«مارجريت ريتشارد»، الأم الروحية لكل من تعلم أو درس المنتسوري في مصر، من أشهر أساتذة المنتسوري حول العالم وأحد الزعماء البارزين في مؤسسة MEPI المؤسسة الأمريكية المعنية باعتماد أساتذة المنتسوري الدوليين حول العام، درست المنتسوري على يد تلميذة «ماريا منتسوري» د.«هيلين»، وهذا يجعلها من المتعلمين على يد الجيل الأول للمنتسوري، هؤلاء الذين تعلموا على يد «ماريا منتسوري» نفسها! عندما تذهب لزياراتها ستتأكد من صحة المثل الشعبي «الشباب شباب الروح».

مارجرت ذات الـ88 عامًا تملأ المكان بالبهجة والمرح بابتسامتها اللطيفة وكلماتها الودوة البسيطة التي غالبا ما تحمل حسها الفكاهي وتحدثك دائمًا عن نشأتها قديمًا واعتزازها بأصولها الأيرلندية العريقة، تغني وترقص وتلعب مع الأطفال والكبار، تحمل روح الطفلة بداخلها وحتى يومنا هذا، فإن هذه القامة العلمية تذهب باكرًا للحضانة لتقوم قبل جميع العاملين بتجهيز الفصل لأطفالها بنفسها، وفي آخر اليوم تُجمّع الأشياء وتغلق الرفوف بنفسها أيضًا. تعتز بما تمتلك من الأنشطة وتخبرك عن عمر كل نشاط لديها، ستنبهر حين تعرف أن بعض الأدوات عمرها أكبر من عمر والدك نفسه، ولا نعرف كيفية حفاظها عليها كل هذه المدة على الرغم من تعايش الأطفال معها بشكل يومي.

في عام 1981 رَشحت مارجرت لمهمة رسمية في مصر فوقعت في غرام أطفالها، ثم بعد عودتها لبلادها قررت العيش في مصر واتخذت الإجراءات اللازمة للإقامة بها، افتتحت مدرستها الخاصة بالمنتسوري منذ عشرين عامًا، تقوم مساءً باعتماد الأساتذة الدوليين، وصباحًا تلعب بنفسها مع الأطفال.

استضافت كلية التربية جامعة عين شمس هذه الشخصية العظيمة لتحدثهم عن المنتسوري،على أمل نشر هذه الفلسفة المؤسسة العظيمة.. وكان هذا أهم ما أتى في حديثها:

في المنتسوري الطفل هو محور العملية التعليمية، لأن رجل المستقبل هذا يكوّن صورته الأولى عن نفسه أثناء سنوات عمره الأولى، تلك الصورة التي ستبقى معه كثيرًا.. لذا كل ما حول الطفل يؤثر في هذه الصورة، لذا وضعه في بيئة مساعدة سيكون له بالغ الأثر الإيجابي؛ لذلك تعمل فلسفة المنتسوري من البداية على تنمية مهارات الأطفال بشكل فردي، فكل طفل حالة فريدة يجب تنميتها على حدة، حقيقة تكفي مرة واحدة فقط تتعرف فيها على المنتسوري وستكره كل المناهج العقيمة والطرق التقليدية في التعامل مع الأطفال.

المنتسوري.. كيف يُنمي مهارات الأطفال؟

«قل لي وسوف أنسى، أرني وقد أتذكر. أشركني وسوف أفهم»، لكي نجيد شيئًا علينا التعرف عليه، ثم فهمه، ثم ممارسته، كذلك الطفل يحتاج لنفس الخطوات ليتقن أي مهارة جديدة، والمهارات التي يمارسها الطفل في بداية حياته هي المهارات التي تظل معه مدى حياته.

عندما نضع ذلك في أذهاننا سنعرف الأهمية الفائقة لتلك المراحل في تطوير الطفل، فنحن لا نختلف كثيرًا عنهم، نحن تعلمنا الكثير والكثير في حياتنا، لكن ما بقي معنا هو ما مارسناه فقط.

