هذه ترجمة عربية للنص الإنجليزي The Terror، وهو النص المُترجم بدوره عن النص الأصلي «Lui?»، والمنشور باللغة الفرنسية في الثالث من يوليو/تموز عام 1883 في مجلة (جيل بلاس). وقد نشرت دار «لاروس» القصة بالفرنسية مرة أُخرى عام 1990 ضمن مجموعة قصصية تُسمى «الخوف وقصص خُرافية أُخرى لجي دي موباسان». أمّا النص الإنجليزي فقد نُشر في 18 ديسمبر/كانون الأول عام 2000 ضمن المجموعة الكاملة للقصص القصيرة لـ«جي دي موباسان».

النص

تَقولُ إنك لا تكاد تستوعب ذلك، وأنا أُصدِّقك. هل تَعتقد أنني فَقدتُ صوابي؟ رُبما هذا ما حدث بالفعل، ولكن لأسباب أُخرى غير التي تَظُنها يا صديقي العزيز.

أجل! أنا سأتزوج، وسوف أُخْبِرُكَ عمَّا دفعني للإقدام على مثل هذه الخُطوة.

أُريدُ أن أُضيف أنني لا أَعرف عن الفتاة التي ستصير زوجتي غدًا سوى القليل. فأنا لم أُقابلها سوى أربع أو خمس مرات على الأرجح. أَعلمُ أنه ليس فيها ما يُثيرُ النفور، وهذا يكفي غرضي. إنها صغيرة الحجم، بيضاء البشرة، ومُمتلئة القوام. ولهذا فسوف أتلهفُ بالطبع إلى امرأة طويلة، رشيقة، وسمراء بمُجرِد أن يَمُر الغد. إنها ليست ثرية، بل واحدة من أفراد الطبقة الوسطى.

أنت مثلًا سترى بطبيعة الحال أنها فتاة مُناسبة جدًا لتكون زوجة. فهي بلا عيوب واضحة، كما أنها لا تمتلك أي صفات جذّابة تُلفِت الانتباه. يقول الناسُ عنها: «الآنسة لاجول فتاة رائعة»، أمَّا غدًا فستجدهم يقولون: «إن السيدة رايمون حقًا رائعة».

خُلاصة القول، إن شأنها شأن غيرها من آلاف الفتيات اللاتي يجعلن الرجل فخورًا بزواجه منهن، وذلك فقط حتى تأتي اللحظة التي يُدرك فيها أنه يرغب في كل نساء العالم عدا زوجته.

حسنًا، إنك ستُلقي عليّ سؤالًا:

وما الذي أوقعك في فخ الزواج من البداية؟

أجدُ حرجًا في الكشف عن السبب العجيب وغير المعقول الذي أرغمني على ارتكاب هذا الفعل الخالي من أي معنى. في الحقيقة، صارت وحدتي تُخِيفُني. لا أعلم كيف أقصُ عليك ما صار أو كيف أجعلك تفهم ما أصابني، ولكن حالتي العقلية مُعذَّبة لدرجة سَتُثير شفقتك واستخفافك في آن واحد.

أنا لم أعد أرغب في البقاء وحدي أثناء الليل بعد الآن. أَرغبُ في الشعور بوجود شخص ما بالقرب مني، يلمس جسدي، ويتحدَّثُ إليَّ؛ أيًّا كانت الكلمات التي سيتفوه بها. أتمنى لو أستطيع إيقاظ شخص يرقد بجواري لأُلقي عليه سؤالًا عفويًا، حتى وإن كان ساذجًا. أتمنى عندما أَحِسُّ أني على حافة الانهيار، أن أسمع صوتًا آدميًا وأن أشعر بوجود روحٍ حيَّة قريبة مني. أُريد شخصًا لا يزال عقله سليمًا. وبهذا فأينما نهضتُ على عجلةٍ وأضأتُ شمعة، رأيتُ وجهًا بشريًا بجانبي. لأني… لأني -أخجل من أن ينطق بها لساني- لأني أخاف من كوني وحيدًا.

آه، إنك لم تفهمني بعد.

