يعتقد البعض أن هناك تباعدًا بين الرياضيات والشعر، باعتبار أن الأولى مجرد أرقام ومعادلات على عكس الشعر الذي يحتوي على كلام موزون ومقفى، ولكنني أظن أن هذا التباعد خاصة في العصر الحديث بينهما يعود إلى عدم الاندماج بين العاملين في مجال الرياضيات مع الشعراء.

وهذا ما لم يحدث في القرون الماضية، حيث كان يُعرف عن علماء الرياضيات والفلك والطب عشقهم وتذوقهم للشعر، بل تخطى بعضهم هذا الأمر وقام بتنظيم قصائد شعرية في مجال عمله، وذلك بعد أن اتضح لهم أن البحور الشعرية ما هي إلا معادلات رياضية، ومن هؤلاء العلماء: ابن الياسمين، وأبو العباس الأزدي، وابن الهائم.

في هذا المقال محاولة لتوضيح تأثير علم الرياضيات على الشعراء، وقدرتهم على التعبير عن الأرقام بالأحرف والكلمات في منظومات شعرية، تحتوي على شروح لعلم الجبر والهندسة، وأيضًا كيف صاغوا الألغاز المحيرة وحلها، لنعرف كيف كانت العلاقة بين الرياضيات والشعر.


القوانين والمعادلات الرياضية في ديوان الشعر العربي

يُعرف عن الألغاز أنها كلام خفي، حيث لا يُقصد اللفظ فيه لذاته، إنما الغاية منه التفكير في المعنى المستتر، والذي لا يتأتى إلا بالعقل، لذلك تُعد الألغاز رياضة ذهنية، تمتاز بالتلاعب بالألفاظ والكلمات، والتي لا يقدر عليها سوى الشعراء الذي تمكنوا من اللغة ومعرفة أسرارها، فنجد بعضهم قد قال شعرًا تضمن معادلات حسابية، ولكن مع مراعاة الموسيقى الصوتية للشعر.

يقول قدري حافظ في عدد مارس 1934 من مجلة الرسالة: «لا أعرف شاعرًا أو شاعرة قبل زرقاء اليمامة نظم شعرًا وضمنه مسألة حسابية، ومما لا شك فيه أنها لم تكن تقصد وضع معضلة رياضية في قالب شعري، إنما كل ما في الأمر أنها كانت حادة البصر، وقد رأت سربًا من الطيور، فقالت:

ليت الحمام ليه … ونصفه قديه إلى حمامتيه … صار الحمام ميه

والمعنى المقصود، إذا أضيف إلى سرب الحمام نصفه وحمامة واحدة لكان حاصل الجمع مائة، وهذا يعني أن عدد الحمام المذكور في الأبيات 66 حمامة».

وحل مسألة زرقاء اليمامة بالمعادلات الرياضية، يكون بهذا الشكل:

س+س2+1=100

2س+س+2=200

3س=198

س=66

وقد علق النابغة الذبياني عندما سمع هذه الأبيات، ليؤكد أنه عرف عدد الحمام دون أن يصرح بذلك، قائلًا:

واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت .. إلى حمام سُراع وارد الثمد يحفه جانب نبق وتتبعه .. مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا .. إلى حمامتنا مع نصفه فقد فحسبوه فألفوه كما ذكرت .. تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد فكملت مائة فيها حمامتها .. وأسرعت حسبة في ذلك العدد

يتضح من الأبيات السابقة أن الشعراء لم يكتفوا بموهبة الكلمة فقط، بل اتجه بعضهم حتى ينهل من العلوم الأخرى مثل الرياضيات والفلك، ونظموا فيها أشعارًا أصبحت لغزًا لمن سمعها منهم، مثل: أبي نواس، الذي شكي حبه في قصيدة شعرية، جاءت على شكل معادلة حسابية شديدة الصعوبة، وهي:

جنان حصلت قلبي .. فما إن فيه من باق لها الثلثان من قلبي .. وثلثا ثلثه الباقي وثلثا ثلث ما يبقي .. وثلث الثلث للساقي وتبقى أسهم ست .. تجزأ بين عشاق

وحل لغز هذه الأبيات بالمعادلات الرياضية، يأتي على هذه الصورة، مع العلم أن عدد الأسهم 81 سهمًا:

لها الثلثان، 18*3/2=54، ويبقي 27 سهمًا

وثلث ثلثه الباقي، 27*3/2=18

وثلثا ثلث ما يبقي، 9*3/2*3/1=2

وبذلك يصبح نصيب حبيبة أبي نواس، 54+18+2=74

وثلث الثلث للساقي، يساوي 1

وبجمعها معًا، 74+1=75 سهمًا ويصبح لدينا 6 أسهم فقط لعشاقه.


