الخوف من الأوبئة والطاعون هو هاجس بشري عتيد، لم يأتِ من فراغ. تكاد لا توجد حضارة أو مدينة ذات تاريخ، إلا ولها ذكرياتُ مؤلمة مع مثل تلك الكوارث، وصولًا إلى التاريخ الحديث. على سبيل المثال، وباء الإنفلوانزا الإسبانية الذي اجتاح العالم منذ قرنٍ من الزمان، وفتك بأرواح عشرات الملايين، مذكرًا البشرية بالطاعون العظيم الذي ضرب معظم أجزاء الشرق والغرب منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، وأدخل العالم في دوامةٍ من الموت والدمار لبضع سنين.

وهذه الأيام لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ فيروس الكورونا المُستَجَد «2019-nCoV» والذي تجاوز عدد المصابين به حاجز الستين ألفًا، بينما أوشكت الوفيات لحظة كتابة هذه السطور أن تقترب من الألف ونصف، وذلك خلال فترة قصيرة لم تتجاوز الشهرين. 

ورغم اقتصار معظم الضحايا على الصين، ولا سيما مقاطعة هوبي، منبع ظهور ذلك الفيروس، فإن حالاته قد سُجلَت في حوالي 30 دولة حول العالم، مما يعني اعتباره جائحة عالمية Pandemic، وليس مجرد وباءٍ محلي. كذلك تضاعفت مخاوفُ الكثيرين، خاصة في البلاد النامية من وصول هذا الفيروس إليها، حيث القدرات المادية والعلمية على احتوائهِ وآثارِه، أقل بكثير، بينما ثغرات الانتشار والتمدد شديدة الاتساع، بالمقارنة بالصين، التي لم تتوانَ عن وضع أكثر من 60 مليونًا من سكانها في بؤرة الفيروس -مقاطعة هوبي- في حجرٍ صحيٍّ كبير، وذلك لمحاولة حصار تمدد الفيروس إلى باقي أرجاء البلاد وجوارها.

لماذا كل هذا الهلع من الأوبئة؟

تحتاج معظم أنشطة الحياة البشرية من العمل والعبادة  والدراسة، إلى مُختَلَف الأنشطة الاجتماعية والرياضية والترفيهية والاحتفالية، إلى تجمع الناس، وتفاعلهم، واحتكاكهم بشكلٍ مباشر، ومثل هذا هو الموتُ بعيْنِه في حالة انتشار وباءٍ مُعدٍ يسهل انتقاله بين البشر. كذلك، فمع التطور الرهيب في وسائل النقل، وسهولة التجوال حول العالم من بقعة لأخرى، فإن محاولة احتواء الأوبئة تكون من الصعوبة بمكان، ولها كلفة اقتصادية واجتماعية عالية، حيث ستُوقف عجلة الكثير من الأنشطة البشرية الحيوية لحياة واقتصاد الأفراد والدول.

أيضًا، يظهر جلِيًّا في تلك الظروف مدى كارثية التفاوت الهائل بين مختلف دول العالم في قوة وكفاءة الأنظمة الإدارية والصحية. فقصور أنظمة الدول النامية قد يتسبب في تمدد وباءٍ خطير، وخروجه عن السيطرة، ووصوله إلى الدول المتقدمة عاجلًا أو آجلًا. 

اقرأ أيضًا: هل يهدد فيروس كورونا بتدمير اقتصاد الصين؟

ماذا أفعل إن وصل وباءٌ مُعدٍ إلى مدينتي أو قريتي؟

لحظة كتابة تلك السطور؛ أُعْلِنَ من المصادر الرسمية عن أولى حالات الإصابة بفيروس الكورونا المُستَجَد في مصر، لفرد أجنبي. إذًا فالخطر لم يعُد بعيدًا تفصلُنا عنه بحار ومحيطات وآلاف الكيلومترات. ليستْ هذه دعوةً للفزع وإنما للحذر وللتحفز.

ولكيلا نُحمِّل أنفسَنا -كأفراد- أكثر مما تحتمل، فإنه يجب التأكيد على أن الدور الأكبر في مواجهة الأوبئة والجوائح العالمية، يكون للمنظمات الكبرى كمنظمة الصحة العالمية، مع تضافر أدوار حكومات وهيئات دول العالم أجمع، حتى تلك التي لم يصِلْها الوباء بعد. لكن ستذهب كل تلك الإجراءات الكبرى سُدى إذا لم يصحبْها تعاون إيجابي من كل أفراد المجتمع في تنفيذ التعليمات الخاصة بالتجمع، والأنشطة المسموح بها وغير المسموح بها، والنصائح الوقائية الطبية والعامة.

