في مباراة كرة القدم، يسعى الفريقان المتنافسان داخل الملعب إلى التفوق على الخصم، وتسجيل أكبر كم ممكن من الأهداف، لكن لأن اللعبة لا تعترف دومًا بالمنطق، وكثيرًا ما تطغى المشاعر عليها، شهدت الساحرة المستديرة عدة وقائع فضلت فيها بعض الفرق، تغليب العواطف على منطق تسجيل أكبر عدد من الأهداف أمام خصم منهار؛ رأفةً به، أو احترامًا لمشجعيه، أو مراعاة لقيمته.

تأهل منتخب بنما، للمرة الأولى في تاريخه إلى بطولة كأس العالم الجارية، بعد أن حلت ثالثة بمجموعتها في تصفيات أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي، ومتفوقة على منتخبات سبق وأن تأهلت للمونديال، مثل الولايات المتحدة، وهندوراس، وترينداد وتوباجو.

المشاركة الأولى في المونديال صعبة بكل المقاييس، والأصعب أن يقع فريق مثل بنما بمجموعة نارية ضمت بلجيكا صاحبة الأسلحة الفتاكة في كل الخطوط، وإنجلترا التي تبدو جاهزة أكثر من أي وقت مضى للوصول لدور متقدم في البطولة، والمنتخب التونسي الذي قدم تصفيات قوية، ورشحه كثيرون لأن يكون الحصان الأسود في المجموعة، قبل خروجه رسميًا عقب الخسارة في المباراتين أمام الإنجليز والبلجيك 2-1 و5-2 على التوالي.


مدرب بنما: لنلعب بهدوء الآن!

في هذه النسخة خسرت بنما أولًا أمام رفاق هازارد بثلاثية نظيفة، ثم سقطت أمام الأسود الثلاثة بسداسية مقابل هدف، لكن ذلك لم يكن الحدث الأبرز، ربما لأنه ليس غريبًا أن نرى هذه النتائج الكبيرة في المونديال، بل تحولت أنظار متابعي كرة القدم إلى لقطة قبيل بداية الشوط الثاني، كان بطلها مدرب بنما «هيرنان داريو جوميز».

تحدث «جوميز» مع نظيره الإنجليزي «جاريث ساوثجيت» في وقت كانت تشير نتيجة المباراة إلى تقدم إنجلترا بخماسية نظيفة، وأظهرت لغة الجسد أن جوميز يطالب مدرب الإنجليز بتهدئة اللعب والاكتفاء بالنتيجة المسجلة، ثم أشار له الأول برفع إصبع «الإبهام»، ليرد الآخر عليه بنفس الطريقة، مما يوحي بالاتفاق بينهما.

https://www.youtube.com/watch?v=2wugOZ2vxEw

بعد المباراة، نقلت شبكة «سكاي»، تصريحات جوميز، وبسؤاله عن الحديث الذي دار مع ساوثجيت قال:

قدمت له التهنئة، وأخبرته أنني معجب بفريقه، ثم قلت له اسمع سنلعب الآن بشكلٍ هادئ.

يبدو أن مدرب الإنجليز قد نفذ فعلًا بنود الاتفاق ولعب بهدوء، حتى أن فريقه سجل هدفًا واحدًا فقط، ومنيت شباكه بهدف أحرزه لاعب بنما، فيليبي بالوي، ليصبح أول لاعب بنمي يسجل في كأس العالم، أكان هذا جزءًا من الهدنة بين مدربي الفريقين؟


لاعبو ألمانيا لم يذلوا البرازيل

لطالما كانت ذكرى «كارثة ماراكانا»، التي شهدت انتصار أوروجواي على البرازيل، بنهائي مونديال 1950، هي الأسوأ للبرازيليين، إلى أن جاءت هزيمة مدوية بكأس العالم الأخير. سباعية كاملة سجلها الألمان في شباك السامبا، تحت أنظار مشجعيهم بدور نصف النهائي في نسخة 2014، معلنين نهاية حقبة سيطرة البرازيل على عرش كرة القدم.

خمسة أهداف في أقل من نصف ساعة، كانت كفيلة لأن تقنع لاعبي ألمانيا، بضرورة «عدم إذلال» المنتخب البرازيلي المنهار تمامًا، وهو ما ظهر بوضوح في الشوط الثاني، الذي رغم إحراز أندريه شورله هدفين فيه، لكن من يراجع المباراة، يجد أن المانشافت كاد بسهولة يسجل خمسة أهداف أخرى! المدافع الألماني.

تصريح الألماني ماتز هوميلز بعد المباراة.