أنا لا أخشى المَخاطر؛ فلو اقتحم أحد غُرفتي، سأقتله دون أن تهتز لي شعرة. لا أخشى الأشباح ولا أؤمن بوجود عالم خارق للطبيعة. لا أخاف الموتى لأني على يقين أن جميع الراحلين عن وجه هذه الأرض تتحلل أجسادهم وتتلاشى تمامًا بلا رجعة.

حسنًا، حسنًا، قد حان وقت الاعتراف:

أنا أخاف من نفسي؛ أخشى شعوري الرهيب بالخوف غير المبرر.

بإمكانك أن تسخر مني إن أردت. لكن ما أّمرُّ به مُزعج للغاية، وأنا غير قادر على تجاوزه. أنا أخاف الجُدران، الأثاث، والأشياء الجامدة المألوفة حولي التي بدأت -في نظري- تنبض بالحياة كالحيوانات. وفوق هذا، فأنا أخاف من أفكاري المروعة، من عقلي الذي صار على مشارف الرحيل، من ذهني الشارد بسبب ما حلَّ به من قلق غامض خفي.

في بادئ الأمر، أَشعرُ باضطراب غامض يضرِّبُ عقلي، فتعتريني رعشة باردة تسري في جسدي كُله. أنظرُ حولي، وبالطبع لا أرى شيئًا. أتمنى أن يكون هناك شيء ما، أيًّا كانت طبيعته، طالما أنه شيء ملموس. فأنا أخاف فقط لأني لا أستطيع أن أُدرِك سببًا لخوفي. إذا تحدثتُ، يُخيفُني صوتي. إذا سِرتُ، أخاف لأني لا أعلم ماذا يوجد خلف الباب، خلف الستائر، داخل الخزانة، أو أسفل السرير. وفي كل مرة أكون على يقين أنه لا يوجد شيء في أي مكان. أنظر فجأة للوراء خوفًا مما هو خلفي، مع أني أعرف أنه لا يوجد شيء هناك أبدًا.

صارت أعصابي مُثارة. أحِسُّ بخوفي وحِدَّته تزداد، فأنزوي في غُرفتي ثم أهرع إلى سريري لأختبئ داخل ثيابي، فأنكمش وأتكور بجسدي تحتها. أُغمِضُ عينيَّ في يأس، وأظل على هذا الوضع لوقت غير مُحدد. أتذكر أنه يجب عليَّ إطفاء الشمعة التي تركتُها مُضاءة على الطاولة الموجودة بجانب السرير، فلا أجرؤ حتى على القيام بهذا.

أليس مؤسِفًا حقًا أن يصل بك الأمر لهذا الحد؟

لم أشعر بأي من تلك الأعراض من قبل. كُنتُ أعود للبيت هادئًا هانئًا، أغدو وأروح في شقتي ولا يُعكِر صفو مزاجي شيء. لو كان أخبرني أحدهم أني سأُصابُ بداء الخوف السخيف وغير المتوقع هذا -حيث إنني لا أجد لحالتي وصفًا أنسب من كلمة داء- لكنتُ ضحكتُ في الحال. لم أكن أخشى أبدًا فتح الباب في الظلام. كُنتُ أذهب لسريري في هدوء دون الحاجة لإغلاقه، لم يكُن من عادتي أبدًا الاستيقاظ في منتصف الليل للتأكد من أن جميع الأبواب والنوافذ موصدة.

بدأتْ الحكاية على نحو غريب جدًا العام الماضي في مساء خريفي مُمطِر. بعدما رحل خادمي وترك الغُرفة، وعقب انتهائي من تناول العشاء، فكرتُ فيما سأفعله. ذَرعتُ الغرفة جيئةً وذهابًا لبعض الوقت. شَعرتُ بإرهاقٍ لا سبب له، لم يَكُن لدي قدرة على العمل، حتى إنني كنتُ خاويًا من أي شغف يدفعني للقراءة.