والآن، في بضع نقاط سريعة، سنلخصُ أهم ما ينبغي علينا فعله كأفرادٍ من عامة الناس في حالة ما وجدنا وباءً مُعديًا يطرقُ أبوابَنا. 

1. الهلع ممنوع

من أهم أنواع العدوى المصاحبة للأوبئة، عدوى الهلع الذي ينتشر بين كل أفراد المجتمع، فيؤدي إلى تضرر أنشطة الحياة بشكلٍ زائد عن المطلوب، مما يضاعف الخسائر. الهلع غير مفيد بتاتًا على كل الأضعدة، بينما الحذر الإيجابي الرشيد هو الصواب.

2. موثوقية المعلومات والأخبار

في العموم، وفي زمن الطوفان الإعلامي، وتضخم مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها، ينبغي التدقيق أكثر من مرة قبل تصديق أية أخبار. وفي الظروف الاستثنائية التي تمثلها الأوبئة، وما يصاحبها من شيوع القلق والتوتر والهواجس والمخاوف، تتكاثر الشائعات، والأخبار المثيرة غير الدقيقة، والتي قد تسبب الكثير من الهلع والاضطراب، وتعطُّل المصالح، وتفاقم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة للوباء.

كذلك قد تؤدي بعض المعلومات المغلوطة، وإخفاء بعض الوقائع والحقائق المحورية، إلى إزهاق أرواح عديدة، وتضاعف انتشار الوباء إلى حدود خطيرة.

لذا، احرص على الحصول على الأخبار من مصادر موثوق فيها متنوعة، واعمل على زيادة الوعي الصحي بكل ما يتعلق بالوباء – والصحة عمومًا – من المواقع الموثوق فيها، كموقع منظمة الصحة العالمية، أو المركز الأمريكي للتحكم في الأمراض. ولا تتناقَل مع محيطك أخبارًا أو معلوماتٍ غير موثوق فيها حتى لا تساهم في تضليل غيرك.

3. في البدء كان الطعام 

للطعام الصحي دور مركزي في الحفاظ على الصحة، وفي تقوية فاعلية جهاز المناعة. أبرز الأطعمة التي يجب التركيز عليها هي الخضروات والفواكه الغنية بالفيتامينات، مع عدم نسيان شرب الماء بوفرة.

اقرأ: طعامك .. الداء والدواء

وأيضًا: 9 أسئلة تشرح فوائد (فيتامين سي) الصحية دون مبالغات طبية.

4. التطعيمات 

من أخطر الاتجاهات التي ظهرت مؤخرًا، تلك التي تقلل من جدوى التطعيمات. بالطبع ما تزال تطعيمات فيروس جديد كالكورونا المستجد غير متوفرة، لكن تتوافر تطعيمات للكثير من فيروسات الإنفلوانزا الموسمية، وبعض أنواع البكتيريا المسببة للالتهاب التنفسية، مثل بكتيريا المكوّرات الرئوية. وتلك التطعيمات تحسن المناعة بوجه عامٍ، وتزيد من تحفز خلاياه ضد الأخطار المختلفة. لذا فتعاطيها خاصةً للشرائح الأكثر عرضةً للخطر، كالأطفال الصغار، وكبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، والأمراض التي تقلل من كفاءة المناعة، لا غنًى عنه.

اقرأ: لهذه الأسباب عليكَ الحصول على لقاح الإنفلوانزا الموسمية

5. غسل اليدين جيدًا

مقطع صغير يظهر كيفية الغسل الجيد لليديْن:

قد تبدو نصيحة صغيرة، لكنها تنطوي على فائدة هائلة. إن الغسل الجيد لليديْن كفيلٌ بالقضاء على معظم أسباب العدوى، خاصة من الميكروبات التنفسية، والتي تتواجد بكثرة في الرذاذ، مما يُمكِنُ من تناقلها عبر المصافحة، واستخدام نفس الأدوات والمقابض .. إلخ. يجب الغسل الفعال لليديْن بالماء والصابون لأكثر من 20 ثانية، أو أضعف الإيمان، تعقيمها أولًا بأول بمستحضرات الكحول شائعة الاستخدام، والتي تحتوي على تركيز 60% على الأقل من الكحول.

