.

ولشئ غامض فإن أثر تلك الجملة جعلني أتأكد من كلام «لوتشو» أن الجماعية هي السلاح الأوحد للمرور من الكامب نو، يمكن أن نسجل هدفًا أو اثنين من مهارة فردية، لكن المرور لا يقتضي سوى اللعب الجماعي، وأعطي فوزكم بدوري أبطال أوروبا عام 2006 مثالًا حين سجّل «بيليتي» لاعب الطرف الدفاعي هدف الفوز وهو المنوط أصلًا بتوزيع العرضيات!

أنا سعيد جدًا لـسيرجي روبيرتو، صحيح أن مكافأة وعقاب كرة القدم لا تحمل قوانين، لكن تلك الفوضي حملت المفاجأة الأسعد ربما بحياة الشاب الذي تحمل كثيرًا عبر الأيام الماضية، لا أستطيع أن أصف لك، ربما كان بطل كتالونيا الأول خلال تلك اللحظة.

سعدت جدًا باتصالك بعد مباراة باريس لتشد من أزري، أخبرت ميسي فابتسم، وقال: ليس غريبًا على أفضل برازيلي عرفته، ما زلت وستظل تحظى بمكانة كبرى بقلوب كل الأندية التي لعبت لها.

مودتي

نيمار