قد يكون السبب الآخر لعدم إحراز الألمان للمزيد من الأهداف هو الخوف من الإجهاد والإصابات بالطبع، خاصة أن مباراة النهائي لم تكن سوى بعد خمسة أيام. هوملز بالذات كان يعاني من إصابة بالركبة، لم يشف منها على الأرجح بشكل كامل، ليلعب مباراة الأرجنتين بعدها. الأهم أن الماكينات لم يعد لديهم أي رغبة في التسجيل، فعندما تصل النتيجة إلى سبعة، تتشابه الثمانية مع التسعة مع العشرة.


ديربي ميلانو: عندما طلب جمهور إنتر الرحمة

«ديربي الغضب»، كان ذروة تجمع الدماء في عروق مشجعي ميلانو بجزءيها الأحمر والأسود من جهة، والأزرق والأسود من جهة أُخرى. مثلت مطلع الألفية الجديدة، أهم الحقب التي حفلت بالتنافس بين الفريقين العريقين، والوحيدين من نفس المدينة اللذين فازا بدوري الأبطال. تنافس تخطى حدود الميدان، ووصل بالطبع إلى المدرجات، التي كانت مسرحًا لثقافة الأولتراس بشكل غير مسبوق، إلا أن مباراة واحدة كانت حالة خاصة لمشجعي إنتر تحديدًا.

11 مايو/آيار من عام 2001، ديربي جديد بين النيراتزوري والروسونيري، اللذين يعيش كلاهما موسمًا للنسيان. وحده الفوز على الجار اللدود، يشفي غليل الغضب من سوء المستوى، ويعطي مشجعي الفريق الفائز صك غفران على ما ارتكبوه طوال الموسم. وبالفعل جاء صك الغفران، مصحوبًا بذكرى أبدية لن تمحى من ذاكرة مشجعي ميلان، سداسية نظيفة في مرمى إنتر، بقيادة رمزهم التاريخي، تشيزاري مالديني، أحرقت مرمى الأفاعي وجعلت جمهوره يطلب الرحمة من لاعبي ميلان.

مثل هذه المباريات لا تشهد عطفًا، فكلما تسنح لك فرصة لأن تسجل نتيجة تاريخية، يجب أن تفعل، وقبل انتهاء المباراة بدقائق، عندما كانت النتيجة 4-0، اقتحم مشجع لإنتر الملعب وتوجه إلى مدافع ميلان، أليساندرو كوستاكورتا، وأشار له بيده بما يعني: «انتهى كل شيء أوقفوا المباراة»، وأراد أخذ الكرة من يد كوستاكورتا، الذي منعه وأمسك بقميصه، إلى أن جاءت الشرطة وأخرجته من الملعب.

بعد تلك الحادثة، أحرز شيفتشينكو هدف ميلان الخامس ثم أحرز سيرجينهو السادس، ليؤكد أن مكان تعبير هذا المشجع عن مشاعره المجروحة، ليس أبدًا ديربي ميلانو.


كاسياس: احترموا إيطاليا

بين الشوطين تحدثنا بوضوح أننا يجب أن نظل مركزين وألا نحاول إذلالهم، يجب أن تظهر الاحترام لخصمك، وفعلنا ذلك، ولم نحاول أن نقوم بأشياء ساحرة

سيطرت حالة من التفاؤل على مشجعين الكرة، قبل انطلاق نهائي بطولة يورو 2012 بين منتخبي إسبانيا وإيطاليا، وتطلع ممن لم يتابع الأتزوري خاصة، أن يرى في الملعب ما سمعه من تحليلات بأن إيطاليا تلعب كرة هجومية جميلة، ونجحت في إحراج إسبانيا بالذات، خلال لقائهما بدور المجموعات الذي انتهى بالتعادل 1-1.

لسوء حظ هؤلاء المشجعين، كان هذا النهائي عبارة عن سيطرة كاملة للمنتخب الإسباني، الذي امتلك جيلًا ذهبيًا لا يقهر وقتها، وظهرت إيطاليا عاجزة كما لم تظهر من قبل. رباعية نظيفة مع الرأفة أحرزها كل من ديفيد سيلفا، وجوردي ألبا، وفيرناندو توريس، وخوان ماتا، لتنهمر دموع بيرلو للمرة الأولى في حياته أمام الشاشات.

قبيل دموع بيرلو بدقائق، كان الحارس الإسباني، إيكر كاسياس على موعد مع التاريخ، ليس لأنه رفع كأس اليورو بعد سنتين من تتويجه بالمونديال، لكن لأنه طالب أحد حكام المباراة بإنهاء اللقاء، عقب إحراز ماتا للهدف الرابع، وقال القديس في لقطة لا تُنسى: «أيها الحكم، احترم الخصم، احترم إيطاليا، إنها 4-0»، ليطلق حكم الساحة بعدها مباشرة صافرة نهاية المباراة.