أَنزلتْ السماءُ مطرًا خفيفًا، كُنتُ حزينًا؛ وسقطتُ ضحية بلا سبب واضح في قبضة اليأس التي تُثير فينا رغبة البكاء أو التحدُّث لأي شخص لننفُضُ عنَّا أفكارنا الحزينة. شَعرتُ بالوحدة وتراءى لي أن غُرفتي يملأها الفراغ أكثر من ذي قبل. كُنتُ في غَمْرَةِ موجة جارفة ولا نهائية من العُزلة. ماذا كان عليَّ أن أفعل؟

قررتُ الجلوس، لكن ساقيّ أُصيبتْ بتشنج عصبي، فنهضتُ وعاودت السير في أنحاء الغُرفةِ من جديد. كُنتُ كالمُصاب بالحُمَّى تقريبًا؛ حيث كانت يداي ساخنتين كأنهما تشتعلان. ولقد قبضتُ عليهما ووضعتهما خلف ظهري مثلما يفعل المرء في الغالب أثناء سيره ببطء. وفجأة، جَرت رعشة باردة في ظهري، تخيلتُ أن الهواء الرطب بالخارج قد تسلل لغُرفي، فأضأتُ شمعةً للمرة الأولى في ذلك العام، ثم جَلستُ مرة أُخرى ونظرتُ إلى اللهب المُنبعثْ. ولكن سُرعان ما شعرتُ أنه ليس في مقدوري البقاء هادئًا، فوقفتُ وقررتُ الخروج. قررتُ أن أستجمع قوَّاي وأبحث عن صديق لأحتمي في صُحبته.

لم أنجح في العثورِ على أحد، فواصلتُ السير للشارع الرئيسي لعلَّني أُصادِف أحد المَعَارِف هُناك.

جَثَمَ الغَمُ على صدر جميع الأماكن، لَمَعَ الرصيف المُغطَّى بالماء بضوء المصابيح الغازية، تساقط المطر وبصحبته حرارة خانقة، فبدا وكأنه يحجُب ضوء المصابيح. واصلتُ السير ببطء ونَاجيتُ نفسي قائلًا:

لن أَفلح في إيجاد إنسان أتحدثُ إليه.

تَنقلتُ بين العديد من المقاهي؛ رَأيتُ كثيرًا من الوجوه التعيسة لأفراد يجلسون على الطاولات، ومن الواضح أن فتور ما أصابهم فلم يُصبِح في وسعهم استكمال تَنَاول وجباتهم.

سِرتُ هائمًا على وجهي لوقت طويل، وعند حلول منتصف الليل، مضيتُ في طريق المنزل. كُنتُ هادئًا ومُنهكًا بشدة. فتح لي حارس العقار الباب فور وصولي على غير عادته. اعتقدت أنه ربما يكون قد دخل بيتي للتو ساكن آخر. دائمًا ما أغلِقُ باب شقتي بالمفتاح مرتين في حال خروجي من المنزل، ولكن ما أدهشني أنني وجدته يومها مُغلقًا بلا مِفتاح. ومع هذا، فلقد افترضتُ أنه رُبما وصلتني بعض الخطابات في المساء.

دَخلتُ الشقة ووجدتُ أن نار المدفئة لا تزال مُشتعلة، مما أنار الشقة قليلًا. وحينما كنتُ ألتقطُ الشمعة، لاحظتُ شخصًا جالسًا على المقعد الخاص بي بجانب المدفئة، واضعًا قَدميه بالقُربِ من النار للتدفئة، بينما كان ظَهره في مواجهتي. لم أشعر بأي خوفٍ على الإطلاق. حَسبتُ أحد أصدقائي قد جاء لزيارتي. وبلا شك أن الحارس الذي أخبرته أنني سأترك المنزل قد أعطاه المِفتاح. ثم تَذكرتُ للحظة ما شهدته عند قدومي؛ باب المنزل الذي فُتِحَ في الحال وباب شقتي الذي كان مُغلقًا بلا مفتاح.

لم أر من جسد صديقي سوى رأسه، وعلى ما يبدو أن النوم غَلبه بينما هو جالس في انتظاري، فتقدمتُ نحوه بغرض إيقاظه. وقتها رأيته عن قُرب؛ كان يضع رجلًا على رجل وقد أرخى ذراعه اليمين لأسفل. مال برأسه إلى حد ما ناحية اليسار فظهر كالنائم.