تخبرنا «ميس مارجريت» أن بداخل كل طفل موجه داخلي يساعده على التعلم حوله، وعلينا فقط تجهيز البيئة المحيطة به لنساعده على تحرير طاقاته الكامنة حتى نساعده على عملية التعلم، وكل الأطفال على مستوى العالم يمرون بنفس مراحل النمو، لكن بالتأكيد لدى كل طفل المرونة الخاصة التي تساعده على التعلم بشكل مختلف، فجميعهم يلعبون المبارة نفسها، لكن لكل فرد فيهم مركز غير الآخر، وعلينا استيعاب هذا جيدًا، فالطفل يأتي للعالم بشخصيته وقدراته الخاصة، لذلك لكل طفل طريقته الخاصة. وتؤكد «مارجريت» على عدم إجبار الطفل على تعلم شيء يرفضه، فربما ليس ذلك التوقيت المناسب فلابد أن يحب ما يتعلمه ويتقبله، فما يُعلم بالحب لا يٌنسى أبدا.


الفترة الحساسة

تشبه «ميس مارجريت» الطفل بالتربة، فنحن نقدم للتربة ما هو صالح لها على حسب احتياجاتها، ونضع البذور المناسبة على حسب فصول السنة، فعند وضع بذور في التربة والتوقيت غير مناسب ستؤدي لتعفن المحصول وستضر بالتربة، فأنت تعطي الطفل البذرة المناسبة في التوقيت المناسب على حسب (الفترات الحساسة) التي يمر بها والتي ستتعرف عليها من خلال ملاحظتك لأفعاله وميوله وقدراته، فالطفل يتعلم ما هو مناسب لقدراته وتوقيته وإذا لم تقدم له المهارات الخاصة في كل (فترة حساسة)، فستمر دون الاستفادة منها وعند تقديمها فيما بعد، سيصعب تعلمها لأن فترتها الحساسة قد انتهت. فالفترات الحساسة مثل فصول السنة لكل فصل المحصول الخاص به.

فنحن نعلم الطفل مجموعة من المهارات، هذه المهارات تتصل سوية فيما بينها ويتم البناء عليها في ميكانزم دقيق ناتجه تطور نمو الطفل، لو حدث عائق ما لنمو مهارة بعينها، لواجه الطفل مشكلة في تطوره كُله.


طرق التعامل مع الفترات الحساسة/الحرجة

مراحل نمو الطفل هي فترات حساسة في حياته، معرفتها تساعدنا على التعرف على الطفل وتساعدنا في فهمه وما يحتاج إليه في كل فترة نمو، ولكي نستطيع مساعدتهم على نمو جيد علينا:

أولا: مساعدتهم على النمو على حسب سرعتهم الخاصة واحتياجاتهم، ويخبرنا الأطفال عن طريق ملاحظة أفعالهم وميولهم عن المرحلة القادمة التي يحتاجون إلى تنميتها. فينمو الأطفال بطريقة صحية ومتوازنة.

ثانيا: محاولة قراءة مشاعرهم ومراعاتها، فذلك سيساعدنا على تقبلها ومعرفة كيفية التعامل معها.

اللغة

تحدثت «مارجريت» عن الفترة الحساسة في السنوات الأولى وهي الفترة الخاصة باللغة، في السنوات الخمس الأولى حيث نشاهد الطفل يتعلم في الخمس سنين الأولى لغته الخاصة ويتعلمها بسهولة ويتحدث بها بطلاقة، فعقله يمتص في هذه الفترة اللغات بسهولة ويستطيع تعلم أي لغة أخرى بسهولة. فأنت نفسك عندما تتعلم لغة جديدة حاليا ستواجه صعوبة في تعلمها ومهما تعلمت لن تصل لمرحلة إتقان اللغة مثل متحدث اللغة الأصلي، فعليك استغلال تلك الفترة الحساسة لدى الطفل وتعلمه العديد من اللغات في تلك الفترة.

توقيتات الفترات الحساسة

  1. الفترة الحساسة للنظام: 18 شهرا – 2,5 وتبدأ من الميلاد أيضا وتمتد إلى خمس سنوات، فكلما كانت البيئة منظمة حول الطفل ساعده ذلك على تعلم النظام.
  2. الفترة الحساسة للغة: من الشهر السابع من الحمل- 6 سنوات. حيث تشمل هذه الفترة الكلام والكتابة والقراءة.
  3. الفترة الحساسة للأشياء الصغيرة والتفاصيل: 1-3 سنوات.
  4. الفترة الحساسة للتصنيف: 2,5 – 6 سنوات.
  5. الفترة الحساسة للحركة: 0- 4,5 سنة.
  6. الفترة الحساسة للأرقام: 4- 5,5 سنة.
  7. الفترة الحساسة الخاصة بالقيم والأخلاقيات: 2-6 سنوات.