6. تخزين بعض المواد الضرورية في المنزل

 يجب تخزين بعض المستلزمات الطبية الأساسية، لا سيَّما تلك الخاصة بالإسعافات الأولية، وأدوية الأمراض المزمنة كالسكري والضغط .. إلخ، وكذلك المواد الغذائية الأساسية القابلة للتخزين لفترات طويلة كالبقوليات مثلًا، والخضروات والفواكه المجمدة .. إلخ. إذ قد تفرض الإجراءات الصحية العامة الحد من الحركة والتنقل، وإغلاق المراكز التجارية الكبيرة، أو فرض ما يشبه الحجر الصحي في المنازل، كما تفعل الصين في مدينة وُوهان بؤرة العدوى. 

7. تعليمات ضرورية لمن أصيب بالمرض أو من يُشتَبَهُ بشدة في إصابته

بجانب تلقي العلاج اللازم حسب تطورات كل حالة، يجب عليك الحرص على أن تقف العدوى عندك، فهذا أهم خطوة في كسر انتشار الأوبئة. ويمكن لبعض التعليمات البسيطة أن تساهم في عدم انتقال العدوى منك لغيرِك، خاصة إذا كنت مضطرًا لتلقي العلاج في المنزل، لعدم توافر أسِرة في المشافي نتيجة الضغط الشديد عليها. كذلك يمكن للمخالطين لأفراد مصابين أو محتَملي الإصابة، أن يستفيدوا من تلك التعليمات.

  • يجب اتباع تعليمات الجهات الصحية المُختصَّة بحذافيرها، خاصةً ما يتعلق بقيود الحركة والنشاط، وموعد العودة إلى الحياة الطبيعية.
  • تقليل الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى، وتجنب الأماكن المزدحمة في حالة الاضطرار للخروج.
  • لا تُخفِ على المخالطين بك حقيقة إصابتك، أو وجود شكٍّ فيها، ليتسنَّى لهم اتخاذ الحذر المطلوب.
  • اغسل يديْك بشكلٍ جيد كما بينَّا بالأعلى.
  • في حالة ظهور الأعراض عليك، اعزل  نفسك معظم الوقت في غرفةٍ بالمنزل، بعيدًا عن باقي أفراد الأسرة، لا سيَّما الأطفال وكبار السن.
  • في حالة العطس، عليك تغطية الوجه بالمناديل، والتخلص منها جيدًا. في حالة عدم توافر المناديل، وجِّه وجهك جانبًا إلى أكمامك، لمنع انتشار الرذاذ في الهواء، ومحيط الغرفة.
  • لا تخالِط غيرَك إلا بعد تغطية وجهَك بالقناع التنفسي، ويُفضَّل أن يفعلوا هم المثل.
  • لا تتردَّد في إبلاغ الجهات الصحية المختصة في حالة تدهور الأعراض الصحية لديك، كحدوث ضيق شديد في التنفس، أو تسارع في الضربات القلبية والتنفسية، أو الإعياء الشديد، أو الارتفاع الشديد في الحرارة غير المستجيب للعلاجات الأوّلية .. إلخ. 

الخلاصة

في تلك الظروف العصيبة الاستثنائية لن ينجوَ فردٌ أو مجتمع منفردًا، إنما لا بد من تعاون الجميع، ومحاولة الالتزام بالتعليمات الصحية السليمة، وتذليل العقبات أمام عمل المنطمات الصحية الدولية، والهيئات الصحية المحلية. ودور كل فردٍ له أهمية كبرى، ولا ننسى في هذا المقام الطبيب الصيني الشجاع لي وينجيانج، الذي فقد حياته في وباء الكورونا المستجد، بعدما كان من أوائل المنبِّهين بحدوث الوباء، ولم يتوانَ عن إعلان ذلك رغم المشكلات الجمَّة التي قد يُعرضه ذلك لها مع السلطات الصينية ذات القبضة الحديدية -وهو ما حدث بالفعل- مما أحرج السلطات الصينية، ودفعها لعدم التأخر في الاعتراف بالوباء، ليسهم هذا بالتأكيد في إنقاذ حياة الآلاف من الناس في بلده والعالم.