تَساءلتُ قائلًا:

من يا تُرى هذا الرجل؟

لم أر شيئًا بوضوح لأن الغُرفة كانت شبه مُعتمة، فمَددتُ ذراعي ناحية كتفه، وإذا بيدي تَلمِسُ ظهر المقعد. لا يوجد أحد؛ كان المقعد فارغًا. وَثبتُ في فزع شديد. تراجعتُ خُطوات للوراء كأن هناك خطرًا هائلًا في طريقه للاقتراب مني، ثم استدرتُ من جديد وبَقيتُ مُتسمّرًا في مكاني. كُنتُ أَلهثُ من الخوف، مُضطربًا بشدة لدرجة لم تُمكنني من استجماع شتات أفكاري، ومُوشِكًا على فقدان الوعي.

ولكني رجل هادئ بطبعي، فسُرعان ما استعدت أنفاسي. قُلتُ في نفسي:

إنها مُجرد هلاوس، هذا كل ما في الأمر.

ثم شرعتُ بعدها فورًا في تَأمُل تلك الواقعة، لكن الأفكار تتبخرُ سريعًا في مثل هذه الأوقات. لقد أصابتني حالة هلوسة بصرية؛ هذه حقيقة لا يُمكِن إنكارها. كانت قُواي العقلية تعمل بكفاءة وبصورة منطقية؛ فلا دَخْلَ للعقل إذن في ما صار. كل ما في الأمر أن عينيَّ انخدعتْ مثلما تنخدع حواس العوام البسطاء من الناس لينتهي بهم الحال إلى التصديق في وقوع المُعجزات. ما حدث لم يتعد كونه انقباضًا عصبيًا في جهازي البصري؛ أو رُبما أُصيبت عيناي بالتهاب ما. عندما انحنيتُ اقترابًا من المدفئة لأضيء الشمعة، لاحظتُ أنّي أرتجف، وانتفض جسدي كأنما لمسني أحد من الخلف.

من المؤكد أنني لم أكُن هادئًا بأي حال من الأحوال.

تنقلتُ في أرجاء الغرفة لوقت قصير وأنا أُدندن إحدى الأُغنيات. أغلقتُ بعدها الباب بالمفتاح مرتين، وأطمئن قلبي؛ فالآن لن يقدر أحد على الدخول تحت أي ظرف. جلستُ من جديد وظللتُ أتفكر مليًا ولوقت طويل في تلك المُغامرة التي عايشتها. ثم آويتُ لفراشي وأطفأتُ الشمعة. مضت الأمور على ما يرام لبضع دقائق؛ استلقيتُ على ظهري في هدوء، لكن رغبة لا يُمكِن مقاومتها تملكت مني ودفعتني للنظر في أنحاء الغُرفة، ثم استدرت على جانبي.

انطفأت نار المدفئة تقريبًا وألقت الجمرات القليلة المُشتعلة ضوءًا باهتًا على الأرض بالقرب من المقعد، وهُناك توهمت أني رأيت الرجل جالسًا على المقعد مرة أُخرى. أشعلتُ عود ثقاب بسرعة، لكني كنت مُخطئًا؛ لم يكن هناك أحد. ومع ذلك، نهضتُ وخبئت المقعد خلف سريري. حاولت أن أغفو بعد أن عمَّ الظلام الغُرفة ولكن لم يَغمُض لي جفن لأكثر من خمس دقائق؛ إذ رأيتُ في منامي نفس المنظر وقد كان جليًا كأنه واقع.

استيقظتُ في فزع، أضأتُ الشمعة، ومكثتُ في فراشي وأنا لا أقوى حتى على الخلود إلى النوم من جديد. غلبني النوم مرتين للحظات معدودة، وقد تجسّد المشهد أمام عينيَّ مُجددًا حتى اعتقدتُ أنني على وشك الجنون. تماثلتُ للشفاء عندما أشرقتْ الشمس، ومِن ثَم نِمتُ مِلء جفوني حتى الظهيرة.

انتهى الأمر وانقضى. لقد كنتُ محمومًا، رأيتُ كابوسًا فقط لا غير. رُبما كُنت مريضًا، لا أعلم، في الحقيقة لقد أدركتُ كم كنت أحمق.