بعد ذلك قام بعض الحاضرين بإلقاء بعض الأسئلة عليها وأجابت فكان هذا جزءا من الأسئلة والأجوبة:

هل هناك تعزيز/ مدح في المنتسوري؟

  • تستخدم الموجهة التعزيز الطبيعي، إذا انتهى الطفل من عمله يمكن أن تُعززه بتشجيع لفظي. لا تبالغ في التعزيز، حتى لا يفعل الطفل الأنشطة لكي يحصل على تعزيز فهو يعمل من أجل أنه يريد ذلك.

ما أهمية استخدام الصينية أو السجادة في تقديم الأنشطة؟

دائما في المنتسوري نستخدم صنية نضع عليها النشاط أو سجادة، حيث تكمن أهميتها في وضع حدود للطفل فإذا خرج أحد مكونات النشاط خارج الصينية يُرجع الطفل ما خرج لمكانه داخل الصينية مرة أخرى، فتساعد الطفل على تحديد مساحته الخاصة للعمل وتساعده على التصويب الذاتي أو كما يٌعرف في المنتسوري بالتحكم في الخطأ، فالتحكم في الخطأ يساعد الطفل على تصحيح خطئه بنفسه دون تدخل أحد إلا إذا طلب المساعدة ولم يستطع تصحيح خطئه بنفسه.

كيف نقدم الأنشطة للطفل.. ولماذا لا نتحدث أثناء ذلك؟

  • عند تقديم النشاط للطفل، يعرض الموجه النشاط أولا على الطفل، يضعه عالطاولة ثم يجلس على يمين الطفل ويبدأ في عرض النشاط، أما إذا كان الطفل أيسر فيجلس على يسار الطفل ويقدم النشاط بيده اليسرى، وإذا كان من الصعب عليه استخدامها، فيمكنه وضع يده اليمنى أسفل الطاولة، تصل دقة المنتسوري إلى هذا الحد..
  • قبل بدء العرض تخبر الطفل باسم النشاط فقط ثم تبدأ في عرضه على الطفل بصمت كامل؛ لأنها إذا تحدثت سيركز الطفل على حركات الفم وعلى اللغة وليس حركات اليد.
  • بعد تقديم الموجهة النشاط للطفل، تضعه مرة أخرى مكانه على الرف، ثم يكون دور الطفل إذا أراد ممارسته وتتركه بمفرده يمارس النشاط ولا تتدخل إلا عند الضرورة أو إذا طلب مساعدتها.
  • الطفل كثير الحركة قليل التركيز، اجلس بجانبه وذكره بالخطوات بطريقة لطيفة وعندما يخطئ فقط ذكره مرة أخرى بالخطوة التالية.

كيف أتصرف عندما يرمي الطفل النشاط؟

إذا رمى الطفل النشاط وبدأ في تخريبه، تأخذ النشاط بعيدا عن الطفل بكل هدوء وثبات انفعالي، وأقول له عندما تكون مستعدا تستطيع أخذه، نتجنب الدخول في جدال مع الطفل ونعامله بهدوء، فنحن لا نريد أن نعلمه الشجار والجدال.

في فصل المنتسوري نشاط واحد من كل نوع نشاط، ماذا لو أراد طفل ممارسة النشاط بدلا من زميل له؟

نطلب من الطفل أن ينتظر زميله حتى ينتهي من النشاط ويعيده مكانه، ثم بعد ذلك يستطيع استعماله.

وانتهت المحاضرة واستضافة كلية تربية جامعة عين شمس لرأس المنتسوري الأول في مصر «مارجريت ريتشارد»، على أمل نشر هذه الفلسفة، وقال لنا المنظمون إن هناك محاولات مع MEPI الكيان الأم للسماح لكلية تربية جامعة عين شمس بتدريس واعتماد المنتسوري، وهذا سيكون له أثر كبير في نشر التربية الصحيحة للأطفال في مصر.

اقرأ أيضًا:المنتسوري في مصر بين الحقيقة والبيزنس

المراجع
  1. MEPI