قبل أي شيء، نحن نؤكد لك أن هذا المقال لا يندرج تحت تصنيف الخيال والفانتازيا، بل هو محاولة لسرد وقائع حدثت بالفعل في الماضي، ولم تخرج للنور إلا قبل وقت قريب.

وقائع بطلها الأول هو «جوزيه مورينيو»، والثاني هو «ليونيل ميسي»، ولم يكن البطلان في موقف المواجهة والتضاد كما هو معتاد، بل كانا على وشك أن يتحدا في معسكر واحد هذه المرة. 

طبعًا ليس من السهل تصديق أن ميسي قد يختار التدريب تحت قيادة مورينيو، ألد أعداء برشلونة، خصوصًا حين يجتمعان داخل نادٍ لا تجمعه ذكريات طيبة مع برشلونة مثل تشيلسي، لكن حين يخرج «جيانلوكا دي مارزيو»، الصحفي الموثوق فيه جدًّا في كل ما يتعلق بأخبار الانتقالات، ويؤكد كل ذلك، فإن الأمر لا يبدو خياليًّا أبدًا.

في الدقيقة 71

لم يبدأ الفصل الأول من هذه القصة المثيرة الآن، بل كان ذلك قبل سبعة عشر عامًا (عام 2004 ). ميسي لمَّا يتم بعد عامه الـسابع عشر، لكنه يقطع خطوات كبيرة في مسيرته، ويتدرج سريعًا بين فرق الشباب حتى وصل للفريق الأول. وهناك أبهر ليونيل الجميع، حتى إن هذا الولد الصغير تمكن من مراوغة اللاعبين الكبار خلال تدريبه الأول، دون أن يستطيع أحد إيقافه!

ولذلك قرر مدرب البلوجرانا «فرانك ريكارد» منحه فرصًا للمشاركة بالمباريات رغم صغر سنه، وقد جاءت الفرصة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2003 في مباراة ودية. هل تعرف من كان الطرف الآخر في هذه المباراة؟ إنه بورتو البرتغالي تحت قيادة جوزيه مورينيو! 

دخل ميسي بديلًا في الدقيقة الـ ـ71، ليشاهده سبيشال وان وهو يتحكم في الكرة، يراوغ بمهارة من يكبرونه في السن والقوة والخبرة، ويصنع فرصتين ويسدد نحو مرمى الخصم دون رهبة. كان ذلك كافيًا حتى يعجب به مورينيو، ويشرع في متابعته من الآن. 

بعد هذه المباراة ببضعة أشهر كان جوزيه يحقق معجزة أوروبية رفقة بورتو، ويقوده للتتويج بدوري الأبطال بعد حسم الدوري المحلي. يشاهده ميسي في كتالونيا وهو يرفع كأس التشامبيونزليج، وبداخله شعور بالإعجاب والاحترام.

قبل 17 عامًا في لندن

لم تمضِ أسابيع معدودة وكان مورينيو يطير نحو لندن. ليعلن الملياردير «رومان أبراموفيتش»، الذي استحوذ على نادي تشيلسي، عن تعاقده معه صيف عام 2004، في خطوة مثيرة وجريئة في آن واحد.  

طارد الإعلام والصحافة المدرب صاحب الـ 41 عامًا أينما حل. كان الجميع يتحدث عن شخصيته الكاريزمية، ويتداول تصريحاته التي تعكس ثقته الكبيرة في قدراته التدريبية، وعزمه على صناعة شيء كبير داخل إنجلترا. ولم يكن هناك شيء أكبر من مناطحة القطبين: أرسنال ومانشستر يونايتد على عرش البريميرليج.

وحتى يتحقق هذا الهدف فتح الملياردير خزائنه أمام مورينيو، ليتمكن هذا الأخير من صناعة فريق أحلامه الذي سيصعد بتشيلسي إلى منصة البطولات. تعاقد مع «ديديه دروجبا»، «آريين روبن»، و«ريكاردو كارفاليو»، وبدا أن كثيرًا من النجوم يودون خوض تجربة العمل مع جوزيه مورينيو آنذاك. 

من بين هؤلاء كان ليونيل ميسي، النجم الأرجنتيني الصاعد الذي لم يمانع فقط الانتقال لتشيلسي وقتها، إنما كانت هذه رغبته الحقيقية كما يؤكد دي مارزيو. تواصل معه سبيشال وان مباشرة، وحاول العمل على ضمه إلى صفوفه، لكن إدارة برشلونة لم تكن قد فقدت عقلها، على الأقل حتى ذلك الوقت، كي تتنازل طواعية عن الولد الذي سيصنع لهم تاريخًا مجيدًا.

تحت قصف الضرائب

فشلت المحاولة الأولى، لكنها لم تكن الأخيرة، أما المحاولة الثانية فكانت في يناير/كانون الثاني 2014. لماذا هذا التاريخ تحديدًا؟ ﻷنه ارتبط بأحد أكثر الفترات توترًا في مسيرة ميسي مع برشلونة، بل في إقامته داخل إسبانيا بوجه عام. يعود ذلك لأزمة الضرائب الكبيرة التي تعرض لها البولجا، واتهامات الاحتيال التي نالته.

ففي يونيو/حزيران عام 2013، اتهمت السلطات ميسي بالتهرب من دفع 4 ملايين يورو، بعدما اكتشفت أن والده «خورخي» قدم إقرارات ضريبية مزورة بين عامي 2006 و2009، في وقت كان فيه الأخير هو من يدير شئون ليونيل المالية. كانت الأزمة عنيفة وضاغطة للغاية، ازدادت حدَّة مع إلزام اللاعب الأرجنتيني بدفع عقوبة مالية وصلت لـ53 مليون يورو، بحسب وكالة سكاي سبورت! 