قضيتُ وقتًا ممتعًا للغاية في تلك الأُمسية. تناولتُ العشاء في أحد المطاعم، وذهبت بعدها لمشاهدة أحد العروض المسرحية، ثم مضيتُ قاصدًا المنزل. لكن شعورًا غريبًا من القلق تملَّكني من جديد حينما قاربتُ على الوصول للبيت؛ كُنتُ خائفًا من رؤيته مُجددًا. لم أكُن أخشاه هو أو أخشى وجوده الذي لا أُؤمن بحقيقته، لكني خشيتُ أن أُخدع من جديد. خشيتُ أن تصيبني هلوسة جديدة، أن يعتريني الخوف ويتملَّك مني.

تَسكعتُ فوق الدِوار بلا هدف لما يزيد على ساعة، وعندما استشعرتُ مدى حماقة ما أفعله، عُدتُ إلى المنزل. كانت أنفاسي تتلاحق سريعًا حتى إني صعدتُ السلم بصعوبة، بقيتُ واقفًا أمام الباب لأكثر من عشر دقائق، وفجأة تفجرت داخلي رغبة جريئة وتَصلبتْ إرادتي، فأدرتُ المفتاح ودلفت إلى الشقة حاملًا الشمعة في يدي.

دفعتُ باب غرفة النوم الموارب بقدمي ثم ألقيتُ نظرة يملأها الخوف ناحية المدفئة. لم يكُن هناك شيء. آه! يا له من شعور مُريح يُثلِجُ النفس! إنه الخلاص! تجولتُ في الغرفة بنشاط وشجاعة. لكن قلبي لم يطمئن بشكل كامل؛ كنت ما أزال أنظر خلفي وجسدي ينتفض، كانت الظلال الموجودة في زوايا الغرفة تُفقدني أعصابي. لم أنم جيدًا، إذ كانت هناك بعض الأصوات المُتخيَّلة تزعجني باستمرار، ولكني لم أره. فلقد انتهى كل شيء.

منذ ذلك الحين وأنا أخاف البقاء بمفردي آناء الليل. دائمًا ما أشعرُ أن ذلك الشبح موجود هناك، بالقُرب مني، ويحوم حولي، لكنه لم يظهر لي مرة أُخرى. وإذا افترضنا أنه فعلها وظهر، فما قيمة ظهوره ما دمتُ على يقين أن لا وجود له في الحقيقة وأن مثله مثل السراب؟ ومع هذا، فهو لا يزال يُثير قلقي لأنني أُفكِر فيه دون توقف. كانت ذراعه تتدلى لأسفل ورأسه مائل جهة اليسار كالنائم… لا أُريد أن أُفكِر في الموضوع! ولكن لماذا تلح عليَّ تلك الفكرة باستمرار؟ كانت قدماه قريبة من المدفئة! إنه يُطارد عقلي؛ هذا أمر سخيف للغاية. ولكن من هو ذلك الشخص؟ أعلمُ أنه لا وجود له إلا في خيالاتي الوجلة، في مخاوفي، وفي آلامي. هُنالك كان …. كفى!

حسنًا، ولكني كُلما حاولتُ جاهدًا أن أستعين بالعقل وأُحافِظ على ثباتي الانفعالي، أجدُ أني غير قادر على البقاء في المنزل لأنني أعرف أنه موجود هناك. أعلمُ أنني لن أراه مُجددًا؛ فهو لن يظهر لي مرة أخرى، لقد انتهى الأمر برمته. ولكنه لا يزال حاضرًا في خاطري؛ حتى وإن كان غير مرئي، فهذا لا ينفي أنه موجود هناك. هو موجود خلف الأبواب، داخل الخزانة المُغلقة، وأسفل السرير؛ إنه قابع في كل زاوية مُظلمة. إذا قمتُ بفتح الباب أو الخزانة، إذا تناولتُ الشمعة ونظرتُ أسفل السرير وفي الأماكن المُظلمة، لن أجد له أثرًا. ولكني أشعر به خلفي. أستدير وأنظر ورائي وأنا على ثقة أنني لن أراه، لن أراه مرة أخرى؛ وبرغم ذلك، فهو لا يزال موجودًا خلفي.

إنه لأمر سخيف مُروع، ولكن ماذا عساي أن أفعل؟ ما باليد حيلة. ومع ذلك، فأنا كُلي يقين أنه سيرحل عني إذا حدث وتقاسم معي أحد المكان. فهو موجود لأنني أعيش وحدي، فقط لأنني وحدي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.