مدح الرياضيات في قصائد الشعراء

يوضح الدكتور عادل البكري، في عدد مارس من مجلة المجتمع العلمي العراقي، أن هناك علماء استطاعوا أن يمزجوا بين الشعر والرياضيات في قوالب شعرية جميلة تحمل الكثير من الغزل والمدح لبعض فروع علم الرياضيات.

ومن أروع هذه القصائد ما قاله أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي، حيث وصف حالة العاشق في قالب شعري غنى بالمصطلحات الرياضية، فقال:

خط الغرام على المشوق مثلثا .. متساوي الأضلاع خط مبرّز يا ميّ إن أرسلت سهما صائبا .. من قوس طرف ما لها من محرز تجدي المتيم وسط دائرة الهوى .. وفؤاده فيها كنقطة مركز أضحى كخط ليس يدرك رقة .. أو نقطة في الوصم لم تتميز

أشهر المنظومات الشعرية في علم الرياضيات

أخيرًا، هذه جولة في المكتبة العربية للتعرف على أشهر وأبرز القصائد الشعرية التي شرحت وأوضحت فروع علم الرياضيات:

1- الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة

نظمها أبو محمد بن عبد الله بن الحجاج، الملقب بابن الياسمين، وهو شاعر وعالم في الرياضيات، وقد توفي في 601هـ/1204م، وتقع الأرجوزة في 54 بيتًا، وفيها شرح وتبسيط بعض علوم الرياضيات، وتبدأ الأرجوزة بالبيت الآتي:

الحمد لله على ما أفهما .. ومَن مِن تعليمه وفهما

ويقول أيضًا فيها:

على ثلاثة يدور الجبر .. المال والأعداد ثم الجذر فالمال كل عدد مربع .. وجذره واحد تلك الأضلع والعدد المطلق ما لم ينسب .. للمال أو للجذر فافهم تصب والشيء والجذر بمعنى واحد .. كالقول في لفظ أب والوالد

ويقصد بذلك أن عدد الأموال معامله س2، أما عدد الأشياء فمعاملها س، والعدد المفرد فهو خالي من المعامل س، وبذلك تصبح المعادلة الرياضية لتلك الأبيات، هي: أ س2+ ب س +ج=0

2-المقنع في كتاب الجبر والمقابلة

ألفها الأديب والفقيه أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد، المعروف بابن الهائم «753-815هـ / 1356-1412م»، وهي تضم 59 بيتًا، وتتحدث عن إتقان علم الحساب في فروع الجمع والطرح والضرب والقسمة وأنواع الجذور.

ويقول في بداية منظومته:

وبعد فَعِلم الجبر على معظم .. يميل إليه المتقنون الأفاضل وإني لحاوٍ لبه في قصيدة .. بها يكتفي ذو فطنة ويطاول وها أنا ساعٍ في الذي قد قصدته .. وعونا من المولى الحِجى أنا سائل

3-بغية الطلاب في شرح منية الحساب

قصيدة نظمها محمد بن غازي العثماني المكناسي، المتوفى «919هـ/1513م»، وتحوي 461 بيتًا، وهي تتحدث عن: الأعداد الصحيحة ومراتبها، وجمع الأعداد على التفاضل في الكيف والكم.. وغيرها من فروع الرياضيات.

ويقول في بدايتها:

يقول راجي العفو والمغازي .. محمد بن أحمد بن غازي الحمد لله الذي قد نورا .. قلوبنا بما بها تفجرا من كل علم فائق ورائق .. تسرح منه النفس في الحدائق

4-نخبة التفاحة في قواعد المساحة

صاغها عبد اللطيف بن أحمد بن محمد بن علي الدمشقي، المتوفى 1162هـ/1749م، وفيها توضيح وشرح لقوانين ومعادلات علم المساحة، وذلك لمعرفة كيفية قياس مساحة الأشكال البسيطة والمعقدة.

5-منظومة مباركة في علم الحساب

نظمها جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك الحميري، الشهير ببحرق، وهو عالم في الصرف والنحو والطب والفلك والحساب، وقد توفى 930هـ/1524م، وهي تحتوي على 37 بيتًا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.