هنا أحس ميسي أن السلطات الإسبانية عاملته بقسوة، وافتقد شعور الأمان الذي عرفه منذ وصل كتالونيا في عامه الـ 13، وفكر جديًّا في توديع ناديه برشلونة. المشكلة كانت أين يذهب؟ خصوصًا مع شرط جزائي قُدِّر آنذاك بـ250 مليون يورو. يقول دي مارزيو إنه فكر في تشيلسي.

أهلًا ليو، أنا جوزيه

لماذا تشيلسي؟ لثلاثة أسباب معينة؛ الأول بديهي، وهو أن إدارة البلوز يمكنها دفع المبلغ. والثاني غير مستغرب، وهو إعجابه بلندن. أما الثالث فهو غير متوقع، وهو احترامه لمورينيو ورغبته في العمل معه، بالرغم من شدة المنافسة بين برشلونة وريال مدريد خلال حقبة سبيشال وان في العاصمة. إن كان هذا مفاجئًا لك، فماذا ستفعل حين تعلم أن ليونيل أرسل وسطاء للندن لإدارة عملية انتقاله؟

أفصح دي مارزيو عن اسم أحدهم، وهو لاعب برشلونة وتشيلسي السابق «ديكو»، وقد اجتمع رفقة الثنائي الآخر ذات يوم مطلع عام 2014 في قصر مورينيو بلندن. لم يصدق جوزيه ما جاءوا لأجله، حتى أخرج أحد الوسطاء هاتفه المحمول، وفتح تطبيق Facetime واختار الاتصال بميسي. كان البولجا يجلس مستعدًّا، ابتسم حين شاهد مورينيو، فما كان من الأخير سوى أن قال: «أهلًا ليو، أنا جوزيه»!

خلال المكالمة كسر مورينيو سريعًا الحواجز النفسية. أخبر ميسي أنه قضى ليالي مستيقظًا، وهو يحاول الوصول لطريقة لإيقافه قبل المباراة القادمة. ضحكا معًا، قبل أن يخبره جوزيه أن الخيار الأفضل له هو البقاء في برشلونة، لأنه سيصبح أهم أسطورة في تاريخ النادي، وسيبني له الناس هناك تمثالًا. 

ظهرت علامات التردد على وجه ليو، وطبعًا علامات الصدمة على وجوه الوسطاء، لكن مورينيو استكمل قائلًا: «لكن إذا صحوت ذات يوم وشعرت بالحزن، أو أحسست أن السماء رمادية، أو لم يعجبك مذاق القهوة في برشلونة، هنا ينبغي أن تفتح بوابات السعادة، فستجد خلفها شخصًا ينتظرك، اسمه جوزيه مورينيو!».

تمثال لميسي وتمثالين لخورخي

غادر الوسطاء قصر مورينيو إلى مقر تشيلسي، وذلك للقاء مديرة النادي «مارينا جرانوفسكايا»، التي أخذت الضوء الأخضر من أبراموفيتش لإتمام الاتفاق سريعًا. أكدت مارينا لهم استعداد الإدارة دفع الشرط الجزائي، ثم وافقت على دفع راتب سنوي ضخم لميسي، وأخيرًا اتفقت على حصة كل وسيط بعد إتمام الصفقة.  

كان كل شيء يسير على ما يرام؛ ليونيل سعيد جدًّا بالخطوة. جوزيه أكثر سعادة من دون شك. مارينا ستتحول لأهم مدير بالدوري الإنجليزي. أبراموفيتش يحلم بتحول ناديه لقوة أوروبية فتاكة. حتى «فابريجاس» قفز محتفلًا حين علم أنه سيزامل صديقه ميسي مجددًا. وطبعًا كل وسيط يفكر في نصيبه من الكعكة. 

كان هناك طرف واحد فقط لم يكن على علم بكل ذلك، وهو والد ميسي ووكيله السيد خورخي. الأزمة أنه لم يكن مجرد اتفاق مبدئي، بل شمل أغلب التفاصيل تقريبًا، مثل الراتب الذي سيتحصل عليه ابنه، المبلغ الذي سيناله نظير الإعلانات والصور، توقيت الانتقال، وحتى رقم ليو الذي سيرتديه.

ولذلك حين وصلت إليه تلك المعلومات استشاط غضبًا قبل أن يواجه ميسي بالأمر، وهنا أدرك البولجا الخطأ الذي ارتكبه، لقد تجاوز خورخي الذي يتخذ القرارات داخل العائلة، ولم يخالفه ميسي قط. لذا يؤكد دي مارزيو أن ليونيل لم يجد أمامه سوى الإنكار. أنكر الاتفاق، الوسطاء، ومعرفته بتحركات تشيلسي لضمه.       

يستخدم جيانلوكا وصفًا رائعًا لهذا الانتقال الفاشل، إذ يشبهه بفقاعة الصابون التي بدت ساحرة وبرَّاقة للكل في لحظة ما، وأخذت تتضخم بسرعة شديدة، لكن ما إن تصطدم بالأرض حتى تتحول إلى سراب، كأنها لم تكن موجودة من الأساس.

هكذا بقي ميسي في برشلونة، وهكذا تحققت نبوءة مورينيو، إذ تحول البولجا للاعب الأهم في تاريخ النادي، فبنوا له تمثالًا، لكن كان عليهم بناء تمثال آخر لخورخي، أو ربما تمثالين!